عدد رقم 2 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الإنسان الروحي  

الكتب التي تتكلَّم عن المؤمن الروحي في المكتبة العربية قليلة، لكن من أكثر الكتب التي سبقتها دعاية كبيرة، ولاقت رواجًا كبيرًا، وأيضًا جدلاً كثيرًا، كتاب ”الإنسان الروحي“ لرجل الله الفاضل ”واتشمان ني“.  وهو كتاب يعالج واحدة من المشاكل الأكثر شيوعًا في الممارسات الروحية، وهي اختلاط الممارسات الروحية بالممارسات النفسية وصعوبة التمييز بينهم.  فكثير من الممارسات التي تسمَّى روحية لا تعدو كونها تفاعلات ودوافع نفسية تشبع نفسية الذي يمارسها، لكنها لا تبنيه ولا تُقرِّبه للمسيح أكثر.  ولقد كان القصد من هذا الكتاب هو توعية القارئ للتمييز بين مكونات الإنسان - روح ونفس وجسد - ووظائف كل منها لمحاولة علاج هذه المشكلة.

إلا أنه لوحظ أن كثيرين مِمَنْ قرأوا هذه الكتب (وهي عشرة أجزاء في المكتبة العربية) قد أصابهم الحيرة والارتباك والشكوك أكثر من بعث السلام والضمان، وبدلاً من أن يخرجوا خارج نطاق ذواتهم انشغلوا أكثر بما فيهم وتحوَّلُوا عن المسيح.  وأعتقد أن هذا ما جعل الكاتب نفسه يطلب أن لا يُعاد طبع هذا الكتاب لأنه لم يحقق الهدف من كتابته.

لكن لماذا حدث هذا؟

هذا ما أرجو - بمعونة الرب - أن أُجيب عن شيء منه في هذه الصفحات القليلة.  وليس القصد هو استعراض الأجزاء العشرة ونقدها، فهذا مستحيل في مقالة بحجم هذه.  لكن مجرد ملاحظات عامة عن الموضوع وعن وظائف أجزاء الإنسان المختلفة وأهميتها، كما تُعلِّمها كلمة الله بالمقابلة مع ما جاء في كتاب الإنسان الروحي.

ملاحظات عامة عن الموضوع:

مَنْ يقرأ كتاب الإنسان الروحي فالانطباع الأساسي الذي يخرج به هو أن في تركيب الإنسان جزء هام وبركة بالنسبة له ينبغي أن يستخدمه ويخضع له وهي الروح، ولكن هناك أجزاء أخرى عائق لحياته الروحية ينبغي أن يحاربها ويبغضها وهي النفس والجسد.

ومع تسليمنا أن كلمة الله تعلِّمنا أن أرقى جزء في تركيب الإنسان هو الروح الإنسانية، وهي التي ينبغي أن يكون لها دور الريادة في حياة المؤمن، لأنها الجزء الذي تتلامس فيه النفس مع الله (1كو 6: 17) وهو ما أكَّد عليه الكاتب.  لكننا نجد في كلمة الله الآتي:

