عدد رقم 3 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نصائح شيطانية  

عزيزي علقم:

علمت، بكل أسى، أن مريضك قد صار مسيحيًا!  وبداية أقول لك لا تُمنّي نفسك بالنجاة من العقاب المعتاد في مثل هذه الحالات.  على أني آمِل أن العقاب سيجعلك تُحسن التصرف في المرات القادمة، فلا يكون هناك خطأ وبالتالي لا يكون هناك عقاب.  أما من جهة مريضك، فعلينا في الوقت الراهن أن نعمل ما في وسعنا لنحقِّق الأفضل في مثل هذه الظروف التي وضعتنا فيها بإهمالك.  وكما تعلم أنه لا مجال لليأس عندنا، ولا سيما أن المئات من هؤلاء المتجدّدين قد عادوا إلينا بعد سياحة قصيرة في معسكر العدو.  وما يزيد الأمل لديك هو أن كل عادات المريض الفكرية والجسدية تعمل لصالحنا.

وفي هذه الرسالة ألفت انتباهك لتعلم أن واحدة من أعظم القوى المعاونة لنا في الوقت الحاضر لاسترجاع هذا المريض من المسيحية هي الكنيسة.  وبالطبع أنا لا أقصد الكنيسة كما نراها نحن، في جوهرها الأصيل، تنتشر في كل مكان وزمان، تمد جذورها للأزل ولها مقاصد تصل للأبد، وهي لنا مُرهبة كجيش بألوية، تجعل أكثر المجرِّبين عندنا حنكة وجسارة يرتعدون منها - بالطبع لا أقصد هذا.  ومن حسن حظنا أن البشر لا يرون الكنيسة هكذا كما نراها نحن ونُقِّر برهبتها ونرتعد منها.  لكنني أقصد الكنيسة كما يراها مريضك، فكل ما يراه مريضك فيها هو هذه النقوش والقباب والمباني والتي يجتهد مهندسوها أن يبنوها على مثال كنائس العصور الوسطى، والتي كل وظيفتها أن تملأ الداخل إليها بالرهبة الزائفة.  لكن لا تنزعج بهذا الخشوع المزيف، فهو بمجرد ما يدلف للداخل سيجد هذا البقال، صاحب محل البقالة القريب من منزله، يقف أمامه بتعبيرات وجهه الزيتية السمِجة، وهو يقفز يمينًا ويسارًا ليقدِّم له كتابًا صغيرًا لامعًا يحتوي على الصلوات التي سيرددونها وهم لا يفهمون معناها، كما يقدم له كتابًا آخر متهالك يحتوي على عدد من الترانيم مكتوبة بلغة ركيكة وبخط صغير وسيئة الطباعة.  وبمجرد ما يأخذ مكانه بين الجالسين، سيجد نفسه جالسًا وسط مجموعة من الناس على شاكلته، ومعظمهم من جيرانه، والذين يتجنب دائمًا لقاءهم.  هنا سيبدأ عملك!  فعليك أن تجعله يعطي كل اهتمامه للتأمل في هؤلاء الجيران والتفكير فيهم.  ابدأ على الفور عملية التشتيت المعتادة، والتي تدرّبت عليها كثيرًا كواحدة من أهم وسائلنا، ولتكن من خلال النقل السريع من العبارات التي يسمعها في الكنيسة إلى الناس والعكس؛ على سبيل المثال أنقله بسرعة من عبارة مثل ”جسد المسيح“ إلى وجوه هؤلاء الجالسين في المقاعد التي أمامه، ولا يهمك كثيرًا نوعية وطبيعة هؤلاء الجالسين، أقصد أن لا ترتبك كثيرًا إذا رأيت بينهم شخصًا معيَّنًا أنت تعرف أنه محارب صنديد في معسكر العدو.  فمريضك، والشكر لأبينا السفلي، غبي بالقدر الكافي الذي يجعل وجود هذا المحارب لا يمثِّل خطرًا علينا.  فهو يكفيه، لكي يفقد تركيزه وينصرف تمامًا عن ما يسمع، أن يخطئ واحد من الجالسين ويرنِّم بنغمة نشاز عن الباقين، أو أن يكون أحد هؤلاء الجالسين أمامه  يلبس حذاءً يُصدر بعض الأصوات، أو يرتدي ملابس غير متناسقة في مقاساتها أو ألوانها أو موديلاتها، أو أن يكون لذقنه أو أنفه أو أذنيه شكل غريب.  كل هذا، وغيره، يكفي جدًا لمريضك لكي يطيل التأمل فيهم وينصرف عما يسمع، بل ويكفيه لكي يقضي طول الوقت يتعجب من ديانة وعبادة هؤلاء الناس، بل ويراها عبادة سخيفة بلا معنى.  وفي حالته هذه ربما تكون قد لاحظت أن عنده فكرة في ذهنه عن المسيحين أنهم روحيين، لكنه رسم في ذهنه صورة لهم وللروحانية خاطئة تمامًا، ولن يحاول أن يفهم الصورة الحقيقية.  فهو كواحد وضع في خياله أنه سيرى بشرًا لابسين ملابس العصور الوسطى، ومع أن الواقع أمامه يعلن بشدة أنهم يلبسون الملابس الحديثة كباقي الناس، إلا أنه لا يرى هذا ولا يُقِّر به، فهو يراهم كما سبق وحدَّد كيف سيراهم.  هنا عليك مهمة في غاية الأهمية: أن تجعله يستمر هكذا، وأن لا تُعطه فرصة ليتفحّص الأمر ويكتشف الحقيقة.  اجعل كل شيء بخصوص هذا الأمر مشَّوشًا في ذهنه الآن، وسيكون عندك بعد ذلك الأبدية بطولها لكي تُسلي نفسك بكشف الحقيقة له وإعطاءه هذا النوع من الوضوح الذي تقدّمه الهاوية.

