«كفوا عن الإنسان الذي في أنفة نسمة، لأنه ماذا يُحسب؟» (إش 22:2)الإنسان بطبيعته ضعيف والتحديات التي يواجهها تجسِّم ضعفه أمام عينيه، ومهما سمت قوة الإنسان من إمكانيات طبيعية أو ذهنية أو مادية لا بد أنه في وقت من الأوقات يواجه مواقف أو ظروف أكبر منه، ومع أن هذه أوصاف الإنسان لكن للأسف أحيانًا تكون ثقة الإنسان في أخيه الثقة الكاملة، ولهذا يوصى الكتاب «كفوا عن الإنسان الذي في أنفه نسمة، لأنه ماذا يُحسب؟» وسنتناول بالإيجاز أسباب عدم الاتكال والالتجاء للبشر.
1- لأن الإنسان زائل: (يوسف في تك 50)
الإنسان له عمر محدود وتحيط به أسباب الموت من كل ناحية. والموت زائر يحصد الآلاف والملايين يوميًا على الأرض وبلا مقدمات، لهذا يجب أن لا نضع آمالنا في الإنسان، فيوسف مع أنه كان صادقًا يوم وعده إخوته بأسمى الوعود في تكوين21:50، 26؛ إذ بعد موت أبيهم قال لهم: «أنا أعولكم وأولادكم» حتى أنه بعث الاطمئنان فيهم وأزال الخوف منهم، وعزّاهم وطيّب قلوبهم، لكن نتعجب أنه لا ينتهي الأصحاح حتى نقرأ أن يوسف مات وحنطوه ووضعوه في تابوت في مصر. نعم نفَّذ وعده معهم 54 سنة قبل موته لكنه مات وتغيرت الأحوال معهم ومع أولادهم.
2- لأنه ينسى: (ساقي الملك تك 40)
الإنسان سُمي إنساناً لأنه ينسى، والموقف المدون في تكوين 40: 23 من قصة ساقي الملك مع يوسف يوضح ذلك، فبالرغم من أن يوسف كان سبب فرح لهذا الشخص في تفسيره لحلمه وفى مواقفه معه في السجن، ومن البديهي أن يكون يوسف هو موضوع حديث هذا الشخص بعد خروجه من السجن، لكن نتعجب إذ نسي الساقي يوسف ولم يذكره لدى فرعون كما طلب منه يوسف، مع أنه ساقي الملك كان يقف أمام الملك دائمًا. هذا هو الإنسان عندما ينسى ربما لأنانيته وانشغاله بأموره ومشاكله؛ إذ لها الأولوية عنده، وينسى أيضًا لمحدودية ذهنه وإدراكه؛ فلهذا لا يليق أن نثق به ثقة كاملة.
3- لأنه متغير: (لابان في تكوين 31: 1)
الإنسان بطبيعته متغير وقابل للتغيير وهذه صفة يتميز بها. مثال لذلك لابان فبعد أن قضى يعقوب معه 20 عامًا تزوج خلالها بنتيه ليئة وراحيل، وعامله لابان كابن له، ورعى غنمه، وكثر مال يعقوب جداً؛ لكن بسبب غيرة أولاد لابان من يعقوب تغير لابان من ناحيته. فرأى يعقوب أن «وجه لابان وإذا هو ليس معه كأمس وأول من أمس» ونتيجة التغيير في المعاملة فكر في ترك لابان والهروب من حاران (تك 31: 1).
4- لأنه محدود في قدرته: (يعقوب في تكوين 30)
فهناك الكثير من الاحتياجات التي ليس في قدرة الإنسان سدادها، وهناك الكثير من المشاكل التي يقف أمامها الإنسان عاجزًا، وموقف يعقوب من راحيل يوضح ذلك عندما قالت له: «هب لي بنين، وإلا فأنا أموت!»، فكان رد يعقوب «ألعلي مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟» (تك 30: 1)، ومثله أيضًا ملك إسرائيل عندما مزق ثيابه لما أرسل إليه ملك أرام نعمان الأبرص ليشفيه من برصه (2مل5)، وأيضًا عندما صرخت إليه امرأة في المجاعة «خلص يا سيدي الملك فقال: لا يخلصك الرب. من أين أخلصك؟ أمن البيدر أم من المعصرة؟» (2مل 6: 27).
5-لأنه يخزي مَنْ يتكل عليه: (يعقوب في تكوين 29: 31- 35).
ليئة أحبت يعقوب وتوقعت أنه بولادة الأولاد سيحبها زوجها؛ وإذ به لا يحبها. وهذا واضح من أسماء الأولاد دعت الأول رأوبين أي الله رأى مذلتي، والثاني شمعون أي الرب قد سمع أني مكروهة، والثالث دعت اسمه لاوي قائلة: هذه المرة يقترن بي رجلي، لكن حتى بولادة الولد الثالث لم يُقدِّرها زوجها؛ لذلك دعت الولد الرابع يهوذا قائلة: هذه المرة أحمد الرب.
6- الإنسان يعطى لمصلحة، وأيضًا يعطي ويعير: (يعقوب وعيسو في تك 32: 14).
أعطى يعقوب هدية كبيرة لعيسو خوفاً من بطشه. وأراد يسى أن يطمئن على أولاده فأرسل هدية بيد داود. فغالبًا عطايا الناس لأجل المصالح والأهداف.
وبعد هذه الأسباب لنرفع أعيننا من على الإنسان إلى إله لا ينسى، فهو الذي قال: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك» (إش 15:49)، وهو الذي لا يتغير «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب 8:13)، وهو غير زائل «الإله الحكيم الوحيد مخلصنا، له المجد القوة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور»، وهو غير محدود القدرة «هل تقصر يد الرب؟» (عدد 23:11)، «لا يخزي منتظروه» (إش 49: 23)، و«يعطي الجميع بسخاء ولا يُعيِّر» (يع 1: 5).