عدد رقم 3 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
سلام الله  

السلام كلمة حلوة، وهو احتياج أساسي لكل إنسان على مر الزمان، ومصدره الوحيد هو الله لأنه «إله السلام».  وبعد دخول الخطية، فَقَدَ الإنسان سلامه مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين، وتوترت كل العلاقات.  لقد تعلم القتل والإرهاب، والظلم والفساد، والحروب والخصومات، وصار يهرب ولا طارد، لأنه «ليس سلام قال الرب للأشرار».  وبالأسف كانت أول عبارة نطق بها الإنسان وسُجِّلت له على صفحات الكتاب هي: «سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت» (تك 10:3).  لقد أحدثت الخطية شرخًا في علاقة الإنسان مع الله، وبدلاً من أن يتعامل معه في جو المحبة والألفة، صار ينظر إليه كالديان.  وتحت الشعور بالذنب، قاده الخوف إلى الهروب من الله.  ولكي يعود الإنسان يشعر بالسلام والأمان، كان لا بد من التصالح مع الله.  وهذا تم بموت المسيح، ويناله الشخص بالإيمان. 

وهناك نوعان من السلام: «سلام مع الله»، و«سلام الله».  «السلام مع الله» يرتبط بالغفران والتبرير والقبول أمام الله في المسيح.  «فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رو 1:5).  لقد صار المسيح نفسه هو برنا وفيه نصبح كاملين وبلا لوم ولا شكوى أمام الله.  ليس فقط أن الدينونة قد عبرت، بل إن لنا ذات قبول وكرامة واستحقاقات المسيح.  «لأنه كما هو (الآن في يمين العظمة)، هكذا نحن أيضًا في هذا العالم» (1يو 17:4).  وعندما نتيقن من هذه الحقيقة سنشعر بالسلام من جهة الله.  حيث أن علاقتنا معه قد اسُتُرِدَّتْ على أساس الفداء.  فهل تذوقتَ هذا السلام، ونعمتَ بالفداء؟

أما «سلام الله» فينبع من ثقتنا في محبته وصلاحه وقدرته وحكمته، ومعرفتنا به المعرفة الشخصية والاختبارية.  ولكي نتمتع به عمليًا نحتاج أن نكون في شركة مع الله كل يوم.  إنه يرتبط بظروف الحياة المتقلبة التي نمر بها، والتي قد تسبب لنا القلق والاضطراب.  لهذا فإن إيمان الثقة والتسليم هو الذي يستحضر سلام الله إلى قلوبنا.

إن «سلام الله» يعني ذات السلام الذي يتمتع به الله نفسه، وهو كائن فيه دائمًا.  إنه على عرشه هناك في السماء في سلام تام.  ولا يمكن لأي أحداث في العالم أن تهز هذا العرش أو تعكِّر هذا السلام.  إنه «في العُلىَ أقدر» (مز 4:93)، وهو «العلي المُتَسلِّط في مملكة الناس» (دا 32:4).  يقول الحكيم: «إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد، فلا ترتع من الأمر، لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ، والأعلى فوقهما» (جا 8:5).
إنه الخالق العظيم الذي أتقن العالمين بكلمة، ويحملها بكلمة قدرته. «يُحصي عدد الكواكب. يدعو كلها بأسماء. عظيم هو ربنا، وعظيم القوة. لفهمه لا إحصاء» (مز 4:147، 5).  وحين رسم دائرة على وجه الغمر، لم يستشر أحدًا، ولم يستعن بأحد.  إنه الإله الحكيم والقدير وحده، وهو «الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب» (إش 22:40)، الذي «سلطانه سلطان أبدي ... وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض» (دا 34:4، 35).

إنه يُمسك بزمام كل شيء، ويتحكم في كل الظروف، ويسيطر على كل الأحداث، ولن يفلت الزمام من يده.  إنه يصنع الأحداث وليس فقط يعرفها.  هو يقول ويفعل.  رأيه يقوم ويفعل كل مسرته.  مَنْ صار له مشيرًا؟! أو مَنْ يقول له ماذا تفعل؟ إنه «مُخْبِرٌ منذ البدء بالأخير، ومنذ القديم بما لم يُفعَل» (إش 10:46).  يعرف النهاية ويحددها من البداية، لا يُفاجأ بشيء، ولا شيء يحدث مصادفة دون إذنه.  لهذا كله هو في سلام تام على عرشه، ولا يوجد ما يزعجه؛ لا هياج الأشرار وتمردهم، ولا عربدة الشيطان باعتباره رئيس هذا العالم، ولا تقلب الظروف، فلن يخرج شيء عن سيطرته.  إنه يحوِّل الشر إلى خير، وهذا ما نراه في قصة يوسف وموسى وأستير وغيرهم.

وعندما ندرك أن أمورنا في يد هذا الإله القدير صاحب السلطان المطلق، وليست في يد الناس أو الظروف أو أنفسنا، ولأنه يعمل دومًا لخيرنا وفي صفنا، فلن نخاف أو ننزعج من أي شيء كما قال المرنم:

كيف أخاف سيدي        وأنت خلف الغيمة

قال الرسول بولس: «لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طلباتكم لدى الله.  وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في 6:4، 7).  وحتى لو لم يكن هناك ضمان لاستجابة كل الطلبات، فقد لا يكون ذلك لخيرنا وبركتنا، فإن الأمر المضمون والأكيد هو أن «سلام الله» سيحفظ قلوبنا وأفكارنا.  فلن نشعر بالقلق أو الاضطراب حتى لو هاجت الدنيا من حولنا، ولو تكاثفت السحب من فوقنا أو تزلزلت الأرض من تحتنا.  سنختبر ذات «سلام الله» إذا كانت لنا الثقة الهادئة في صلاحه من نحونا.  وهذا ما اختبرته الشونمية في يومها عندما قالت: «سلام» وسط الخطب العظيم.  ولن ننزعج من المستقبل لأن لنا «الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت».  إن القدير هو أبونا فمِمَنْ نخاف؟!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com