عدد رقم 3 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
معجزة الولادة الجديدة والفيلانثروبيا  

من اللحظة التى كسر آدم فيها الوصية الوحيدة التي أعطاها له خالقه العظيم فى الجنة، وامتدّت يده الى الشجرة الوحيدة التى أوصاه الله أن لا ياكل منها؛ من نفس هذه اللحظة، دخل آدم فى حالة من الموت الأدبي الذي أورثه لكلِّ نسله من بعده، وهذا ما يعلنه الرسول بولس بكل وضوح فى رومية 5: 12 إذ يقول «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيه إلى العالم وبالخطيه الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع».  ولم يكن هذا الموت هو انفصال الروح عن الجسد، بل انفصال الإنسان عن الله، مصدر حياته ووجوده.  وأصبح كل إنسان يولد في حالة الموت هذه والتي أهم ما يميّزها هو تمركز الإنسان حول ذاته، ومحاولته أن يجعل من نفسه مركزًا يدور العالم كله في فلكه. 

وأي إنسان يتأمل ويلاحظ البشر، على مختلف أعمارهم، من الطفل الصغير الى الشيخ الكبير، سيجد هذا السلوك واضحًا كل الوضوح.  فإن الطفل، منذ أن يولد، يحاول أن يجذب الأنظار إلى نفسه بكل الوسائل، ويحاول أن يستحوذ على الحب من عائلته؛ وإذا أحس أن أي شخص آخر سوف يشاركه فى هذا الحب والاهتمام، فسرعان ما تظهر صفات الطبيعة الفاسدة من حسد وحقد، بل وقد تصل الى محاولة إيذاء هذا الآخر، حتى ولو كان أخاه.

وبالطبع كلّما كبر الإنسان واتسعت دائرة علاقاته وتعاملاته مع الآخرين، كلما زادت محاولته أن يكون هو مركز الاهتمام ومحور التقدير، سواء في عائلته، أو بين أصدقائه، أو فى عمله.  وعلي قدر نجاحه فى هذا الأمر على قدر شعوره بالنجاح والسعادة، وكلما فشل كلما شعر بالحزن والإحباط.

ومن الممكن أن يعيش الإنسان طوال حياته فى هذه الحالة البائسة من الجوع للاهتمام والتقدير، ومحاولة استغلال الآخرين لإشباع هذا الجوع.  فتصبح علاقته بأى إنسان أساسها الفائدة التى ستعود عليه من هذه العلاقة؛ سواء كانت فائدة مادية أو نفسية.  فلا يقدِّم أى شيء إلا إذا ضمن أن مِن ورائه المقابل المناسب.  حتى المشاعر، من حب وتقدير واحترام للآخرين؛ لا بد وأن يجد العائد النفسي المناسب لها، وإلا يتوقف فورًا عن تقديمها.

من الممكن أن يعيش الإنسان طوال حياته فى هذه الحالة البائسة من الجوع للاهتمام والتقدير، ومحاولة استغلال الآخرين لإشباع هذا الجوع.  فتصبح علاقته بأى إنسان أساسها الفائدة التى ستعود عليه

لكن تأتي لحظة تحدث فيها المعجزة؛ ويتقابل الشخص فيها مع الرب يسوع، ويتلامس مع نوعية جديدة من الحب، نوعية لم يعرفها أو يختبرها طوال حياته.  يجد شخصًا عظيمًا حنونًا يحبه بدون شروط ولا حدود.  يجد شخصًا رائعًا قدوسًا، يعرف كل فساده وشرّه، ومع ذلك يحبه ويقبله، بل ويجد منه كل التقدير والقبول الذى كان يلهث ورائه، بل ويتسوله من الآخرين.

ويا لروعة هذه المعجزة!  ويا لعجب ما تصنعه فى الإنسان!  بالفعل، كما قال السيد الحبيب، «تجرى من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 38)؛ يتحول الإنسان الأناني المشوَّه نفسيًا إلى إنسان يفيض بالحب والعطاء.  يجد مشاعر جديدة تتولَّد في داخله، مشاعر لم يعرفها من قبل.  وإذا بالقلب القاسي الذي لا يعرف سوى الأنانية وحب الذات، يتحوَّل إلى قلب رقيق يتألم لآلام البشر ويتعاطف مع الإنسان، قريبًا كان أم بعيدًا.  وكلما يملك المسيح على حياته وتسري حياته في كيانه، كلما تزداد قيمة الإنسان- كل إنسان- في نظره، بغضِّ النظر عن جنسه أو ديانته أومستواه الاجتماعي.  وتظهر فيه لمحات من محبة السيد الذى قال «لذاتي مع بني آدم» (أم 8: 31).

وقد اختبرنا هذا فى اجتماعنا، حين تكوَّنت أسرة صغيرة باسم ”الراعى الصالح“ يذهب أعضاؤها إلى المستشفيات العامة ويفتقدون المرضى ويقدِّمون لهم مشاعر الحب والحنان.  وما أجمل هذه اللحظات التي نرى فيها الفرح على وجوه متألّمة بسبب المرض والفقر الشديد!  بل وتنشأ علاقة صداقة بين الإخوة والمرضى، فيرفعوهم أمام الرب في الصلاة، ويقومون بالاتصال بهم، والإطمئنان عليهم حتى الشفاء، وحتى يطمئنوا أن البشارة المفرحة قد وصلت إليهم واضحة.

حقا إن كل من اختبر الولادة الجديدة يحيا في هذه المعجزة: معجزة المحبة الفائضة التي تتجه من قلبه لكل الناس، كصدى للحب العجيب الذي إختبره يومًا من الشخص الرائع الذي قال «ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو15: 13).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com