  • الإمكانيات الإنسانية النفسية في حد ذاتها: العواطف، أو الذهن، أو الإرادة (كما أشار الكاتب بالتفصيل ونسبها إلى النفس)، هي الإمكانيات التي وضعها الله في الإنسان ليستخدمها، وكلها بركة كبيرة وعطايا رائعة من الله للإنسان.  والاستخدام الصحيح لها يساعد المؤمن في حياته الروحية ليكون أكثر روحانية.  هي جزء من التشكيل الإلهي لإناء المؤمن.  «نحن عمله» (أف 2: 10) تشمل كل الكيان الإنساني والإمكانيات الروحية للمؤمن.
  • نعم هذه الإمكانيات النفسية بمفردها لا يمكن أن تقود إلى معرفة الله (حتى لو عملت مع الروح الإنسانية في الإنسان)، لأن «الإنسان الطبيعي (روح ونفس وجسد ساكنة فيه الخطية) لا يقبل ما لروح الله» (1كو2: 14).  لكن هي الوسائل التي من خلالها يخرج الإدراك الروحي (عندما يعمل الله في المؤمن) إلى حيز المعرفة والفهم والإحساس، ويكون في متناول الشخص.  فكيف يكون في متناول الشخص إدراك ما لم يصل إلى حواس المعرفة فيه؛ فالفهم والتأثر العاطفي واتخاذ القرارات أشياء لا بد أن تكون مصاحبة للعمل الروحي الحقيقي في كل مؤمن حسب شخصيته، لكن بدونها ما فائدة وما طعم العمل الروحي الحقيقي؟
  • لكل مؤمن نقاط ضعفه الإنسانية، قد تكون في كثرة استخدامه لذهنه، أو كثرة تأثّره عاطفيًا، أو لكثرة تردده في اتخاذ القرار، أو العكس.  وهي مداخل يحاول الجسد الدخول فيها لاستخدامها.  فليكن كل فريق حذر في هذه النقاط، وليس مطلوب إماتتها، فالمؤمنين «بالروح تميتون (ليس وظائف النفس بل) أعمال الجسد» (رو 8: 13).
  • الكتاب يطالبنا باستخدام كل ما منحه الله لنا إنسانيًا: أن نفهم، أن نُعلَم، أن نُميِّز، أن نفرح، أن نحزن، أن نغضب، أن نكون صاحين، أن نريد؛ وهذه يمارسها المؤمن بروحه وبنفسه أيضًا.  وهي أشياء هامة للإنسان الروحي وتعمل بتلقائية، المهم أنها تعمل تحت قيادة الروح القدس.  بينما كثرة التحليل وفصل هذه الأمور عن بعضها يشعرنا أنها خطية ينبغي أن نحذر منها.  والذي يضمن أن هذه الأشياء تعمل بطريقة روحية، وليست مجرد نفسية جسدية، ليس كثرة المشغولية بها وتحليلها مع كل موقف ومع كل تصرف، فهذا سيؤدي إلى مزيد من الحيرة والارتباك، وأيضًا مزيد من نشاط الذهن والعواطف؛ لكن تثبيت العين على المسيح ببساطة سيعطي مجالاً للروح القدس ليستحضر أمور الله وأفكاره للكيان الجديد، ويستخدم هذه الإمكانيات الإنسانية لتعضيد إرادة الله في الحياة.
  • مستحيل فصل نشاط الروح الإنسانية عن نشاط النفس التي تُعبِّر عن شخصية المؤمن، كما يطالب الكاتب، لأنه ماذا ستستخدم الروح عندئذ.  فهذا الكيان الإنساني كله (روح ونفس وجسد) إما يستخدمه الروح عاملاً في الكيان «ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم» (1تس5: 23)، أو يستخدمه الجسد الفاسد كله أيضًا (روح ونفس وجسد)،  لذلك يطالب المؤمنين أن يطهِّروا ذواتهم من دنس الجسد والروح (2كو 7: 1)، سواء في شكل خطايا واضحة أو حتى بشكل ممارسات وأنشطة روحية.  والاختبارات التي تسمَّى اختبارات نفسية فقط تُعبِّر عن نشاط إنساني هي في حقيقتها جسدية أو الدافع وراءها هو الجسد.
  • كيف يمكن فهم التعليم بدون الذهن، وكيف يمكن الاستمتاع به وبالترانيم والأغاني الروحية بدون العواطف، فالعمل الإلهي يستخدم أقصى ما عند المؤمن من ذهن «منطقوا أحقاء ذهنكم صاحين» (1بط 1: 13).  وأسمى ما عنده من عواطف «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك» (مر 12: 30).

العمل الإلهي
يستخدم أقصى ما عند المؤمن من ذهن وأسمى ما عنده
من عواطف

  • وبالتالي فكل ما ينشئه الروح القدس في كيان المؤمن، وإن كان يبدو من القلب، لكن لا بد أن يتخلل كل الكيان الإنساني الجديد الذي يتجاوب مع هذا العمل.  وإذا اقتصر العمل داخل الروح فقط فما الفائدة التي سيجنيها المؤمن أو الآخرين من وراء هذا، إن لم يخرج على هيئة معانٍ في الذهن وتفاعلات في الكيان للإحساس بها.  الأمر الذي نبَّه الرسول بولس له مؤمني كورنثوس عندما أساءوا استخدام الألسنة وقتها بحجة أن أهم شيء هو الإدراك في الروح قائلاً: «فما هو إذًا؟  أصلِّي بالروح، وأصلِّي بالذهن أيضًا، وأُرتِّل بالروح وأُرتِّل بالذهن أيضًا» (1كو 14: 15).
  • المؤمنون في الكتاب ينقسمون إلى روحيين وجسديين (1كو2: 15؛ 3: 1) وليس هناك فئة ثالثة هم المؤمنون النفسانيون (وإذا وجدت مجموعة تركز في أنشطتها على الأمور النفسية فهم مؤمنون جسديون).  أما الـ«نفسانيون لا روح لهم» (يه 19) فهم غير مؤمنين مستهزئين سالكين بحسب شهوات فجورهم (يه 18).

