عدد رقم 2 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخدمة في مفهوم الإنسان الروحي  

إن الخدمة الصحيحة تنبع من محبة صادقة للرب يسوع، ومتي كان المؤمن مُحبًّا لسيده صار إنسانًا روحيًا تميّزه ثلاثة أمور:

أولاً: إنه يعرف حقيقة ذاته.

ثانيًا: إنه يعرف مكانه.

ثالثًا: إنه يعرف علي من يكون إتكاله.

أولاً: يعرف حقيقة ذاته

من خلال ما تعلّمنا إياه كلمة الله، وأيضًا من الاختبار العملي، ثبت لنا أن كل مؤمن حقيقي متمتّع فعليًا بعلاقة شخصية سرية مع الرب، لا بد وأن يكون قد اقتنع واعترف أنه لا شيء في ذاته، وأنه لا يزيد - كما أعلن لنا بولس - عن كونه إناء خزفي هشّ وضعيف ولا ثقة له في ذاته.

وإذا تأملنا، بشيء من التفصيل، في حياة الأفاضل اللذين استخدمهم الرب أروع وأعظم استخدام، سنفهم هذه الحقيقة التي تستحق أن تكون أكثر من مجرد تعليم تعوّدنا أن ننادي به، تكون واقعًا نحياه في خدمتنا للسيد العظيم.

لذلك دعونا نتناول باختصار هذا الحق في حياة بعض خدام الرب الذين تكلم عنهم الكتاب:

  1. جدعون: الذي عاش في أيام حُكم القُضاة والتي تُشبه إلي حد كبير أيامنا هذه، وكيف ظهر في حياته عدم الثقة في الذات، والضعف والخوف الشديد، الأمر الذي يظهر جليًا في إجابته علي تكليف الرب الشخصي له بالخدمة، فعندما أمره الرب قائلاً: «اذهب بقوّتك هذه» (قض 6: 14)، جاءت إجابة جدعون لتُعلن نتيجه واضحة لوجوده أولاً في عفرة، والرب يتأمله وهو يُخبط حنطة ليهربها من الأعداء، فالرب قد شبع ليس فقط بخدمته النشيطة، ولكن أيضًا بمشغولية قلبه باحتياج إخوته، وبمحبته للرب ولقطيعه المسكين.
  2. يوحنا المعمدان: وكم تلمع بصورة بديعة حياته كخادم عرف حقيقة ذاته، وكان إنسانًا روحيًا بالحقيقة، تكفي شهادة الوحي المقدس عنه في لوقا 1: 15 «ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس».

    فعندما سُئل يوحنا «من أنت...  ماذا تقول عن نفسك؟» (يو1: 22)، كان جوابه بكل بساطة أنه ”مجرد صوت“، وقد أخذ مكانه الحقيقي ولم يقُل إنه ”شخص“ بل ”صوت شخص صارخ“، ولم يكن يطمع في أن يكون أكثر من ذلك.

    وفي مشهد آخر، عندما تركه تلاميذه ليتبعوا الرب يسوع، لم تصدُر منه كلمة تذمر، ولا ظهرت عليه أي علامة من علامات الكبرياء أو الحقد والحسد، وحتي عندما جاءوا إليه قائلين «يا مُعلم، هوذا الذي كان معك...  الذي أنت قد شهدت له وهو يُعمِد والجميع يأتون إليه» (يو 3: 26).  ورغم أن هذه العبارات تثير فينا الحقد والحسد، لكن لنسمع إجابة شخص عرف حقيقة ذاته فأجاب قائلاً «لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا إن لم يكن قد أُعطي من السماء...  لستُ أنا المسيح بل إني مُرسل أمامه».
  3. بولس: الخادم الذي تَشَبه كثيرًا بسيده وتعلَّم، في نور العهد الجديد، حقيقة عظيمة عندما أعلن قائلاً «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غل2: 20).  لقد صادق علي حُكم الله وحَكَمَ هو علي ذاته بالصلب، ولم تكن أمامه أيّة رغبة إلا أن يتعظم المسيح في جسده سواء بحياة أم بموت.

لو عرف كلٍ منا مكانه من خلال العلاقة الشخصية المستمرة مع الرب، لوفَّرنا علي أنفسنا مشاحنات ومصادمات علي الأمور المظهرية التي يرغبها الجسد البغيض داخلنا.

