عدد رقم 3 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دليلة - 2   من سلسلة: شابات الكتاب المقدس

(قضاة 16)

غانية بلا قلب، أذلت وحطمت رجلاً من أعظم الرجال في العهد القديم، وأفسدت نذر أول نذير من بين ثلاثة كانوا نذيرين للرب من بطون أمهاتهم: هم شمشون، ثم صموئيل، وأخيرًا يوحنا المعمدان؛ كما أنها قضت على القاضي الأخير في سفر القضاة.

وكنا قد ألمحنا في العدد السابق إلى حياة شمشون وما ارتبط بها من فشل، ونود في هذا العدد أن نتوقف لكي ندرس

علاقة شمشون مع الجنس الآخر

لقد كانت مأساة الشاب شمشون هي في علاقته مع الجنس الآخر. لم تكن دليلة هي أولى علاقاته الغرامية، بل – بحسب ما ذكر لنا الوحي الإلهي - كانت الثالثة.  ولو أننا لا نعرف سوى اسم آخِر الثلاثة، وهي ”دليلة“.  وكما سبق وذكر أليهو، فإن الله يتكلم مرة، وباثنتين لا يلاحظ الإنسان.. حينئذ يكشف آذان الناس، ويختم على تأديبهم (أي33: 14-16).

وفي عجالة نتوقف عند كل واحدة من هؤلاء الفتيات الثلاث اللائي كانت لشمشون بهن علاقة تعيسة:

الفتاة الأولى: الزوجة التي تبخرت سريعًا

بعد أن ذكر الوحي أن روح الرب ابتدأ يحرِّك شمشون في محلة دان، بين صرعة وأشتأول، فإننا فورًا نقرأ أنه قرَّر الزواج! 

وبدون أن يذكر الوحي أنه صلى، أو استشار الرب بخصوص هذه الخطوة الأكثر أهمية في حياة كل إنسان، نجده يقول لأبيه وأمه ما معناه: ”لقد التقيت فتاة أحلامي!“.  وبكل أسف لم تكن العروس من بنات الله.  ولقد استهجن أبوا شمشون التقيان تلك الرغبة الغريبة في أن يقترن النذير بفتاة هذا شأنها.  لكن شمشون حسم المناقشة بقوله لأبيه: «إياها خذ لي لأنها حسنت في عينيّ».  وكان على الأبوين أن يسمعا لكلام القاضي، فكلام القضاة لا يُرد!

هكذا سريعًا –بكل أسف- تحركت الشهوة في قلب شمشون من اللحظة الأولى.  ومع أنه كان المفروض في شمشون أن يسمع لكلام والديه، ولا سيما أنهما والدان تقيان، والأكثر لأن كلامهما كان بحسب فكر الله ووصاياه الصريحة (تث7: 3، 4)؛ لكن شمشون -كما نعرفه- ما كان يعرف التسليم لله، ولا الانقياد لمشيئته.  إنه شخص يجد نفسه دائمًا على صواب.  وشهوته هي التي بدأت تحركه الآن، وليس روح الله، الذي كان يحركه في البداية!

وبسرعة سنكتشف أن فتاة ”أحلامه“ تحولت إلى فتاة ”كوابيسه“! والذي حدث هنا مع شمشون، ما زال يحدث بالأسف مع الكثيرين، ولو أنهم في عنادهم يكابرون وينكرون، وأما كتاب الله فلا مكابرة فيه ولا إنكار، بل إنه يسجل الحقائق كما هي.

أمر محزن أن نقرأ في ختام سفر القضاة، أكثر من مرة: «كل واحد عمل ”ما حسن في عينيه“» (قض17: 6؛ 21: 25). لكن الشيء المحزن أكثر أن القاضي النذير أيضًا، يسبق الكل في ذلك، ويريد أن يتزوج بمن ”حسنت في عينيه“!

أخي الشاب، أختي الشابة: نصيحة مخلصة أقدمها لكما.. مَنْ يريد الزواج فعليه أن يرجع إلى النموذج الذي أسَّسه أبو المؤمنين إبراهيم، عندما أراد عروسًا لابنه إسحاق. فلقد اشترط إبراهيم أن تكون الزوجة من بنات الله، أي من عشيرة الإيمان، ولقد طلبها عبد إبراهيم من الله بالصلاة؛ ووجدها العبد عند عين الماء. أما شمشون فقد عمل عكس ذلك على خط مستقيم، وخالف كلام الله الصريح الواضح.  فلقد طلب زوجته باستحسان العيان لا بصلاة الإيمان، وطلبها من بنات أعداء الله لا من بنات شعب الله، ولم يضع العلامة عند عين الماء، بل هو الذي صنع الآية، إذ صرع الشبل في كروم تمنة.  ولهذا فإنه لم يحصل على فتاة خدومة مثل رفقة، بل حصل على فتاة خائنة هي حب شمشون الأول!

