«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)
7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي(11)
اليوم الثالث واختبارات البقية التقية في زمن الضيقة
(2مل17:2، 5:20؛ أس 16:4، 1:5؛ هو 1:6،2)
إن اليوم الثالث في النبوة يشير إلى القيامة والحياة والمجد والعز والجلال. أُشير به إلى اليوم الذي قام فيه ربنا يسوع المسيح ناقضاً أوجاع الموت. كما أُشير به إلى يوم نصرته ومجده، يوم يملك كملك الملوك ورب الأرباب ويضع كل شيء تحت قدميه. وأُشير به أيضاً إلى قيامة الأمة القديمة قيامة روحية وقومية وعودتها إلى الرب بالتوبة والندم على جريمة صلب المسيح. وبطبيعة الحال يرتبط بالقيامة الإحياء والإنعاش والإنهاض والإقامة من السقوط والرجوع ورد النفس والشفاء والإثمار.
إن مستقبل الشعب القديم باعتباره أُمَّة تستقر في أرض موعدها تحت حكم المسيح العادل الخيِّر، يتوقف بالدرجة الأولى على رجوع البقية إلى الله، ولكنهم لن يكونوا أهلاً للدخول إلى ملء البركة حتى يولدوا ثانية من الماء والروح (يو 3:3،5).
وسيُرَدّ الشعب إلى الأرض في المستقبل، هذا الرّد الذي قد بدأ الآن كما نرى، وإن كان في عدم إيمان، ولكن لن يأتي أبداً لإسرائيل بالسلام الثابت قبل أن يرجعوا إلى الرب بالقلب، لذلك سيسمح الله بأن تجتاز تلك البقية في تدريبات أليمة وقاسية ليقتادهم إلى الاعتراف بخطيتهم الشنيعه؛ خطية رفض مسياهم وصلبه. غير أن هذا التدريب المرّ سيكون في جو النعمة «وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات، فينظرون إليَّ (أنا)، الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيدٍ له، ويكونون في مَرارةٍ عليه كمن هو في مرارة على بكره» (زك 10:12). وسينشئ الله في نفوسهم حزناً ليس للموت، بل لخلاص حسب صلاحه الإلهي. وكما حاصرت إخوة يوسف خطيتهم التي أخطأوها ضده وضد أبيهم وضد الله، واستعادتها ضمائرهم بعد كبت طال لسنوات طويلة، هكذا سيحدث يوماً ما مع البقية الممثلة للأمة في التبكيت والتوبة (تك 21:42،22).
لقد كان على إخوة يوسف أن يتعلموا أن بركتهم كانت تتوقف على الشخص الذي قالوا عنه إنه «مفقود» (تك 13:42). وهكذا أيضاُ سوف يتعلم اليهود من يوم آتٍ أن بركتهم تتوقف على الشخص الذي احتقروه والذي ظنوه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً (أع 11:4،12؛ إش 4:53) بينما هو المجيد الفريد المُقام من الأموات والجالس في مكان الإعزاز والقوة في يمين العظمة في الأعالي (تك 17:42-22). (قارن من فضلك مع التأمل 2مل 16:2-18).
وكما أقام الله المسيح من الأموات كذلك سيُقيم الله شعبه بكل يقين. والمقصود هنا بلا شك هو قيامتهم قومياً؛ أي ظهور الشعب القديم كأمة موحدة مكونة من السبطين والأسباط العشرة. وهو ما يصفه لنا الأصحاح السابع والثلاثون من سفر حزقيال الذي يُفسّر لنا اليومين اللازمين لإحيائهم ثم اليوم الثالث لقيامتهم (قارن هو 1:6،2). ففي هذا الأصحاح من حزقيال نرى العظام «لا تقوم على أقدامها» بقوة الروح القدس إلا بعد أن مُنحت الحياة أولاً (حز 10:37). فبالتأكيد أن الأمر سيكون أكثر من مجرد قيامة قومية، فإن قيامة روحية من عمل النعمة ستصحب عودتهم إلى أرضهم «فدخل فيهم الروح، فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً .. وأجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم، فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب» (حز 10:37-14).
كما أن هذه القيامة القومية، نظير قيامة الأجساد في القيامة الأولى مرتبطة بقيامة المسيح له المجد (رو 11:8). فإذا كانت تيارات ولجج دينونة غضب الله قد اجتازت كلها فوق المسيح، فكذلك ستجتاز فوق البقية التقية التي ستجتاز ضيقة يعقوب بكل أهوالها وستخرج منها كما خرج المسيح بالقيامة.
وفي ختام الأصحاح الخامس من نبوة هوشع يقول الرب: «أذهب وأرجع إلى مكاني حتى يُجازوا ويطلبوا وجهي. في ضيقهم يُبكرون إليَّ» (هو 15:5) إشارة إلى وجود ابن الله وسط إسرائيل الذي إلى خاصته جاء ولكن خاصته لم تقبله، فرجع إلى مكانه في الأعالي. ولكن في زمان عتيد، في كرب وفي ضيقة عظيمة، سوف يعترفون بتعديهم، وسيطلبون وجه الرب وفي ضيقهم يبكرون إليه، أي يطلبونه منذ الصباح الباكر. وبأية وسيلة يصل الرب إلى هذه النتيجة المباركة؟ بضيقة عظيمة، هي ضيقة يعقوب، تقع عليهم فسيكون عليهم أن يجتازوا ليل دينونات الله الرهيبة الطويل. وإذ يستيقظون بفعل هذه الدينونات بدلاً من النوم كالباقين يصبحون في حالة الاستعداد لانتظار مسياهم الرب «أكثر من المراقبين الصبح»، وسيجدونه في فجر ملكه الألفي حيث يصبح إسرائيل التائب الراجع «عَمِّي» أي شعب الله من جديد بعد أن كانوا «لوعمِّي» (قارن هو 8:1،9 مع هو 23:2).