ثانيًا: يعرف مكانه

والمقصود بذلك، أن يُقنعنا الرب بالوضع والمكان الذي إختاره هو - تبارك اسمه - لكلٍّ منا بحكمة عظيمة فائقة؛ لأنه يعلم إمكانياتنا وشخصياتنا وتركيباتنا النفسية، وكل ذلك محسوب ومعلوم بدقة لديه، فهو الذي صنعنا، ولذلك علينا أن نقبل بكل الشكر والتعظيم لشخصه، المكان الذي حدَّده لنا بين قطيعه، لنخدمه هو فيهم ونحن في قمة السرور.

ولو عرف كلٍ منا مكانه من خلال العلاقة الشخصية المستمرة مع الرب، لوفَّرنا علي أنفسنا مشاحنات ومصادمات علي الأمور المظهرية التي يرغبها الجسد البغيض داخلنا.  تلك المشاحنات الكاذبة التي نفتعلها متعلّلين أحيانًا كثيرة بمجد الرب ونحن في الواقع نريد أن نخدم ونُعظم أنفسنا، ويكون لنا نحن مكان بين إخوتنا.  وما أسوأ النتائج عندما نتجاهل إرادة سيدنا لنعمل إرادتنا الشخصية.

فليتنا نتوب توبة حقيقية عن هذا الشر العظيم، ونرضي بكل السرور بما يأمرنا به السيد، مهما كان بسيطًا، ونطلب من الرب أن يُقنعنا هو بأن «لا يرتئي (واحد منا) فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التعقل، كما قسم الله لكل واحدٍ مقدارًا من الإيمان» (رو 12: 3).

ويكفينا جدًا الأوقات والمجهودات الضخمة التي فُقدت منا في أخذ مكان بين إخوتنا، وليس هو بمكاننا، وتشوهت الشهادة وبقي عمل كل منا - بكل أسف - ناقصًا.

ولنثق من جديد في نعمته الغنية التي تُرجعنا إلي الطريق الصحيح ويقف كلٍ منا تحت رايته فنُكرِم سيدنا المعبود.

ثالثًا: يعرف علي من يكون اتكاله

إننا أمام ما نتعلمه من الوضع الصحيح الذي يريده الرب لنا، نشعر بصِغر أنفسنا، وبأننا لا نقوي علي اكتشاف حقيقتنا، وكيفية وضع ذواتنا في حكم الموت، ولا نقدر، حتي بمجهودنا ودراستنا للحق الكتابي، أن نعرف مكاننا؛ ولذلك علينا أن نثق في سيدنا العظيم الذي يولِّد فينا الرغبة دائمًا في الاتكال علي شخصه المعبود.

وقد يتطلّب التدريب علي هذا الدرس أن يُفرغنا من ذواتنا بمعاملات إلهية، ربما تكون في أوقاتٍ كثيرةٍ قاسية علينا، لكنه من محبته لنا يُدربنا علي الاتكال عليه لحظة فلحظة، ليس في أمور الزمان فقط، وإن كنا بحاجة لذلك، لكن بالأحري في خدمتنا، فنتعلم ما قاله بولس «فبكل سرورٍ أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحلّ عليّ قوة المسيح» (2كو 12: 9).  ولا ننتظر معونة وتشجيع البشر لأنهم متغيرون فتارة يشجعون وأخري يفشلون، لكن علينا أن نتكل علي الذي لا يتغير إطلاقًا.

لنثق إذًا في أمانة إلهنا الذي يدرِّبنا علي عدم الثقة في ذواتنا، ولنعرف مكاننا مهما كان بسيطًا وغير ظاهر للعيان.  ولنصلِّ ليمنحنا سيدنا المعبود الذي هو مصدر وأساس كل خدمة، أن نتعلمه هو - تبارك إسمه - هو الذي فعل كل حين ما يرضي أبيه وقيل عنه إنه لم يُرضِ نفسه؛ ذاك الذي عرف متي يتحرك ومتي يختلي بأبيه في علاقة سرية، وكم كان متمتعًا بالاتكال الكامل عليه، إنه من قال بحق «إحفظني يا الله لأني عليك توكلت» (مز16: 1).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com