عدد رقم 4 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحكمة الإنسانية والحكمة الإلهية  

يصف الكتاب المقدس الحكمة بأنها أثمن شيء يمكن أن يحصل عليه الإنسان «هي أثمن من اللآلئ  وكل جواهرك لا تساويها .. والتمسك بها مغبوط» (أم 15:2، 18).  والجزء الأول من سفر الأمثال يتكلم باستفاضة عن فوائد الحكمة للحياة، وأيضًا عن خطورة الحماقة والجهل.

والحكمة بحق هي من أروع عطايا الله للإنسان «لأن الرب يعطي حكمة.  من فمه المعرفة والفهم» (أم 6:2).  لكن ما هي الحكمة؟ وهل هناك أنواع مختلفة من الحكمة، وهل تختلف في المؤمن وغير المؤمن؟ .. هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنرى إجابة الكتاب المقدس عنها هنا.

ما هي الحكمة؟

الحكمة ليست هي الذكاء، لأن هناك كثيرين أذكياء لكنهم ليسوا حكماء، كما أنها ليست المعرفة، وكثيرون ممن تمتلئ عقولهم بقدر كبير من المعلومات قليلي الحكمة.  مع أن الحكمة ترتبط بالذكاء: «أنا الحكمة أسكن الذكاء» (أم 12:8)، وكذلك ترتبط بالمعرفة «ألعل الحكيم يجيب عن معرفة باطلة؟» (أي 2:15).

لكن يمكن اعتبار الحكمة أنها حُسْن استخدام الذكاء والمعرفة (سواء قليلة أو كثيرة) وحُسْن استخدام كل الإمكانيات المتاحة الأخرى مثل الخبرة والوقت (أف 16:5) والصحة والمال ووضع كل شيء في محله بعد التقييم الصحيح للأمور وحساب الأخطار والفوائد.

كما يمكن اعتبارها حُسْن اتخاذ القرار والمشورة، واستخدام أفضل الطرق للوصول للقرار.  إنها منهج تفكير يستخدم إمكانيات متاحة.

هل يولد الإنسان بقدر معين ثابت من الحكمة لا يتغير أم أن هناك عوامل تحدد هذه الحكمة؟

الله في نعمته منح لكل من مخلوقاته حكمة تتناسب مع احتياجاته على الأرض فنقرأ. مثلاً عن «أربعة هي الأصغر في الأرض ولكنها حكيمة جدًا» (أم 24:30).  وفي كل واحدة تظهر الحكمة بشكل مختلف عن الآخر، لكن تتناسب مع احتياج هذا المخلوق، كما نقرأ عن الحية كأحكم حيوانات الأرض (تك 3؛ مت 10).  وكذلك نقرأ عن طيور حكيمة (أي 11:35).

والإنسان يُعتبر أحكم مخلوقات الله فهو مخلوق على صورة الله «على صورة الله خلقه» (تك 27:1).  فقد أعطاه الله حكمة فطرية غريزية أكثر من بقية المخلوقات لكي يتسلّط بها على بقية المخلوقات ويخضعها له (تك 28:1).
وهذه الحكمة الفطرية تختلف من شخص لآخر فنقرأ أن هناك أناسًا «حكماء حسب الجسد» (1كو 26:1) ونقرأ أيضًا عن «حكمة إنسانية» وكذلك «كلام الحكمة الإنسانية المقنع» (1كو 4:2، 13).

وكان هناك في القديم حكماء مصر الذين استدعاهم فرعون لتفسير أحلامه (تك 8:41).  وكذلك نبوخذنصر كان يحيط نفسه بأُناس «حاذقين في كل حكمة وعارفي معرفة وذوي فهم» (دا 4:1).  هذه الحكمة الإنسانية التي للإنسان لمجرد كونه إنسانًا هي كما نتعلّم من الكتاب:

