«لأنه مَنْ ازدرى بيوم الأمور الصغيرة» (زك 10:4)
كثيرًا ما نحاول أن نبحث عن ثمر لتعبنا من أجل الرب، بدلاً من أن نتذكر أنه ليس من شأننا أن نتطلع إلى نتائج عظيمة. إن الله قادر أن يُنتج هذه الثمار، ولكن لا يجب أن نحتقر الفرص التي يضعها أمامنا. إن نظرة على خدمة ربنا وسيدنا، تجعلنا ندرك كل مداها.
إنه هو أثناء خدمته هنا على الأرض لم يبحث عن ثمار منظورة رائعة. وعندما جاء إليه سمعان بطرس فرحًا ليعلن له أن الجميع يطلبونه، أجابه يسوع بهذه الإجابة التي خيبت أمله: «لنذهب إلى القرى المجاورة» (مر 38:1). وعندما كان «الجميع يأتون إليه» (يو 26:3) بدلاً من يوحنا المعمدان لدرجة أن لاحظ اليهود ذلك (يو 1:4) «ترك اليهودية ومضى أيضًا إلى الجليل» (يو 3:4)، أي إلى مكان لم يكن مُكرمًا فيه (قارن يو 3:4، 43-44)، حيث في المناسبتين مضى إلى الجليل. كم يجب أن نتعلم منه! إنه لم يطلب نجاحًا يجذب الانتباه.
ولرجلين اثنين فقط وجّه دعوته: «تعاليا وانظرا»، ثم بعد ذلك دعا شخصًا آخر، ثم ثانيًا ثم ثالثًا (يو 1). لم يكن يثق في الكثيرين الذين آمنوا ظاهريًا باسمه، ولكنه بكل عناية كان يهتم في الليل بإنسان واحد، دفعته حاجة أكثر عمقًا إلى الإتيان إليه (يو 23:2، 24، يو 3). وفي مناسبة واحدة فقط نراه يحصد ثمارًا لدى كثيرين (يو 39:4) في سوخار، في السامرة التي كان لا بد أن يجتازها ليهتم، عند بئر يعقوب، بنفس مسكينة متروكة! وكان مريض بركة بيت حسدا وامرأة زانية موضع اهتمامه. ولم يجد راحته إلا عندما أتى بمولود أعمى لكي يمجد الله. ولمّع موت لعازر مجد رئيس الحياة، ولم يتأخر عن أن يعلن أفكاره لمريم التي كانت جالسة عند قدميه.
لنتشجع إذًا ونحن نتأمل شخص الخادم الكامل العجيب، فهو الذي «لم يقدر أن يختفي» (مر 24:7) وكان يسير في طريقه بدون صوت، ولم يكن يطلب أمورًا عظيمة (قارن إر 5:45). وحيثما كان يذهب كانت جموع كثيرة تُحيط به، ومع ذلك كان يبحث عن واحد بين فروع الجميزة يستطيع أن يمكث عنده (لو 19). ولم يتراجع أمام عبور البحر الهائج لأنه كان يوجد شخص أو شخصان فقط من الجدريين يطلبان معونته. وفي بيت رئيس الفريسيين ظهرت نحوه روح عدم إيمان، ولكن كانت تكفي رغبة أحد المتكئين المدعوين الملتهبة ببركات الملكوت لتجعله يعلن عن كنوز نعمة الله (لو 14).