عدد رقم 6 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يعقوب في شكيم   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

ترك يعقوب سكوت التي بني فيها بيتًا لنفسه، وصنع فيها مظلات لمواشيه.  وربما كان قد تعرَّض لبعض المشاكل أو المتاعب هناك، لكن الرب نجَّاه وخرج منها سالمًا.  وكان الأجدر به أن يواصل رحلته إلى بيت إيل ويصنع هناك مذبحًا لله الذي ظهر له وأعطاه المواعيد، وحفظه طول السنين، وأرجعه سالمًا.  لكنه أتى إلى مدينة شكيم وحطّ الرحال هناك، وبني مذبحًا ودعاه «إيل إله إسرائيل».  لكنه بكل أسف، لم يستطع أن يقول ما قاله يشوع في شكيم قديمًا: «أما أنا وبيتي فنعبد الرب» (يش 15:24).  ولم يوصِ بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برًا وعدلاً، كما فعل إبراهيم.  ولم يكن قدوة صالحة أمام أولاده في حياة التقوى والانفصال عن العالم.

كان يعقوب رجل أعمال، وكان اهتمامه الأول هو النجاح الزمني، وكان يهتم بالمواشي أكثر من اهتمامه بالأولاد الذين أنعم الله بهم عليه.  ولا نقرأ أنه كان ينصح أو يحذِّر أولاده من خطورة العالم المحيط بهم.  ولم يزرع فيهم أنهم ينتمون لله الحي الحقيقي ويعيشون بمبادئ مختلفة عن الناس.  ولم يكن له السلطان الأبوي في بيته كمَنْ يُمثِّل الله في بيته.

وكم من آباء نظير يعقوب ليس عندهم وقت لأولادهم، بل شغلهم الشاغل هو العمل الزمني والمكسب المادي.  ويرون في ذلك قمة النجاح.  وربما عملوا ثروات لأولادهم، وكان ذلك بالأسف لخرابهم ودمارهم الروحي والزمني على السواء.

إن الأولاد عندما يرون آباءهم يعيشون في مخافة الرب، ويضحون بالمكاسب المادية لأجل الروحيات، سيثقون في جوهر الأمور الروحية ويقدرونها.

خرجت دينة ابنة يعقوب لتنظر بنات الأرض.  خرجت دون علم أبيها أو أمها، ودون إذن منهما.  خرجت بدوافع بريئة، وكانت فتاة صغيرة لا تتجاوز خمسة عشر عامًا.  خرجت دون حماية، ولم تحسب النتائج.  خرجت لتتعرَّف ببنات الأرض وتصادقهم ناسية أنها تتبع عائلة تنتمي لله الحي.  لم تقدِّر خطورة المكان وشر الأشرار.  لقد قال الحكيم: «الذكي يبصر الشر فيتوارى، والحمقى يعبرون فيعاقبون» (أم 3:22؛ 12:27).  إن كلمة «دينة» تعني "حكم أو إدانة".  وقد قال الرسول: «لو كنا حكمنا على أنفسنا لمَا حُكِمَ علينا» (1كو 31:11).  والحكم على النفس يتضمن أن نقول لرغباتنا الطبيعية: «لا».

إن الشباب عندهم الميل الطبيعي للتحرر ورفض الخضوع لأي سلطان، وإن أردنا أن نرى أولادنا يتزينون بالخضوع، فعلينا أن نخضع نحن أولاً لله ونركع أمامه.

كان بيت يعقوب يفتقر إلى المذبح العائلي، وكان فيه أوثان، ولهذا كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه.  وعلى كل أب أن يلاحظ ويتابع أولاده تفصيليًا، وينصح ويحذِّر بالمحبة والحزم ليتجنب وقوع كوارث مكدرة.  أما إذا أهمل وتراخى، وأكرم بنيه على حساب الرب، فسيتعرَّض للقضاء مثل عالي الكاهن.

خرجت دينة لتنظر بنات الأرض، فرآها شكيم ابن حمور رئيس الأرض.  إن النظر هو علة السقوط.  هذا ما حدث مع حواء، ومع عخان، وشمشون، وداود وغيرهم.  وكلمة رآها تعني أنه اشتهاها.  فأخذها واضطجع معها وأذلها.  والكتاب لا يقول إنه خطفها أو اغتصبها، بل أخذها.  وبعد ذلك أحبها ولاطفها.  وهذا يحدث في كثير من الأحيان.  ولهؤلاء الأشرار أساليبهم الشيطانية في خداع البسطاء.  لقد أخذها واحتفظ بها في بيته أيامًا، ولم ترجع إلا بعد أن تنجست، والكتاب يذكر ذلك ثلاث مرات.  ويا للعار!

