«ولما اعتمدت هي وأهل بيتها طلبت قائلة: إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا. فألزمتنا»
(أع 15:16)
ظهرت لبولس وهو في ترواس رؤيا في الليل ليذهب إلى مكدونية ومن هناك إلى فيلبي وهي أول مدينة من مقاطعة مكدونية. ثم بعد أيام خرج بولس ورفقاؤه إلى خارج المدينة عند نهرٍ حيث اجتماع كان للصلاة لبعض النساء، وأثناء الكلام فتح الرب قلب ليديا فقبلت الرب واعتمدت هي وأهل بيتها. ونجد في بيت ليديا الأمور الآتية:
- كانت ليديا من مدينة ثياتيرا. وهي مدينة أممية في آسيّا، وفي أعمال 6:16 منع الروح القدس بولس ورفقاؤه أن يتكلموا بالكلمة في آسيّا، لكن رتبت العناية الإلهية أن تجيء ليديا لفيلبي بسبب نشاطها التجاري، وتحضر اجتماع الصلاة، وتقبل الرب يسوع المسيح. وهذا يذكرنا بالخصي الحبشي في أعمال 8 حيث أرسل له الرب فيلبس المبشِّر بعد أن كان في نهضة عظيمة في السامرة، فآمن بالرب وذهب في طريقه فرحًا. أخي إن الله يرتب كل شيء لخلاصك فهل تستفيد من ذلك؟ إن قصده الصالح لا يمكن أن يخيب.
- ميّز بيت ليديا الإيمان. «إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب». لقد ظهر في ليديا التغيير والثمار التي تثبت حقيقة إيمانها بالرب إذ كانت ابنة صريحة في الإيمان وجاء هذا بحكم بولس ورفقاؤه. وبالأسف فإن كثيرين اليوم يُشَك في إيمانهم فنحتار في أمرهم ونرجع قائلين: «يعلم الرب الذين هم له»، لكن إيمان ليديا كان مصحوبًا بالأعمال. ويعقوب في رسالته أكد أن «الإيمان بدون أعمال ميت» (يع2). فدعونا أحبائي بالأعمال نُظهِر الإيمان إذ نحن «مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها» (أف 10:2).
- نجد في بيت ليديا الصلاة. لقد اعتادت ليديا أن تذهب لاجتماع الصلاة خارج مدينة فيلبي وذلك رغم أنها تاجرة فلم تشغلها التجارة عن الصلاة، لقد خرجت عن العالم بتشويشه (خارج المدينة) وهناك على النهر (الذي فيه نرى صورة للروح القدس) كانت تصلي، وهذا يذكرنا بقول الكتاب: «مصلين في الروح القدس» (يه20) وأيضًا «مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح» (أف 18:6). أحبائي هل نجد وقتًا نقضيه في الصلاة رغم زحمة الحياة؟ لقد اعتادت ليديا الصلاة يوم السبت وهو يوم الراحة، بل ربما كان هذا اليوم يوم تجارة نشط، لكنها فضلت الصلاة على راحتها وعلى مكسبها الأرضي، فهل نفعل ذلك؟ وإن كانت هذه عادة ليديا وهي يهودية، فكم بالحري بعد أن قبلت الرب يسوع المسيح؟
- تميز بيت ليديا بحب الكلمة والإصغاء لها. وهذا يخجلنا فكثيرون أثناء الاجتماع تراهم منصرفين عن المتكلم، مشغولين بما عليهم أن يقولوه من تأملات وتعليقات بعدما ينتهي المتكلم، لكن ليديا كانت تسمع وتصغي لما يقوله بولس. ليت الرب يعطينا إصغاءً جيدًا، وتدريبًا شخصيًا لنصغي باهتمام للكلمة.
- نرى في بيت ليديا الانفصال عن العالم. إذ قيل: «اعتمدت هي وأهل بيتها» وفي المعمودية نرى الموت والقيامة، فنحن انفصلنا شرعيًا عن العالم الحاضر الشرير، كذلك انفصلت ليديا عن روح إيزابل في ثياتيرا التي تقول إنها نبية حتى تعلِّم وتغوي بالزنى والوثنية عبيد الرب، فليحفظ الرب بيوتنا في جو الانفصال عن العالم متممين ما قيل: «لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم» (2كو 17:6)
- نرى في بيت ليديا كرم الضيافة. «ادخلوا بيتي. فألزمتنا» لقد أظهرت ليديا كرمًا وسخاءً فور إيمانها بالرب يسوع، فهل نحن كذلك؟ وهذا ما فعله لاوي بعدما قبل الرب يسوع فصنع ضيافة كبيرة في بيته (لو 29:5)، كذلك أظهرت الشونمية كرمًا وسخاءً تجاه أليشع إذ «أمسكته ليأكل خبزًا وكان كلما عَبَرَ يميل هناك ليأكل خبزًا»، «وعملت له علية على الحائط حتى إذا جاء كان يميل إليها» (2مل 4). ولنلاحظ أن ليديا لم تكن سخية بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق إذ «ألزمتهم» وهذا ما فعله أيضًا تلميذا عمواس مع الرب بعد القيامة (لو 24). فيا ليت الرب يجعل من بيوتنا مكانًا لإضافة وإكرام القديسين.
- كان بيت ليديا مكانًا لاجتماع الإخوة. إذ قيل: «فخرجا (أي بولس وسيلا) من السجن ودخلا عند ليديا فأبصرا الإخوة وعزياهم» (أع 40:16). ونقرأ في العهد الجديد عن أشخاص كانت في بيوتهم كنائس مثل أكيلا وبريسكلا (رم 5:16) وفيلمون (فل 2) ونمفاس (كو 15:4). يا ليت الرب يجعل من بيوتنا مكانًا لاجتماع القديسين فيجد الرب وقديسوه شبعهم فيها.
- أخيرًا معنى اسم ليديا "متألمة أو متوجعة". فقد ينزل المطر وتجيء الأنهار وتهب الرياح وتقع على بيوتنا لكنها لا تسقط. وقد نواجه رفضًا وبغضة من العالم، لكن دعونا نفرح في الرب. «لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله». أعزائي دعونا نتشجع في تجاربنا وضيقاتنا متذكرين القول: «لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا» (2كو 17:4). فليحفظ الرب بيوتنا ثابتة صامدة في مهب رياح التجارب.