عدد رقم 5 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بريعة ودروس من الألم   من سلسلة: دروس من تيجان على رؤوس

بريعة هو أحد أولاد أفرايم بن يوسف بن يعقوب.  وقد وُلِدَ في ظروف مؤلمة وقاسية، لذلك أسماه أبوه «بريعة»؛ أي بلية، لأن بلية كانت في البيت إذ قتل رجال جت المولودون في الأرض بعضاً من أحفاد أفرايم لأنهم نزلوا ليسوقوا ماشيتهم (1أخ 23:7).  وأغلب الظن أن هذه الحادثة قد وقعت وهم بعد في أرض مصر، لأن أفرايم أباهم كان لا يزال حياً، لذلك نرى سحابة من الحزن الشديد تخيم على البيت، لكن الله الذي هو إله التعويضات أعطاه نسلاً آخر عوضاً عن الذين قتلوا فولدت امرأته «بريعة».

ولأن يعقوب أبا الأسباط كان قد بارك ابني يوسف (منسى وأفرايم) ووضع يده اليمنى على أفرايم الصغير وتنبأ أن نسله سيكون جمهوراً من الأمم (تك 19:48)، لذلك كان غريباً ومفاجئاً لأفرايم أن بعضاً من أولاده وأحفاده يُقتلون.  لكن الله أمين في مواعيده ولا بد أنها تتحقق مهما كانت الظروف المحيطة والمعاكسة.

ومع أن مجيء طفل إلى العالم يسبب فرحاً لوالديه حسب قول الرب في يوحنا 21:16 «المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلِدَ إنسان في العالم».  لكن عندما وُلِدَ هذا الطفل في العائلة كانت الظروف المحيطة مؤلمة جداً (موت، قتل، حزن، بكاء) حيث ناح أفرايم أياماً كثيرة لذلك أسماه «بريعة».

ويسجل الكتاب المقدس آخرين ولدوا في ظروف مؤلمة، فمثلاً «يعبيص» الذي معنى اسمه مُسبِّب للألم، وربما تألمت أمه في ولادته، أو عندما جاء توقيت ولادته مات زوجها «وسمته يعبيص قائلة: لأني ولدته بحزنٍ» (1أخ 9:4) ولكنه تغلَّب على هذه الظروف المؤلمة فكان رجل صلاة إذ دعا إله إسرائيل قائلاً: «ليتك تباركني، وتوسع تخومي، وتكون يدك معي، وتحفظني من الشر حتى لا يتعبني.  فأتاه الله بما سأل».

وكذلك عند موت راحيل زوجة يعقوب حيث تعثرت ولادتها فقالت لها القابلة لا تخافي لأن هذا أيضاً ابن لك، ولكنها دعت اسمه «بن أوني» أي ابن الحزن ولكن أباه تغلّب على التجربة بالثقة في الله فدعاه بنيامين أي ابن يدي اليمين أي ابن القوة (تك 18:35).

وكذلك امرأة فينحاس كانت حبلى تكاد تلد.  فلما سمعت خبر أخذ تابوت الرب وموت حميها ورجلها ركعت وولدت لأن مخاضها انقلب عليها وعند احتضارها دعت الصبي إيخابود قائلة: «قد زال المجد من إسرائيل.  لأن تابوت الله قد أُخِذ»، ولأجل موت حميها ورجلها (1صم 21:4).

وقد يأتي سؤال وهو: لماذا يسمح الله للمؤمنين بالآلام والتجارب وفي بعض المرات بالبلايا المحرقة؟ مثل مرض مستعصي، ضيق مادي، فشل، ديون، تمزق عائلي، طرد من العمل أو موت أحد الأحباء  .. الخ؟

أحبائي .. يجب أن نعرف أولاً أننا في عالم موضوع في الشرير يرأسه الشيطان عدو الله والناس (أي 7:2)، وعالم ساقط بسبب الخطية لذلك فكل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن (رو 22:8)، والبشر جميعاً تحت الآلام «كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا» (يع 17:5) ويقول موسى رجل الله عن أيام سنينا أن أفخرها تعب وبلية (مز 10:90) ويقول أليفاز التيماني إن الإنسان مولود للمشقة (أي 7:5).

وثانياً يجب أن نعرف أن كل شيء خاضع لسلطان إلهنا المحب العظيم وأن العلي متسلِّط في مملكة الناس، لأنه «هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟» (عا 6:3) لذلك لا ننزعج ولا نضطرب ولا نقلق بل نخضع ونسلِّم للرب طريقنا وهو يُجرى.