حياة النفس وقوة النفس

يفترض الكاتب في الجزء الثالث من كتابه أن هناك حياة تسمَّى ”حياة النفس المستقلة“ تختلف عن الحياة الروحية، والحياة الجسدية، وأن هذه الحياة لها قوَّتها المستقلة مختلفة عن قوة الجسد.  وبالتالي يفترض أن هناك مؤمنين قد تغلَّبوا على الخطية تمامًا، وحققوا نُصرة عليها، لكنهم يعيشون هذه الحياة النفسية، وأن فيهم قُوَّتان: قوة الروح الإنسانية، وقوة النفس.

ولكثرة ما رآه الكاتب، وما نراه جمعيًا في الأوساط الروحية من أشخاص يعيشون معنا وبيننا لهم صفات أخلاقية حميدة، ولهم أنشطة روحية مكثفة، لكنك لا تلمس فيهم الأشواق الروحية التي تعبِّر عن نشاط الروح القدس فيهم، لكثرة هؤلاء ولوضوح أنشطتهم؛ افترض الكاتب ذلك.  لكن ماذا يقول الكتاب؟

حياة النفس أو الحياة النفسية هي التي يستخدم فيها الشخص كل إمكانياته النفسية لتؤدي وظائفها لخدمة ذاته وتحقيقها «يعيش لذاته» (رو14: 7).  وهي إما تكون:

1- في شخص غير مؤمن: ويعيش في أوساط المؤمنين، ويمارس أنشطته في وسطهم ويحقق ذاته، ولها أشكالها المختلفة حسب تركيب الشخص مثل:

  • شخص عاطفي: يفرح بالأمور الروحية سريعًا ويتفاعل معها، ويظهر نشاطه بوضوح بكيفية ظاهرة (مت 13: 5، 20).
  • شخص يحب النشاط والأمور الخارقة للطبيعة والمدهشة وأن يلتف الآخرين حوله مثل سيمون الذي رافق فيلبس في السامرة (أع 8).
  • شخص عقلاني: يستخدم عقله في أنشطة روحية وأمور الله (يع 2).
    وأشكال أخرى كثيرة.  وكلها حياة نفسية بنسبة 100%، والقوة التي تستخدمها هذه الحياة هي قوة الجسد البغيض الذي يحرك الشخص، وبالتالي فهي خطية.

2- شخص مؤمن حقيقي: ولكن إدراكه لنفسه ضعيف، وشركته مع الله ضعيفة، علاقته بالمكتوب سطحية.  في هذه الحالة مستحيل أن يحيا حياة نفسية بنسبة 100%، لكن دوافعه سبيكة من عمل إلهي حقيقي (لأنه مؤمن)، مخلوط بدوافع الجسد الخبيثة التي تقود حياته بنسبة كبيرة وهي التي تحرك ميوله الإنسانية ليعيش حياة نفسية بنسبة معينة حسب عمق شركته مع الله.  وهذا الجزء الجسدي النفسي فيه هو خطية حتى لو لم يكن له شكل الخطية.

  • وبالتالي لا يوجد ما يسمَّى مؤمن قد تغلَّب على الخطية وانتصر عليها تمامًا ويحيا حياة نفسية؛ لأن هذه الحياة النفسية في حد ذاتها هي خطية.  كما أن أنشطة النفس ليس لها قوة في ذاتها، فإما يحرِّكها الروح القدس، وإما يستخدمها الجسد، أو سبيكة من العمل الإلهي والجسد معًا.
  • وإذا قاد الروح القدس روح المؤمن لا بد أن يقود نفسه أيضًا، وتكون قوة الروح القدس هي العاملة في كل كيان المؤمن.  لكن لا يوجد ما يسمَّى ”قوة النفس المستقلة“.  وأي قوة أخرى غير الروح القدس تقود حياة المؤمن فهي قوة الجسد في شكل أمور نفسية أو روحية.  والمؤمن الروحي هو الذي ينقاد بالروح القدس في حياته، وليس الذي تقوده الروح الإنسانية.
  • وبالتالي لا يمكن القول إن هناك خطورة على المؤمن الذي يحيا حياة نفسية فقط أن يعود إلى نطاق الجسد (كما يذكر الكاتب) لأنه لم يخرج خارج هذا النطاق أصلاً.  فكل ما يمارسه مصدره الجسد، ويستمتع به الجسد.  فهو ذهنيًا مثلاً يستخدم الحكمة النفسانية الشيطانية.
  • أشار الكاتب إلى ما جاء في متى 10: 38، 39؛ 16: 24، 25؛ لوقا 17: 32، 33؛ يوحنا 20: 24، 25؛ كلها فصول تحذِّر الشخص من أنه يحيا لذاته، ويدلِّل نفسه، نوعية حياته تتمحور حول إرضاء نفسه ورغباته، لا يريد أن ينكر نفسه، أو يبغضها أو يهلكها من أجل الرب.  وهنا لا يتكلَّم عن وظائف النفس (يفهم، ويشعر، ويريد) بل نوعية حياة هو محورها.  فهذه الحياة خطية وقد يكون غير مؤمن لأنها حياة شخص لنفسه يسيطر عليها الجسد.  فأفكاره وميوله لها المكانة الأولى في حياته.
  • أشار الكاتب إلى ما يسمَّى مواصفات المؤمن النفساني، وكلها عبارة عن إما أخطاء روحية نتيجة ضعف الشركة، أو نقاط ضعف في كيانه ينبغي أن يعرفها ليكون حذرًا منها.  وهذه الأشياء موجودة في المؤمن الروحي أو الجسدي؛ وتزداد أو تقل حسب شركته مع الله، وحسب إعطائه للروح القدس مجال ليقود حياته.

