ذكرنا فيما سبق أن الرب يسوع المسيح، بالنسبة لكونه إنسانًا في المجد الآن، قد أُعطيَ عطايا من الآب، إلهه وأبيه، مكافأة له على إكمال عمل الصليب. ولكون الكنيسة هي جسد المسيح الرأس. وأفراد المؤمنين هم أعضاء هذا الجسد (أف 15:4، 16). فإن كل العطايا والمكافآت التي قَبلَها –تبارك اسمه- من إلهه وأبيه، أعطاها لنا نحن المؤمنين باسمه، ليس بمعنى أنه تخلى عن هذه العطايا والمكافآت لنا، لكن بمعنى أنه أدخلنا نحن فيها للتمتع بها معه.
أما عن هذه العطايا والمكافآت التي أُعطيت له –تبارك اسمه- فقد تأملنا في عددنا السابق في أولا: الحياة إلى أبد الآبدين .. والآن نتأمل في:
ثانيًا: الاسم الذي هو فوق كل اسم (في 6:2- 9)
إن سيدنا المعبود:
«إذ كان في صورة الله، لم يَحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبدٍ، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسم» (في 6:2- 9).
إن الاسم يدل على كل ما هو الشخص: صفاته وأعماله واستحقاقاته. وهو أيضًا تعبير عن الصيت والشهرة؛ فمثلاً: عن القوم الذين أرادوا أن يبنوا لأنفسهم مدينة وبرجًا رأسه بالسماء، نقرأ عنهم قولهم: «نصنع لأنفسنا اسمًا» (تك 4:11). ويقول الرب لداود: «وعملت لك اسمًا عظيمًا كاسم العظماء الذين في الأرض» (2صم 9:7). وفي نبوة حزقيال نقرأ فيما يتعلق بأورشليم: «وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالك» (حز 14:16).
ولقد أُعطيَ الرب يسوع في تجسده، اسمًا من الله نفسه؛ «يسوع»، اسمه الإنساني. الاسم الذي كان يحمله هنا عندما كان محتقرًا ومخذولاً من الناس، ولكنه «بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي، صائرًا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم» (عب 3:1، 4).
فباعتباره الإنسان الكامل الذي مجَّد الله على الأرض، عاد إلى حيث كان، إلى ذروة المجد. جاء ظاهرًا في الجسد، وإلى ذروة المجد رُفع. «من عند الله خرج، وإلى الله يمضي» (يو:3:13). نعم، عاد إلى هناك بعدما عَطَّر الكون برائحة طيب أمجاده (نش 3:1). «صائرًا (بجلوسه في يمين العظمة في الأعالي) أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم (أو بحسب ترجمة داربي: آخذًا مكانًا أفضل من الملائكة إذ ورث اسمًا أسمى مما ورثوا)» (عب 4:1).
وفي رسالة أفسس نقرأ أن «إله ربنا يسوع المسيح ... أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يُسمَّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا» (أف 17:1- 21). فالرب يسوع يسمو على كل حاكم وسلطة، بشرية أو ملائكية، الآن وإلى الأبد. ومهما تعاظم حكمهم وسلطتهم، وقوتهم وسيطرتهم، فالمسيح يفوقهم بما لا يقاس.
وكذلك في رسالة فيلبي نقرأ أن الله .. «أعطاه اسمًا فوق كل اسم» (في 9:2). نعم، فسيدنا الذي «إذ كان في صورة الله، لم يَحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبدٍ ... وأطاع حتى الموت موت الصليب». أليس هو إذًا الجدير وحده أن يعطيه الله «اسمًا فوق كل اسم»؟
فهذا الاسم «يسوع» اسم الاتضاع، هو نفسه الاسم الذي سيكون فوق كل اسم. وستُدرك الخليقة كلها في المستقبل أن هذا الاسم الذي لُقِّب به «ربي وإلهي»، زمان وجوده على الأرض، وقد جهله الكثيرون، واحتقره ورفضه الكثيرون أيضًا، ووضعوا أسماء أخرى كثيرة مع هذا الاسم، هو الاسم الذي يفوق كل اسم. وأمام هذا الاسم الجليل يتوارى كل اسم آخر، «لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة مِمَنْ في السماء ومَنْ على الأرض، ومَنْ تحت الأرض، ويعترف كل لسانٍ أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب» (في 10:2، 11). فالذين لا ينحنون له طوعًا الآن، سيأتي يوم فيه يُرغَمون على ذلك. كما أن الذين يرفضون أن يتصالحوا معه في يوم نعمته، سيُخضعون له في يوم نقمته.
