عدد رقم 3 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حب الله للبشر في دوائر ثلاث  

نعم.  إن الله مُحبٌ للبشر!!

وحين يقول يوحنا إن «الله محبة»، فإنه لا يقصد بذلك أن المحبة هي مجرّد صفة من صفاته - تعالى - لكنه يعني أن المحبة هي جوهر الكيان الإلهي.. إنها لُحمة وسُدى الطبيعة الإلهية.  إن محبة الله للإنسان تُبيِّن ما هو الله، وتفسِّر لنا كل ما يفعله الله.

وكما تتحلَّل الحزمة الضوئية على المخروط إلى ألوان الطيف السبعة، وجميع الألوان متحدة معًا لونًا واحدًا أبيض، هكذا الله ومشوراته.  إنه يخلق ويحكم، يتجسد ويفدي، يتراءف ويخلص، يقضي ويعاقب ويبارك؛ ولكن المصدر لكل هذا هو المحبة.  قلبه محبة، فكره محبة، وقدرته أيضًا محبة.

محبة الله للبشر هي من نوع عجيب لا شبيه له ولا نظير بين كل ما نعرف ونسمع أو نختبر.  فالمحبة التي نعرفها كبشر ونمارسها؛ تشعلها وتزكيها عوامل ودوافع كثيرة خارجة عنها، وتوحيها ما في المحبوب من صفات؛ أما الله، فإنه حين يحبّنا كبشر فإنه يحب لضرورة تحتِّمها طبيعته.  إنه لا يحبنا لما فينا، بل رغمًا عمّا فينا.  فأصل المحبة وسببها هو في نفسه هو.

فالمحبة البشرية أشبه بالبئر الارتوازية لا بد لها من مضخة ترفع الماء وتوصله إلى الخارج، أما محبة الله فهي عين ماء متفجرة غزيرة الفيضان.

دعونا نخشع ونحن نتأمل محبة الله للبشر، ودعونا نعترف أننا أمام محيط واسع بلا حدود، وأننا مهما تأملنا أو كتبنا فإننا لا نصيب إلا قطرات محدودة قدر عقولنا الضيقة.

ولتبسيط الحديث، دعونا نتأمل في هذه المحبة، فقط في دوائر ثلاث: دائرة الخليقة، ودائرة التجسد، ودائرة الفداء.

1- في الخليقة

صحيح إن خليقة الله في جمالها وروعتها، ودقة تصميمها، والقوانين التي تحكمها، والتوازنات الموجودة بها تحدِّثنا عن عظمة الخالق وحكمته «ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمةٍ صنعت» (مز 104: 24).  لكن الصحيح أيضًا أنها تحدِّثنا عن محبة الله للإنسان وعن غرامه بالبشر.

أما أولاً: فلأن الخليقة كلها قد أُخضعت للإنسان وجُعلت تحت سيطرته..  لقد سلَّطه الله على جميع أعمال يديه.  فهو سيد الخليقة ورأسها.  «فمَن هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده... تسلِّطه على أعمال يديك.  جعلت كل شيء تحت قدميه، الغنم والبقر جميعًا وبهائم البَرِّ أيضًا، وطيور السماء، وسمك البحر السالك في سُبل المياه» (مز8: 4-8).

نعم أن الله خلقها لمجده، لكن أيضًا لمُتعة الإنسان وفائدته وبركته وشفائه.  وكل التقدّم العلمي المُذهل في جميع المجالات، وفي مجال الطب بوجه خاص إنما هو نتاج تسخير الطبيعة وتطويعها للإنسان.  سواء الطبيعة النباتية، ومنها نستخرج كل الأدوية والعقاقير المداوية، أو مختلف أنواع الاشعاعات الموجودة في الكون، أو الذرة ومحتوياتها.

