عدد رقم 2 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الإنسان في سبعة توصيفات  

هناك في كلمة الله سبعة توصيفات للإنسان، سنسردها الآن مع تعليق مختصر عليها.  وهي عبارة عن ثلاث ثنائيات، ثم التوصيف السابع.

في رسالة كورنثوس الأولى15: 47 نقرأ عن الإنسان الأول والإنسان الثاني.

وفي رسالة كورنثوس الثانية4: 16 نقرأ عن الإنسان الخارج والإنسان الداخل (أي إنسان القلب، أو الإنسان الباطن).

وفي رسالة أفسس 4: 22-24؛ ورسالة كولوسي3: 9، 10 نقرأ عن الإنسان العتيق والإنسان الجديد.

وأخيرًا نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 2: 14 عن الإنسان الطبيعي.

الثنائية الأولى: الإنسان الأول والإنسان الثاني

يقول الرسول بولس: «الإنسان الأول من الأرض ترابي.  الإنسان الثاني...  من السماء» (1كو15: 47 انظر أيضًا ع45). 

في هذه الثنائية يتحدث الرسول عن نوعين من البشر هما: الإنسان الأول والإنسان الثاني.  الإنسان الأول هو آدم وكل نسله (انظر ع48، 49)؛ أما الإنسان الثاني فهو ربنا يسوع المسيح. 

والفارق بين الإنسان الأول والإنسانى الثاني هو في مصدر كل منهما.  فآدم - حتى قبل سقوطه في الخطية، وطرده من الجنة - جَبَله الرب الإله من تراب الأرض (تك2: 7)؛ وهكذا أيضًا كل نسله، حتى إبراهيم الخليل، الذي هو أبٌ لجميع المؤمنين.  فعندما تحدث أبو المؤمنين إبراهيم مع الله العظيم قال: «شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد» (تك18: 27).  على النقيض من ذلك، فالمسيح ليس مصدره التراب أو الأرض، بل هو ”من السماء“.  ونحن كثيرًا ما نقرأ عن المسيح، بحسب إنجيل يوحنا، أنه ”نزل من السماء“.  ضد المسيح يُقال عنه إنه ”طالع من الأرض“ (قارن مع رؤيا 13: 11)، بينما المسيح فقد نزل من السماء. 

ومن المهم في هذا المقام أن نُشير إلى أن الرب يسوع في ولادته لم يُولد كسائر البشر، نتيجة تزاوج رجل بامرأة، بل إن المسيح يخاطب الله قائلاً له: «هيّأت لي جسدًا» (عب10: 5).  وكيفية ذلك مسجَّلة في إنجيل لوقا، عند بشارة الملاك جبرائيل للمطوبة العذراء مريم، إذ قال لها: «الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله» (لو1: 35).  فجسد المسيح ليس من الأرض ولا من التراب، بل هيّأه له الروح القدس.

ونحن المؤمنين أيضًا، كنا بالطبيعة نظير ذلك الإنسان الأول، فكلنا لبسنا صورة الترابي (1كو15: 49)، وما زلنا إلى الآن نلبسه، وسيظل الأمر كذلك حتى يتم فداء الجسد، وعندها سنلبس صورة السماوي.  لذلك فمن الجميل أن يرد الفارق بين الإنسان الأول والإنسان الثاني في أصحاح القيامة، فالجسد الترابي مصمَّم للأرض، ولكن لكي ندخل إلى أمجاد السماء يلزمنا أن نلبس صورة السماوي، وهو ما سيتم عند مجيء الرب لفداء الأجساد.

الثنائية الثانية: الإنسان الخارج والإنسان الداخل

وفي هذا يقول الرسول: «وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا» (2كو4: 16).  كما يتحدث الرسول بطرس عن ”إنسان القلب الخفي“ (1بط3: 4)، ويتحدث الرسول بولس عن ”الإنسان الباطن“ (رو7: 22).  ومن كل ما سبق يتضح لنا أن هناك إنسانين، واحد مرئي من الجميع، والآخر لا يراه سوى الله.  الأول خارجي والثاني باطني أو خفي. 

