عدد رقم 3 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
النسر   من سلسلة: من طيور الكتاب المقدس

5- يحرك عشه ... التدريب والتأديب (تث32: 11، 12)

يا له من تصرف عجيب يفعله النسر مع أفراخه، فنحن قد عرفنا أن النسر يبني وكره في الأماكن الشاهقة الارتفاع، وعندما يلاحظ أن فراخه قد كبرت ويمكنها الطيران والاعتماد على نفسها. يُحطم عشه فتتناثر فراخه في الهواء هنا وهناك، ولأنها أول مرة تستخدم جناحيها في الطيران، فإنها تحركها بطريقة عشوائية غير منتظمة محاولة بكل ما لديها من قوة وإمكانية أن تحفظ نفسها محلقة في الهواء، لكن لصغر حجمها ولقلة خبرتها في الطيران، ما تلبث أن تفقد توازنها وتبتدئ تهوي من هذا الارتفاع الشاهق إلى أسفل. وفي اللحظة الحاسمة يتحرك النسر - الذي كان في كل ذلك الوقت يلاحظ ويراقب وهو ساكنٌ لا يفعل شيئاً - بكل سرعة وقوة ليتلقَّى فراخه على جناحيه القويتين، ثم يرتفع بهم مرة أخرى إلى أعلى ويلقيهم في الهواء، ليعود يتلقاهم على جناحيه، ويُكرر ذلك مرة بعد أُخرى إلى أن تتعلم فراخه الطيران دون رهبة أو خوف بل بثبات واتزان.  وهكذا فعل الرب مع شعبه في القديم إذ مكتوب: «كما يُحَرِّك النسر عشه وعلى فراخه يرف، ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه، هكذا الرب وحده اقتاده وليس معه إله أجنبي» (تث32: 11، 12).

وهذا ما يفعله أيضاً الرب معنا الآن، فهناك أمور ودروس لا يمكن أن نتعلمها إلا عندما يُجيزنا الرب في تجارب أو آلام أو ظروف صعبة، قد تكون غير محببة لدينا، بل هي في الواقع كذلك. لكنها السبيل الوحيد للرقي والسمو الروحي.

فمن يستطيع أن يقنع فراخ النسر الصغيرة أن تترك عشها الدافئ المريح، وتغامر لتطير في أماكن لا تعرفها بل وتجهلها. ولماذا تتعب وتجهد نفسها وهي تعيش في راحة  وهدوء بال. ولماذا تتعب في البحث عن الطعام والشراب وها هي تحصل على ما تحتاج إليه بكل سهولة ويسر وهي في مكانها هذا الهادئ والجميل؟!

لكن أيمكنها أن تتعرف على روعة ما حولها من جمال وبهاء إن لم تترك مكانها وتحلق في أجواء السماء العالية؟ أيمكنها أن تحصل على أطعمة متنوعة مختلفة إن لم تذهب هي لتحضرها بنفسها؟ أيمكنها أن تتخلَّص من كسلها واسترخائها وخمولها وفي ذات الوقت تبقى كما هي في عشها؟!

نعم كان لابد أن النسر يتحرك ويبادر هو بتغيير الوضع، ويفعل ما لم تكن تتخيله فراخه على الإطلاق ولم يكن في حسبانها. كان لابد أنه هو بنفسه يهز هذا العش الجميل الرائع وسط دهشة وحيرة الفراخ. فليس هناك وسيلة أخرى غير ذلك لتتبدل حال فراخه إلى الأفضل والأحسن، وبغير ذلك ستظل في حالة الطفولة ولن يتحقق لها النضوج.

إن أفراخ النسر هنا تذكرنا بكلمات الرب عن موآب والذي كان يُفضل الراحة والاسترخاء وإن كان في سبيل ذلك لا يتخلص مما فيه من نقائص وعيوب «مستريح موآب منذ صباه، وهو مستقر على دُرديّه، ولم يُفرَغ من إناء إلى إناء، ولم يذهب إلى السبي.  لذلك بقي طعمه فيه، ورائحته لم تتغير» (إر48: 11).

وهنا يشبه الرب موآب بالخمر عند تنقيته وتصفيته، فلكي نحصل على خمر جيدة بلا أية شوائب أو "عكارة" وبلا أي رائحة غريبة يجب أن يوضع الخمر في إناء كبير ويُترك حتى تستقر كل الشوائب والرواسب في أسفل الإناء.  ثم يُقلب في إناء آخر مع ترك الرواسب والعكارة كما هي.  ويتكرر هذا الأمر عدة مرات حتى نحصل أخيراً على خمر في غاية النقاء وبلا أية عكارة.

نعم كان لابد أن الخمر يُقلَب من إناء إلى إناء لنحصل على خمر جيدة.  أما موآب فلم يرغب أن يتحمل أية مصاعب أو متاعب، إنه مستريح منذ صباه ولم يتعرض لأية ضغوط ولم يعانِ مرة من مذلة السبي، لذلك ظل كما هو بنقائصه وعيوبه.

من أجل ذلك يجيزنا الرب من حين إلى آخر في معاملات قد تبدو لنا قاسية وصعبة، وقد نحتار كثيراً ونحن نحاول فهم ما يحدث معنا، ولكن الله غير مُطالب أن يشرح لنا ما يفعله «لأن كل أموره لا يُجاوِب عنها» (أي33: 13).