ثم لمَن خلق كل هذا الجمال وكل هذه الروعة والتنوع الموجود في الخليقة؟  ما من مرة شاهدت الشُعب المرجانية في البحر الأحمر والأسماك بأشكالها وألوانها التي تستعصي على ريشة أعظم فنان، إلا وسجدت لله شاكرًا أن أعطاني العين التي تُبصر هذا الجمال والعقل الذي يميّزه.

وثانيًا: لأن الإنسان بالذات هو أعظم مخلوقات الله، وأروعها على الإطلاق.  لقد خلقه الله، لمحبّته له، على صورته كشبهه.  إن مَن يتأمل روعة تصميم جسم الإنسان ودقة آدائه لوظائفه، والتناغم الوظيفي بين أعضائه المختلفة لا يمكن إلا أن يسجد معترفًا، ليس بقدرة الخالق فحَسب، بل بحبه أيضًا؛ ولا يمكن أن تصمِّم شيئًا بهذه الروعة إلا إذا كنت تحب فعلاً.

ومع أن كل المخلوقات الأخرى تشارك أيضًا في هذا الإعجاز.  لكن لا شيء فيها يبلغ حدَّ الروعة التي تُميِّز جسم الإنسان، فإن أعظم ما ميَّزه به الله هو العقل.  هو القدرة على التمييز والتحليل والربط، واكتساب المهارات والاختراع ... القدرة على تذوّق الجمال والإحساس به.

حتى الاحتياجات الجسدية الضرورية حبَّبها الله إلى الإنسان، لكي يشجِّعه على حب الحياة والنمو والتكاثر، فهو لا يمارسها بآلية خاوية، بل باستمتاع وتذوق.  فالطعام مثلاً نستمتع به ونستطعمه، ربما دون أن نفطن إلى مكوّناته وقيمته الغذائية، فيغرينا الطعم على أن نأكل ما يحفظ لنا صحة أجسادنا ونموها، وهكذا بالنسبة للجنس حفاظًا على النوع، وسائر الوظائف الحيوية.

إن الإنسان هو تاج الخليقة لأنه موضوع محبة الله وسروره «لذاتي مع بني آدم».  عندما خلق الله العالم رأى ذلك أنه حسن، لكن سروره الخاص كان في خلق الإنسان حينما قال: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا».  ويا للروعة!  نحن مخلوقون على صورة الله وكشبهه.  نحن نحب أولادنا، وهم يشبهوننا بصورة أو بأخرى، والله يحبنا ونحن مخلوقون على شبهه.

حتى عندما سقط الإنسان واختبأ من وجه الله، وانقطعت شركته مع الله، أتاه الله مُناديًا بصوت أسيف: «أين أنت؟»؛ كأنه افتقد شيئًا عزيزًا وغاليًا على قلبه.  لقد افتقد الله الإنسان، وافتقد فرح الشركة معه قبل أن يفتقده الإنسان ويشعر بحزن الانفصال عنه.

هل نحن نشكر الله فعلاً على محبّته لأنه خلقنا وأوجدنا في هذا العالم وميّزنا عن باقي خلائقه.  هل نرى حبه ونميّزه في نفوسنا وروعة الخليقة من حولنا.  هل نراه في جمال الزهور، وفي إشراقة الشمس، وفي بسمة الطفل، وفي جلال البحر، وشموخ الجبال، وفي إمكانيات عقولنا المُذهلة؟  نعترف بأننا ما أقل ما نفعل!

2- في التجسد

على أن الإعلان الأعظم والأكمل لمحبة الله هو في صيرورته إنسانًا وحضوره إلينا في صورتنا.  فالله، الذي هو محبة، ظهر في الجسد؛ وحيث كانت الخطية جاءت المحبة التي تسمو فوقها «الله ظهر في الجسد».  صار في هيئة لم تكن له لكي يصير الإنسان على صورة مجيدة لم تكن له!  ولقد جاء في صلاة سليمان يوم تدشين الهيكل «هل يسكن الله حقًا مع الإنسان على الأرض؟» (2أخ6: 18)، والجواب نجده في يوحنا1: 14 «والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا».  هذا هو الإعلان الأروع عن محبة الله للبشر «بهذا أُظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.  في هذه هي المحبة؛ ليس أننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا» (1يو4: 9، 10).