حين مات لعازر المسكين، قد يمكن للبشر أن يتحدثوا عن طريقة دفنه المتواضعة، إن كان قد حظي أصلاً بدفن ما، على أن الكتاب يقول شيئًا آخر، إنه يقول: «مات المسكين، وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم» (لو16: 22).  طبعًا الملائكة لم تحمل إنسانه الخارجي، أي الجسد، بل حملت إنسانه الداخلي، هذا الإنسان الذي ”هو قدام الله كثير الثمن“.

مرة سُئِل أحد المؤمنين، في أواخر أيامه على الأرض، عن حاله.  أجاب: ”أنا في أحسن حال، لكن البيت، الذي أنا أسكن فيه متهالك، ولا بد لي أن أتركه عن قريب“.  وواضح أنه كان يشير هنا إلى هذا الإنسان الخارج (قارن 2كورنثوس5: 1).

ليس ثمة عيب في الاهتمام إلى حد ما بالإنسان الخارج، لكننا ينبغي أن نهتم أكثر كثيرًا، ليس بالإناء الخزفي، الذي يعلّمنا الكتاب أنه يفنى، بل بإنسان القلب الخفي في العديمة الفساد

كثيرًا ما يحرص الشباب، وبصفة خاصة الأخوات، على الاهتمام بالإنسان الخارج.  وأعتقد أنه ليس ثمة عيب في الاهتمام إلى حد ما بهذا الإنسان الخارج، لكننا ينبغي أن نهتم أكثر كثيرًا، ليس بالإناء الخزفي، الذي يعلمنا الكتاب أنه يفنى، بل بإنسان القلب الخفي في العديمة الفساد.  وعن هذا قال الرسول بولس لابنه تيموثاوس: «لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل، ولكن التقوى نافعة كل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة» (1تي4: 8).

إن الإنسان الخارج يفنى، أردنا أم لم نُرد.  لكن الداخل، إنسان القلب الخفي، الإنسان الباطن، هذا هو المهم.  ونحن إن كنا رأينا أن الإنسان الأول تراب، فنحن نعرف أنه بالسقوط أصبح تحت حكم الموت، ولأجل هذا فإن هذا الجسد تدبّ فيه عوامل الموت والفناء، حتى يأتي اليوم السعيد الذي فيه يُبتلع المائت من الحياة، وندخل إلى محضر الرب في السماء في ملء الفرح والمجد.

الثنائية الثالثة: الإنسان العتيق والإنسان الجديد

النظرة هنا ليس عن مصدري الإنسان الأول والثاني، كما رأينا في الثنائية الأولى؛ وليس عن نتيجة السقوط على الإنسان الخارج، كما رأينا في الثنائية الثانية؛ بل نرى هنا نتيجة السقوط على الكيان الداخلي.

وهناك خطأ شائع بين المؤمنين، وهو أنهم لا يستطيعون تمييز ”الإنسان العتيق“ عن ”الطبيعة العتيقة“.  ومع أن هذا التعبير الأخير، تعبير ”الطبيعة العتيقة“، لم يرد بحصر اللفظ في الكتاب المقدس، بل ورد تعبير ”الجسد“، لكن واضح أن الجسد يختلف عن الإنسان العتيق.  المؤمن فيه الطبيعة العتيقة، التي تسمى أيضًا ”الجسد“ (وباليوناني ”ساركس“ وليس ”سوما“، والتي تعني اللحم والعظام)، كما تسمى أيضًا ”الخطية“ (بالمفرد)؛ ولكن المؤمن ليس فيه ”الإنسان العتيق“.  بل في الواقع أن الكتاب لا يحدّثنا عن الإنسان العتيق كشيء في داخل الإنسان، بل كشيء الإنسان في داخله. 

ولقد تحدث الرسول بولس عن الإنسان العتيق في ثلاثة مواضع: رومية 6، أفسس 4، كولوسي 3. 

في رسالة رومية يقول: «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه» (رو6: 6)، ومن هذا نفهم أن الإنسان العتيق ليس شيئًا ملموسًا، بل هو شيء اعتباري. 