لكن علينا أن نتعلم ونستفيد من كل ما يجيزنا فيه وصوته يملأ آذاننا «أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها.  أنصحك.  عيني عليك» (مز32: 8).  ولندرك يقيناً أنه لن يتركنا نتحطم، ولن يدعنا نُجرَّب فوق ما نستطيع، بل دائماً يُعطي مع التجربة المنفذ. بهذا ننمو روحياً ونُصبح ناضجين، وبسبب كثرة التمرن ستصير لنا الحواس المدربة للتمييز بين الخير والشر.

6- يتجدد شبابه ... النضارة الدائمة (مز103: 5)

قد يكون النسر من أكثر الطيور المعمرة، إذ يصل عمره إلى 100 سنة، ولكن الشيء العجيب أنه في معظم فترات حياته يظل محتفظاً بشبابه، إنه بين حين وآخر عندما يتلف ريشه ويضعف بل يشيخ ويعجز ... ينتفه لينبت عوضاً عنه ريشٌ آخر جديدٌ وقويٌ، وكأنه بذلك استعاد شبابه مرة أخرى، وهذا ما يوضحه داود في مزموره «الذي يُشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك» (مز103: 5).  إنها صفة رائعة جداً نجدها في النسر ... كيف يحتفظ بنضارته وقوته دون أن تدب فيه مظاهر الشيخوخة والضعف!

لقد اختبر شمشون عكس ذلك، فما كانت أعظم قوته طالما كان شعر انتذاره على رأسه، فما من قوة وقفت أمامه وقدرت عليه.  ولكنه بكل أسف لم ينتبه لنضارته وقوته، وسمح لنفسه أن يسترخي على رجلي دليلة، وإذ به يفقد شعر انتذاره، وعندما أراد أن ينتفض كالمرات السابقة لم يعلم أن الرب قد فارقه، وأن قوته قد فارقته! (قض16: 19، 20).

وهو بذلك يذكرنا بكلمات الرب الآسفة عن أفرايم: «أفرايم يختلط بالشعوب.  أفرايم صار خبز ملة لم يقلب.  أكل الغرباء ثروته وهو لا يعرف، وقد رُشَّ عليه الشيب وهو لا يعرف» (هو7: 8، 9).

وما أخطر هذه الحالة .. أن نبتدئ في قوة ولكن ننتهي في ضعف. ولقد وبخ الرسول بولس الغلاطيين على ذلك قائلاً لهم: «أيها الغلاطيون الأغبياء، من رقاكم (سحر عقولكم) حتى لا تذعنوا للحق؟ أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً! … أهكذا أنتم أغبياء! أبعدما ابتدأتم بالروح تُكمِّلون الآن بالجسد؟ ... كنتم تسعون حسناً.  فمن صدَّكم حتى لا تطاوعوا للحق؟» (غل3: 1-3، 5: 7).

عندما ضرب جدعون بالبوق منادياً الشعب للحرب، اجتمع إليه في فورة حماسية 32 ألف رجل، وعندما قيل لهم: «من كان خائفاً ومرتعداً فليرجع ... فرجع من الشعب اثنان وعشرون ألفاً» (قض7: 2، 3).  وما أعجب هذا .. أن يكون حماس وشجاعة هؤلاء الرجال وقتياً، وسريعاً ما يتبدد ويتلاشى، فهم بذلك ينطبق عليهم قول الرب عن أفرايم ويهوذا: «فإن إحسانكم كسحاب الصبح، وكالندى الماضي باكراً» (هو6: 4).

لكن جميل أن نتشبه برجل الله موسى الذي لم يفقد قوته ونضارته كل فترة حياته التي عاشها رغم طولها «وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات، ولم تكلُّ عينه ولا ذهبت نضارته» (تث34: 7)، وكذلك بكالب بن يفنة الذي قال ليشوع: «كنت ابن أربعين سنة حين أرسلني موسى عبد الرب ... والآن فها أنا اليوم ابن خمس وثمانين سنة.  فلم أزل اليوم متشدداً كما في يوم أرسلني موسى.  كما كانت قوتي حينئذ، هكذا قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول.  فالآن أعطني هذا الجبل» (يش14: 7-12). إنهم «يُثمرون في الشيبة.  يكونون دُساماً وخُضراً، ليُخبروا بأن الرب مستقيم» (مز92: 14).

ليتنا نستمع إلى نصيحة الرسول بولس: «تقووا في الرب وفي شدة قوته» (أف6: 10)، وأيضاً «ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح» (2كو3: 18).

(يتبع)

شذرة

جذبة المحبة
«اجذبني وراءك فنجري»
(نش 4:1)
إن عظمة محبته ، ومجد اسمه وتفرده، لا يخـلقان فقط الرغبــة
في اليقين من محبته، بل أيضاً الرغبة في الشركة معـه.  والعـروس
تعبِّر هنا عن هذه الرغبة في محبة العذارى بهذا القول.  لقد أيقنـت
أنه يحبها وأنها مُجتَذَبَة للجري وراءه.  وليُدخلِها بعد ذلك العريس
إلى حجاله؛ "غرف محضره السرية".  في الوقت المعيّن ستُقدِّم العروس السجود للمَلك وهي على مائدتــه (نش 12:1)، وبعـد قليل ســـــوف
تستريح بسرور أبدي في بيت وليمته (نش 4:2).
ولكن يجب عليها أولاً أن تتعلم في غرف محضره السرية، حيث هنــاك تنسى نفسها وتفرح بالعريس، ذاكرة محبته هناك بالحق يحبونه.
   هذا هو المسيح الذي هو لنا صاحـب الجاذبيــة التي لا تُــقاوَم، ومعـه
وحده ننسى أنفسنا، حيث نفرح فقط بشخصه ومحبته.

(هاملتون سميث)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com