عدد رقم 1 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نظرة على موقف المسيح من الدين  

عندما كُلِّفت بالكتابة في هذا الموضوع، الذي لم يسبق لي بحثه، انتهجت منهجًا يتلخص في نقطتين؛ الأولى: محاولة الوقوف على تعريف للدين من وجهات نظر متعددة لإجد إطارًا عامًا للبحث.  والثانية: تتبُّع مواقف المسيح – له المجد - في الأناجيل الأربعة تجاه التصرف الديني ورصد أحكامه على هذا النظام.

أما عن النقطة الأولى؛ تعريف الدين، فقد وجدته حديثًا ذا شجون، أدلى كلٍّ بدَلْوِه فيه واجتهد، على أن الاجتهادات كلها صبّت في تعريف يدور في الفلك التالي: «الدين هو مجموعة معتقدات يعتنقها الإنسان، ويشارك فيها آخرين، ترتبط بقوى أعلى وأعظم (إله أو آلهة أو ظاهرة طبيعية أو لا إله) والتي يعتبرها الإنسان مُقدَّسًا.  تشكِّل هذه المعتقدات طريقة فكر الإنسان وبالتالي تصرفاته، وتقوده إلى ممارسات (طقوس) محدَّدة بغية إرضاء القوة العظمى، تنتهي إلى نظامٌ، يستقر نفسيًا إذ يدور في إطاره، ولا يستريح إذا شعر بالخروج عنه“.  وحتى إن كان الباعث في الأمر إلهي، فنهاية المآل إلى نظام وطقوس وتقاليد آباء، بها يخدِّر الإنسان ضميره، ويشعر برضا عميق عن النفس، فدائمًا ما تكون نظم الإنسان مرنة بالقدر الذي يريحه.

أما بالنسبة للنقطة الثانية، فلمّا تتبعت مواقف المسيح هذه، وجدتني في حاجة إلى كُتب لأسجِّل بضعة ملاحظات على ذلك.  ونظرًا لمحدودية المساحة، رأيت أن أكتفي بإنجيل متى فقط؛ فوجدته، نظرًا لأنه كُتب لليهود، الذين يشكِّلون واحدًا من أقوى النظم الدينية، فقد امتلأت صفحاته بمواقف للرب في هذا الصدد، وما زالت المساحة لا تكفي.  فقلّصت الدائرة لأنظر لموقف الرب من خلال المقارنة بين جزئين من عظتين جهاريتين له، تبارك اسمه، هما الأولى والأخيرة في الإنجيل.  لذا سأقصر الحديث عن جزئية التطويبات في عظة الجبل (مت5: 3-12) وويلات الكتبة والفريسيين (مت23: 13-36).

على أنه من المفيد تتبُّع خيطًا من الأصحاحات السابقة يعطينا الخلفية التي منها تكلم الرب.

وفي هذا الجزء كان ممثّلوا الدين الرئيسيين هم ثلاث فئات: رؤساء الكهنة، والكتبة، والفريسيين.

الطائفة الأولى، رؤساء الكهنة، تمثِّل من بدأوا الدين من منبع إلهي، لكن انتهوا به إلى ما راق لبالهم.  فوظيفة رئيس الكهنة تعيين إلهي واضح من الشريعة، لكن مَنْ حوَّل ”رئيس“ إلى ”رؤساء“ إلا تدخّل البشر واستحساناتهم ومجاملاتهم وإقحامهم لأنفسهم في ما هو إلهي؟

والطائفة الثانية، الكتبة، هم محترفو الدين.  وقد اكتسبت هذه الطائفة مكانة خاصة من استعفاء الإنسان الطبيعي أن يكون في علاقة شخصية مباشرة مع الله، إذ وجدها مكلِّفة؛ فهي تستلزم تقوى وحياة قداسة وضبط نفس وجهاد في الصلاة وجدّ في البحث في الكلمة.  وكأن بالناس تقول ”ولِمَ كلّ هذا التعب؟  انتخبوا لنا من يقوم بهذه المهمة، ليقدّم لنا خُلاصة الأمر في نظام علينا اتباعه“. 

أما الطائفة الثالثة، الفريسيون، فاسمهم ”هواة الدين“!  فهم لم يحترفوا ”الفتوى“ كالكتبة، بل ادّعوا أنهم، بنمط التصرف الذي ابتدعوه (والذي اشتقّوه ربما من منبع أصيل مع الكثير من الإضافة والحذف والمبالغة) هم فقط الذين يمارسون الدين، وهم وحدهم المرضيون عند الله.