وأقوال إسرائيل الراجع نقرأها من بداية الأصحاح السادس «هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا، ضَرب فيَجبرنا، يُحيينا بعد يومين. في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا أمامه» (هو 1:6،2).
فهذا الجزء يتكلم عن توبة إسرائيل. نعم، فهناك يوم ثالث آتٍ، يوم قوة وحياة، يوم صحو ومجد، عندما ترجع الأمة إلى أرضها وتتحقق لها كل مواعيد بركتها عندما تحيا كأمَّة مفدية أمام الرب إذ سيكون لها أكثر من مجرد قيامة روحية، إذ يقول النبي: «فنحيا أمامه. لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب» (هو 2:6،3). إن قيامة روحية من عمل النعمة ستصحب العهد الجديد المصنوع مع إسرائيل، وذلك هو فجر اليوم الألفي «خروجه يقين كالفجر. يأتي إلينا كالمطر. كمطر متأخر يسقي الأرض» (ع 3). والمطر المتأخر هنا هو ظهور الرب بالمجد ليحقق البركة لهذه الأمة في مجد ملكه العتيد السعيد. كما أن تعبير المطر المتأخر يشير في مواضع أخرى إلى سكب الروح القدس مرة أخرى في بداية المُلك الألفي (زك 1:10)، فذلك لن يكون كما كان في يوم الخمسين المطر الذي يصحب البذار والزرع، بل المطر الذي يسبق الحصاد البهيج في الدهر الآتي. فإن سكباً جديداً للروح القدس سيكون من نصيب هذا الشعب التائب الراجع.
واليومان المذكوران في هوشع 2:6 اللازمان لإحياء الشعب القديم هما فترة الوقت الحاضر (فترة النعمة الحاضرة) اللذان فيهما نُحيَّ الشعب جانباً بسبب رفضهم للمسيح وتكونت فيهما الكنيسة. وبطبيعة الحال «اليوم» هنا ليس يوماً حرفياً ولا ألف سنة كما يعتقد البعض، لكن فترة غير معلومة المقصود بها الدلالة الرمزية التعليمية، مثلهما في ذلك مثل «الساعة» المذكورة في يوحنا 25:5،28 و «اليوم» المذكور في 2كورنثوس 2:6؛ عبرانيين 15:3.
وإن «اليوم الثالث» هو اليوم الذي فيه تداخل الله بالقوة من جهة روح القداسة لإقامة الرب يسوع من بين الأموات لكي ما يرتفع بالقيامة إلى يمين الله مكللاً بالمجد والكرامة بعد أن وُضع قليلاً عن الملائكة من أجل ألم الموت الذي اجتازه من أجل شعبه السماوي كما اجتازه أيضاً من أجل شعبه الأرضي. وفي مزمور 42 حينما تجتاز كل تيارات ولجج غضب الله على نفس المسيح وعلى نفس البقية، تستطيع هذه الأخيرة أن تقول: «خلاص وجهي وإلهي» (مز 11:42) وبعد اليومين اللازمين لإحيائهم سيأتي اليوم الثالث لقيامتهم.
وفي 2ملوك 20 نرى أنه بعد أن هزم الرب سنحاريب وجيشه الأشوري (2مل 19) فإن حزقيا الذي مرض للموت أُقيم في اليوم الثالث صحيحاً معافى (2مل 5:20).
إن سنحاريب والأشوريين رمز معروف للأشوري النبوي، وهو بحسب مزمور 83 تحالف هائل من عدة دول حول إسرائيل وتؤيدهم روسيا وحلفاؤها التي ستأتي للقضاء على إسرائيل في الأيام الأخيرة (حز 38،39). وحزقيا هو صورة لحالة إسرائيل روحياً أمام الله في الموت. وقد ظل حزقيا هكذا في حالته لمدة يومين قبل أن يدعو الرب وفي اليوم الثالث يُقام. وهكذا يكون إسرائيل عندما يدعون الرب في ضيقهم (يؤ 15:2-17). وفي نهاية الضيقة العظيمة فإنهم سيُقامون أيضاً كأمَّة، أما أعداؤهم فسيُهزموا.
ويبرز اليوم الثالث بوضوح في ذلك السفر الصغير، سفر أستير، في تلك القصة الرائعة، قصة عناية الله وقدرته. لقد اجتازت أستير في اختبارات الموت والحياة، وأرسلت إلى مردخاي رسالة تقول فيها: «اذهب اجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً. وأنا أيضاً وجواريَّ نصوم كذلك. وهكذا أدخل إلى الملك خِلاف السُّنّة. فإذا هلكت، هلكت» (أس 16:4).
ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً، كانت كلها آلاماً ومرارة نفس، ولكن ماذا حدث؟! لقد وجدت أستير في اليوم الثالث نعمة في عيني الملك وخلّصت شعبها (أس 1:5،2). وإذا نظرنا إلى أستير باعتبارها رمزاً للبقية الأمينة نجد في صومها وآلامها صورة لما ستجتاز فيه البقية التقية في زمان الضيقة، ولكن لا بد أن يأتي «اليوم الثالث» عندما تقوم البقية من التراب ويمد لها الرب قضيب الذهب.
فصول جميلة، معطاة من الروح القدس على صفحات الوحي، من شأنها
أن تملأ نفوسنا بالطمأنينة والتعزية والانتعاش،
ذلك لأنها توجه أفكارنا إلى المسيح وتشغل
قلوبنا بشخصه وبموته وقيامته التي هي
العربون اليقيني الكامل لمستقبل
الأرض السعيد ونصيبنا
الأبدي مع الرب.
(يتبع)