ولقد تدخل الرب في رحمته لينقذ شمشون من هذا الزواج، فلم يتم، وأخذ صاحبُه عروسَه منه؛ فبدل أن يقوده ذلك لأن يشكر الرب، الذي أمسكه عن أن يخطئ إليه، جُن جنون شمشون، وجُرحت كرامته بشدة، فأراد الانتقام لكرامته المهدرة.  ولقد كانت المشكلة (بحسب نظره) ليست مع البنت ولا مع أبيها، ولا طبعًا مع نفسه، فكما ذكرنا كان هو بحسب اعتقاده في نفسه فوق الخطأ؛ بل إن سر المشكلة في نظره كانت في الفلسطينيين الذين أجبروا الفتاة على خيانته.  إذًا فلينتقم من الفلسطينيين!

ولقد كان انتقام شمشون لنفسه انتقامًا غريبًا، إذ أمسك بثلاث مئة ابن أوى وربط ذَنَبَي كل اثنين منها مع بعضها، وفي الوسط بين كل ذَنَبَين وضع شعلة نار، وأطلق الحيوانات على محاصيل الفلسطينين، فاحترقت الحيوانات البريئة واحترقت المحاصيل، فما كان من الفلسطينيين إلا أن أحرقوا بدورهم عروس شمشون وبيت أبيها.  إذًا فلقد جلب شمشون على البنت وأهلها وشعبها المصائب، بمجرد أن حاول الاقتران بها. حقًا، كما قال الرسول بولس: «أي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟» (2كو6: 15).

وأما أنت يا شمشون، فأسفي عليك!  فنحن لم نعهد ذلك المسلك المعيب من أبطال الإيمان أبدًا. إن أسلوب الانتقام هو أسلوب الإنسان وطريق العيان. وأنت هنا لا تسلك بالروح الذي كان يحركك في بداية حياتك، بل إنك تسلك بحسب البشر.  أما طريق الإيمان الذي سلكه من سبقوك ومن تبعوك من القديسين فهو «إن جاع عدوك فاطعمه، وإن عطش فاسقه ماء»، وليس اِحرقه واحرق زرعه بالنار!

المرأة الثانية: امرأة زانية:

لم يسجل الوحي عن هذه المرأة الثانية كلامًا كثيرًا، وهي مثل الفتاة الأولى لا نعرف اسمها.  ونحن لا نود التوقف عندها طويلاً، فإنها بكل أسف امرأة زانية، دخل إليها الشاب النذير، بشعره الطويل، ليقضي معها ليلة حمراء! هذا التصرف الأحمق نحن نكاد لا نستغربه من أي فتى فاسد، ومن أي شاب غر، ليس له معرفة بالله وليس له علاقة معه.  لكننا نستغربه كل الاستغراب، ونستهجنه من نذير لله، شخص جاء الله بنفسه أكثر من مرة لكي يبشر بمولده! 

ولقد كاد شمشون بسبب تهوره وحماقته يقع في الفخ، إذ قيل للغزيين: «قد أتى شمشون إلى هنا». فأحاطوا به وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة، قائلين عند الصباح نقتله.  لكن الرب أنقذه. وكان المفروض أن يتعظ، قبل أن يطبق الفخ عليه، ويسقط سقوطًا لا قيام بعده، ولكن هذا بالأسف لم يحدث.

لقد كمَّن له الفلسطينيون كل الليل لكي يقتلوه في الصباح، وأما شمشون البطل المغوار، فقد قام في الليل، وحمل مصراعي باب مدينة غزة والقائمتين مع العارضة، وصعد بها إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون.  وبذلك فقد صارت ”يا عيني“ مدينة غزة مدينة بلا بوابات، وأما شمشون الذي لم يضبط نفسه، فعيني عليه أكثر، لأنه بات أكثر من مدينة بدون بوابات، فهو –بالأسف- بحسب كلمات سليمان الحكيم: «مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه!» (أم25: 28).

***

هذا يوصلنا إلى المرأة الثالثة والأخيرة في حياة شمشون، وهي موضوعنا الرئيسي:

دليلة

وإليها يرجع الفضل (وهو ليس فضلاً على الإطلاق) في الإجهاز على شمشون وتحطيمه تمامًا.  ولكننا لا نريد أن نظلمها، فليست وحدها سبب كارثة شمشون، بل كان للفتاتين السابقتين دور ويد، وأما الدور الأكبر واليد الطولى في المأساة فكانت لشمشون نفسه.

يخبرنا الوحي المقدس: «وكان بعد ذلك أنه أحب امرأة في وادي سورق اسمها دليلة».  ويجب أن نتوقف عند هذه العبارة التي ترد لأول مرة في حياة شمشون: ”أنه أحب“.  فلقد حسنت الفتاة الأولى في عينيه، ولقد اشتعلت شهوته مع الفتاة الثانية؛ ولكنه هذه المرة أحب!

أ مثل هذه تستحق المحبة أيها النذير؟ أ تعطي حب القلب لكل من هب ودب؟  ما أجمل كلمات ترنيمتنا العذبة، التي نرجو أن تكون حقيقة حية، لا مجرد كلمات جميلة نرددها:

حبي احفظنه ذاخرًا
وكن لنفسي حافظًا

إياه كالكنز الثمين
إني ضعيف يا معين

لكن ماذا نقول عن شمشون؟  لقد مال قلبه فمال حاله، وهوى قلبه فهوى!

عزيزي الشاب عزيزتي الشابة: استمع إلى كلمات الحكيم التي يجب أن نختزنها عميقًا، فإنها تنفع.  قال: «فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة» (أم4: 23). 

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com