عدد رقم 3 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أسألك فتعلِّمني  

جاءنا هذا السؤال من أحد القراء الأعزاء:

س.  ما هو رأي الكتاب فيما يُشاهَد على القنوات الفضائية، خاصة من آيات ومعجزات وقوات، وهل هذه كلها صحيحة؟ وكيف نميِّز بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح؟ وإن كانت صُنعت في العصر الرسولي لتثبيت الكرازة، فهل الكرازة الآن لا تحتاج إلى تثبيت، خصوصًا أن بعض الأفراد يفتخرون أنهم يعملون المعجزات أكثر من باقي الطوائف؟ 

ج: انتشرت القنوات الفضائية المسيحية في الآونة الأخيرة بشكل كبير، بل أصبحت أكثر الوسائل انتشارًا لتوصيل الأفكار للآخرين. ونشكر الرب لأجل استخدامه لهذه التكنولوجيا الحديثة للوصول بكلمته إلى النفوس.

أما بخصوص سؤالك عما هو صحيح وغير صحيح فيما يُعرَض فيها، فسأجيب عنه في النقاط التالية:

أولا: كلمة الله وقوتها: كلمة الله التي تُعرَض عن طريق القنوات الفضائية وغيرها، هي الوسيلة الوحيدة التي تُغيِّر الأشخاص وبها تولد النفوس من فوق «مولودين ثانية ... بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد» (1بط 23:1).
وهذه الكلمة؛ الوحي المكتوب، تحوي إنجيل المسيح.  والرسول بولس يؤكد لنا أنه «قوة الله للخلاص لكل مَنْ يؤمن» ليس لأنه مصحوبٌ بالآيات، بل لأن الله نفسه أعلن عن ذاته في هذا الإنجيل؛ فهو يتحدث فيه، ولأن فيه مُعلَنٌ بر الله (رو 16:1، 17).

كما أن كلمة الله هي الشيء الوحيد الصحيح في الحياة.  ونحن نقيس كل الأمور عليها، ما هو مطابق لها فهو صحيح، وما غير مطابق لها فهو غير صحيح مهما كان شكله أو مَنْ يقومون به.

ثانيًا: الآيات وضرورتها: من الكتاب المقدس نفهم أنه في أيام الرسل لم يكن الوحي قد اكتمل ولم تكن كلمة الإنجيل مكتوبة، لكنها كانت كلمات شفوية يتكلم به رُسل وأنبياء العهد الجديد، وكان الله يثبت للآخرين صدق هذا الكلام بأن أعطاهم مواهب معجزية لكي يثبِّت (ليس الكتاب) بل الكلام الشفوي، بالآيات.  «شاهدًا الله معهم بآياتٍ وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس، حسب إرادته» (عب 4:2).  وهو هنا لا يثبِّت إيمان الذين يؤمنون، بل كلام الذين يتكلمون، ليؤكد للمستمع أن الذي ينطق به المتكلم هو كلمة الله، سواء قبلها المستمع أو رفضها.  وهذا نفسه كان يحدث في بداية كل مرحلة جديدة في معاملات الله مع الإنسان.  فحدث عندما أرسل موسى وهارون لفرعون أنه أعطاهم آيات ليثبت بها لفرعون صدق كلامه.  ثم لا نقرأ عن الآيات زمانًا طويلاً إلى أن جاء عصر الأنبياء في بداية جديدة، حيث أعطى الرب لإيليا وأليشع أن يصنعوا آيات.  ثم لا نقرأ عن الآيات حتى مجيء المسيح في الجسد ثم بداية العصر الرسولي.  وهكذا كان يتميز بها بداية كل عصر، بعدها تكون كلمة الله المكتوبة قد تثبتت، وتحوي في ذاتها الدليل والقوة ثم تختفي الآيات.

