عدد رقم 3 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحَواس المُدرّبة  

يتعامل الإنسان مع البيئة المحيطة به من خلال حواسه الخمس، وهى: النظر بالعين، والسمع بالأذن، والتذوق باللسان، والشم بالأنف،َ واللمس باليد، فيستطيع بها أن يميز كل شيء.  وإذا فقد واحدة منها، فقد التمييز المرتبط بها، وإن ضعفت ضعف التمييز.  والإنسان الميت فاقد الحواس، لأنه فاقد الحياة.  ونرى هذا متمثلاً في إسحاق عندما تقدمت به الأيام وشاخ.  ففي الأصحاح السابع والعشرين من سفر التكوين يبدأ بوصف حالة مجملة لإسحاق بالقول:

«وحدث لما شاخ إسحاق».  ونجد تأثير الشيخوخة على حواسه وقد ضعفت، ونطبقها على حالته الروحية كما يلي:

  1. النظر ( ع1): يذكر الكتاب أنه «كلّت عيناه عن النظر»، وقد كان في نضارته له التمييز القوي، ويرى الأمور بوضوح وعلى حقيقتها.  ففي فتوته، رأى في طاعته لأبيه حتى الموت الجمال الأدبي وما يليق بالابن البار والمتعلم من أبيه حياة الطاعة (تك9:22)؛ وفي شبابه، رأى رفقة أنها العروس المعيّنة من الله فأحبها (تك63:24)؛ وفي رجولته، رأى في الغربة والسجود -متمثلان في الخيمة والمذبح- أفضل من السكن وسط الأشرار (تك18:26).  فعاش بجوار الآبار.  لكن عندما شاخ وكلّت عيناه، انطبق عليه القول «أعمى قصير البصر» (2بط9:1)، فلم يدرك مشورات الله من جهة البركة ليعقوب، مع أنه كان قد أعلنها بوضوح لرفقة (تك23:25)، فأراد أن يبارك عيسو بدلاً من يعقوب.
  2. اللمس (ع22): جس إسحاق يد يعقوب، ولم يميزها عن يد عيسو، فانخدع إذ قال: «اليدين يدا عيسو»، مع أنه هو الذي ربّى ابنيه، وتلامس معهما كثيرًا.  وهذا ما يحدث معنا حين تضعف حالتنا الروحية، ونتلامس مع ما يحيط بنا، فلا نستطيع أن نميز بين ما هو صحيح وما هو خطأ، ما هو من الجسد وما هو من الطبيعة الجديدة.
  3. السمع (ع21): مع أن إسحاق ميَّز أن الصوت «صوت يعقوب»، لكن ساوره الشك، وذلك نتيجة الشيخوخة، وتساءل: «هل أنت هو ابني عيسو؟» فلو كان في نضارته لتيقن أنه صوت يعقوب، كمريم المجدلية، التي ميزت صوت الرب، عندما ناداها باسمها، فكثيرًا ما تطمس الآذان، فلا نميز صوت الرب عن صوت الغريب، فتتداخل الأصوات ونضل الطريق. إن خراف المسيح تحبه «وتتبعه لأنها تعرف صوته» (يو27،4:10).
  4. التذوق (ع25): أكل إسحاق وشرب, ولم يميز مذاق طعام رفقة، عن مذاق طعام عيسو، مع أنه أكل كثيرًا من يدها، لكنه إذ شاخ، ضعف تذوقه، وهذا ما يحدث معنا في حالة ضعفنا الروحي، إذ نستسيغ أطعمة لا تتوافق مع حياتنا الجديدة، وكثيرًا ما نستسيغ عسل العالم وما يروق للجسد، لكن حذار لأنه في القدر موت (2مل40:4).  ليهبنا الرب أن نميز الأمور المتخالفة مثل دانيال الذي «جعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه» (دا8:1).
  5. الشم (ع27): شم إسحاق رائحة ثياب يعقوب، ولم يدرك أنه لبس ملابس عيسو، لقد ميز رائحة الحقل والصيد فيها، ولم يميز مرتديها.  ولم يفرق بين ملابس خارجة توًا من خزانتها، وأخرى اَتية حالاً من الحقل، فعندما تضعف حاسة الشم، لا نستطيع أن نميز روائح العالم القذرة، من رائحة المسيح الذكية.

***

عزيزي الشاب .. ليس ضروريًا أنه عندما يتقدم الإنسان في العمر، أن تضعف حواسه أو يفقدها، فقد ذكر عن موسى وهو ابن 120 سنة أنه «لم تكل عينه، ولا ذهبت نضارته» (تث7:34)، وأيضًا كالب وهو ابن 85 سنة قارن نفسه في ذلك العمر بحالته حين كان ابن 40 سنة قائلاً: «فلم أزل اليوم متشددًا كما في يوم أرسلني موسى، كما كانت قوتي حينئذ هكذا قوتي الآن» (يش11:14)، وهذا ما عبر عنه بولس بقوله: «إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا» (2كو16:4).

ولكن نجد في كلمة الله العلاج الإلهي لهذه الحالة، وهو بتكريس الحياة للرب الذي «يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك» (مز5:103)، وأيضًا ننتظر الرب في كل أمر ونثبت عيوننا عليه، لأن «منتظرو الرب يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور، يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون» (إش31:40)، ونطلب من الرب القلب النقي والروح المستقيمة (مز10:51)، ودائمًا «نتغير عن شكلنا بتجديد أذهاننا لنختبر ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة» (رو2:12).

ليحفظنا الرب من أن نشبه أناسًا يقال عنهم إنهم «فقدوا الحس» (أف19:4)، بل أن ندرك حالة البلوغ الروحي، كما قال بولس للعبرانيين «الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر» (عب14:5).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com