عدد رقم 5 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المفاهيم الخاطئة في بيت يعقوب   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

في المرة السابقة مساوئ تعدد الزوجات، وكيف خَلقتْ جواً من الغيرة والصراع والتنافس والأحقاد، بدلاً من جو المحبة والسلام، والسعادة والهناء في البيت.  ولا شك أن الخروج على ترتيب الله، والتأثر بالمبادئ العالمية والعادات والتقاليد من البيئة المحيطة سيزيد الأمور تعقيداً ويجنح بنا بعيداً عن فكر الله.

إن المفاهيم الخاطئة في بيت يعقوب قد تمثلت فيما يلي:

(1) اختزال دور الزوجة إلى اعتبارها وسيلة للإنجاب والنسل فقط.

هذا ما جعل كلاً من الزوجتين تحارب وتصارع وتعطي جاريتها ليعقوب لكي تنجب بنين فقط.  وكأنها خُلقت فقط لأجل هذا الغرض.  وإذا لم يتحقق ذلك، فلا قيمة لها في الحياة.  وربما كان هذا الفكر سائداً في آرام ضمن المبادئ العالمية الفاسدة.  ولكن هل يصلح أن يسود هذا في بيت يعقوب الذي يعرف الله ويتعلم مبادئ مختلفة في مدرسة الله؟

إنه شيء محزن أن نجد ذات المبدأ سائداً في أوساط المؤمنين الآن في كنيسة الله، خاصة في المجتمعات الريفية.  وهو بكل المقاييس مبدأ غير مسيحي، ولا يتفق مع كلمة الله، خاصة في العهد الجديد، حيث الامتيازات والبركات الروحية السماوية وليس الجسدية الأرضية.  فإذا لم تنجب الزوجة أو تأخر ذلك، يبدأ التوتر في البيت ويدب الخلاف بين الزوجين، ويتدخل الأهل، وتزداد المسألة تعقيداً، وقد ينتهي الأمر بالانفصال، ويا للعار! وعلينا أن نعود إلى ماذا يقول الكتاب عن دور الزوجة في البيت، وما هو فكر الله من جهتها.

لقد رأى الرب الإله آدم وحيداً في الجنة.  ومع أنه كان رأساً لكل الخليقة، وكان مُحاطاً بأسعد الظروف، لكنه لم يجد لنفسه مُعيناً نظيره.  فقال الرب الإله: «ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره» (تك 18:2).  وماذا كان الهدف الذي لأجله صنعها وأبدعها وأحضرها إلى آدم؟ هل فقط لأجل الإنجاب والنسل؟ كلا البتة.  بل لتكون زوجة مُعِينة ومُكَمِّلة له.  وتكون غرضاً لمحبته وعواطفه، ولكي تشاركه أفكاره واهتماماته، مسراته وطموحاته.  كما تشاركه في حَمْل أعباء وأثقال الحياة.  فإنه بحق اثنان خير من واحد.  لقد خُلقتْ لكي تكسر وحدته، تسلِّيه وتعزِّيه.  تحكي معه وتستمع إليه.  تفهمه وتتعاطف معه في تجاربه.  تشبع احتياجاته النفسية والعاطفية والجسدية.  تقف خلفه، تسنده وتعضده.  تساهم في نجاحه ورفعته وإنجازاته وتحقيق أهدافه الروحية والزمنية.  ليقوم بدوره على خير وجه.  لقد خُلقتْ «من أجل الرجل» (1كو 9:11)، وليس لأجل الإنجاب والنسل في المقام الأول.  خُلقتْ لكي «تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها» (أم 12:31).  خُلقت لتكون مصدر البهجة والسعادة في حياة زوجها.  وهي البلسان المُلطِّف لضغوط الحياة.  إنها تشيع البسمة والفرحة في البيت.  كما يقول الكتاب: «امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك» (مز 3:128).  والكرمة رمز للفرح.  وأيضاً «افرح بامرأة شبابك، الظبية المحبوبة والوعلة الزهية» (أم 18:5،19).  فالزواج يحقق الاحتياجات العاطفية والجسدية.  والله أكرم هذه العلاقة وباركها.  والكتاب يقول: «ليكن الزواج مُكرَّماً عند كل واحد، والمضجع غير نجس» (عب 4:13).  وإدراك قدسية هذه العلاقة ومصادقة السماء عليها سيعطي شعوراً أعمق بالسرور في هذه العلاقة بغض النظر عن النسل والإنجاب.  إن هدف الله أن يؤسِّس بيتاً ليكون منارة وشهادة صغيرة له في هذا العالم.  وفي هذا البيت الجديد يتمثَّل الحب والخضوع.