ومن متى21-23 (للفائدة ارجو أن تصرف دقائق في قراءتهم) دعنا نلاحظ النقاط التالية على ممثلي الدين هؤلاء، فتعطينا ملامحًا للنظام الديني بصفة عامة:

  •  في 21: 12، 13 نرى الرب في الهيكل يقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام.  فإذا وضعنا في الاعتبار أن هذه العمليات: الصيرفة وبيع الذبائح، كانت لإتمام العبادة، حسب الظاهر؛ فقد يأخذنا العجب من قول المسيح «وأنتم جعلتموه مغارة لصوص»، لكنها شهادة فاحص القلوب.  وعلى مرّ التاريخ كم استخدم أناس الدين لتحقيق مآرب خاصة، وفي حين ادّعوا الاهتمام بما لله، كانوا لصوصًا سرقوا ما لله، وآل الدين إلى مغارة لصوص.
  •  وفي ع15 نسمع أن رؤساء الكهنة غضبوا من أن ينادي الأولاد «أوصنا لابن داود» مع أنه سبق فقال إنهم رأوا «العجائب التي صنعها» والتي برهنت ولا شك على أنه ابن داود الموعود.  فهم، في تبجّح شديد، لم يقبلوا أن يزاحمهم مراكزهم ولا حتى ذاك الذي كانوا يدّعون عبادته والحرص على مصالحه وتتميم شريعته.  والقصة ما زالت متكررة للأن، حتى بين أكثر المنادين بأمجاد ابن الله.
  •  وفي قصة التينة (ع19) نرى عتب المسيح على الأمة أن لها ورق (أي مظهر فقط) لكن بلا ثمر.  الأمر الذي استوجب اللعنة.  ولكل فطن أن يتعظ.
  •  في ع23 يسألونه «بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان؟».  لقد اعتادوا أن يعطوا بعضهم البعض السلطان، ونسوا من له السلطان الذي كان ينبغي أن يكونوا خاضعين له؛ فصارت.كلماتهم وأفعالهم بلا سلطان (قارن قول قائد المئة في متى8: 9).
  •  وفي مثل الابنين (ع28-32) يكشف الرب أن أفواههم تقول «ها أنا ذا يا سيد» لكن القلب يأبى أن يذهب في مشيئة الله.  إنهم لم يستطيعوا أن يقبلوا طريق الحق، الذي قبِلَه العشارون والخطاة، لأن التوبة (الندم) لم يكن لها مكانًا في قلوبهم، فإرضاء الله لم يكن من مآربهم.
  •  وفي مثل الكرّامين (ع33-44) يكشف عمق قلوبهم، أنهم لم يقبلوا يومًا من أرسلهم الله، بل حين أرسل ابنه، مع أنه يُقرِّر هنا حقيقة أنهم عرفوه كالوارث، لكنهم كنّوا له بغضاء عبَّرت عن كراهية عميقة لله؛ فقتلوا الابن.  لذا أنبأهم بالنهاية المريعة لهذا النظام الديني، وبأنه يعزم أن يعطي الملكوت لأمه تعمل أثماره.
  •  في ع45، عرفوا أنه كان يتكلم عليهم.  أخيرًا؟!!  يا للعمى ويا للصمم!!  بعد كل ما قاله ووضّحه بلا أدنى مواربة!  وهنا طلبوا أن يمسكوه! 
  •  في مثل العرس (22: 1-14) لنلتفت فقط لهذه الكلمات التي تعبّر عن تجاوبهم مع دعوة الله الذي: ”لم يريدوا“، ”تهاونوا“، ”شتموا“، ”قتلوا“.
  •  ثم في 22: 15 تشاوروا ليصطادوه بكلمة، فوقعوا في الشبكة التي نصبوها إذ جرّبوا «الآخذ الحكماء بمكرهم»، ففضحهم تمامًا.  فأوضح أنهم لا يعطون لأحد حقَّه (في أمر الجزية)، وأنهم ضالون لا يعرفون الكتب ولا قوة الله (في قضية القيامة من الأموات).  ثم حين سأله ناموسي عن الوصية العظمى في الناموس، فضحهم أنهم لا يحبون الله ولا الآخرين، وبهذين يتعلق الناموس كله، أما هم فما كان يعنيهم من الناموس إلا شكليته.  ثم يكشف جهلهم وعجزهم عن الفهم حين يطارحهم عن المسيح من هو، وهل له فهم مَن اكتفى بالشكليات؟!

ثم بدخولنا أصحاح 23، نسمعه – تبارك اسمه – يصدر تقريرًا مفصّلاً عن قادة الدين «على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون...  لأنهم يقولون ولا يفعلون.  فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحرِّكوها بإصبعهم.  وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس؛ فيعرِّضون عصائبهم، ويعظّمون أهداب ثيابهم.  ويحبّون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع،  والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: سيدي سيدي».  ولا أحسب تقريرًا مثل هذا في حاجة إلى تعليق، فهو يفضح بوضوح دوافع مدّعي الدين.