الروح القدس والروح الإنسانية

يخصِّص الكاتب ثلاثة أجزاء (4، 5، 6) من كتابه ليشرح بالتفصيل ما هي الروح الإنسانية، وما هي وظائفها.  ويفترض أن الروح القدس يسكن في الروح الإنسانية، وأن المؤمن الروحي هو الذي تسود روحه الإنسانية على النفس والجسد.  وأن السلوك بالروح هو السلوك الذي تسود فيه الروح الإنسانية، كما أنه يفترض أن هناك قوانين لعمل الروح الإنسانية تعمل بموجبها.  ويفترض أن الروح الإنسانية لها قوة في ذاتها.

ونصادق بشدة على رأى الكاتب في رفض الإحساسات الجسمية والحركات غير الطبيعية على أنها عمل روحي.  وأيضًا على رأيه بأن العدو يعطي اختبارات غير حقيقية لخداع المؤمن.  لكن مع هذا، فهناك تحفظ على كثير مما قاله وذلك رجوعًا لكلمة الله:

  • الروح الإنسانية هي أكثر جزء وضَّح لنا الكتاب ما هي، فهي: نسمة القدير التي وضعها في الإنسان (أي32 : 8؛ تك 2: 7).  وهي مركز الإدراك والمعرفة في الإنسان (1كو 2: 11).  كما أنها الجزء في الإنسان الذي يتلامس مع الله ويبحث عنه وذلك لأن الله روح (1كو 6: 17).
  • فكرة أن هناك ما يسمَّى بالحس الروحي، كما أشار الكاتب، فكرة لا سند كتابي لها، لأنه يفترض أنها ”الصوت غير المسموع الذي ينبع من داخل الشخص ليس له علاقة بالذهن والعواطف والإرادة“.  فهذا يجعل المؤمن يبحث في داخله دائمًا، ويبحث عن شيء ما؛ إحساس أو صوت.  وما ينبع من الداخل غالبًا غير صحيح.  كما أن البحث في داخل الشخص غير مفيد روحيًا.  ولو تركنا الأمر لما ينشأ من أحاسيس أو أصوات غير مسموعة في داخل المؤمن لأصبح الأمر فراسة وأحاسيس وتخمينات أو هو يسميه ”إلهام“.
  • ليس للروح قوة في ذاتها، وبالتالي لا يوجد ما يسمَّى روح قويَّة وروح ضعيفة، لكن بالنسبة للمؤمن منبع القوة هو الروح القدس «ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم» (أع 1: 8).
  • الروح القدس يسكن في كيان المؤمن كله «أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم» (غل 4: 6).  والجسد كجزء من الكيان الإنساني هو هيكل للروح القدس (1كو 6: 19).  وعندما يصادق إدراك المؤمن الواعي أنه واحد من أولاد الله، فالروح القدس يدعم أرواحنا في هذه الشهادة (رو 8: 16).  فلا يوجد مستند كتابي يؤكد أنه يسكن في الروح فقط، بل يسكن في القلب حيث أعمق ما في الإنسان، ويعمل في الكيان كله: الروح والنفس والجسد.
  • المؤمن الجسدي هو جسدي ليس لأن روحه تحت سيطرة النفس (كما يذكر الكاتب) بل لأن كيانه كله روح ونفس وجسد ترك المجال للجسد البغيض ليحركه (1كو3: 1-4).  لكن هذه الجسدانية قد تُرضي الذات وتفرح العواطف فيفرح نفسيًا.  ولكن لأنه مؤمن فالروح القدس الساكن فيه يحزن.

