عدد رقم 3 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نحميا  

خادمٌ جسورٌ

  • الإيمان الجسور (نح 2):
    قال الرب يسوع: «كل شيء مستطاع للمؤمن» (مر23:9)، وإن الإيمان ينقل الجبال (متى20:18)، وقد ظهر إيمان نحميا في أنه:
  • أولا: كان عنده الإيمان لينتظر (نح 1:2-3)
    فمن شهر كسلو إلي شهر نيسان 4 أشهر  يبكي ويصوم ويصلي في انتظار الرب، فالوصية «انتظر الرب» (مز14:27) و مكتوب «مَنْ آمن لا يهرب (لا يتسرع)» (اش16:28).  كما قال موسى: «قفوا وانظروا خلاص الرب» (خر13:14).  و كما قالت نعمي لراعوث: «اجلسي يا بنتي حتى تعلمي كيف يقع الأمر، لأن الرجل لا يهدأ حتى يتمم الأمر اليوم» (را 18:3)، «كفوا و اعلموا أني أنا الله» (مز10:46).   فعندما ننتظر الرب في الصلاة نحن لا نضيع أوقاتنا، بل نستثمرها. 

    كان مستر ومسز جوناثان جوفورث ضمن مجموعة من المرسلين تثقلّت قلوبهم بالكرازة في منشوريا، وكان عددهم خمسة، وكان واحد منهم شاباً يدرس اللغة الصينية في بداية فترة الخدمة ومعهم اثنتان من الشابات، لكنهما لم تكونا تتمتعان بصحة قوية، أما الدكتور جوفورث نفسه فكان قد تجاوز السبعين من عمره وكانت زوجته تعاني من مرض من أمراض المناطق الحارة ..  فكيف تُقدِّم مجموعة صغيرة مثل هذه الإنجيل في بلاد صعبة وبعيدة؟ وبعد أن قضوا وقتاً طويلاً في الصلاة أعلن د. جوفورث: الله لن يخزينا لنثق فيه ولننتظره، إنه سيقيم فعلة من الصينيين ويرسل المال اللازم لهم.  وبدأوا باثنين من المبشرين الوطنين حتى وصل العدد خمسة عشر مبشرا ثم زاد إلي عشرين ثم إلي خمسة وعشرين وأخيرا وصل إلى خمسين من الخدام الوطنيين يقدمون المسيح لأهل وطنهم.  لقد تغلب الإيمان على كل العقبات وفتح كل موارد البركات الإلهية.

    «لِكي لا تكونوا متباطِئِين بل متمثلين بِالذِين بِالإِيمانِ والأَناةِ يرِثُون المواعِيد.  فإِنهُ لمَّا وعَدَ الله إِبراهِيم، إِذ لم يكن له أَعظم يُقسِم بِه، أَقْسم بنفسه، قائِلاً: إِني لأباركنك برَكة وأكثرنك تكثِيراً. وهكذا إِذ تأَنَّى نال الموْعد.  فإِن الناس يُقسمون بِالأَعظمِ، ونهايَة كل مُشاجرةٍ عندهم لأَجلِ التَّثْبِيت هي القسم.  فلذلِك إِذ أراد الله أَن يُظْهِر أَكثر كثيراً لِورثة الموعد عدم تغيرِ قضائِه، توسَّط بِقسمٍ، حَتَّى بِأَمْرينِ عدِيميِ التغَيرِ (الوعد والقسم)، لا يمكِن أَن الله يكذب فِيهِما، تكون لَنَا تعْزِيةٌ قَوِيَّة، نحن الذِين التجَأنا لِنمسك بِالرَّجاءِ الموضُوعِ أَمامَنا، الذي هو لنا كمرسَاة لِلنفسِ مؤْتمنة وثابِتَة، تدخُل إِلى ما داخل الحجابِ، حيث دخل يسُوع كسابِقٍ لأَجلِنَا، صائِراً على رتبة ملْكي صَادَق، رَئيس كَهَنة إِلى الأَبد» (عب 12:6-20)