  • أولاً مادة خام يولد بها الإنسان بالفطرة مختلفة من شخص لآخر.
  • ثم يتقدم الشخص فيها كلما كبر.  يقال عن الرب يسوع، كإنسان: «كان يتقدم في الحكمة والقامة» (لو 52:2).
  • تصقل مع الأيام والخبرة وكثرة السنين كما يقول أليهو: «كثرة السنين تظهر حكمة» (أي 7:32). ولقد كان هناك فرق بين مشورة الشبان ومشورة الشيوخ في أيام رحبعام ابن سليمان.
  • تتأثر بالتعليم لأن التعليم يعطي معرفة فيقال عن موسى إنه «تهذّب بكل حكمة المصريين» (أع 32:7).
  • التأديب والتهذيب من ناحية لمنع جهالة الطفل: «الجهالة مرتبطة بقلب الولد.  عصا التأديب تبعدها عنه» (أم 15:22).  ومن ناحية أخرى التأديب في مكانه الصحيح يعطي حكمة «العصا والتأديب يعطيان حكمة» (أم 15:29).

هل هذه الحكمة تختلف عن الحكمة الأرضية التي يتكلم عنها يعقوب في رسالته؟

إن الإنسان الطبيعي غير المؤمن، أو حتى المؤمن مقطوع الشركة، الذي يستخدم الحكمة الفطرية الإنسانية والتي أُصقلت بالتعليم وبالخبرة والتدريبات المختلفة، إنما يفعل ذلك الجسد الساكن فيه، وبالتالي تصبح هذه الحكمة من نفس الخامة الإنسانية الساقطة وتتحرك بنفس الدوافع التي يخدم بها الشخص نفسه ويحقق بها ميوله الداخلية.
بها يحقق طموحاته الإنسانية من مال وشهرة وخلافه، بها يدافع عن نفسه وبها يُخفي عيوبه مع أنها موجودة، وبها ينجي نفسه وقد يكون ملام، وبها يلقي اللوم على البريء، بها يستطيع المحامي الماهر الحكيم أن يُخرِج المذنب من الحبس ويثبت براءته.

الحكيم إنسانيًا يعرف أكثر من الجاهل وعنده ذكاء أكثر من الأحمق، ولكن بسبب دوافعه يستخدم هذه الحكمة في أن يكون أكثر دهاء والتواء وعدم استقامة.

لا يستطيع الإنسان بهذه الحكمة عندما تستخدمها هذه الدوافع أن يعرف الله أو يقبله. كما هو مكتوب : «إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة» (1كو 21:1)، «لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حَمِقُوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي.  وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء» (رو 21:1، 22).

هذه الحكمة لا تقدّر الأمور الإلهية مع أنها ثمينة، ولا تراها بصورة صحيحة ولكنها تضع كل شيء أمامها لتحكم عليه، وترسم طريقًا من خيال الإنسان للاقتراب إلى الله.

أغلب الفلاسفة والمصلحين والأدباء وكذلك أصحاب المبادئ الفلسفية الإلحادية والطاعنين في الكتاب يعتبرون من حكماء هذا العالم.

والرسول يعقوب يصف هذه الحكمة بأنها:

  • أرضية: لا تفهم في شيء مطلقًا فوق الأرض.  ولا تستنتج ذرة واحدة أعلى من مستوى الأرض.  تجعل كل آمال الإنسان وتفكيره لا يتعدى الأرض وما فيها.  وقد تفهم جيدًا في أمور الأرض وتحقق طموحات صاحبها الأرضية.
  • نفسانية: أي طبيعية تنبع من الإنسان الطبيعي.  وماذا يمكن أن يخرج من الإنسان إلا لخدمة شهواته وإشباع نفسيته.
  • شيطانية: هي مجال كبير يستخدمه الجسد كما يشاء.  فالحكماء الذين يضعون أياديهم في يدي الشيطان هم أفضل جنوده، الذين يصنع منهم السحرة وتابعيه.

لكن ما هي الحكمة الإلهية؟ هل هي صنف مختلف؟ وماذا يستخدم المؤمن في ظروفه المختلفة هل الحكمة الإنسانية، الأرضية، أم الإلهية؟ وما هي علاقة الحكمة بالبساطة، فهل هما متناقضان؟ ستجد إجابة كل هذه الأسئلة بمعونة الرب في العدد القادم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com