والمؤمن الروحي هو الذي يقوده ويسيطر عليه الروح القدس، وهو يُميِّز ما من الروح القدس وما من الجسد

  • والمؤمن الروحي هو الذي يقوده ويسيطر عليه الروح القدس وليس الروح الإنسانية، وهو يُميِّز ما من الروح القدس وما من الجسد مستخدمًا إمكانياته النفسية مثل الذهن والعواطف.  والاختبارات الروحية الصحيحة هي التي تجرى بعمل الروح القدس في كيان المؤمن كله روح ونفس وجسد (1تس 5: 23) وليس في روحه فقط.
  • السلوك بالروح: هو الخضوع لعمل الروح القدس (غل 5: 16)، وليس الخضوع للروح الإنسانية؛ وبالتالي لا يعني تركيز المؤمن على ما بداخله ليرى هل هذا من الروح أم النفس أم الجسد، فهذا سيجعل العين تبتعد عن المسيح ويجعل المؤمن جسديًا.  لكن الاجتهاد في تثبيت العين على المسيح ليكشف هو ما بالداخل من صحيح أم خطأ.
  • كذلك مشغولية المؤمن بأن يتأكد بأنه حصل على قوة الروح (كما يقول الكاتب) يجعل المؤمن مشغولاً بنفسه، وهذا يمنع الروح القدس من العمل.  بينما الروح القدس يملأ المؤمن تلقائيًا طالما ثبَّت عينه على المسيح واجتهد في المشغولية به.
  • الإرشاد الإلهي والإعلان للمؤمن أشياء لا تنبع من داخله، بل هو ما يُنشئه الروح القدس في داخل قلب المؤمن من رغبات مقدسة وأفكار مطابقة للمكتوب في كيانه كله: روحه ونفسه، ودور الذهن هام في الإرشاد الإلهي لأنه سيعود للمكتوب ليرى هل هذه الأمور هكذا أم لا (أع 17: 11)، وإلا تكون مجرد أحاسيس.
  • الروح القدس يُنير الذهن كما يُنير القلب (لو 24: 45).  لأنه يعمل في الكيان كله.
  • هناك خلط بين عمل الروح الإنسانية، وبين ما يقوم به الروح القدس في داخل الكيان الإنساني ومستحيل أن تنسب قوة الروح القدس وعمله داخل المؤمن للروح الإنسانية.
  • لا يوجد مستند كتابي لما يسمَّى قوانين الروح مثل ما أسماه: تثقل الروح، إعاقة الروح، تسمّم الروح... إلخ.   قد تكون هناك أثقال أو إعاقة أو خلافه كثيرة على روح المؤمن لكن اعتبارها قوانين، وقواعد عمل ثابتة وكلها نتيجة عمل الشيطان، فهذا ليس في الكتاب من ناحية، ويجعل المؤمن ينشغل بتفاصيل ما فيه من جهة أخرى، ويضخم قوة الشيطان وإحساس المؤمن بسيطرته من جهة ثالثة.  بينما هناك أشياء كثيرة تؤثر في الإناء الخزفي الضعيف (2كو4: 7-12, 16)؛ أشياء طبيعية لكن لها معونات إلهية للتغلب عليها.  كما أن هناك أثقال الخيمة المختلفة التي تؤثر على المؤمن مثلما حدث مع التلاميذ في البستان.  وهناك أفكار قد يثقل بها الشيطان نفس المؤمن.  لكن المعونات الإلهية موجودة لكل هذا.
  • نرفض بشدة ما يقوله الكاتب من إمكانية استخدام أصوات مسموعة لانتهار العدو من إعاقة الروح.  لأن المسألة ليست ما يقوله المؤمن بأي صوت، لكن في كفاية الرب لمعونة المؤمن.

العاطفة

في كلامه عن العواطف، يركِّز الكاتب على أن معظم تصرفات الشخص النفساني تنبع من العواطف، وأن الحياة النفسية هي أساسًا حياة عاطفية، وبالتالي يُصرّ على إماتة المشاعر لكي يعمل المؤمن إرادة الله.  وعلى أن العواطف ينبغي أن تتوقف تمامًا عن أن ترغب أشياء إنسانية، أو حتى روحية، لكي يبدأ المؤمن حياة الإيمان.