لا نقرأ في كل الكتاب أن الآيات تؤدي إلى الإيمان الحقيقي أو أنها تجعل الإنسان يولد من فوق، وهناك كثير من الأدلة على ذلك:

  1. الآيات في أيام موسى وهارون لم تجعل فرعون يؤمن، حتى الشعب نفسه لم يسمع لموسى وهارون رغم الآيات التي رأوها (خر 9:6).
  2.  كذلك في أيام إيليا وأليشع لم يؤمن أخآب الملك أو غيره نتيجة الآيات.
  3. عندما كان الرب يسوع على الأرض نقرأ أن المدن التي صنع فيها أكثر قواته لم تتب (مت 20:11)، وحتى الذين قيل عنهم: «آمن كثيرون باسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع»، يقول عنهم البشير: «لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع» (يو 23:2، 24).  فلم يكن إيمانهم حقيقيًا.
  4. الآيات قد تؤدي إلى ما يسمى إيمان الاندهاش والإعجاب بالجو العام.  وهو ما حدث مع سيمون الساحر في أعمال 8، الذي قيل عنه إنه آمن، ثم اعتمد.  لكن الرسول بطرس يقول له: «أراك في مرارة المر ورباط الظلم ... تب عن شرك» فهو أيضًا إيمان غير حقيقي، لم يُغيِّر حياته، بل كان مجرد انبهار.

ثالثًا: ما يحدث ونتائجه: إننا نثق أن إله المعجزات موجود، ويُجري معجزات يومية، ولكنها ليست آيات مبنية على مواهب مُعطاة لأناس معينين، وإنما استجابة لصلاة أي مؤمن بسيط، طالما كان هذا متفقًا مع مشيئته، وسيؤول لمجد اسمه.

إن ما يُعرَض على بعض القنوات الفضائية، أو ما يُسمَّى بالآيات الخارقة، نتيجة مواهب غير عادية عند البعض، إنما يُعظِّم الإنسان فقط، ويثير المشاعر الملتهبة، مما يجعل الذين يتعلقون بهذا الجو يدمنونه، ويتبعون البشر وليس المسيح.  فهذا الجو سيخدعهم وسيؤدي بهم إلى مزيد من القساوة مستقبلاً وليس الإيمان الحقيقي.

لسنا مسؤولين عن تفسير كل ما يحدث، فقد يكون له تفسيرات كثيرة متنوعة طبية ونفسية وغيرها.  نحن نعرف صوت الراعي وأي صوت غيره هو صوت غريب نبتعد عنه (يو 4:10) ونحن نحكم في ضوء كلمة الله: هل هذا مطابق لها أم لا؟ هل يُعظِّم المسيح أم الإنسان؟ وعليه يتحدد مصدر هذه الأشياء إذا كانت حقًا من الله أم لا.  ونحن نحترم كل ما يطابق الكلمة الإلهية.

رابعًا: القنوات الفضائية واستخدامها: وإن كنا نشكر الرب على استخدامه للقنوات الفضائية، لكن ليس معنى ذلك أنه يصادق على كل ما فيها.  وعلينا أن نتعامل معها بحذر لأنها:

  • تجعل المؤمن يميل إلى السلبية والتلقين السلبي فيبتعد عن الاجتهاد في درس كلمة الله، وكذلك في علاقته الشخصية مع الرب، وسيهمل خلوته الفردية. 
  • هناك كثير من الأفكار البشرية الخاطئة وأيضًا الممارسات الخاطئة تُعرَض مع عرض الكلمة، والمُشاهد يستقبل هذا وذاك.  قليل من الحنطة مع كثير من التبن، وأحيانًا السموم الضارة.  لذلك يجب أن نمتحن كل ما نستقبله في ضوء كلمة الله هل هذه الأمور هكذا أم لا؟
  • تُريح الضمير وتُقنع الشخص بأن هذه هي الروحيات الصحيحة، وبالتالي يكون من المؤذي جدًا الاكتفاء بها كمصدر للأفكار الروحية.
  • تمنع الشخص من الذهاب للاجتماعات الكنسية مُكتفيًا بسماع كلمة الله في البيت.
  • تُخاطب نفس المؤمن وليس روحه.  وتجعله يحيا حياة نفسية، ويُدمن جو الانفعال والانقياد إلى ما له بريق، ويفقد تدريبه الروحي وقبوله للكلمة في بساطتها.
  • ربما هي أكثر فائدة للذين لهم ظروف خاصة، وفي بلاد ليس فيها اجتماعات كتابية ناجحة، أو لا يستطيعون الذهاب بحرية إلى الأماكن التي تُقدَّم فيها كلمة الله.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com