لكن لماذا جاء المسيح في الجسد؟

أولاً: لكي يعلن الله للإنسان.  يعلن له عن محبته وحنانه وقداسته.  لقد ظهر الله تمامًا في الابن الذي أتى من السماء «الله لم يَره أحدٌ قط.  الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر» (لو1: 18).

إن الله يريد أن يتواصل مع الإنسان، ويريد أن يعلن له محبته، وهو لا يتركه لكي يجمع معلوماته عن الله من الوصف، ولا اقتصر قلم الوحي وحده بالإعلان عن ذاته للإنسان، بل اختار، في محبته، أن يأتي إلينا بالجسد، ليكون هو المُعلن لذاته بنفسه وبأقواله وبأعماله، حتى نستطيع أن نرى ونسمع ونتعلم لأنفسنا عمّن هو إذ نجلس أمام صورته وشبهه في الرب يسوع.

في المسيح المتجسد بيننا رأينا لطف مخلِّصنا الله وإحسانه.

  • رأيناه بيننا إنسانًا رقيقًا راقي المشاعر، باكيًا عند قبر لعازر وباكيًا عند جبل الزيتون على أورشليم الرافضة.
  • رأيناه يجذب الأطفال ويجمعهم في حضنه ويباركهم قائلاً «دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم» (لو17: 16).
  •  ورأيناه يتحنن على الأرملة الباكية التي فقدت وحيدها ويقول لها: لا تبكي، ثم يرُّد إليها ابنها حيًا.
  • وشاهدناه عطوفًا على المرأة التي أُمسكت في زنا.  لقد رأى فيها ذُل الخطية وانكسارها، وما أرقَّ كلماته لها «ولا أنا أدينك.  اذهبي ولا تخطئي أيضًا» (لو8: 11).
  • كان يجول من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى أخرى بحثًا عن الإنسان في كربه وحاجته.
  • ثم سمعنا منه مَثَل الابن الضال، وكيف كان شعور أبيه عند استقباله «وإذ كان لم يَزَل بعيدًا، رآه أبوه فتحنن، وركض، ووقَعَ على عُنقه وقبَّله» (لو15: 20)، وفهمنا أن هذا هو شعور الآب السماوي نحو الخاطئ الراجع إليه.
  • وسمعنا منه عن السامري الصالح الذي جاء إلى البائس الذي وقع بين اللصوص فعرّوه وجرّحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت.  فتحنن واقترب منه وضمد جراحاته واعتنى به للنهاية.  وفهمنا أنها قصته مع الإنسان.
    رأيناه فرأينا الله وفهمنا فكره «الذي رآني فقد رأى الآب» (يو14: 9).

ثانيًا: لكي يعطي الإنسان الحياة الأبدية.  لقد صار إنسانًا لكي يَهَب الإنسان حياة الله - الحياة الأبدية.  «أما أنا قد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل» (يو10: 10).  لقد أحبّنا الله وأراد أن يَهَبنا ذات حياته ليكون لنا بذلك شركة معه.  وعندما أراد الله أن يعطينا هذه الحياة، أعطانا ابنه نفسه.  لأن الحياة الأبدية ليست شيئًا آخر بالانفصال عن الابن الذي «فيه كانت الحياة» (يو1: 4).  فالخليقة كلها كانت به، أما الحياة ففيه.

هذا هو الغرض السامي لمجيء المسيح، وهو أسمى بكثير من حاجتنا كبشر وخطاة هالكين.