    إن درس الانتظار الذي نجح فيه نحميا بالإيمان درس صعب فشل فيه كثيرون.  فللأسف نرى إبراهيم بطل الإيمان في عدم انتظار يتزوج هاجر (تك 4:16).  وفشل فيه أيضاً أول ملك في إسرائيل، «فمكث سبعة أيامٍ حسب ميعاد صموئيل، ولم يأت صموئيل إلى الجلجال، والشعب تفرّق عنه.  فقال شاول: قدموا إليَّ المحرقة وذبائح السلامة .. فقال صموئيل لشاول: قد انحمقت! لم تحفظ وصية الرب إلهك التي أمرك بها، لأنه الآن كان الرب قد ثبت مملكتك على  إسرائيل إلى الأبد.  وأما الآن فمملكتك لا تقوم.  قد انتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه، وأمره الرب أن يترأس على شعبه.  لأنك لم تحفظ ما أمرك به الرب» (1صم8:13-14).  فليتنا ننتظر الرب بالإيمان مهما كلفنا ذلك. 

    ففي حالة نحميا هنا كان الحزن في ذلك الوقت يُغضِب الملوك (أس1:4-2)، ولكن نحميا لم يستطع إخفاء حزنه علي عمل الرب، ولقد ظهر هذا الحزن على وجهه: «القلب الفرحان يجعل الوجه طلقاً، وبحزن القلب تنسحق الروح» (أم13:15).  ولكن الرب لم يخزه «فخفت كثيراً جداً، وقلت للملك: ليحيَ الملك إلى الأبد.  كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خرابٌ، وأبوابها قد أكلتها النار؟».  «الغِلمان يُعيون ويتعبون، والفتيان يتعثرون تعثراً.  وأما منتظرو الرب فيجددون قوة.  يرفعون أجنحة كالنسور.  يركضون ولا يتعبون.  يمشون ولا يُعيون» (إش 30:40،31).
  • ثانياً: كان عنده الإيمان ليطلب  (نح 4:2-8)
    كان نحميا يعرف أن قلب الملك في يد الرب كجداول مياه (أم1:21) فصلي للرب صلاة تلغرافية.  ويا للفارق ما بين عرش النعمة المكتوب عنه: «فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسّك بالإقرار.  لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرَّب في كل شيء مثلنا، بلا خطية.  فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه» (عب14:4-16)  وبين عرش الملك أرتحشستا.  فأرتحشستا رأي كآبة قلب نحميا، وكان نحميا بهذا مُعرضَّا للخطر، أما الرب فيعرف القلب و« قادر أن يَرْثِي لِضَعَفَاتِنَا .. (لأنه) مُجَرَّب في كل شيْء مِثْلُنَا، بِلاَ خطِية».

    وأيضا عرش أرتحشستا مخيف «فخفت كثيرا جدا»، أما عرش النعمة فعنده نجد السلام والثقة، ولقد أعطى الرب نحميا الحكمة في الإجابة حسب الوعد «فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا، لأني أنا أعطيكم فمَاً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها» (لو 14:21،15).  فالملك يفهم معني أن المدينة بيت قبور الآباء خراب ومدي التأثير النفسي لذلك، وكان نحميا أيضا جاهزاً ويعرف ما يحتاجه من الملك: «وقلت للملك: إن حسن عند الملك فلتعط لي رسائل إلى ولاة عبر النهر لكي يُجيزوني حتى أصل إلى يهوذا، ورسالة إلى آساف حارس فردوس المَلك لكي يعطيني أخشاباً لسقف أبواب القصر الذي للبيت، ولسور المدينة، وللبيت الذي أدخل إليه.  فأعطاني الملك حسب يد إلهي الصالحة عليَّ».  فنرى أنه كان يعرف اسم آساف حارس فردوس الملك لكي يعطيه الخشب، فالإيمان الذي يطلب ليس إيماناً أعمي، لكنه يرى ويثق ويعرف حتى اسم آسَاف حَارِسِ فردوسِ الْمَلِك.