ثم ثالثاً يسمح الله لنا بالآلام وذلك لفوائد عديدة بالنسبة لنا، لذلك ينبغي أن نحسب حساباً حقيقياً وصحيحاً، فنضع التجارب والأحزان في كفة الميزان والمكسب من وراء ذلك في الكفة الأخرى فسنجد في النهاية أن الأخيرة أثقل «آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا» (رو 18:8) ولأن «خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبدياً» (2كو 17:4).

ومن فوائد الألم:

  1. امتحان الإيمان: أحياناً يدخلنا الرب في تجربة لكي يمتحنا ليرى هل نثق فيه وفي شدة قوته أم سنرتبك وننزعج؟ هل نثق في محبته وصلاحه أم نتذمر ونشكو؟ هل نتهم الرب ونحن في البحر الهائج بعدم الاهتمام ونقول «أما يهمك أننا نهلك»؟ أم يكون لدينا الإيمان العظيم والثقة الكاملة أنه لا تسقط شعرة واحدة من رؤوسنا؟
    لقد امتحن الله إبراهيم وهو مُجرَّب إذ لم يكن له غير ابن وحيد من سارة الذي قَبِلَ فيه المواعيد لكن الله أمره أن يذهب به إلى أرض المُريَّا ويُصعده محرقة على أحد الجبال فأطاع إبراهيم وبكَّر صباحاً ووضع ابنه على المذبح ليذبحه فناداه ملاك الرب من السماء وقال: «إبراهيم! إبراهيم! .. لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف، الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني» (تك 11:22،12).  لقد نجح إبراهيم في الامتحان وأظهر محبته الشديدة للرب «بالإيمان قدَّم إبراهيم إسحاق وهو مُجرَّب.  قدم الذي قبل المواعيد، وحيده».
    انظر أيضاً ماذا فعل بولس وهو في السفينة عندما هاجت ريح زوبعية وخطفت السفينة ولم يمكنها أن تقابل الريح ورموا بأيديهم أثاث السفينة.  ولم تكن الشمس ولا النجوم تظهر أياماً كثيرة واشتد عليهم النوء وانتزع أخيراً كل رجاء في نجاتهم.  ولكن وقف بولس رجل الإيمان مشجعاً مَنْ في السفينة واثقاً في وعد الرب له وقال لهم: «والآن أنذركم أن تسروا، لأنه لا تكون خسارة نفس واحدة منكم، إلا السفينة.  لأنه وقف بي هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أعبده: قائلاً: لا تخف يا بولس .. هوذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك.  لذلك سروا أيها الرجال، لأني أومن بالله أنه يكون هكذا كما قيل لي» (أع 22:27-25).
    لقد نجح بولس في هذا الامتحان ووثق في وعد الرب له بالرغم من المخاطر المرعبة من حوله لذلك طلب من الجميع أن يتناولوا طعاماً بعد صوم أربعة عشر يوماً وشجعهم بالقول إنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم ثم أخذ خبزاً وشكر الله أمام الجميع وكسر وابتدأ يأكل (أع 27).  ليعطنا الرب أن نثق به في كل حين وأن لا يتزعزع إيماننا في البلايا وأن لا نطرح ثقتنا التي لها مجازاة عظيمة ونصلي قائلين: «يا رب زد إيماننا».
  2. نتعلم الصبر:  يعلمنا الكتاب المقدس أن الضيق ينشئ صبراً (رو 5) والصبر لا نتعلمه بالعلم الكثير ولا حتى بقراءة الكتب الروحية النافعة، لكن نتعلمه فقط من خلال الألم والضيق.  لقد تعرض رجل الله أيوب لتجارب متعددة إذ فقد كل شيء من البقر والغنم والحمير والأولاد ثم سمح الله للشيطان أن يضربه بقرح رديء من هامة رأسه إلى باطن قدمه ولكن الله في النهاية عوَّض أيوب كثيراً وأعطاه الضعف من كل شيء لذلك يقول يعقوب في رسالته: «ها نحن نُطوِّب الصابرين.  قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب.  لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف» (يع 11:5).  ليعطنا الرب صبراً عندما نقع في تجارب متنوعة.
  3. مكافأة الرب لنا:  عندما يحتمل المؤمن التجربة بصبر وشكر فلا بد أن الرب سوف يكافئه، فلقد عوَّض الرب أيوب بعد أن صبر في التجربة ورفع وجهه ورد سبيه وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه (أي 9:42-12).  وأيضاً في المستقبل عندما يقف المؤمن أمام كرسي المسيح سيكافئه الرب على احتماله التجربة إذ مكتوب «طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكَّى ينال إكليل الحياة» (يع 12:1).

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com