ولكي تصل إلينا هذه الحياة الأبدية - حياة الله - كان لا بد له أن يموت؛ «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يو12: 24).  فعندما صار ابن الله إنسانًا وأخذ لحمًا ودمًا مثلنا، صار هو حَبّة الحنطة التي كانت تحمل داخلها الحياة الأبدية، وعندما مات المسيح كان هو حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت لكي تأتي بثمرٍ كثير.  وهذا الثمر الكثير هو الأبناء الكثيرون الذين أراد الله المُحب للبشر أن يأتي بهم إلى المجد (عب2: 10).

ثالثًا: لكي يختبر آلام البشر ومُعاناتهم.  وفي هذا يقول كاتب العبرانيين «من ثمّ كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى يكفِّر خطايا الشعب.  لأنه في ما هو قد تألّم مُجرَّبًا يقدر أن يُعين المُجرَّبين» (عب2: 17، 18).

إن المسيح لم يأتِ إلينا مَلكًا عظيمًا مُرفَّهًا، لكنه جاء إنسانًا فقيرًا مُجرَّبًا؛ مشى في شوارعنا، اجتاز في نفس ظروفنا: تألم وحزن، جاع وعطش وتعب، وتجرَّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية.  لقد ذاق آلام البشر ومُعاناتهم، فحين أتألم، وحين أُجرَّب، أعرف تمامًا أنه يحس بي ويرثي لضعفي ويتألم لألمي.  أراه قريبًا جدًا مني.  حقًا هو الله؛ يعرف كل أفكار العقل وكل خلجات القلب والمشاعر، لكن أن يصير إنسانًا مثلي ويجتاز في نفس ظروفي، فإن هذا له معنى خاص ومذاق مختلف: إنه ليس ذلك الإله البعيد في سمائه، الذي لا يبالي بُمعاناة الإنسان، لكنه «في ما هو قد تألّم مُجرَّبًا يقدر أن يُعين المُجرَّبين».

*  *  *

على أن الغرض الأعظم لمجيء المسيح بالجسد هو أن يتمِّم عمل الفداء «لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين» (مر10: 45).

3- الفداء

إن محبة الله هي محبة بارة، ولا تنفصل أبدًا عن قداسته؛ ومن هنا كان التنافر الأبدي بين الله والخطية.  ولكن بقدر ما يكره الله الخطية، فإنه يحب الإنسان الخاطئ.  من أجل هذا جاء المسيح «الذي حَمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة» (1بط2: 24).

الله العادل لا يمكن أن يتغاضى عن الخطية، والله المُحب كفَّر عن الخطية بنفسه وتحمَّل في نفسه عقابها وسحقها.

إن صليب المسيح هو الإعلان الأسمى عن محبة الله للبشر «الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رومية5: 8)، وهو في نفس الوقت أسمى حجة دامغة عن بِرِّ الله.

لكن المسألة لم تقتصر على كوننا خطاة، لكن بالسقوط حصل الشيطان على حقوق على الإنسان، وقبض على قوة الموت ملوِّحًا بها كحكم الله العادل على الخطية، وصار كل الناس أسرى تحت سلطانه وعبوديته، ولا قوة لهم على التحرر فصار مُغلَقًا عليهم إلى الأبد.  ومن هنا كانت الحاجة إلى الفداء، وقد كانت المبادرة من الله المُحب للبشر «الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح ... (وافتدانا) لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب بل بدمٍ كريم كما من حَملٍ بلا عيب ولا دنس» (أف2: 4، 5؛ 1بط1: 18، 19).

والفداء في أصل اللغه العبريه يعبَّر عنه بكلمتين، الأولى: ”يسترد بالشراء“، أو ”يفدي بدفع ثمن أو دية“؛ والثانية: ”يفك أو يحرِّر“.  أما في العهد الجديد، الذى كُتب باللغه اليونانية، فالفداء كلمة واحدة تحوي المعنيين معًا.  إذًا فهناك في الفداء فكرتان:

أولاً: دفع الفدية أو الثمن.