لقد سار الرب يسوع من المجد إلى بيت لحم، فإلى جثسيماني، ومن ثم إلى الجلجثة، وكل هذا بالنعمة التي لا تُضاهى. أما الله، إلهه وأبيه، بالمقابلة، فسيكرمه، إذ سيجعل الكون بجملته يقدِّره. وقسرًا سيعترف الجميع بحقيقة ربوبيته. والذين رفضوا وتنكروا لما قاله المسيح عن نفسه، سيقرون ذات يوم بأنهم تصرفوا بجهل، وضلوا السبيل كثيرًا، وأن «يسوع الناصري» هو حقًا رب المجد.
والرب يسوع المسيح بدوره أعطانا أيضًا اسمه:
- لغفران الخطايا: «أكتب إليكم أيها الأولاد، لأنه قد غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه» (1يو 12:2). و«له يشهد جميع الأنبياء أن كل مَنْ يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا» (أع 43:10). فالله -في أمر غفران خطايانا- يعمل على أساس قيمة ابنه المحبوب: قيمة اسمه كمن مجَّده تعالى على الأرض وأكمل العمل الذي أعطاه إياه ليعمل.
- للخلاص: فبهذا الاسم وحده، نلنا خلاصًا كاملاً وأبديًا «وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطيَ بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أع 12:4).
- للاجتماع إليه: فبهذا الاسم وحده، وتحت لوائه، تجتمع كنيسة الله في كل مكان «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي (إلى اسمي) فهناك أكون في وسطهم» (مت 20:18).
- وللطلب إلى الآب: فبهذا الاسم وحده نقترب إلى عرش النعمة ونطلب من الله أبينا كل أعوازنا واحتياجاتنا، روحية كانت أم زمنية. «ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجَّد الآب بالابن. إن سألتم شيئًا باسمي فإني أفعله ... لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي ... الحق الحق أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يُعطيكم» (يو 13:14، 14؛ 16:15؛ 23:16).
- وبهذا الاسم، وعلى أساس عمله المبارك، أرسل الآب، المُعزِّي الروح القدس: الذي يعلمنا كل شيء والذي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا. «وأما المُعزِّي، الروح القدس، الذي سيُرسله الآب باسمي، فهو يُعلِّمكم كل شيء، ويُذكِّركم بكل ما قلته لكم» (يو 26:14).
- هذا وإن كل أقوالنا وأفعالنا التي نعملها فيجب أن تكون لمجد ذلك الاسم الكريم: «كل ما عملتم بقول أو بفعل، فاعملوا الكل باسم الرب يسوع، شاكرين الله والآب به» (كو 17:3).
ويا ليتنا نتسلّح بنية الألم لأجل المسيح، ونستهين بكل أشكال العناء والتعب ما دام ذلك هو السبيل إلى تمجيد اسمه الكريم. وكيفما كان مقدار الاضطهادات والتهديدات أن لا نكلِّم أحدًا من الناس فيما بعد بهذا الاسم، ولا نعلِّم باسم يسوع (أع 17:4، 18)، ليتنا نخرج، في بساطة الإيمان، من أجل اسمه (3 يو 7)، مُخبِّرين بفضله وفضائله، فرحين لأننا حُسبنا مستأهلين أن نُهان من أجل اسمه (أع 41:5).
(يتبع)