هيا اشتغل باجتهاد شديد على هذا الشعور بالإحباط وعدم التكييف، والذي حتمًا سيُداهم مريضك في هذه الأسابيع الأولى التي فيها يبدأ حياته الجديدة كواحد من رواد الكنائس.  ومن المهم أن تعلم أن العدو يسمح بهذا الإحباط أن يحدث للبشر، خاصة في تلك الأوقات المتوسطة بين مرحلتين من مراحل حياتهم.  فهو يحدث للأطفال الصغار في بداية مرحلة التعليم الإبتدائي عندما ينتقلوا من مرحلة الحضانة بقصصها المسلية الجميلة إلى مرحلة الإبتدائي ودروس اللغة الثقيلة.  وتحدث للبالغين في بداية حياتهم الزوجية عندما ينتقلوا من مرحلة الخطبة وأحلامها وأمانيها إلى مرحلة الزواج حيث يبدأوا معًا على أرض الواقع تعلُّم كيفية التعايش معًا وتأقلُم أحدهما مع الآخر.  في كل مرحلة من مراحل الحياة يبرز الإحباط كعلامة مميِّزة لفترة الانتقال من مجرد الحلم المبهج إلى الواقع العملي المضني.  وربما تتساءل لماذا يخاطر العدو ويسمح لهم بهذا الإحباط؟  هذا لأنه لم يتخلَّ عن هذا القصد الغريب والمثير في أن يخلق من هذه الديدان البشرية الحقيرة، والتي تثير اشمئزازنا ما يسميه: ”محبوه وخدامه الأحرار“!!  أو ”أبناء“ كما اعتاد أن يدعوهم!!  وهذا بالطبع يتوافق مع رغبته المعروفة والمعتادة في تقويض دعائم العالم الروحي كله من خلال علاقته الحبية الحميمة مع هذه الحيوانات ذات الرجلين!  إنه يبغي بشدة حريتهم، لذلك هو يرفض تمامًا أن تحملهم عواطفهم وأحاسيسهم، أو حتى عاداتهم إلى مقاصده من أجلهم!! إنه يريدهم، من خلال الإحباط، أن يقودهم لإتمام مقاصده من نحوهم بكامل حريتهم من مشاعرهم وعاداتهم، وبمحض اختيارهم الواعي!  وهذا على الرغم من خطورته علينا، إلا أنه يمثِّل الفرصة الذهبية لنا إن أحسنا استخدامه.  فهم إذا استطاعوا تحمل جفاف ويبوسة هذه المرحلة الصعبة، وعبروها بنجاح، سيصبحون بعد هذا قليلي الاعتماد على مشاعرهم وأحاسيسهم، وهذا يجعل مهمتنا في تجربتهم صعبة للغاية.  لذلك عليك أن تعمل باجتهاد لترجعه إلينا أثناء تلك المرحلة، أقصد مرحلة الشعور بالإحباط من أعضاء الكنيسة.

