عدد رقم 2 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بلوطة البكاء   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

(تك 6:35- 8)

«فأتى يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان، وهي بيت إيل» (ع 6).  وكلمة «لوز» تعني "انفصال"، و«بيت إيل» تعني "بيت الله".  فإن كنا نُقدِّر بيت الله، علينا أن ننفصل عن كل ما يخالف مبادئ هذا البيت.  وبكل أسف ما أقل مَنْ يُقدِّرون الحق الخاص بكنيسة الله، والانتماء إلى بيت الله، واستعلان مجد الرب في وسط الكنيسة، الذي يتطلب الطاعة والتقوى والقداسة.  هناك بنى يعقوب مذبحًا لله، وهذا هو السجود الصحيح المرتبط بحضور الرب، «لأنه هناك ظهر له الله» (ع 7).

«وماتت دبورة مرضعة رفقة، ودُفنت تحت بيت إيل تحت البلوطة.  فدعا اسمها ألون باكوت (بلوطة البكاء)» (ع 8).  لقد سبقت الإشارة إلى «البطمة التي عند شكيم» (ع 4)، حيث دُفنت الأصنام هناك قبل الصعود إلى بيت إيل.  وقد فهمنا أن البطمة تمثل صليب المسيح وقبره، الذي أنهى ارتباطنا بالعالم المليء بالأصنام.  ووراء هذه الأصنام تكمن قوة شيطانية (تث 17:32؛ 1كو 20:10).  والإنسان بالسقوط أصبح عبدًا للشيطان وللمبادئ العالمية.  وحيث الإشارة إلى الأصنام فإننا نرى العالم في فساده وشروره.  ونحن لا يمكن أن نخدم سيدين.  لهذا عند الصعود إلى بيت إيل فقد أخذ يعقوب الأصنام ودفنها «تحت البطمة التي عند شكيم.  ثم رحلوا».  فلا يمكن أن نعيش في بيت إيل ومعنا أشياء لا تتوافق مع قداسة الله.  إن العالم حولنا تحكمه مبادئ الشهوة والكبرياء والاستقلال عن الله والتمركز حول الذات.  إنه يخضع للشيطان باعتباره «رئيس هذا العالم» (يو 31:12، 30:14، 11:16).  لكن العالم ورئيسه قد دِينَ في الصليب.  هذا ما أشار إليه المسيح مرتين (يو 31:12- 33، 8:16- 11).  وهذا ما ذكره الرسول بولس أيضًا في كولوسي 15:2 وعبرانيين 14:2.  إن الصليب يفصلنا عن العالم الواقع تحت القضاء والدينونة أدبيًا (غل 14:6)، وينقلنا إلى عالم جديد يسود فيه المسيح المقام والمُمجَّد.  إن الله الآب قد «أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته» (كو13:1).  والمسيح الذي ارتفع بالصليب قد جذبنا إليه وحررنا من سطوة هذا العالم.  هذا ما نتعلمه من درس «البطمة التي عند شكيم» (ع 4).

وقبل أن يسترسل الروح القدس في سرد تفاصيل الوضع الجديد ليعقوب في بيت إيل، فإنه يتوقف لكي يعلن لنا عن موت دبورة مرضعة رفقة، ودفنها أيضًا تحت البلوطة عند بيت إيل، والتي دعاها يعقوب «بلوطة البكاء».  لقد رافقت دبورة رفقة ورافقت أيضًا يعقوب لسنوات طويلة.  وبالتأكيد أنها كانت متقدمة في الأيام.  لكنها الآن ماتت ودُفنت تحت بيت إيل.  وبالنظر للعشرة الطويلة والشعور بالوفاء، فقد بكوا عليها.  ولكن لماذا تُذكر هنا وما هو المدلول الروحي؟ إن البلوطة مثل البطمة ترمز إلى صليب المسيح، وإنما من زاوية أخرى.  فليس فقط أن نهاية العالم الوثني بفساده كانت في الصليب، بل أيضًا العالم الديني بفرائضه الناموسية قد انتهى في الصليب.  وهذا ما نراه في رسالة غلاطية.  إن موت المسيح قد قطع الارتباط بالمرضعة التي تمثل الناموس، (كما أشار هوجر بوتر)، ووضع النهاية لفترة الوصاية، حيث كان اليهود يعيشون تحت عبودية الفرائض الناموسية.  هذا ما قاله الرسول: «كنا محروسين تحت الناموس، مُغلقًا علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلَن.  إذًا كان الناموس مُؤدِّبنا إلى المسيح، لكي نتبرَّر بالإيمان.  ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مُؤدِّب» (غل 23:3- 25).  وكلمة «مؤدِّب» تعني شخص مسئول عن طفل قاصر يربيه ويفرض الوصاية عليه.  وهذا ما تشير إليه المرضعة هنا.  لقد عجز الإنسان أمام مطاليب الناموس وكان تحت العبودية.  لكن الصليب قد قطع العلاقة بالناموس وأسس علاقة جديدة مع الله عن طريق الإيمان بالمسيح يسوع، «لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع» (غل 26:3). 

قبل مجيء المسيح كان اليهود تحت عبودية الناموس وفرائضه، وكان الأمم تحت عبودية الأوثان والشيطان، لكن الله أرسل ابنه ليحرر هؤلاء وأولئك.  «لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه .. ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني.  ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبا الآب» (غل 4:4- 6).

لقد «تحررنا من الناموس إذ متنا للذي كنا مُمسَكِين فيه، حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف» (رو 6:7).  لهذا فإن سلوكنا لا يرتبط بفرائض الناموس (كو 16:2).  بل إن قاعدة حياتنا هي شخص المسيح المقام من الأموات.
وكما بكى يعقوب ومَنْ معه على دبورة قبل التمتع ببركات بيت إيل، هكذا في الاختبار المسيحي العملي، ليس سهلاً التخلي عن المبادئ الدينية القديمة التي تعلمناها في الطفولة والتي تأصلت في كياننا.  وهذا ما حدث مع العبرانيين الذين تركوا اليهودية وتخلوا عن مبادئ الناموس والتراث الديني العالمي.  ولم يكن سهلاً أن يخرجوا إلى المسيح خارج المحلة حاملين عاره.  فإن هذا اقترن بالحزن والدموع في البداية.  وكان من الصعب للغاية قطع الرُبط القديمة، أو ترك الديانة الجسدية القديمة.  وهذا ما حدث مع بطرس الرسول نفسه وهو ذاهب إلى كرنيليوس الأممي (أع 14:10، 28) وحتى بولس نفسه انزلق يومًا إلى تقاليد الناموس (أع 20:21- 26)، مع أنه وبّخ بطرس على ذلك (غل 12:2).

إن التحرر من الناموس ووصايته علينا، وامتلاك روح التبني، هو ما يؤهلنا للوجود في بيت إيل، والتمتع بامتيازات بيت الله، حيث يظهر الله ذاته لنا (ع 9).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com