عدد رقم 1 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لا تشاكلوا هذا الدهر--2   من سلسلة: ما يسبق إختبارنا لمشيئه الله

نبدأ في هذ ا العدد الإجابة على السؤال الهام:

  • كيف أعرف إن كنت أحيا مشاكلاً لهذا العالم أم لا؟ 

و بلغة أكثر تفصيلاً:

  • ما هي أوضح الصور المنتشرة بيننا وحولنا التي يمكننا أن نرى فيها بوضوح: مشاكلة هذا الدهر؟
  1. مشاكلة العالم الديني

لعلنا نعتبرها مقولة لا تبعد عن الحقيقة أن نقر بأن مأساة البشرية هي ’في التدين بعيداً عن الله!‘ وإن كان القارئ مصدوماً لما قد يبدو له تعارضاً بين: ’التدين‘، و’البعد عن الله‘، فإننا نُذكِّره فقط بقايين،  الذي لم يكن حالة استثنائية، لكنه صار– منذ زمان طويل – رائدَ طريقٍ ارتاده – ولا يزال – البلايين!!  (يهوذا 11).  وداخل المسيحية في هذه الأيام الأخيرة، ما أكثر وأوسع صور التقوى جنباً إلي جنب مع إنكار قوتها (2تي3: 5).  فما أكثر المتدينين المسيحيين.  وما أقل الأمناء!  ولعل هذه المشاكلة نراها في ثلاث صور على الأقل:

  • تحقيق الذات

لقد صارت الأنشطة الكنسية في كل مكان وبدون استثناء، مسرحًا مفتوحًا لكل من يريد أن يقول ”أنا هنا“.  لقد صارت المسيحية – بكل حزن وأسف– مجالاً يحقق فيه ذاته شباب وشابات، لم ينجحوا لسبب أو لآخر، في تحقيق ذواتهم في المجتمع: دراسيًا، وعملياً، وأسرياً، أو ربما استسهلوا ’مظهر النجاح‘ هذا.  وما أكثر المنضمين إلي ’الهيئات‘ و’الفرق‘ و’المؤسسات‘ الدينية على اختلاف أشكالها وألوانها وهم لم يرسلهم الرب بل هم قد جروا (إر23: 21).  ناهيك عن أننا لا نبحث هنا أهلية تلك المؤسسات أو صحة وضعها في  ضوء كلمة الله الفاحصة.

والمأساة الكبرى، أن هؤلاء – لسبب قلة الخبرة بالنفس وبالحياة، وفقر الخلفية الكتابية – يظنون أنهم يخدمون الله!!
إنه من أخطر الأمور أن يظن المؤمن أنه يسير في الطريق الصحيح، بينما هو يحيا ضد مشيئة الله في حياته على خط مستقيم وهو لا يدري، والسبب: أنه شاكل، وافق وطابق ’العالم الديني‘ ببريقه اللامع، وإغراءاته المعنوية، أو المادية (أو كليهما) التي يصعب مقاومتها‍!!

  •  الشكليات

    وهذا وباء آخر منتشر نحتاج إلي رحمة خاصة من الرب للشفاء منه!

فما أكثر الحرص داخل الأوساط الدينية – بدون استثناء واحد – على الشكل والمظهر، الأسلوب والنشاط، الصورة والكلام.  شكليات، شكليات، شكليات!!  دون نظرة فاحصة متعمقة تبحث عن جوهر العلاقة مع الله، سواء من حيث أصل وجودها من الأساس، أو عمق الشركة الحقيقية المتزايدة مع الآب ومع الابن.  فكل هيئة أو طائفة أو مؤسسة دينية صار لها شكلها وقالبها، الذي سرعان ما يصب الشاب أو الشابة نفسه فيه ليحظى بقبول الجماعة التي يرغب هو في الانتماء إليها والانضمام لأنشطتها.  وغني عن البيان، أن هذه العلاقة الشكلية، أو حتى السطحية مع الرب لا تكفي أبداً مؤهلاً لاختبار مشيئة الله ومعرفة فكره.

