عدد رقم 5 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أسألك فتعلمني  

ورد إلينا هذا السؤال من أحد القراء الأحباء:

س: ذُكر عن الرب يسوع أنه «تألم مُجربًا»، وأنه «مُجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب 18:2؛ عب 15:4).

ما نوع التجارب التي تعرَّض لها؟ وهل كان يُجرَّب بالخطية مثلنا؟

وللإجابة على هذا السؤال نقول:

أولاً، يجب أن نعرف أن عبارة «بلا خطية» لا تعني فقط أنه لم يفعل الخطية ولكن لم تكن فيه خطية، كما يقول الرسول يوحنا: «أُظهر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية» (1يو 5:3).  فلم يوجد فيه ميول نحو الخطية من الداخل.  وهو في ذلك يختلف عن سائر البشر الذين تشاركوا في طبيعة إنسانية ساقطة.  لقد كان قدوسًا ذاتيًا وعمليًا، من الداخل والخارج.  وقد واجه التجارب في حياته كإنسان كامل هنا على الأرض سواء من الشيطان، أو من الناس الذين استخدمهم الشيطان، أو من الظروف الصعبة التي أحاطت به وكانت تضغط عليه.  وكل التجارب التي واجهها كانت من الخارج، وليست من الداخل.

لقد تعرّض لتجارب الشيطان وهو في البرية، مكان الحرمان والأعواز، وسط أصعب الظروف، حيث كان جائعًا لمدة 40 يومًا.  وقد حاول الشيطان أن يغريه بشهوة الجسد ممثلة في الأكل «قل أن تصير هذه الحجارة خبزًا».  وهذا ما حدث قديمًا في الجنة مع الفارق.  فهناك «رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل».  كذلك جرّبه بشهوة العيون إذ أراه ممالك العالم ومجدها.  وهو أيضًا ما فعله في الجنة مع الفارق.  فهناك رأت المرأة أن الشجرة «بهجة للعيون».  وأخيرًا جرّبه بتعظّم المعيشة إذ أغواه أن يطرح نفسه من على جناح الهيكل ويمتحن مواعيد الله أنه سيوصي ملائكته به لكي يحفظوه، ولا يصاب بضرر.  ولا شك أن هذا سيكون مجالاً للارتفاع والتعظّم إذ سيتبرهن أنه المسيّا الذي انطبقت عليه كلمات مزمور 91.  وأيضًا كان هذا أسلوب العدو في الجنة إذ أغوى الإنسان بالارتفاع والتعظّم ليصير مثل الله بالأكل من الشجرة المنهي عنها.

لقد انتصر المسيح على الشيطان في كل تجاربه التي بدأت برغيف الخبز وانتهت بجميع ممالك العالم ومجدها وما بينهما من صور كثيرة للتجارب والإغراء، رفضها المسيح جميعها ولم يتجاوب معها.  ولم يكن بداخله شيء يتجاوب مع هذه العروض والإغراءات وهو في ذلك عكس الإنسان الأول تمامًا.  ولقد قال بفمه قبل الصليب: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يو 30:14).

كذلك نقرأ أن كثيرين قاموا واحد بعد الآخر ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه.  وأنهم كانوا يراقبونه لكي يصطادوا شيئًا من فمه.  لكن الرب يسوع، وهو الآخذ الحكماء بمكرهم، استطاع أن يصمد ضد كل هذه التجارب، ولم يوجد فيه سوى الكمال الرائع الفريد.  لقد تحدى كل الأعداء قائلاً مَنْ منكم يبكتني على خطية.

أما عن تجاربه من خلال الظروف الصعبة التي أحاطت به وكانت تضغط عليه فكان بحق «رجل أوجاع ومختبر الحزن».  لقد اختبر الفقر والحرمان وعاش بلا مأوى ولا عنوان.  عاش بلا نقود.  عاش بلا ممتلكات.  اختبر الجوع والعطش والتعب والإعياء.  اختبر الانفراد والهجر والترك بلا رفيق.  اختبر الظلم والذل والهوان والاحتقار.  اختبر الحزن والدموع.  اختبر الرفض والجحود.  اختبر البغضة ومشاعر العداء.  بدل محبته خاصموه ووضعوا عليه شرًا عوض خير.  لم يجد مَنْ يفهمه أو يتعاطف معه، فعاش وحيدًا في أفكاره ومشاعره.  اختبر الخيانة من يهوذا والإنكار من بطرس والشك من توما.  لقد اختبر كل صنوف الألم والمعاناة الإنسانية، كإنسان كامل مرهف الإحساس لأنه بلا خطية.

وفي كل ذلك لم يتذمر ولم يخر ولم يكلّ.  بل ظل طوال حياته وحتى موته يخدم بطاقة محبة وعطاء لا يتوقف.  لقد أظهر كل الكمَال وفاحت منه كل رائحة عطرة عندما تعرّض لنيران التجارب والأزمات.

وهو من خلال تجاربه الشخصية واختباراته الإنسانية وما تعرّض له من صور مختلفة للتجارب يفهمنا ويرثي لنا ويتعاطف معنا ويُعين ضعفنا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com