وفي رسالة أفسس يقول أيضًا: «أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق» (أف4: 22-24).  وهذه الترجمة قد توحي إلينا أن هذا شيء ينبغي علينا أن نعمله، والحقيقة أن الرسول بولس يقرّر هنا ما تم في المؤمن لحظة تغييره.  أنه قد خلع الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد.

الإنسان العتيق هو شيء اعتباري.  وخلعه ولبس الجديد ليس شيئًا مطلوبًا منا أن نعمله، بل هو شيء تم بالفعل.  فيوم غيّرني الرب، اقتنعت تمامًا بأني أنا كإنسان في آدم، ما عدت أصلح، فخلعت الإنسان العتيق، ولبست الجديد.

كما يقول في رسالة كولوسي: «لا تكذبوا بعضكم على بعض، إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه» (كو3: 9، 10).  ومرة أخرى تؤكد هذه الكلمات على ما سبق أن ذكرناه أعلاه، أولاً: أن الإنسان العتيق ليس شيئًا حرفيًا ملموسًا، بل هو شيء اعتباري.  وثانيًا: أن خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد ليس شيئًا مطلوبًا منا أن نعمله، بل هو شيء تم بالفعل. 

يمكن القول إن الإنسان العتيق هو الإنسان في آدم.  إن آدم وكل ذريته انتهى من أمام نظر الله في صليب المسيح، والله ما عاد يضع ذرية آدم مرة أخرى تحت الاختبار.  فبعد طول أناة من جانب الله اتضح تمامًا أن هذا الصنف لا يصلح في التعامل مع أمور الله، وفي صليب المسيح صُلب هذا الإنسان العتيق.  لقد صُلب وانتهى أمره.  وأنا - اختباريًا - صادقت على هذا العمل ساعة التوبة والتغيير.  فيوم غيّرني الرب، أخذت ذات موقف الرب من هذا الإنسان العتيق.  اقتنعت تمامًا بأني أنا كإنسان في آدم، ما عدت أصلح، فخلعت الإنسان العتيق، ولبست الجديد. 

لكن لنلاحظ أنه لا الإنسان العتيق هو آدم، ولا الجديد هو المسيح.  لكن الإنسان العتيق هو الإنسان في آدم، والإنسان الجديد هو الإنسان في المسيح. 

والآن ماذا يعني الإنسان في آدم؟  لقد عمل آدم خطية، وأولاده عملوا خطايا.  وربنا كأنه صنع شخصية اعتبارية مكوَّنة من كل فساد الإنسان الطبيعي، الذي نتج عن آدم وذريته.  هذه الشخصيه الاعتبارية لنا أن نتخيَّل كم هي بغيضة جدًا في نظر الله، ولذلك فقد قام الله بصلب هذا الإنسان العتيق. 

الإنسان الأول، آدم، في الجنة، لم يكن يعرف الخير ولا الشر، إذ كان في حالة البراءة، وأقرب صورة لهذه الحالة نجدها في الطفل صغير.  آدم لم يكن في حالة البر، بل البراءة، أي لا يعرف الشر ولا الخير.  أما الإنسان العتيق، فإنه يعرف الشر ويعرف الخير، لكنه رفض الخير وعمل الشر.  على العكس من ذلك فإن الإنسان الجديد يعرف الشر ويعرف الخير، لكنه بحسب لغة إشعياء7، رفض الشر واختار الخير.

إذا فهذا الإنسان الجديد ليس هو آدم قبل السقوط، بل هو شيء جديد تمامًا، هو ”الإنسان في المسيح“، وهو خليقة جديدة، بحسب تعبير 2كورنثوس 5: 17، ولهذا يقول في كولوسي 3 إنه يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه.

يستطرد الرسول بولس قائلاً عن هذا الإنسان العتيق: «الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور».  وبحسب ترجمة داربي فإن العبارة الأخيرة تترجم هكذا: ”الذي يدمِّر نفسه“.  وحقًا فإن الإنسان العتيق يدمر نفسه بحسب شهوات الغرور.

