عدد رقم 2 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
النسر   من سلسلة: من طيور الكتاب المقدس

3-على أجنحة النسور ... العناية والرعاية (خر19: 4)

يتميز النسر بقوة جناحيه وكِبَر حجمهما، حتى أنه بكل سهولة ويسر يمكنه أن يبسطهما ويحمل عليهما أفراخه مهما كان عددهم وأياً كانت المسافة التي سيطيرها بهم.
 وعندما أراد الرب أن يُصوِّر مدى العناية المصحوبة بقدرته التي حظيَ بها شعبه القديم، سواء في خروجهم من أرض مصر أو سيرهم في برية طوال 40 سنة، حتى دخولهم إلى الأرض التي وعدهم بها. صَوَّر ذلك بمشهد نسر حاملاً أفراخه على جناحيه «أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ» (خر19: 4).

  • لقد أظهر الله ذراعه الرفيعة عندما مدّها على المصريين في ضربات عشر (تث26: 8، خر12: 27،  13: 14).
  • وأظهر قدرته العجيبة عندما شق أمامهم البحر الأحمر فعبروا في اليابس، كما أغرق أمامهم فرعون وكل جيشه ومركباته (خر14: 21-31).
  • كما أظهر عنايته الفائقة عندما أعطاهم المن من السماء طعاماً طوال الأربعين سنة (تث8: 3)، وماءً من صخرة تابعتهم (خر17: 7؛ عد20: 8؛ 1كو10: 4). ولم يعتنِ فقط بمأكلهم ومشربهم، بل حتى بثيابهم وأحذيتهم! (تث8: 4).
  • وكان لهم خير مرشد ودليل ليهديهم الطريق «وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب يهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم.  لكي يمشوا نهاراً وليلاً.  لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب» (خر13: 21، 22).
    أي إله عظيم قدير كهذا!! إنه جدير بأن يُرنم موسى له قائلاً: «ليس مثل الله يا يشرون (أي المستقيم ـ وهو اسم تحبب وتودد لبني إسرائيل).  يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته.  الإله القديم ملجأ، والأذرع الأبدية من تحت» (تث33: 26، 27).

4- يرفعون أجنحة ... القوة المتجددة (إش40: 30، 31)

من المناظر الرائعة للنسر أن تراه وهو يُحلق إلى أعلى، وكأنه يشق السماء شقاً، إلى أن يحُطّ رحاله أخيراً على إحدى قمم الجبال العالية.  حتى أن مشهد النسر وهو ينساب في السماء هكذا، بكل سلاسة وسرعة؛ اتَّخذه الحكيم كمثال (أم23: 5)، وأيضاً كأُعجوبة (أم30: 19)، الأمر الذي يصعب أن يعمله أي طائرٍ آخر، فالعصفور مثلاً لا يمكنه الطيران سوى لدقائق معدودة، وإن أُجبر على الطيران لمدة أطول قد يسقط مائتاً!! فكأن النسر قبل أن يبدأ في تحليقه يحدد أولاً الهدف والغرض الذي يبغي الوصول إليه، ومن ثم يبتدئ يُحلق في الجو واضعاً نُصب عينيه هذا الهدف، وكأنه يستمد منه قوته ونشاطه.  وهكذا نراه يُحرك جناحيه في قوة متناسقة، فيرتفع إلى أعلى في سرعة وثبات، حتى يصل إلى هدفه مهما كان بعيداً.

ويا له من درس مشوِّق نتعلمه من النسر، كيف به يجدد طاقاته وقوته دون أن يكلُّ أو يعيا، رغم طول وعلو المسافة التي يطيرها؟ الأمر الذي يُشير إليه النبي وهو يُحوِّله إلى تطبيق جميل لمن ينتظر الرب «الغلمان يُعيون ويتعبون، والفتيان يتعثرون تعثراً.  وأما منتظرو الرب فيجددون قوة.  يرفعون أجنحة كالنسور.  يركضون ولا يتعبون.  يمشون ولا يعيون» (إش40: 30، 31).