ولقد سررت بقوله إن المحبة العاطفية النفسية للرب، لا تحرّر من محبة العالم وهي تنبع من الذات وتتغير بسهولة وتتوقف بتوقف تيار المشاعر، لأنها لا تعتمد على الإيمان بل على: هل أشعر أم لا أشعر.  وكذلك رفض الاعتماد على المشاعر في السلوك، وفي دراسة الكتاب والسرور بالأشياء وتطويعها بحسب العواطف، وكذلك في الخدمة، واعتبار هذا يزيف الحياة الروحية ويجعلها حياة نفسية في شكل روحي.

لكن هناك ملاحظات على كثير من أفكاره

  • العواطف هي أهم مكونات النفس البشرية، التي من خلالها يُعبِّر الشخص عن ما بداخله، وبها يتذوق الشخص طعم الحياة.  بها: يفرح ويحزن، يحب ويكره، يشفق ويقسو، ينفعل ويهدأ، يخاف ويجرؤ، يتّحد وينفر ... إلخ.
  • كل شخص يختلف عن الآخر في عواطفه سواء في اختبائها أو التعبير عنها، فهناك أشخاص عواطفهم تتأثر سريعًا سواء عبَّروا أم لا.  وهناك أشخاص يعبِّرون كثيرًا وبوضوح، فتفيض عواطفهم ودموعهم بسهولة، وهناك العكس.  وكلها تركيبات طبيعية خلقها الله هكذا.
  • بعد الإيمان تظل تركيبة الشخص العاطفية كما هي، فيظل العاطفيون عاطفيون كما هم.  فالإيمان لا يغيِّر من التركيبة التي خلقها الله، بل بعد الإيمان يكون المؤمن أكثر حساسية وتأثرًا بظروف الآخرين، ولكنها ليست مجرد انفعالات، بل حساسية مصحوبة بإدراك واعٍ لما يحدث داخله.
  • عندما يسلك المؤمن بالروح، فالمؤمن العاطفي يسلك بالروح ويظل عاطفيًا كما هو، ويعبِّر بعواطفه حسب شخصيته، ولكن يكون يقظًا لئلا تخدعه عواطفه، أو يكون انفعاله بدون وعي.
  • البعض نقطة ضعفهم العواطف والشفقة، وهم يحتاجون أن يكونوا حذرين في بعض المواقف.
  • مشكلة العواطف وخداعها، أنها تجعل الشخص يتجه إلى ما هو مُسر ومُمتع أكثر من اتجاهه إلى ما هو صحيح.  فهو يبحث عن ما يتذوقه بعواطفه ويُدْخِل في نفسه السرور والنشوة، بينما ليس بالضرورة أن كل ما هو مُسرّ صحيح.
  • أن يرغب المؤمن بعواطفه أشياء إنسانية أو روحية فهذا شيء عادي (لأنه ما زال إنسانًا)، يتناسب مع تركيبة هذا المؤمن فيما يحب أو يبغض، وهذا ليس خطية.  أما أن يصرّ على تنفيذها أو الحصول عليها، دون التأكد من مصادقة الرب على ذلك فهذا تدليل للنفس والعواطف تعيق العمل الروحي، وهو عمل الإرادة الذاتية.  أما إذا أخضع هذه الرغبات لمشيئة الرب ليقوده فهذا وضع صحيح (2كو1: 15-17، 23؛ 2: 1-3).
  • وكذلك أن يتذوَّق المؤمن الأشياء بحسب تركيبه، فيفرح بأشياء معيَّنة، ويحب أشياء معيَّنة أو صفات معيَّنة؛ فهذا شيء طبيعي، لأنه إنسان، المهم أن هذه الأشياء لا تقوده خارج مشيئة الله.
  • إنكار النفس يعني إنكار أن يحيا المؤمن لإشباع عواطفه، ولا تكون هي مصدر إشباعه الداخلي، إنكار نوعية من الحياة فيها عواطفه تخدم ذاته (لو 14: 26).  لكن هو لا يمنع أن تقوم المشاعر بوظيفتها كما خلقها الله، فهذا أيضًا جزء من تشكيل الإناء.
  • عندما يخلق الله بعض المؤمنين أو الخدّام عواطفهم حارة وكذلك أرواحهم حارة، فهو خلقهم هكذا لخدمة تحتاج إلى مؤمنين بهذه المواصفات.
  • أما الإصرار على إماتة المشاعر موتًا كاملاً لكي تبدأ حياة الإيمان، فهذا ليس من المكتوب في شيء، لكن الموت المطلوب هو الموت عن الإرادة الذاتية.  أما المشاعر فهي ضرورية كوظيفة وضعها الله في المؤمن ليستخدمها.  المهم أن تكون تحت سيطرة الروح القدس ليحسن المؤمن استخدامها.  فالمشاعر ليست ضد حياة الإيمان، لكن الحياة لأجل المشاعر هي التي تعيق الإيمان.