ومن خلال كل ما سبق نرى فكر الله الواضح من جهة دور الزوجة وكيف أنه أوسع بكثير جداً من مجرد النسل والإنجاب.

وعلى الجانب الآخر يجب ألا نتطرف فنكتفي بأنفسنا ونرفض الأطفال، بسبب المسئوليات الثقيلة المرتبطة بتربيتهم، فهذا نوع من الأنانية التي لا تليق.  فالأطفال عطية من الرب وبركة في البيت.  والرب يُتوِّج علاقة الحب بين الزوجين بأن يمنحهما طفلاً.  وقد يربط الطفل بين الزوجين ويوطد العلاقة بينهما، رغم أن هذا لم يحدث بين يعقوب وليئة.  وقد يضيف الطفل سعادة إلى البيت ويشبع عاطفة الأبوة وغريزة الأمومة.  كل هذا حقيقي ولا شك.  ولكن من الخطأ اعتبار الزوجة وسيلة للإنجاب فقط.  فهي زوجة قبل الإنجاب وبعده، في وجود الأطفال أو غيابهم.  ويجب أن نعرف أن الله حكيم عندما يُعطي، وهو حكيم أيضاً عندما يمنع.  فكم من أولاد كانوا سبب حزن ومَرَار لوالديهم.  إن الأطفال هم ودائع من الرب لنا، وجزء في الوكالة التي نؤتمن عليها، وعلينا أن نربيهم في خوف الرب وإنذاره.  ومن الخطأ اعتبارهم هدفاً للحياة، أو مجالاً للفخر، أو لكي يحملوا اسم العائلة أو أية اعتبارات جسدية أو عالمية.  فنحن سماويون وتحكمنا مبادئ سماوية.

إن المرأة الفاضلة تاج لبعلها في المقام الأول.  ليس لتأتي بالنسل، بل لترفع رأس زوجها في المجتمع الذي يعيش فيه.  وكم من زوجات فضليات لديهن عاطفة أمومة غزيرة رغم أنهن لم يلدن أولاداً، وهن بركة عظيمة لقطيع الرب، وعوناً لأزواجهن على مر الزمان.

والزوج الفاضل يحب زوجته ويقدرها ويعاملها بكل رفق وعطف، بغض النظر عن النسل. ولا يكون قاسياً عليها بل يعطيها كرامة أمام الكل.

إن المرأة تريد أن تشعر بقيمتها كإنسانة متميزة، وهذا شيء غريزي في طبيعتها.  وتريد أن تشعر بمحبة زوجها وانجذابه لها.  فيقدِّر تقواها ومحبتها للرب، عقلها وحكمتها، وداعتها وهدوءها، جمالها وأناقتها، اجتهادها وعطاءها.  كل هذا سواء أعطاها الرب أطفالاً أم لا.  وعلى الرجل أن يشعر بآلام زوجته مثلما كان ألقانة رجل حنَّة، الذي لما رآها مكتئبة قال لها: «يا حنَّة، لماذا تبكين؟ ولماذا لا تأكلين؟ ولماذا يكتئب قلبك؟ أمَا أنا خيرٌ لك من عشرة بنين؟» (1صم 8:1).  ولنعلم أن الله يرانا، وعلينا أن نسلك ونرضي الله، لكي لا تُعاق صلواتنا.

(2) الخطأ الثاني في بيت يعقوب كان يتمثل في وضع الرجل في البيت.