وقد كتبت إليك هذا على فرض أن الجالسين أمام مريضك في الكنيسة ليس فيهم منطقيًا ما يدعو حقًا للإحباط، وبالتالي فالعمل كله يعتمد على استغلال غباء مريضك، لكن، إذا كان في واحد منهم، أو أكثر، ما يدعو حقًا للإحباط؛ كأن تكون هذه السيدة الجالسة أمامه بقبعتها الغريبة معروف عنها النميمة وزرع الخصومات، أو أن يكون هذا الرجل صاحب الحذاء الذي يصدر أصواتًا غريبة معروف عنه البخل وعدم الأمانة في معاملاته المادية، فبكل تأكيد ستصبح مهمتك سهلة للغاية.

وكل ما تبقى عليك أن تعمله في هذه المرحلة هو أن تبعد عن ذهنه تماما هذين السؤالين:

  •  إذا عشت حقيقتي كما أنا، هل أعتبر نفسي مسيحيًا فعلاً وحقًا؟      
  •  لماذا لا يسلك أعضاء الكنيسة بالقداسة؟  لماذا أخلاقياتهم تؤكد أن ديانتهم مجرد تدين ورياء؟

وقد تتساءل فتقول: وهل من الممكن أن لا تأتي هذه الأسئلة الواضحة كل الوضوح إلى ذهن الإنسان في مثل هذه الحالات؟  أجيبك: نعم!  صدقني يا علقم إنها لا تأتي!  فقط تعامل مع مريضك بحنكة وعناية وتأكد أنها لن تأتي إلى رأسه.  تأكد أنه لم يَقضِ بعد وقتًا كافيًا مع العدو لكي يتعلم الاتضاع الذي يقوده إلى مثل هذه التساؤلات.  ولا تنزعج من كلام شفتيه حتى وهو على ركبه في الصلاة عندما يتكلم عن رداءته وخطيته؛ إنها مجرد عبارات جميلة ومريحة للنفس.  فهو يقول هذا بشفتيه لكنه في أعماقه يشعر بالفخر والرضى، بل وبأنه حقَّق إنجازًا كبيرًا وارتقى في معسكر العدو الكثير من الدرجات لمجرد أنه رجع إلى عدونا.  وهو يعتقد في نفسه أنه يتضع كثيرًا بل ويتنازل عندما يقبل أن يذهب إلى الكنيسة مع هذه المجموعة من جيرانه وهم أناس غير ملتزمين أخلاقيًا لكنهم راضين جدًا عن أنفسهم!  هيا احتفظ بذهنه على هذا الحال أطول مدة ممكنة.

   هذا المقال فيه نتابع ترجمة مقالات الكاتب المسيحي الإنجليزي الشهير C.S.  Lewis والذي كان يعمل أستاذًا للأدب الإنجليزي في جامعتي أكسفورد وكامبريدج.  وفي هذه المقالات يتخيل شيطانًا عجوزًا محنَّكًا يرسل رسائل لشيطان صغير يعلِّمه فيها كيفية إفساد حياة البشر ولا سيما المؤمنين. 

 المحرر

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com