  • الأمور النفسية

ونظرًا لندرة الأجواء الروحية النقية الحقيقية في الأوساط المسيحية، اختلط الحابل بالنابل، ونظرًا للفقر الشديد في كلمة الله لدي جماهير غفيرة من الشباب المسيحي في هذه الأيام، والضحالة الكتابية المذهلة (إذ أن الأنشطة الشكلية التي تحدثنا عنها منذ قليل، والتي تحقق للشاب ذاته، لا تحتاج عادة إلى عمق كتابي، فهي في معظمها أنشطة وهوايات لطيفة تمارس فيها فنون كثيرة وتلقى قبولاً متزايدًا لدى جماهير غفيرة دون الحاجة إلى عمق في التدريب الإلهي أو درس جاد لكلمة الله)؛ نقول نظراً للضحالة الكتابية، لا يوجد هناك تمييز بين ما هو من الروح (روحي)، وما هو من النفس (نفسي).  فكلمة الله وحدها هي الخارقة إلى «مفرق النفس والروح .. مميزة أفكار القلب ونياته» (عب4: 12).

إنها أجواء نفسية لا مجال فيها لعمل الروح القدس – إلا فيما ندر جدًا – من جهة الدوافع ولا مجال فيها لقيادة وإرشاد الروح القدس على الإطلاق – من جهة الممارسة!  ولا مجال فيها للبحث عن فكر الرب من المكتوب بجدية، إذ تكفي آية مقتطعة من سياقها من هنا، على واحدة من هناك دون إعمال حتى للعقل والمنطق – بكل أسف!‍

إنها أجواء يستلطف فيها الشاب أو الشابة مجموعة ما، ويحب أن يتواجد باستمرار معها إذ يشعر بالقبول النفسي والانتماء، ويستهوي (هواية!) نشاطًا دينيًا معتقدًا أنه خدمة للرب!!  وهنا يهمنا التأكيد علي نقطتين:

الأولي: أن الاحتياجات النفسية للقبول والانتماء وخلافه يقدرها الرب الذي أوجدها ولكنها لن تشبع قط بكيفية صحيحة دون خضوع لسلطان أعلى، سلطان الروح.  وهذا أمر يؤكده الكتاب المقدس، والعلم الحديث في آنٍ معًا!

الثانية: إننا لا نناقش هنا صحة مثل هذه الأنشطة أو عدم صحتها فهي في معظمها لا تشوبها شائبة كنوع من الترويح النظيف عن النفس، وكنشاط اجتماعي راقي.  ولكنها أبدًا لا ترقى لأن تكون خدمة روحية حقيقية، صحيحة وكتابية.

علينا أن نميز بين ما يسعد النفس (وربما لا ضرر منه في ذاته)، وبين ما يفيد ويبني الروح فهذا مؤسس على: كلمة الله، وروح الله، وشخص المسيح ليس إلا.

ومن المؤسف أن نقر بأن كثيرين من بين القادة يبحثون عما يسعد الجماهير، لا عما يبنيها ويفيدها!  فلنحذر!

والآن: تُرى في مثل هذه الأجواء النفسية، هل يمكن للمؤمن أن يعرف أو يختبر مشيئة الله؟!!

 والمؤلم أن جماهير غفيرة من الشباب المسيحي مخدوعون بمثل هذه الأمور ’النفسانية‘، ولديهم ثقة تكاد تكون مطلقة في صحة مسعاهم، ونتائج نشاطهم.

ولهؤلاء نقول: إنه واقع كتابي، ونراه يومياً، أن كل الذين لديهم ثقة كبيرة كهذه في صحة فهمهم لمشيئة الله، وكثيرًا ما نسمعهم يقولون «هكذا قال الرب لي»، سرعان ما يثبت العكس!!  والسبب: مشاكلة هذا الدهر، وبالأخص: دينياً؛ في الثقة المفرطة بالذات، والاندفاع دون تأني، والسير وراء رغبات النفس لا قيادة الروح القدس.

في حين أن كل الذين يقودهم الرب فعلاً يميزهم الاتضاع، والشعور العميق بأنهم غير متأكدين تماماً من صحة خطواتهم، ولكنهم فقط يتلمسون الطريق ولديهم دائماً مرونة واستعداد لتغيير المسار وهذه هي التقوى الحقيقية‍‍!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com