صاحب القرار الذي خسر 83%
”على مر التاريخ اليشري قُسِّمت ممالك وإمبراطوريات، أو سقطت، كنتيجة لقرار أحمق من قائد واحد“. هذا ينطبق بشدة على رحبعام. فهيا لنتعرف به ..
هو الابن الوحيد لسليمان الذي نعرف اسمه. والأرجح أن له كُتِبَ سفر الأمثال . من معنى اسمه ”موسِّع الشعب“ يبدو كم كان توقُّع سليمان من ابنه (شأنه شأن أغلب الآباء) أكثر بكثير من اللازم، وأكثر مما بذله الأب ليكون الابن مثمرًا. والعكس هو ما حدث، فتمّ فيه ما سبق وقاله سليمان: «تعبي ... أتركه للإنسان الذي يكون بعدي. ومَن يعلم، هل يكون حكيمًا أو جاهلاً، ويستولي (يتولى الحكم) على كل تعبي الذي تعبت فيه وأظهرت فيه حكمتي تحت الشمس؟» (جا2: 18 ،19)، أوَ كان إلا جاهلاً؟َ! وهو ابن نعمة العمونية، أي أنه نتاج زواج سليمان بأجنبيات، الأمر الذي جعل الشعب كله يلتقط حمى الوثنية، وعلى رأس المصابين كان رحبعام نفسه، الذي في أيامه بدأت مملكة يهوذا في الغرق في الشر.
الاسم: |
رحبعام ”موسِّع الشعب“ |
الأب: |
سليمان ”سلام - مسالم“ |
الأم: |
نعمة العمونية ”مسرّة لُطف“ |
التقرير الإلهي: |
«عمل الشر في عيني الرب» |
مَلَك وعُمره: |
41 سنة مَلَكَ: 17 سنة |
الشواهد الكتابية: |
1مل12: 1-24؛ 14: 21-31؛2أخ10: 1 - 12: 16 |
ما اشتهر به: |
انقسمت المملكة بسبب قراره |
آية مفتاحية: |
2أخ 12: 14 |
مَلَك رحبعام وعمره 41 سنة، وهذا يعني أنه عاصر عظمة سليمان منذ صباه.
وسنّه هذا يعني أنه لم يكن طفلاً. على أن تصرفاته كانت صبيانية للغاية.
لم يرث ملكٌ ميراثًا ضخمًا فخمًا كما ورث رحبعام. ولم يخسر واحدٌ في حياته مثلما خسر. فقصة رحبعام هي قصة خسارة على طول الخط؛ خسارة لوحدة مملكته، للاستقامة، لوحدة الوطن، ولسلطة الدولة على أرضها.
* التعبير «يا ابني» ورد 22 مرة في سفر الأمثال (1: 8،10،16؛ 2: 1؛ 3: 1،11،21....) ولعل أهمها حين قال «يا ابني كُن حكيمًا وفرِّح قلبي فأُجيب من يعيّرني كلمة» (27: 11) وهذا، بكل أسف، ما لم يكنه بل كان نقيضه.
إن أردنا، فما الذي يمكن مدحه عليه؟ أ قليل من زمن الطاعة؟! في المقابل: مَن يعفيه من مغبّة ما اقترف من جرائم: الانقسام، الوثنية، التزييف؟!
القرار الأحمق
جاء جميع الشعب ليملِّك رحبعام. ولم يكن لديهم سوى رغبة واحدة «خَفِّفْ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ»، ولا شك إنه مطلب عادل.
لب رحبعام مهلة ثلاثة أيام. وحسن أن نفعل هكذا في الأمور الجوهرية فلا نتخذ قرارات كَرَدِّ فعل بل لنترك لأنفسنا الفرصة للتصرف الأفضل.
ذهب رحبعام للمشورة إلى الشيوخ الذين كانوا يقفون أمام سليمان. وكانت بداءة حسنة أن يلجأ إلى أولئك الذين تعلّموا الحكمة من سليمان أبيه وصقلتهم خبرة الزمن، وليته أكمل. وحسن أن نستشير (أم11: 14؛ 15: 22؛ 24: 6)، لكن من هم مشيرونا؟ لا بد أن يكونوا من صنف الذين تعلّموا الحكمة النازلة من فوق في مدرسة الله.
وقد كانت مشورة الشيوخ «إِنْ كُنْتَ صَالِحًا نَحْوَ هَذَا الشَّعْبِ وَأَرْضَيْتَهُمْ وَكَلَّمْتَهُمْ كَلاَمًا حَسَنًا يَكُونُونَ لَكَ عَبِيدًا كُلَّ الأَيَّامِ» أوَ ليس هذا عين الصواب؟! على أنها لم تلتقِ مع هوى قلبه «فَتَرَكَ (وهي كلمة تنُمّ عن فعل عمد) مَشُورَةَ الشُّيُوخِ». يا له من عناد أحمق أن يترك مشورة الذين وقفوا أمام سليمان الذي قالت عنه ملكة سبا يومًا: «طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائمًا السامعين حكمتك» (1مل10: 8).
