عدد رقم 3 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
العبودية الاختيارية  

- «لأني غير مُستعد أن أكون عبدًا فإني أرفض أن أكون سيدًا أيضًا» 
قالها الرئيس الأمريكي "أبراهام لنكولن" المشهور بمُحرِّر العبيد عندما أعلن تحرير العبيد في أمريكا بتاريخ 2 يناير 1863م.  وقد دفع الشعب الأمريكي ثمنًا باهظًا لهذا الإعلان حيث اندلعت حرب أهلية مابين الشمال والجنوب تركت آلاف القتلى من الطرفين وقُتل لنكولن نفسه في عام 1865م، وبعده جاء الزعيم الزنجي "مارتن لوثر كينج" الذي قال أيضًا: 

- ”إنني أحلم بيوم يعيش فيه أطفالي وسط شعب لا يكون فيه الحُكم على الناس بألوانهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم“.
وفي أول ديسمبر عام 1955م رفضت إحدى السيدات، تُدعى "روزا باركس"، وهي من السود، أن تخلي مقعدها لأحد الركاب البيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس، وبدأت مواجهات شديدة لتحرير السود من التفرقة العنصرية.  وفي 30 يناير 1965م حينما كان "مارتن لوثر كينج" يخطب في اجتماع عام، ألقيت قنبلة على الجزء الأمامي من منزله، ورغم أنه نجا منها، لكنه اُغتيل ببندقية أحد المتعصبين، ويدعى "جيمس أرل راي" في 4 أبريل 1968م.

كانت تجارة العبيد زائعة الصيت في العالم وفي أمريكا بشكل خاص في تلك الحقبة الزمنية.  وفي أحد الأيام رست سفينة كبيرة في مرفإ مدينة "نيويورك"، وكانت كل بضاعتها من العبيد الذين تم اختطافهم أو اصطيادهم من أفريقيا، ثم تعريتهم ودهن أجسادهم ببعض الألوان لتمييزهم، ثم إعطائهم أرقامًا وصكوكًا وعقودًا ليُباعوا بموجبها، وبجوار كل صك رقم العبد أو الأَمَة، ومعه مفاتيح السلاسل الكبيرة التي كانت تُكَبِّل أيدي وأقدام هؤلاء العبيد.
كان هناك الكثير من الناس بانتظار السفينة ليشتروا ما طاب لهم من العبيد والإماء في المزاد العلني الذي يعقد في مدينة "نيويورك" ليستعبدوهم في بيوتهم ومزارعهم ويستغلونهم بكل الطرق التي يندى لها جبين الإنسانية.  كان العبيد الجدد يمشون منكسي الرؤوس، ببطء تحت ثقل الذل والخوف والسلاسل.

بدأ المزاد وكانت الأصوات تعلو وتخبو إلى أن ساد المزاد صمت رهيب عندما قدَّم التجار فتاة غاية في الجمال، وحسنة المنظر جدًا وهي في ريعان شبابها، وتبدو على محياها علامات تنم على أنها تنتمي إلى عائلة شريفة، وربما تكون قد خُطفت من أهلها عنوة! ويمكن أن تكون بنت أحد الملوك أو الأمراء أو على الأقل النبلاء!

وقفت الفتاة منكسة الرأس وبينما التهمها الجميع بنظرات الجشع وشهوة الامتلاك، قال منادي المزاد: 
- ”هذه هي جوهرة البضاعة .. إنها أجمل امرأة عرفها مزاد "نيويورك" منذ سنين طويلة.  من هو سعيد الحظ الذي سيمتلكها؟“
 
تعالت الأصوات وكثرت المزايدات على هذه الشابة، وفي وسط الجمع وقف رجل وقور بهدوء، وكان دائمًا يزايد بسعر أعلى مما يقوله الآخرون.  ارتفع ثمن الفتاة ولكن الرجل ظل يزايد بأكثر إلى أن صمت الجميع، فدفع الثمن، وكتب مسؤول المزاد صك ملكيته للفتاة، وسلمه لذلك الرجل الوقور، وسلمه أيضًا الفتاة مُكبَّلة اليدين والرجلين ومنحنية الرأس.  وبعدما تحركوا من المزاد, رفعت الشابة عينيها ونظرت لسيدها وقالت: 
- ”أنا الآن ملك لك.  لقد اشتريتني، وبإمكانك أن تفعل بي وبجسدي ما تشاء، أما قلبي فلن تستطيع امتلاكه مهما دفعت“.
 