الذهن

من أكثر الأجزاء التي أتعبت كثيرين عندما قرأوها هو الجزء الثامن، الذي يتكلَّم عن الذهن، وذلك لأنه يجعل الشخص ينشغل بالشيطان وإمكانياته أكثر من مشغوليته بالله.  وأعطى للشيطان دورًا كبيرًا جدًا في حياته، ولا سيما في أذهان المؤمنين.  فقد افترض الكاتب أن ذهن المؤمن إما يستخدمه الله أو الشيطان ولا شيء آخر.  واعتبر كل خلل في النشاط الذهني، بما في ذلك السرحان أو النسيان، هو احتلال الشيطان لذهن المؤمن.  كما اعتبر أن هناك أذهان هي مواقع للأرواح الشريرة، فكيف لا يضطرب مَنْ يقرأ كل ذلك!  مع أن التفسير الصحيح لكلمة الله ينبغي أن يرسِّخ ويزيل الاضطراب والخوف.  والكتاب يعلِّمنا:

  • الذهن هو أروع عطايا الله للإنسان.  فهو الذي يميِّزه كإنسان يفهم ويستنتج ويعرف ويتخذ قرارات وإن كانت الروح الإنسانية هي مركز الإدراك في الإنسان، فالذهن هو أهم الحواس التي تستخدمها الروح في المعرفة والإدراك، بل حتى قرار الإيمان الحقيقي الكتاب يخبرنا أن الأرض الجيدة هو الذي يسمع الكلمة ويفهم (مت 13: 23).

الذهن هو أروع عطايا الله للإنسان.  فهو الذي يميِّزه كإنسان يفهم ويستنتج ويعرف ويتخذ قرارات.  و هو أهم الحواس التي تستخدمها الروح في المعرفة والإدراك

