اختلفوا شكلاً ومعنًى، تباينت شخصياتهم: طال زمان البعض وقصر الآخر، واحد ارتقى وآخر ذُلَّ، نجح البعض في حين فشل الأكثرون، البعض حارب وانتصر وغيره أذعن واستسلم، البعض بنى والآخر خرَّب؛ على أن الجميع اتفقوا على إظهار فشل الإنسان في أوضح صورة. لقد أثبتوا أنه ما كان بإمكان ملك من الناس أن يستبدل مُلك الله الذي رفضوه (1صم8: 7). هؤلاء هم موضوع سلسلتنا هذه:
39 ملكًا هم ملوك إسرائيل ويهوذا بعد انقسام المملكة الواحدة وخبو مجدها.
إن قصة المُلك في إسرائيل بحق قصة مؤسفة من بدايتها، يوم طلب الشعب مَلكًا كسائر الشعوب، برغم كل تحذيرات صموئيل، وجاء أول ملك حسب اختيارهم كَسرًا لكلام الرب في تثنية17: 14-20.
على أن الله عاد وأعطاهم الرجل الذي حسب قلبه، داود (أع13: 22)، وخَلَفَه سليمان باني الهيكل. على أن هذا الجزء ليس هو موضوعنا هنا، بل مجالنا هو من وقت الانقسام في أيام رحبعام ابن سليمان، والذي أنشأ مملكتين من المتمردين، امتدّت قصتهم قرابة ثلاثة قرون ونصف من 931ق.م إلى 586 ق.م.
تُسجَّل تواريخ هؤلاء الملوك في سفري الملوك وسفر أخبار الأيام الثاني، وجميعها تشترك بأنه لا إشارة لكاتبها، وكأنّ بالله يريد أن يؤكِّد أن ذلك ليس مجرد تأريخ مؤرِّخ، بل هو عِبَر لمَن يعتبر، وشاهد على من يستهين.
وإذ نجول في هذا التاريخ نَعجَب من كمِّ ما حواه بين دفتيه: إيمان وعصيان، تقوى ووثنية، نصر وهوان، معارك وتحالفات، حرب أهلية وخيانة، اغتيالات وانتحار! تارة تحارب المملكتان بعضهما، وأخري تتسالمان، وثالثة تتحالفان! إنه تاريخ عامر بالدروس الهامة نتعلمها من خلال ما ميَّز الملوك الأتقياء وما ميّز الأشرار منهم.
عينا الرب
اشترك جميع هؤلاء الملوك في أن كل منهم نال تقريرًا ختاميًا عن حياته، لم يخرج عن واحد من نصين:
فهو إما «عمل المستقيم في عيني الرب» أو «عمل الشر في عيني الرب».
ولعله من أهم دروس تاريخ أولئك الملوك أننا إذا فعلنا المستقيم فإننا إنما نفعله في عيني الرب، وإن فعلنا الشر فنحن أيضًا نفعله في عيني الرب! لنتحذر إذًا قبل أن نتصرف أو نتكلم أو حتى نفكِّر، فالكلّ أمام عيني ذاك الذي يرى في الظلمة كما في النور، والذي يصل حتى إلى أفكار القلب ونياته؛ ليتنا نطيع قوله «سِرْ أمامي وكُن كاملاً» (تك17: 1) فيكون لنا خيرًا.
وهل تعرف يا عزيزي كم ملك فعل المستقيم: في مملكة يهوذا 8 ملوك فقط قيل عنهم هكذا (أي 40% وهي نسبة رسوب!!). أما إسرائيل فتذكِّرني بيوم كانت تُذاع فيه نتائج الشهادات العامة فيُسمع قول مثل: ”مدرسة النجاح.. لم ينجح أحد“!! يكفي أن تُلقي نظرة على الرسم السابق لترى كَمّ السواد (الذي يمثِّل الذين صنعوا الشر) لترى عمق المأساة.
عمق الشر
يقول الوحي عن أعمال ملوك إسرائيل «عملها ملوك إسرائيل للإغاظة» (2مل23: 19)، بل يُقال عن واحد منهم (وهو صاحب أكبر تاريخ مسجَّل من ملوك المملكتين) «وزاد أخآب في العمل لإغاظة الرب إله إسرائيل أكثر من جميع ملوك إسرائيل الذين كانوا قبله» (1مل 16: 33).
ولم يكن ملوك يهوذا - بالإجمال - أفضل كثيرًا فمعظمهم «سار في طريق ملوك إسرائيل» (2مل 8: 18؛ 16: 3؛ 2أخ21: 13...). طالِع، على سبيل المثال، الشرور التي ارتكبوها والتي طهّرها التقي يوشيا (2مل 23: 5،11،12؛ 2أخ34: 11)، ثم اسمع تقرير الرب عنهم واقرأ أيضًا قضاءه عليهم (إر8: 1-13؛ 19: 3-13؛ 44: 9-14).
دروس تاريخ الملوك
إنه أروع تاريخ نتعلم منه وبوفرة عن الله: سلطانه، قداسته، رحمته، حفظه لوعده، عنايته بشعبه، غضبه، حنانه، حكمته، قدرته، صلاحه، عدله،.... كما هو الأفضل لنتعلم عن: القداسة، النصرة، الإيمان، الخضوع، الاتضاع، التقوى، حيل العدو.... وفيه نرى كيف لا يتأخر الله عن تحذير شعبه، بالأنبياء وبغيرهم، للعودة عن طرقهم الردية. وأخيرًا نرى، وبكل أسف، النهاية المريعة للشر.
إننا إذًا على باب مستودع للدروس القيمة لنتعلمها. فإلى لقاء مع بعضها قريبًا.