    نعم ما أحلى أن يكون لدينا الإيمان لنطلب كنحميا.  فعندما ذهب هديسون تايلور إلي الصين لأول مرة كان على ظهر مركب و بينما كانت السفينة تعبر مضايق "مالاكا" جاء القبطان إلي تايلور، إذ كان يعلم بما له من إيمان بالله وأنه كان يعرف كيف يصلي،  وقال له: إنه لا توجد ريح وفوق هذا يوجد تيار مائي قوي يحمل القارب صوب جزيرة يسكنها آكلو لحوم البشر، وأضاف القبطان: أرجو أن تصلي لتهب الريح.  فأجاب تايلور: سأصلي لو رفعت القلوع للريح.  فضجر القبطان قائلا: لو فعلت ذلك قبل أن تأتي الرياح فسيسخر مني النوتية.  فأصرَّ تايلور علي رفع القلوع قبل أن يصلي، وقد كان ذلك نوعا من الإيمان الحي.  ولما أذعن القبطان لرغبة تايلور بدأ هديسون تايلور يصلي بإيمان وبعد 45 دقيقة هبت الريح الشديدة ونجوا.  جاء الإيمان متهللا إلى غرفتي فإذا كل الضيوف قد اختفت: الخوف والقلق والحزن والهم، ذهبت في حلكة الظلام، فتعجبت كيف كان ذا السلام؟! فإذا الإيمان يجيبني: ألا ترى إنهم لا يطيقون الحياة معي؟!

    قالت فرانس ويلارد عن أيام صباها: عندما كان أحدنا يخاف الظلام فيأتي إلي أمه سائلاً: لماذا أخاف؟ كانت تجيبه قائلة: لأنك لا تعرف الله ولا تضع ثقتك فيه كما ينبغي.  يجب أن تضع في قلبك وفي فكرك أن العالم بين يدي الله كطفل بين ذراعي أمه فإذا علمت ذلك جيدا فلن يبقى وجود للخوف.

    قال وليم ماكدونلد: الإيمان لا يتمم عمله في دائرة الممكن فلا مجد لله في إتمام ما يمكن إتمامه بشريا، إنما الإيمان يبدأ حيث تنتهي قوة الإنسان.  الشك يرى  الصعوبات، أما الإيمان فيرى الطريق.  الشك يحدق إلي الليل، أما الإيمان فيرى النهار.  الشك يخاف أن يخطو خطوة، أما الإيمان فيحلق في الأعالي.  الشك يتساءل من يصدق هذا؟  فيجيب الإيمان: أنا. 

    وقال تشارلس ماكينتوش عن الإيمان: الإيمان يُنزِل الله إلي دائرة العمل ولذلك لا يصعب عليه شيء، لا بل هو يهزأ بالمستحيلات، يرى الإيمان أن الله يحل كل مشكلة وكل صعوبة إنه يضع كل أمر أمام الله.  فلا يهم الإيمان في كثير أو قليل إن كان المطلوب ستمائة ألف جنية أو ستمائة مليون فإنه يعرف أن الله قادر علي كل شيء وهو يسد كل عوزنا، أما عدم الإيمان فيسأل كيف يمكن هذا؟ وكيف يمكن ذاك؟ فهو مملوء تساؤلات، أما الإيمان فله الجواب الأعظم الأوحد لألف كيف وكيف، وذلك الجواب هو الله. 

     ألا تشاركني مع الرسل الصلاة الآن للرب يسوع قائلين: «زِد إِيمانَنَا!  فقال الرب: لو كان لكم إِيمَان مثل حبة خردلٍ، لكنتم تقولون لِهذهِ الجميزةِ: انقلِعِي وانغرِسِي فِي البَحرِ فتُطِيعكم» (لو 5:17،6)؟.

  (يتبع) 

شذرة

   إن الرب في محبته الغيورة جداً يسمح بالحزن لكي يمتعنا بمراحمه ويكوِّن صلات جديدة بينه وبين قلوبنا المسكينة.

  •    ألا ترى أن أرملة صرفة تعلّقت بالنبي أكثر عندما قبلت ابنها من الموت؟
  •   أمَا ازداد فرحها عندما رد إليها عزيزها وحبيبها؟
  •  أمَا نشأت صلة أخرى دقيقة ورقيقة بين قلبها ورجل الله الذي يرمز إلى المسيح؟ 

 (ج. بلت)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com