عدد رقم 4 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
النمو من خلال المواهب الروحية  

قبل أن نخوض في الحديث عن موضوع "النمو الروحي من خلال المواهب الروحية" نُلفت نظر القارئ العزيز أنه لا يجول بخاطرنا في هذا المقال الحديث عن المواهب المعجزية، أي لا نقصد أن نتكلم هنا عن المواهب التي كانت تُمَارَس إبّان العصر الرسولي، ولا بصدد تقديم تحليلاً أو شرحًا عن المواهب الروحية والخِدَم التي وردت في كلٍ من رومية 4:12- 18؛ أفسس 11:4؛ بطرس الأولى 10:4؛ تلك المواهب التي لا زالت تُمَارَس في كنيسة الله والعالم، "التبشير"، حتى مجيء ربنا يسوع المسيح، وذلك باستثناء مواهب الرسل والأنبياء في أفسس 11:4 كما سبق التنويه.

فمقالنا يتطرّق الحديث فيه عن النمو الشخصي لمَنْ يُمارِس موهبة روحية أنعم عليه بها شخص الرب يسوع المسيح.  وقبل أن نخوض في هذا الموضوع نود أن يقف القارئ على حقيقتين:

أولهما: ما هي الموهبة؟
ثانيهما: ما الغرض من إعطاء الموهبة؟

فأولاً، إن الموهبة "الكاريسما" أو "الكاريزما" هي ذلك التأثير الروحي الذي يحدثه الله في نفس الإنسان عن طريق كلمته وروحه من خلال الموهوبين.

وثانيًا، من جهة الغرض من إعطاء الله مواهب للمؤمنين فهو غرض ثلاثي:

  1. لتمجيد شخص المسيح.
  2. لبنيان جسد المسيح.
  3. لربح الخطاة للمسيح.

هذه المقدمة بغرض الإيضاح لما سنتناوله في موضوعنا وهو:  "النمو الروحي من خلال ممارسة المواهب الروحية" وعليه نقوم بطرح بعض الأسئلة التي تعيننا عند الإجابة عليها للوقوف على هذا الموضوع وفهمه فهمًا جيدًا:

س:  كيف تؤدي المواهب الروحية إلى النمو الروحي في حياة مَنْ يقوم بممارستها؟
ج: نظرًا لأن الغرض الأساسي للمواهب الروحية كما سبق القول هو: تمجيد شخص المسيح، بنيان جسد المسيح، ربح الخطاة للمسيح وذلك عن طريق قبول النفس لكلمة الله وفهمها.  فمما لا شك فيه أن مَنْ يمتلك موهبة تؤول إلى فائدة الآخرين لا بد وأن يكون له هو أيضًا نصيبٌ وافرٌ من الاستفادة الروحية من موهبته وبالتالي فإن هذا يؤدي بدوره إلى النمو الروحي من خلال الموهبة وبواسطة ممارستها؛ ذلك لأن الموهبة "الكاريزما" في جوهرها هي ذلك التأثير الروحي الإلهي في النفس وبالتالي فهي تأتي بالمسيح لصاحب الموهبة أولاً ومن ثم ينمو هو شخصيًا في معرفة المسيح وأفكاره قبل أن يقوم كصاحب موهبة بتوصيل المسيح للنفوس من خلال موهبته.

س: كيف تسهم المواهب بطريقة عملية في "النمو الروحي لأصحاب المواهب"؟
ج:  إن المواهب الروحية تمنح أصحابها، إن جاز التعبير، امتياز وبركة النمو من ثلاث جوانب هامة كالآتي:

  1. النمو في الإدراك؟ 
  2. النمو في الاختبار.
  3. النمو في الشخصية.

وهذه المجالات الثلاث هي موضوع حديثنا بشيء من التفصيل الآن:

أولاً: النمو في الإدراك:

‌أ- إن النمو من هذه "الوجهة" أي الإدراك، يقودنا إليه معرفتنا بالمسيح كصاحب السلطان الوحيد والمطلق الذي يمنح الموهبة لمَنْ يشاء وذلك على قياس هبة المسيح (أف 7:4)، فإن هذه الحقيقة تنمي الإدراك الروحي لدى الشخص الموهوب بأنه لا دخل للبشر إطلاقًا في مسألة إعطاء المواهب كما ولا دخل مطلقًا للكنيسة في هذا الأمر، بل هو حق للمسيح وحده (أف 11:4).  وهذا مما يُعظّم شخص المسيح وسلطانه أمام عيني إيمان صاحب الموهبة.
‌ب- إن النمو في هذه الحقيقة يقود صاحب الموهبة إلى الاقتناع الكامل والمستمر بأن الموهبة لا بد أن تُمارَس تحت إشراف وسلطان المسيح دون تدخل من البشر في حرية استخدام صاحب الموهبة حسب دعوة وتوجيه الرب له لممارسة موهبته مما يُتيح للشخص النمو في إدراك "الحرية التي منحه إياها المسيح" (غل 16:1).
ومن هنا نرى أن النمو في الإدراك ينحصر في أمرين:

الأول:  يتعلق بإدراكنا لسلطان المسيح في إعطاء الموهبة لمَنْ يشاء.
الثاني: إدراك الحرية الكاملة في استخدام الموهبة المعطاة من المسيح وممارستها تحت إشرافه.