كيف بنا ونحن نسير في دروب الحياة المتنوعة، بما تحويه من مصاعب ومتاعب، أن نحتفظ بقوتنا ونشاطنا، من أين نستمد طاقاتنا لنشق طريقنا في خضم هذه الحياة؟ عندما تتثبت عيوننا على الرب، ويكون ذلك لنا أعظم مصدر للقوة والطاقة.  إن النظر للرب وانتظاره هما اللذان يضمنان لنا ثبات القوة وعدم الخوار والضعف.

عندما سجل الرسول بولس لوحة شرف أبطال الإيمان، مُظهراً كيف صمدوا في الصعوبات وكيف تحمَّلوا الآلام وكيف أظهروا جلداً ومثابرة غير عادية، ختم حديثه عن مصدر القوة الحقيقي الذي استمد منه كل هؤلاء الأبطال قوتهم ونشاطهم، والذي علينا نحن الآن بدورنا أن نستمد منه كل تشجيع ومثابرة: «ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع» (عب12: 2).

فما أجمل أن نُدرِّب أنفسنا في كل الأحوال والظروف على انتظار الرب، واضعين كل ثقتنا فيه وحده مصغين إلى نصيحة داود: «انتظر الرب.  ليتشدد وليتشجع قلبك، وانتظر الرب»  (مز27: 14).  مدركين قول إرميا: «جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب» (مرا 3: 26).

وإن كان ذلك يحتاج إلى تدريب منَّا؛ لا في أن نواجه بذواتنا ما يُحيط بنا من ضغوط متنوعة ومتكاثرة، بل في أن نُزيد من انتظارنا للرب، ويكون لسان حال كل واحد فينا: «نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح.  أكثر من المراقبين الصبح» (مز130: 6).

ألم يختبر يوسف ذلك عندما قال يعقوب أبيه عنه: «مرَّرته ورمته واضطهدته أرباب السهام. ولكن ثبتت بمتانة قوسه، وتشددت سواعد يديه.  من يدي عزيز يعقوب، من هناك، من الراعي صخر إسرائيل، من إله أبيك الذي يُعينك، ومن القادر على كل شيء» (تك49: 23-25)؟

وما أعظم النتائج الرائعة لمن ينجح في انتظار الرب، إنه يستطيع أن يتغنى مع إشعياء قائلاً: «هوذا هذا إلهنا.  انتظرناه فخلَّصنا.  هذا هو الرب انتظرناه.  نبتهج ونفرح بخلاصه» (إش25: 9).
وهذا أيضاً ما اختبره يوسف: «تأتي بركات السماء من فوق، وبركات الغمر الرابضة تحت. بركات الثديين والرحم» (تك49: 25).
وكما أن النسر لا يكف عن التحليق والطيران إلى أن يصل إلى هدفه، هكذا يجب علينا أن لا نكف عن المسير إلى أن نصل إلى غرضنا.  وهكذا ينطبق علينا كلمات الرسول بولس: «أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (في3: 14).

ولنأخذ في اعتبارنا أنه لا قوة متجددة يمكننا أن نحصل عليها بدون انتظار الرب، وأنه لا بركة حقيقية يمكننا أن نتمتع بها سوى في انتظار الرب.  وهذا ما يؤكده داود: «الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض» (مز37: 9).

ونحن لا ينتظرنا ميراث أرضي، بل بركات روحية وفيرة، وهذا ما أشار إليه الرسول بولس في قوله: «قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي اليوم، الرب الدَّيان العادل، وليس لي فقط،، بل لجميع الذين يُحبون ظهوره أيضاً» (2تي4: 7، 8).

شذرة
 إن مكافأتنا لا تتوقف على مقدار اتساع دائرة خدمتنا، بل على مقدار إخلاصنا وجمال البواعث الدافعة في داخلنا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com