من طرق الرب لتعليمنا أنه يستخدم طريقة الرمز والتشبيه ليُقرب لأذهاننا أموراً روحيةً تخصنا ومن المفيد لنا تعلُّمها، ومن هذه التشبيهات تشبيه المؤمن المُشبع لقلب الرب بالنبات المثمر. وما من مؤمن إلا وفي داخله رغبة أن يكون مؤمنًا مثمرًا، لهذا يسوغ لنا أن نتجول معًا في كلمة الرب لنتعلم الكثير عن الحياة المثمرة ولنتعلم أيضًا كيف نأتي بثمر؟
ما هي أهمية الثمر؟
لو رجعنا إلى تكوين1: 29 نجد أن الثمر في النبات عادة يكون لشبع الإنسان وهذا كان بأمر من الرب «من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً» وأصبح ثمر النباتات طعامًا للإنسان، وهكذا المؤمن أيضًا بحياته المثمرة يكون مُشبعًا لقلب الرب وللمؤمنين المحيطين به.
وكما أن النبات يعمل ثمرًا كجنسه (تك1: 11 و12)، هكذا الإنسان بصفة عامة عندما يثمر فإنه يُظهر نوع النبع المتصل به، وهذا ما عبّر عنه الرب بالقول «من ثمارهم تعرفونهم» (مت 7: 16).
وكما أن النبات لكي يثمر يحتاج إلى وقت هكذا أيضًا الحياة الروحية، فلا توجد قفزات فيها، ونفهم من كلام الرب أن المؤمن في إثماره يماثل نبات القمح حيث في البداية يكون نباتًا ثم سنبلاً ثم قمحًا مملوءًا في السنبل (مر 4: 28)، وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى وقت، فلذلك وضح الرب في نهاية تفسير مَثَل الزارع الذي يحدثنا عن كلمة الله ودورها في الإثمار أن المؤمنين الذين يستفيدون من كلمة الله «يُثمرون بالصبر» (لو8: 15)، فلا يجب أن نتعجل الثمر في أنفسنا أو فيمن نخدمهم.
وكما أن الثمر في النباتات أنواع، كذلك فإن كلمة الله تخبرنا عن أنواع من الثمر في حياة المؤمن، وهذا التنوع له مذاقه وجاذبيته، لهذا فرغبة الرب أن المؤمن يأتي بثمر، ويأتي بثمر كثير، ويدوم ثمره.
ما هي أنواع الثمر في حياة المؤمن؟
- العطاء المادي: هو نوع من الثمر. فعن طريقه تسدد احتياجات المؤمنين المعوزين، فيرجعون للرب بالشكر، وهذا يشبع قلب الرب. لأجل هذا عندما كتب الرسول بولس لإخوة فيلبي عن الخدمة المادية قال: «قد أزهر أيضًا مرة اعتناؤكم بي الذي كنتم تعتنونه .. ليس لأني أطلب العطية، بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم .. قد امتلأت إذ قبلت من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم، نسيم رائحة طيبة، ذبيحة مقبولة مرضية عند الله» (في 10:4-18)..
- ربح النفوس: عندما رجعت المرأة السامرية مرة أخرى إلى الرب ومعها نفوس كثيرة من السامرة، قال للتلاميذ: «ارفعوا عيونكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد» وكان يقصد بهذا النفوس التي أتت من المدينة والمزمعة أن تؤمن به. وأكمل الرب حديثه قائلاً: «والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية» (يو 4: 26) فإن مَنْ يربح نفوسًا للمسيح، مثل الحاصد، له أجرة هنا على الأرض متمثلة في فرحه مع السماء التي تفرح بخاطئ واحد يتوب، وله أجرة أيضًا أمام كرسي المسيح، حيث أن هذه النفوس عندما تمثل أمام كرسي المسيح ستكون موضع مدح وافتخار لهذا الحاصد. وهذا ما وضَّحه بولس عن خدمته في فيلبي 4: 1؛ تسالونيكي الأولى 2: 19. وهنا تُثار التساؤلات: كم شخصًا ربحناه للرب؟ وما مقدار الثمر الذي جمعناه للحياة الأبدية؟
- التسبيح: إن الذبائح التي نقدمها هي ذبائح روحية وجميعها لشبع قلب الرب ومن ضمن هذه الذبائح «ذبيحة التسبيح» التي قال عنها الكتاب: «فلنقدم به لله في كل حين ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه» (عب 13: 15). فتسبيحاتنا التي نقدمها به (من خلال عمل الرب كرئيس كهنة) إنما هي ذبائح تتصاعد لله نسيم رائحة طيبة حيث يضيف عليها الرب كمالاته الشخصية، وتتصاعد أمام الله كما لو كان المسيح نفسه هو مقدمها. «في وسط الكنيسة أسبحك» (عب 2: 11).
- الأعمال الحسنة النافعة: في رسالة تيطس 3: 8-15 يوصي بولس تيطس قائلاً: «صادقة هي الكلمة وأريد أن تقرر هذه الأمور لكي يهتموا الذين أمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة. فإن هذه الأمور هي الحسنة والنافعة للناس»، ويختتم هذا الجزء بالقول: «وليتعلم مَنْ لنا أن يمارسوا أعمالاً حسنة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا بلا ثمر» من هذه الآيات كما من كل كلمة الله نتعلم أن الإيمان لابد أن يُترجم إلى أعمال حسنة بالله معمولة، وهذه الأعمال تبرهن على إيماننا لدى ضمائر الآخرين، وذات الأعمال تصبح مصدر نفع لهم. (راجع الآيات التالية لترى كم أن أقوالنا وأعمال أيدينا هي من الثمار التي تصبح ذات نفع لنا وللآخرين مز 104: 13؛ أم 12: 14؛ 13: 2؛ 18: 20 و21؛ 31: 31؛ إش 3: 10).
- الذهن المثمر (1كو 14: 14): عندما تصوغ كلمة الرب أفكارنا، وعندما تتجدد أذهاننا بكلمة الله، وبخضوعنا لعمل روح الله، حينئذ نستطيع أن نقدم ما فهمناه من كلمة الله إلى شعب الله فيثمر فيهم بنيانًا.
- إظهار صفات المسيح فينا (يو 15): الثمر بحسب يوحنا 15 هو ظهور حياة المسيح فينا، في كل صفاتها من وداعة وتواضع وطول أناة .. الخ.
- الثمر المرتبط بالحياة الناضجة: «أيضًا يُثمرون في الشيبة يكونون دسامًا وخضرًا» (مز 92: 14). هذا ما نراه واضحًا في السنوات الأخيرة في حياة يعقوب ونراه في حياة موسى وغيرهم. إن الحياة التي تُقضى في الشركة مع الرب والسنوات التي نعبرها وأيادينا في يده، ينتج عنها الكثير من السجايا والخصال الحميدة في أشخاصنا ولها الكثير من الثمر النافع لقطيع المسيح. لذلك كلما تقدم المؤمن في الاختبار ودخل إلى أعماق الشركة مع الرب يتضح تأثير ذلك في خدمته للرب وسط قديسيه.
(يتبع)