  • كما أن هناك مؤمنون عاطفيون، هناك مؤمنون أيضًا عقلانيون يحلّلون كل شيء يجدوا صعوبة في أن يقبلوا الأمور ببساطة، مثل توما (يو 14: 5؛ 20: 25) الذي كان يريد دليلاً ذهنيًا على كل شيء.  وكما أن العاطفي يمكن أن تخدعه عواطفه، العقلاني يمكن أن يحيره ذهنه، إذا لم يسيطر الروح القدس عليه.
  • هناك عوامل كثيرة تتحكم في النشاط الذهني وقد تؤدي إلى الشتات الذهني، وعدم سيطرة الشخص على ذهنه، وزحمة الأفكار من ضمن هذه الأسباب: الإرهاق الصحي (مثلما حدث مع التلاميذ في البستان)، التوتر النفسي (مثلما حدث مع أليشع وهو يتحدث إلى يهورام ابن أخآب - 2مل 3: 13-15)، عدم النوم... إلخ.  وهي كما نرى أسباب بشرية عادية تحدث مع المؤمن سواء كان روحيًا أو جسديًا.  أما أن يُنسب هذا للشيطان فهذا مخيف للنفوس.  كذلك هناك أسباب أخرى لها دور في تشكيل الذهن، مثل ضعف الذاكرة الذي يمكن أن يكون الشخص مولودًا به.  كذلك تدريب الذهن على التحكم في الأفكار، فهذا تدريب لا بد من حدوثه.  ولا علاقة للأرواح الشريرة بهذه الأشياء أن ينسب كل شيء غريب في الذهن للأرواح الشريرة، فهذا يعظِّم الشيطان أمام المؤمن ويجعله ينشغل أكثر بنفسه وبالأرواح الشريرة ويعيش في جو من الارتباك والمخاوف، وهذا لا يجعله مؤمنًا روحيًا مطلقًا.  كذلك فكرة أن هناك أنواع من الأذهان هي مواقع للأرواح الشريرة شيء لا مكان له في الكتاب.  ويمكن تلخيص علاقة الشيطان بذهن المؤمن في الآتي:
    • ليس مسموحًا للشيطان أن يسيطر على أي جزء في المؤمن «والشرير لا يمسّه» (1يو 5: 18)، أي لا يسيطر عليه.  وإذا احتل الشيطان ذهن شخص سيصبح مجنونًا.  وبالتالي لا يمكن أن يحتل ذهن المؤمن ولا سيما أن الروح القدس يسكن في المؤمن.
    • الرسول بولس يذكر لمؤمني كورنثوس هذا القول: «لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره» (2كو 2: 11).  وهذا يعني أن عند المؤمن بصيرة لكي يكتشف أفكار الشيطان ويعلم خططه طالما يعيش بالتقوى وحسب المكتوب.
    • الشيطان يحاول مع المؤمنين أن لا يقبلوا أفكار الله ببساطة، بل يُخضعوا كل شيء للمنطق، ويأتي بأفكار للذهن، مثلما حدث عندما خدع حواء في الجنة قديمًا (2كو 11: 3).  وإذا تحول الذهن عن هذه البساطة التي في المسيح يفسد العدو أذهانهم عن التفكير البسيط.  لكن القرب من الكتاب وقبول الإعلان الإلهي ببساطة يفسد خطط الشيطان.
    • ليس فقط الشيطان هو الذي يغش ويخدع، بل يمكن للشخص أن يغش نفسه ويخدع نفسه (غل 6: 3).
  • فكرة أن هناك أنواع من الأذهان هي مواقع للأرواح الشريرة، هي تخمينات لمواصفات طبية أو نفسية موجودة في المؤمن أو غير المؤمن، وحتى المؤمن الروحي يمكن أن يحدث له شيء من ذلك.
  • الإيمان بأن تصديق فكرة قد يأتي بها العدو تؤثر في الأحداث، فحين يسيطر العدو على شخص بفكرة المرض فلا بد أن هذا يؤدي إلى المرض؛ وهذه أفكار لنظريات نفسية متشابكة لا أساس لها من الصحة، والشيطان يلعب دورًا كبيرًا للتأثير على النفوس بهذه الأفكار.
  • كذلك أن يُنسب الأفكار الفجائية والأحلام والثرثرة وحركة العينين للأرواح الشريرة، وكأن هذه الأرواح هي المُتحكِّمة في كل حركة وسَكَنَة في المؤمن، هذا شطط لا أساس كتابي له.  لكن هذه أشياء طبيعية تحدث مع كل الناس ولها تفسيرات علمية عادية طبية ونفسية تحدث في المؤمنين الروحيين.
  • كلمة الله هي أروع مادة للذهن، هي التي تنقي، وتنمي، وتعطي فهمًا وحكمة، وتعطي سلامًا وهدوءًا، وتخرج المؤمن من سلبيته، وتحميه من الاستحسان، وتمنطق ذهنه، وتجعله صاحيًا يقظًا، وتحميه من الأفكار الشيطانية؛ ففيها الرد على كل أفكاره مثلما فعل الرب (مت4: 4، 7، 10).  إن الذهن المشبَّع بكلمة الله هو أعظم الأجواء لخلق المؤمن الروحي، وليس الذهن المحتار في فكره، والمتخوف من كل فكرة، والمتشكك هل هذه من الشيطان أم من الله.  إن كلمة الله تثبت العين دائمًا على المسيح.
  • في تجديد الذهن، ليست المسألة أن يقوم المؤمن بدوره في التجديد، عندئذ يقوم الله بدوره.  لكن الذهن الجديد، (جزء من الإنسان الجديد - كو3: 9، 10)، هذا الذهن يتجدَّد عندما يترك المجال للروح القدس لقيادة الذهن، ويتعامل كثيرًا مع الكلمة الحيَّة، ويظهر هذا في سلوك الشخص وتصرفاته في قيادة الروح القدس لحياته. 

الجسد

  • أكثر المخاطر في أقوال الكاتب عن الجسد، هي أن كل مرض سببه خطية في الشخص المريض؛ بينما نقرأ في الكتاب عن أتقياء مرضوا، ولم يكن المرض بالنسبة لهم تأديب على خطية «تروفيمس تركته في ميليتس مريضًا» (2تي 4: 20)، وكذلك تيموثاوس «معدتك وأسقامك الكثيرة» (1تي 5: 23).
  • والأخطر من ذلك قوله أن المؤمن لا ينبغي أن يستعمل العقاقير الطبية والأدوية مناقضًا قول الرب الذي صب زيتًا وخمرًا على الذي وقع بين اللصوص (لو 10)، وكلام الرسول بولس لتيموثاوس «استعمل خمرًا قليلاً».
  • والأكثر خطورة هو مناداته ببدعة أن المؤمن ينبغي أن يقاوم الموت، وأن يكون هدفه أن لا يموت، بينما الرسول بولس يعتبر الموت شهوة «لي اشتهاء أن أنطلق» (في 1: 23).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com