ماذا يقول الكتاب عن الرجل؟ إنه «صورة الله ومجده» (1كو 7:11)، وهو «رأس المرأة» (1كو 3:11).  ويجب أن يكون له سلطان في بيته (إس 22:1).  فهل كان يعقوب كذلك في بيته؟ كلا بكل أسف.  لقد اختُزِلَ يعقوب إلى سلعة ثمنها هو اللفّاح.  وكانت الزوجتان تتاجران به وتفاصلان عليه وهو لا يعلم.  وكان مستعداً أن يقبل أي عرض، ويذهب لمَنْ رسى عليه المزاد.  لقد قَبِلَ عرض راحيل وأخذ بلهة دون اعتراض.  ثم قَبِلَ عرض ليئة وأخذ زلفة دون اعتراض.  أين الرجل وكرامته وسلطانه في البيت؟
إن الرجل في البيت هو مسئول ليتمم إرادة الله وليس إرادة الزوجة أو الأولاد.  والخضوع لسلطان الله سيجعله موقراً في عيني زوجته وأولاده.  كما كان إبراهيم في عيني سارة حيث كانت تطيعه وتهابه داعية إياه سيدها.  إن الرجل يمثِّل الله في الدائرة التي يعيش فيها.  وهو مسئول عن إقرار وإرساء مبادئ الله في بيته.  لكن الثابت أن يعقوب لم يكن كذلك على الإطلاق.  وقد ظهر ضعفه أمام زوجاته وتأثره بمبادئ آرام.
«مضى رأوبين في أيام حصاد الحنطة فوجد لُفّاحاً في الحقل وجاء به إلى ليئة أمه. فقالت راحيل لليئة: أعطيني من لُفّاح ابنك.  فقالت لها: أقليلٌ أنك أخذت رَجُلِي فتأخذين لُفّاح ابني أيضاً؟ فقالت راحيل: إذاً يضطجع معك الليلة عوضاً عن لُفّاح ابنك.  فلما أتى يعقوب من الحقل في المساء، خرجت ليئة لملاقاته وقالت: إليَّ تجيء لأني قد استأجرتك بلُفّاح ابني.  فاضطجع معها تلك الليلة» (تك 14:30-16).

لقد رأينا أن شخصية راحيل تميزت بالغيرة والأنانية.  وهذا ظهر من أول عبارة سُجلتْ لها في الكتاب حيث قالت لرجلها: «هب لي بنين».  وهنا قالت لأختها: «أعطيني من لُفّاح ابنك».  كانت تعرف أنها جميلة وجذابة، واعتبرت أنه أمر حتمي أن تمتلك كل شيء.  لكن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة.  لقد أغلق الرب رحمها لكي يكسر كبرياءها.  إن معنى اسم راحيل: "شاة أو نعجة".  لكنها لم تكن في صفاتها تتميز بالوداعة والخضوع مثل الشاة.  أما ليئة فمعنى اسمها: "ضعيفة أو مؤلمة أو ضجرة".  وفي ضعفها وآلامها التجأت إلى الرب.  وربما مع كثرة الضغوط ضجرت.

كان عند راحيل مغبوط هو الأخذ وليس العطاء.  فقالت لليئة: «أعطيني من لُفّاح ابنك».  وكانت قد استحوذت كلية على يعقوب.  ساء ذلك في عيني ليئة.  وفي المقابل سمحت لها راحيل أن يذهب إليها يعقوب تلك الليلة.  ومن هنا نعلم أنه لم يكن لابان فقط هو التاجر في هذا البيت، بل أيضاً بناته.  لقد تاجرن بيعقوب نفسه مقابل الُلفّاح.

والُلفّاح هو نبات له رائحة جذابة وكانوا يسمونه "تفاح الحب"، كما أشار أحدهم، أو فياجرا ذلك الزمان.  وكان يُظن أنه ينعش العلاقة الزوجية ويُزيد القدرة على الإنجاب.  وهو ما كانت تتوق إليه راحيل.  ومع أن راحيل أكلت الُلفّاح لكن الرب أعطى ليئة ابنين آخرين وبنتاً واحدة.  إن الرب، وليس الُلفّاح أو أية وسائل بشرية، هو مصدر العطايا.  وهو الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح.  أما الخرافات المرتبطة بالأباطيل الوثنية في آرام فلا تفيد شيئاً.

ليتنا نعود إلى المفاهيم الصحيحة، وماذا يقول الكتاب عن الزوجة والزوج في البيت المسيحي فنحظى بابتسامة السماء على حياتنا وبيوتنا.

الشذرات

إن الرجل في البيت هو مسئول ليُتمِّم إرادة الله وليس إرادة الزوجة أو الأولاد.

إن الرب، وليس الُلفّاح أو أية وسيلة بشرية، هو مصدر العطايا.  وهو الذي يفتح ولا أحد يُغلق، ويُغلق ولا أحد يفتح.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com