وكلمة ”الغرور“ تُفهم في ضوء الإشارة الأولى في الكتاب إليها، عندما قالت حواء: «الحية غرّتني فأكلت» (تك3: 13)، بمعنى إن الحية ”ضحكت علي“ وغرّرت بي.  وهكذا فإن الشهوة من الخارج تجذب الإنسان ثم تدمّره.  وكم من أناس جَروا وراء خطايا مختلفة، ودمّروا أنفسهم!

وجميل أننا خلعنا الإنسان العتيق، وجميل أيضًا أننا لبسنا الإنسان الجديد.  لكن بينهما يقول: «وتتجدّدوا بروح ذهنكم».  القوة التي تساعدني على ألاَّ أعمل بحسب الإنسان القديم، بل أعمل بحسب الإنسان الجديد، هي قوة الروح القدس الساكن فيَّ، الذي يجدّد روح ذهني.  ولهذا فإنه إذا حزن الروح القدس في داخلي، ستظهر فيَّ كل صفات الإنسان العتيق، وسيختفي مني كل صفات الإنسان الجديد.

والجميل أن الرسول في رسالة أفسس وهو يحدّثنا عن الخلع واللبس والتجديد بروح الذهن فإنه يلمِّح إلى «يوم الفداء».  والمقصود هنا ليس فداء السماء والأرض كما ورد في أفسس 1: 14، والذي هو الميراث، بل يقصد فداء المؤمنين الوارثين، أو بالأحرى فداء أجسادهم.

وفي يوم فداء الجسد لن نحتاج لهذه التحريضات، ففي هذا اليوم لن نخلص من أجرة الخطية فقط، ولا من سيادة الخطية علينا فحسب، بل من ذات وجود الخطية.  والروح القدس سيظلّ يعضدني ويشجّعني حتى ذلك اليوم، الذي لن يكون فيه ذكر للخطية، بل سنكون فيه قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (أف1: 4).

سابعًا وأخيرًا: الإنسان الطبيعي

كل إنسان لم يولد من الله هو إنسان طبيعي.  قد يكون حكيمًا، أو فيلسوفًا، أو متديّنًا، أو متعلّمًا، ولكنه ما لم يولد من الله فهو إنسان طبيعي.  ويقول الرسول: «الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة» (1كو2: 14).  أو قد تكون الترجمة الأدق: ”لأنها عنده جهالة“، بمعنى أن أمور روح الله عند الإنسان الطبيعي تعتبر جهالة.

منذ بضع سنوات، أثيرت على صفحات الجرائد بدعة وضلالة عبادة الشيطان، وادّعى بعض الجهلة أن لهذه العبادة أصول في الكتاب المقدس، تحت زعم أنه في يوم الكفارة كانت يُقدَّم تيس للرب وتيس لعزازيل، الذي اعتبره أحدهم أنه الشيطان.  وللأسف جاء أحد الردود على هذا الكلام بما معناه: ”أنتم مشغولون بتيس الرب، وتيس عزازيل.  أليس الأجدر بكم أن تتركوا هذا الأمر، وأن تهتموا بالنعجة دوللي“.  والنعجة دولي هي النعجة الأولى التي تم استنساخها.  وكان القصد واضحًا، اتركوا أمور العهد القديم، وما فيه من أشياء كثيرة خاطئة، وانشغلوا بالعلم.  وهو لا يعلم أن العهد القديم لا يكلّمنا إلا عن ربنا يسوع المسيح، وأن كلاً من تيس الرب وتيس عزازيل يكلماننا عن أعظم شخص، وعن أعظم عمل، وأمامه لا استنساخ النعاج ولا غزو الفضاء يساويان شيئًا.  لكن لا غرابة في أن يقول صاحبنا ما قاله، فالإنسان الطبيعي يعتبر أن أمور الله جهالة.

ونلاحظ أن الرسول بولس لم يتحدّث عن نقيض الإنسان الطبيعي أنه الإنسان الروحي والإنسان الجسدي، بل تحدث عن المؤمن الروحي والمؤمن الجسدي.  وعن هذا سيكون الكلام مستفيضًا في هذا العدد.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com