وفي عجالة الآن، دعنا نلقي نظرة سريعة على الويلات (23: 13-35) التي ألقاها على أولئك «المرائين» المدّعين، بالمقابلة مع تطويبات الملك في متى5.

  1.  (23: 13؛ 5: 3) الويل الأول وجّهه الرب له لأنهم ”يغلقون ملكوت السماوات قدام الناس“ فلا هم دخلوا ولا تركوا الراغبين في ذلك يفعلوا.  لقد وقفوا في سبيل مُلك السماء، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا على الذين يدركون مسكنتهم، كما يمكننا أن نفهم من الطوبى الأولى.  والدين على النقيض تمامًا من المسكنة بالروح؛ فاعتناقه وممارسة فرائضه تجعل الإنسان يرى أنه على قمّة الأرض وأفضل من وُجد على ظهر البسيطة.  وهذا ما وضح تمامًا في الكتبة والفريسيين الذين اعتبروا أنه من حقهم أن يُدعو ”سيدي“، كيف لا وهم – في نظر أنفسهم والمخدوعين بهم – قد تمموا مطاليب السماء، التي سطّحوها.
  2.  (23: 13؛ 5: 4) ثم، يا للهول؛ ”يأكلون بيوت الأرامل“، مع أنه ليس خفي عن عين قارئ الناموس اهتمام الله بهذه النوعية وأمثالها من ”الحزانى“، فقد نهى عن الإساة إليهن (خر22: 22، 23)، وأوصى بمشاركتهن الخيرات (تث16: 11)، بل تعهّد هو شخصيًا بحقِّهم (تث10: 18).  والغريب أنهم بعد ذلك ”يصلّون“، بل ويطيلون الصلوات!  والدين لا يمنع الصلاة، بل يشجعها، على أنه يفصلها عن الله وفكره ومطاليبه وكتابه!!  إن كل الغرض منها، بالنسبة للمتدين، هو ما قاله الرب في موعظة الجبل «لكي يظهروا للناس»، أما ما الذي يجنيه الناس من صلاة هؤلاء فلا أهمية له.  وفي حين يتعهد الرب بتعزية الحزانى في التطويب الثاني، فإنه يتوعد أولئك المرائين بالدينونة الأعظم.
  3.  (23: 15؛ 6: 5) وبالمقابلة مع ”الودعاء“، الذين لا يعنيهم ولا يغريهم، بل لا يرغبون، أن يجمعوا حولهم الناس؛ فإن هؤلاء المراؤون كانوا على استعداد أن يطوفوا البحر والبر ليزيدوا أتباعهم.  وفي حين أن الودعاء، إذ يُظهرون صفات الوديع الأعظم (مت11: 29)، يتمكنون من إصلاح المخطئ (غل6: 1)؛ فإن التدين، الذي لا يعنيه إلا الشكل والعدد، ويجد راحته ليس في الله، بل في أنه في صف الأغلبية، هذا التدين يفتح باب جهنم على مصراعيه أمام النفوس.
  4.  (23: 16-22؛ 6: 6) هنا نرى قمة السطحية والمظهرية الجوفاء، التي لا يعنيها الجوهر في شيء بل المظهر.  لقد رأوا أن الحلف بالهيكل، بيت الله، ليس بشيء، أما الحلف بذهب الهيكل البرّاق فمُلزِم!!  ولا غبار على ذهب الهيكل، فهو تبعًا للمرسوم من الله بالوحي، ولا عتب على الذبيحة، فقد ذكرها الله في شريعته، وما أكرمها؛ لكن الجريمة أنهم أغفلوا ”الساكن في الهيكل“، الذي تُقدَّم له الذبيحة؛ فاحتقروا «عرش الله» و«الجالس عليه»!!  فالدين يفرّغ الأمر من الله ليحوّله إلى مجرد ممارسات شكلية فحسب، فمع أن الصلوات والترنيمات والحق الكتابي والخدمة وغيرها، من مصدر إلهي؛ لكن إن تحوّلت إلى مجرد ممارسة بلا ارتباط فعلي بالله، فلا تستحق إلا ويل القادة العميان.  لقد وصفهم السيد بالجهال العميان، فلا شيء، مهما بلغ بريقه أو كلفته، له قيمة، ما لم يرتبط بالله بعلاقة حية.  فلا تقدمات ولا تضحيات ولا قرابين ولا ممارسات لها قيمة ما لم يكن الله في ذاته هو الغرض.  أما الجياع والعطاش إلى البر فشبعهم في شخص ساكن الهيكل (مز17: 14، 15؛ 27: 4).