ثانيًا: النمو في الاختبار:

أ- إن النمو في الاختبار من خلال"النعمة المقوية" عند استخدام الموهبة، فالنعمة هنا هي تقديم المعونة والإمداد والمؤازرة الإلهية للشخص الموهوب لكل ما تتطلبه ممارسة الموهبة من احتياج.  فهناك احتياج للمعونة الإلهية في حالة الضعف الجسدي (2كو 9:12)، وهناك احتياج للمؤازرة في حالة الخوف من الفشل أو التردد والشعور بثقل المسئولية، وهناك احتياج لحالتنا عندما لا يوجد لدينا الاستعداد النفسي أو الروحي أو الذهني أحيانًا.  فعندئذ يملأ الرب قلوبنا بالتشجيع والمعونة اللازمة في ذلك الوقت، الأمر الذي يؤدي إلى النمو في الثقة من جهة اختبارنا لأمانة الرب وكفايته لنا على الدوام، خاصة عندما نشعر بعدم أهليتنا للخدمة في ذلك الوقت.

‌ب- كما أن هناك احتياج آخر لنعمة المسيح للإرشاد والتوجيه لمجال ومكان بل وأسلوب الخدمة، مما يدرِّب الشخص على نمو حاسة التمييز الروحي لصوت الرب ومعرفة أفكاره في ذلك الوقت، ونقل ما في قلبه للنفوس، ومما يتيح للشخص التحرك في عمل الله عن ثقة ويقين دون الاعتماد على التأثيرات الخارجية.  وهذا يضيف لنا من يوم إلى آخر جرعات متزايدة من التدريب الروحي في مجال نمو حاسة التمييز الروحي، وتلك للقيام بكل ما يتعلق بمسئولية الموهبة وممارستها في الوقت والمكان المناسب، لكي تمارس الموهبة في صورة أقرب إلى الكمال.

ثالثًا: النمو في الشخصية:
إن المواهب قد تكون أحد أهم العوامل التي من خلال ممارستها يكون لها دور مؤثر في تشكيل وصقل شخصية صاحبها من عدة جوانب سنوجزها في هذه الكلمات السبعة:

  • تحمل المسئولية: إن ممارسة الموهبة تفتح أمام الشخص مجالاً للتدريب على تحمل المسئولية.  فأمام تيموثاوس مثلاً مسئوليات كبيرة وعظيمة نظرًا لما يمتلكه من مواهب متنوعة. ولذلك فهي تصقل الشخص نحو حياة الرجولة وتحمل المسئولية إذ يكون على عاتق الشخص دورٌ هامٌ والتزامٌ محددٌ يجب القيام به، فتحمل المسئولية يصنع الرجال.
  • الثقة بالنفس: إن تحمل المسئولية يقود بالتالي لنمو جانب مهم في الحياة والخدمة ألا وهو الثقة بالنفس من جهة الخدمة والأعمال التي تتطلب عدم التردد أو الخوف من جهة ما يقوم به الشخص من عمل في صميم موهبته، وذلك بالاستناد الكامل على نعمة الله.
  • تحريك الطاقات: إن لممارسة الموهبة دورها في تحريك الطاقات المختلفة الكامنة في الشخص والتي أودعها الله فيه، وهذه الطاقات والإمكانيات المختلفة لا تُكشف ولا تظهر إلا من خلال ممارسة الموهبة.
  • الحساسية: إن ممارسة الموهبة -وكمثال- موهبة التدبير تُكسب الشخص الحكمة والمرونة والحساسية الروحية لإدارة شئون ومتطلبات كنيسة الله.  كما تؤدي في معظم الأحيان إلى ضرورة اكتساب بعض المهارات والخبرات اللازمة سواء كانت على المستوي الروحي أو الاجتماعي أو الثقافي .. الخ.  وذلك في إطار استخدام الموهبة استخدامًا متكاملاً من كافة الجوانب.
  • التركيز: إن الموهبة بحسب نوعيتها تساعد الشخص على تحديد دوره في عمل الله مما يتطلب التركيز الشديد في نطاق موهبته دون التأثر أو الانفعال أو الارتباك من جهة ما يقوم به الآخرون من خِدَم وأعمال لا يقوم هو بها.  مما يساعد على ازدياد اقتناع الشخص بالدور الذي قسمه له الرب في الخدمة في إطار حدود موهبته.
  • اليقظة: إن ممارسة الموهبة تعطي بلا شك نوعًا من اليقظة الروحية لصاحبها فالخدمة تتطلب الصلاة التي تتيح للشخص قربًا متزايدًا من المسيح كما تتطلب الاتكال المستمر على الرب الأمر الذي يحفظ النفس باستمرار في حالة الاتضاع كما يحفظ النفس أيضًا في حالة السهر الروحي وعدم التراخي أو التكاسل بل الجدية والعزم فيما نحن نمارس الموهبة.
  • العطف: كما أنه في ممارسة الموهبة فرصة رائعة للتدريب على التحلي برقة الإحساس والشعور بحاجة وأحوال النفوس، حيث تتعمق فينا مشاعر المسيح الحبية وعواطفه وأحشاؤه الرقيقة من نحوهم، فنتمكن من نقل وتوصيل كل هذه الأفكار والمشاعر للقلوب.

خاتمة:
وأخيرًا من خلال كل هذا نزداد يقينًا أن في ممارسة المواهب الروحية نجد عاملاً هامًا ومؤثرًا للنمو في شتى مجالات الحياة من إثراءٍ للفكر، وصقلٍ للشخصية، ونضجٍ للعواطف، وذلك حتى نصل من خلال كل هذا لمعرفة ربنا يسوع المسيح المعرفة الاختبارية والتي تزداد عمقًا كلما عبرت السنون فنأتي مقدمين له على الدوام أعمق الشكر شعورًا بالعرفان لنعمته والامتنان الدائم لصاحب المجد والسلطان.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com