لقد كان قبوله لمشورتهم يعني أن يتضع ويجعل نفسه خادمًا للشعب، فهل يقبل ابن العز هذا؟! للأسف لا، لذا لم يقبلها قلبه المتكبر، مع أن كل القادة الأتقياء كانوا خدامًا لشعبهم؛ فكِّر في موسى ويشوع وصموئيل وداود، ولنذكر ما قاله سيدنا الكريم: «أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم.. فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا.. كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم» (مت20: 25-28). لنقتفِ إذًا آثار الرب لا عظماء العالم.
لقد كان العيب الوحيد في هذه المشورة أنها لم تتفق مع ميوله، فاتجه إلى رفاقه ليسألهم. وهنا يبدو لي أنه كان على استعداد أن يستشير الكل إلا الرب! فما فَكَّرَ أن يفعل كما فعل سليمان في بدء مُلكه عندما صلّى طالبًا حكمةً، ولا سمعنا أنه استشار نبيًا للرب ليخبره عن فكره.
ذهب إلى الأحداث الذين «وقفوا أمامه»، ومن هذا التعبير يبدو جليًا خداع رحبعام لنفسه إذ أراد أن يشعر بقيمته، ومَلق أصدقائه من الناحية الأخرى، كما ويبدو خطورة ضغط الرفاق. فلنحذر جميعًا من هذه كلها، وبصفة خاصة كشباب. والأحداث وقد نشأوا في القصور والمنتزهات والأبّهة، لم يقبلوا فكرة أن يَقِلّ هذا المستوى من الرفاهية عن الجيل الماضي بل فكّروا في الأكثر؛ لذا كانت مشورتهم القاتلة والتي قبلها رحبعام. وهنا ينبغي أن أستعير قول أبيه «المُساير الحكماء يصير حكيمًا ورفيقُ الجُهّال يُضَرّ» (أم13: 20)، وأيَّ ضرر أضرّ رحبعام نفسه؟!
قالوا له «هَكَذَا تَقُولُ لِلشَّعْبِ... إِنَّ خِنْصَرِي (الإصبع الأصغر في اليد) أَغْلَظُ مِنْ مَتني أَبِي (وسطه)». هل نرى كيف خاطبوا الذات فيه فأفلحوا في التأثير عليه؟ إنها واحدة من أشهر خطط العدو، فلنتعلم.
جاءت لحظة اتخاذ القرار وما أخطرها! فكما قال فرانك بورهام ”نحن نصنع قراراتنا، وبعد ذلك تمسك قراراتنا زمام المبادرة وتصنعنا“. ومن الممكن أن ننسى قراراتنا لكن قراراتنا لا تنسانا، بل سنحصد ما نزرع. فلنتروَّ إذًا ونأخذ قراراتنا بحكمة.
كان بيد رحبعام وحده أن يجعل الأمور أفضل، لكنه كان من النوع الذي لا يطيق أن يبقى على صواب! فرجل في وضعه كان ينبغي ألا يتخذ مثل هذا القرار. لقد ضرب عرض الحائط بمبدأ جده (2 صم 23: 3) وبحكمة أبيه (أم15: 1؛ 18: 12)، رفض أن يتعلم من الماضي، وفوق الكل نسى أمر الله له كملك (تث 17: 18-20). لقد كان مقتنعًا برأيه: أن يستعرض قوته لا أن يربح الآخرين باللطف. والذات دائمًا مقتنعة أن وجهة نظرها صحيحة، ويا لها من تجربة أن نثق في الذات!
جاوب رحبعام الشعب بقساوة متعجرفة: «أَبِي ثَقَّلَ نِيرَكُمْ» إذًا فأنت تعترف يا رحبعام بعدالة المطلب، فما بالك تضيف «وَأَنَا أَزِيدُ عَلَيْهِ»؟ إنه يعطيني انطباعًا أنه كان قد قرَّر من البداية ما سيفعل، والاستشارة إنما كانت شكلية، فما في القلب في القلب.
«أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ (نوع من السياط له عدة أفرع ينتهي كل منها بجسم صلب)» ويا لقساوة الطبيعة البشرية، التي متى أُطلق لها العنان أظهرت كل سجايا عدو الخير!!
وماذا كانت العاقبة «أَيُّ قِسْمٍ لَنَا فِي دَاوُدَ! وَلاَ نَصِيبَ لَنَا فِي ابْنِ يَسَّى. كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ يَا إِسْرَائِيلُ» القول الذي قاله يومًا بلؤمٍ شبع بن بكري (2صم20: 1) قاله كل الشعب اليوم بحقٍ. «الآنَ انْظُرْ إِلَى بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ!». وكانت النتيجة المُرّة «وَذَهَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى خِيَامِهِمْ». وبذلك خسر عشرة أسباط يشكلون 83% من شعبه، وما بقي له إلا القليل، لا لفضل عنده بل من أمانة الله نحو داود. وهكذا كان انقسام المملكة أروع خَطب ألمَّ بالشعب في تاريخه، حتى صار مقياسًا يُقارَن به أي كارثة (إش 7: 17)! انفصلوا إلى مملكتين لم تجتمعا رغم مرور 30 قرنًا من الزمان، الأمر الذي لن يحدث إلا بمجئء المسيح الملك!
لقد أكَّدت أوائل القرارات الرسمية لسليمان حكمته (1مل1-3)، وعلى ذات القياس أعلنَ أول قرار لرحبعام حماقته. فيا لها من بداية!
ولحديثنا عن رحبعام بقية، إن شاء الرب وأبقانا .