لم يتأخر الرجل كثيرًا، ولكنه خلع عباءته وأعطاها للفتاة وسترها بعد أن فك قيودها، ثم مزق الصك والعقد أمام عينيها وقال لها بصوت أبوي حنون:

- ”أنت الآن حرة أيتها الفتاة المسكينة، لن يستعبدك إنسان بعد اليوم, أنا لا أستعبد أحدًا فأنا ضد تجارة الرقيق وأقاومها بكل ما أملك، لذلك اشتريتك لأحررك لا لأستعبدك، وبوسعك الآن أن تمضي حرة مجانًا“

كانت الفتاة تنظر في ذهول وهي لا تصدق ما تراه وتسمعه! انحنت وأمسكت بقدمي الرجل وهي تغمرهما بالدموع قائلة
- ”سيدي، أنا لم أرَ نظيرك في النبل والأخلاق، ويشرفني أن أنتسب إليك، أرجوك أن تقبل عبوديتي الاختيارية لك.  إني أريد أن أخدمك طوال عمري.  أرجوك اقبل ودعني أخدمك ولا تتركني هنا وحدي مع الذئاب البشرية من حولي.  أرجوك أن تقبل خدمتي الاختيارية بكل محبة.  أريد أن أبقى معك ولا أفارقك مدى الحياة يا أرق وأنبل إنسان قابلته في حياتي“.

عزيزي القارئ .. عزيزتي القارئة، إن هذا الرجل والرئيس "لينكولن" و"مارتن لوثر كينج"، جميعهم دعوا لتحرير العبيد، لكن الرب يسوع وحده الذي لكي يحررنا تكلف كلفة رهيبة ودفع ثمنًا باهظًا إذ أخذ صورة عبد, «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لله. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب» (في 6:2 - 8).  وانظر الرمز أيضًا في شريعة العبد العبراني (خر1:21 -7). 

لقد خلقنا ونحن ننتسب إليه لأننا ذريته، واشترانا بدمه الزكي يوم مات لأجلنا على الصليب, وفي السماء سنرنم له تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ ... لأَنَّكَ ذُبِحْتَ واشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤ9:4)، بل وأيضًا قد فدانا بدمه, عندما آمنا به وارتبطنا بشخصه، فتحررنا من عبودية إبليس وسطوة العالم والخطية، كما يقول الكتاب: «عالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ» (1بط 18:1). 

فنحن ملكه ثلاث مرات: مرة بالخليقة ومرة ثانية بالشراء ومرة ثالثة بالفداء, ولكنه رغم ملكيته الأكيدة لنا لا يريد أن يستعبدنا, حاشا! بل يحررنا من الشيطان والخطية, فقد جاء لينادي للمأسورين بالعتق وللمسبيين بالإطلاق، ويرسل المنسحقين في الحرية.  أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَﭐلْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ أَمَّا الاِبْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يو 34:8 -36).  اسمعه يقول لي ولك: «لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي» (يو 15:15).  ولكننا اختياريًا نفتخر أن نكون عبيدًا له كما قال الرسول بولس: «بولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رو1:1).  فهل نظير هذة الفتاة التي شعرت برغبة في خدمة محررها، تعطيه حياتك معي في عبودية اختيارية؟ فنقدم ذواتنا له وأعضاءنا آلات بر لمجده.

سلمتك سيدي            نفسي والكيان  
  لك روحي جس        لك طول الزما  
فكري كذا والقلب      احفظهما لك  
      لمجد اسمك،            افعل بي  
                                                                                                                                                              ، أنا لك                    
    
                                                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com