ثانيًا: التحرر والعتق الناتج عن ذلك.

أما ثمن الفداء فما أفدحه وما أغلاه!  إنه دم المسيح ابن الله، لأن «نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم؛ لأن الدم يكفِّر عن النفس» (لا 17: 11)، وأيضًا «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (عب9: 22).  لذلك كان ضروريًا أن يكون دم المسيح هو ثمن الفداء، لذلك يقول الرسول بولس «الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا» (أف1: 7).  ويقول الرسول بطرس إننا افتُدينا بدم المسيح الكريم.

لقد بذل المسيح دمه على الصليب حرفيًا ومعنويًا.  لقد سالت الدماء من رأسه وجنبه، ويديه وقدميه وظهره.  هذا عن الآلام الجسدية، أما عن آلامه الكفارية، فإن «فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبح لأجلنا» (1كو5: 7).  وأيضًا يقول زكريا بروح النبوة «استيقظ يا سيف على راعيَّ، وعلى رجل رفقتي، يقول رب الجنود.  اضرب الراعي» (زك13: 7)، حتى صرخ من هول الضربة «إلهي إلهي لماذا تركتني».

إن خلق العالمين قد كلَّف الله كلمة، وخلق الإنسان كلَّفه نفخة من فِيهِ، لكن فداء الإنسان كلَّفه دم وحيده «الذي لم يُشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين» (رو8: 32).

هل رأينا حبًّا مثل هذا الحب الذي تتضاءل أمامه كل معجزات الحب البشري!  نعم مات آباء من أجل أبنائهم، ومات أبناء من أجل آبائهم، ومات أفراد من أجل المجموع، ومات رجال من أجل حق عظيم أو مبدإ سامٍ؛ ولكن لم نسمع غير مرة واحدة أن ملكًا مجيدًا بذل باختياره ابنه الوحيد حتى يفدي قومًا من الأعداء يكرهون ما يحب ويحبون ما يكره، وليصالحهم لنفسه!  إنها المحبة التي لا مثيل لها في التاريخ ولا في أحلام البشر!  «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الحبيب لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16).

ولأن دم المسيح هو ثمن الفداء، فكل شخص احتمى فيه يكون آمنًا إلى الأبد من الدينونة كما كان الشعب قديمًا في حِمى خروف الفصح من ضربة المُهلك.

أما عن الوجه الثاني للفداء: وهو العتق أو التحرير، فإن دم المسيح قد أخرجنا تمامًا من دائرة العدو، وحرَّرنا من الشيطان ومن الموت.  لقد أباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، وأعتق أولئك الذين - خوفًا من الموت - كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية (عب2: 14، 15).

لقد واجه المسيح في موته كل قوة الشيطان وكسرها، كما كسر الله قديمًا كل قوة فرعون في البحر الأحمر.

وليس ذلك فقط بل أنه حرّرني من عبودية الخطية حيث «ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت» (رو8: 2).  وحرّرني أيضًا من الناموس ولعنته «المسيح افتدانا من لعنة الناموس»، ويا لفداحة الثمن «إذ صار لعنةً لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل مَنْ عُلّق على خشبة» (غل 3: 13).

هذا هو الفداء الكامل الذي صنعه لنا الله المُحبّ للبشر بواسطة دم المسيح وأتى بنا إلى نفسه لقد ”هدانا بقوته إلى مسكن قدسه“ (خر15: 13).

نحن الآن في المسيح شعب مفدي «ونعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله المدعوين حسب قصده»، وبهذا القصد عينه سنتغير إلى صورة ابنه.  وهذا هو فداء الجسد الذي نتوقعه «متوقعين التبني فداء أجسادنا» (رو8: 23).

إذًا نستطيع أن نهتف بلغة الانتصار «إن كان الله معنا فمَنْ علينا؟» .. نعم إنه «لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا قوات...  تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا» (رو8: 28- 39).

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com