  5.  (23: ، 2423؛ 6: 7) أما الرحمة والرحماء الذين طوّبهم السيد في متى5، فلا مكان لهم، ولا للحق والإيمان، في النظام الديني.  إن التدين على استعداد للاهتمام بأدق الأمور، حتى وإن كان النعنع والشبث ضئيلا القيمة، ما دام الأمر يتعلق بالمظهر؛ لكنه بينما يصفي عن البعوضة يبلع الجمل، طبعًا بعيدًا عن الأعين!!  وبالطبع إلهنا يريدنا أن نهتم بكل التفاصيل، لكن بالترتيب السليم، فينبغي أن نعمل هذه (الأمور الصغيرة) بشرط ألا نترك تلك (الحق والرحمة والإيمان).  لقد تكرر أن يقوم الرب بمعجزة شفاء يوم سبت، فقد كان يعرف أن قصد الله من السبت هو الراحة، والراحة في أن يتمم عمل الله بشفاء الذين ربطهم الشيطان.  على أن معجزات المسيح في السبت أظهرت أنه كان يعني هؤلاء المتدينون حفظ السبت شكليًا أكثر من أن تُعمَل أعمال الله.  لقد كانوا على استعداد أن «يحِلّ كل واحد في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه» أو إذ «يسقط حماره أو ثوره في بئر ...  ينشله حالاً في يوم السبت»، أما أن يُحَلّ الناس من دائهم فلا يرضيهم.  فهل فهموا قلب الله أم اكتفوا بشكليات؟!
  6.  (23: 25، 26؛ 6: 8) هنا مربط الفرس، وهنا قمّة الرياء، خارج الكأس ملمَّع من الخارج، ومن الداخل يمتلئ بالاختطاف والدعارة.  لكن دعنا نلتفت، في المقابل، لتطويب السيد «للأنقياء القلب»، إنهم وحدهم الذين يمكنهم أن «يعاينون الله».  فلننقّ الداخل، ضابطينه على مقاييس الله، فنتمتع بمعاينة الذي يغير في صورتنا، وساعتئذ سيكون الخارج أيضًا جميلاً.
  7.  (23: 27، 28؛ 6: 9) الويل السابق كان يشير إلى خداع الناس بالمظهر الزائف، لكن في هذا الويل يضيف إليهم صفة ”سبق الإصرار والترصد“؛ فمن يدهن قبرًا يعلم أنه قبر، ولا يخفى عليه أنه ينجِّس من يدخله، حسب الشريعة، ولكنه غدرًا ينصب الفخ لأخيه، ولا يهمه إلا مظهره هو، بغضّ النظر عما قد يصيب الآخرين من نجاسة!  ليس هكذا صانعوا السلام، الذين لا يألون جهدًا، لا فقط أن يسالموا الناس، بل أن يوصلونهم إلى السلام مع الله ومع أنفسهم، وسبيلهم في ذلك أن يقدِّموا الله، كأبنائه، بما يتطلب ذلك من القداسة الحقيقية، فيقودوا الناس إلى السلام الحقيقي.
  8.  (23: 29-36؛ 6: 10) أما الويل الثامن فما أرهبه!  إنهم ”يبنون قبور الأنبياء ويزينونها من الخارج“، هل كرامة لهم؟!  كلا!  إنها حيلة دفاعية نفسية منهم لإزاحة كَمِّ ما في قلوبهم من قسوة تجاه كل مرسل من الله، وقد سبق الرب وكشفه في مثل الكرّامين، كما سبق وأشرنا.  وإذ يدّعون بالقول «لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ!» يأخذ الرب من فمهم الشهادة على فساد النظام الديني من أوله، فيقول «فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ»، ولأن ما بُني على خطإ لا يمكن إلا أن يكون خطًا، ويستدرك السيد فيثبِّت الأمر عليهم قائلاً «فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ...  هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ و...  فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ...»، ولا مناص من نهاية مثل هذا النظام بالدينونة «أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟...  يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ»، وقد كان في هذا الجيل الذي تكلم إليه الرب.
  9.  (23: 37-39؛ 6: 11) وما أمرّ المقارنة الختامية؛ ففي متى 23: 37-39 يرفع مرثاة على أورشليم، مركز الديانة، بوصفها قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها والتي رفضت أن يحتضنها الرب تحت جناحيه، فحقّ أن يترك لهم بيتهم (الذي ما عاد بيت الرب) خرابًا؛ وفي المقابل يقول لقديسيه الذين من أجله احتملوا التعيير والطرد والكلام الشرير «افرحوا وتهلّلوا.  لأن أجركم عظيم في السماوات».  فما أوسع الفارق بين نهاية من ساروا وراء معتقدات وممارسات، وبين من ساروا خلف شخص، هو وحده من يستحق أن يكون المُتَّبَع والربّ والمركز والرأس والرئيس، بل والكل في الكل.

وما أرهب خاتمة جزئنا هذا إذ يسجِّل الوحي «ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ.  قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (مت24: 1، 2).  وقد كان.

هذه لمحات من موقف سيدنا تجاه الدين ممثَّلاً في فئاته الأشهر؛ فما موقفنا نحن منه؟!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com