إننا نعيش في عالم يزداد شره يومًا بعد يوم.  والأرض التي نحن عليها هي أرض زلقة.  وإن كنا لا نستطيع أن نغير طبيعتها فعلينا أن نسير بكل حذر وحيطة، لأن إبليس كالحية الخادعة الناعمة يحاول أن يقتنص النفوس ليدمرها. 
وشبابنا ليسوا في مأمن من التعرّض لمبادئ العالم وتجاربه والفساد الذي فيه، خاصة في مرحلة المراهقة، حتى لو كانوا قد نشأوا في بيوت تقوية.  فهم يتأثرون بالصداقات والمعاشرات أكثر من البيت والاجتماع في هذه المرحلة العمرية.  لهذا هم يحتاجون إلى رعاية واحتضان وليس فقط إلى الوعظ والتحريض.

وليحذر كل شاب أو فتاة من المشاهدات والقراءات النجسة والمعاشرات الرديئة والأماكن الموبوءة، لأن ما يبدو بريئًا سرعان ما قد يؤدي إلى كارثة رهيبة.

تعلّق الفتى بدينة وأحبها ولاطفها، وذلك بعد أن أذلها.  إنه الإنسان الطبيعي الفاسد الذي لا يعرف معنى الحب الحقيقي، ولا يسعى إلا لإشباع شهواته الجسدية الدنيئة.

وبعد كل هذا كلّم أباه أن يأخذ له هذه الصبية زوجة.  وكما قال أحد الأفاضل: "إن مَنْ لا يحترم ترتيب الله سيدفع ثمن حماقته باهظًا إن آجلاً أو عاجلاً".

سمع يعقوب أن دينة، ابنته الوحيدة، قد تنجست.  فماذا فعل؟ لقد سكت.  وهو الذي في يوم سابق كان يرد على لابان بحجج قوية للغاية يوم تبعه وأدركه في جبل جلعاد، إذ كان يشعر بيد الرب معه.  لكنه هنا أمام عار دينة سكت ولم ينطق بكلمة، إذ كان يشعر بضعفه وأنه في مكان خاطئ.

حاول الشاب أن يسوي المشكلة بالمهر والفضة ليأخذ الفتاة زوجة.  فهو واحد من الأثرياء، وقد تعوّد أن يشتري كل شيء بالمال.  لكن بني يعقوب رفضوا هذا العرض أن يتم التكفير عن الخطية بالمال.  فهل يمكن أن الله القدوس يقبل هذا؟ حاشا وكلا.  إن «أجرة الخطية هي موت»، وليست أعمالاً أو أموالاً.

غضب الأولاد وقرروا الانتقام.  اتفق شمعون ولاوي على الغدر والخديعة.  اقترحا على حمور وشكيم أمر الختان، وكانا يخططان لجريمة بشعة.  حسن الكلام عند حمور وشكيم ابنه ولم يتأخرا عن التنفيذ، حيث كان الفتى مسرورًا بابنة يعقوب.

أتى حمور إلى باب المدينة، وكلم أهل المدينة.  كان في موقع السلطة، فهو رئيس الأرض.  واستغل هذا المركز وأعطى وعودًا زائفة لأهل المدينة لأجل تحقيق رغبة ابنه الشرير.  وهذا هو حال العالم وحكومات البشر.  فكل مَنْ وُضع في مركز السلطة يسيء استعمال هذه السلطة ويوجهها لتحقيق مصالحه الشخصية.

أطاع رجال المدينة تعليمات رئيس الأرض، ودفعوا الثمن باهظًا.  فحدث في اليوم الثالث أن شمعون ولاوي أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن، وقتلا كل ذكر، وقتلا حمور وشكيم بحد السيف، وأخذا دينة وخرجا.  ثم نهبوا المدينة وسبوا النساء والأطفال وكل ما في البيوت.  ويا لها من مجذرة رهيبة لم تكن في الحسبان يوم خرجت الفتاة في براءة لتنظر بنات الأرض.  ويا له من كدر وعار لحق بيعقوب وبيته نتيجة وجوده في هذا المكان الشرير.

إن هذه القصة التي حدثت منذ زمن بعيد، تتكرر كل يوم، لأن قلب الإنسان لم يتغير، في القرية والمدينة، في الأوساط الحضارية الراقية أو في العشوائية والبدائية الفقيرة.  فلتحذر كل بنت لله من أولئك الذين ليس لهم عهد مع الله، الذين دينونتهم عادلة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com