هو:
هو نشيط جدًا، كثير الخدمات والتضحيات، لا يبخل بوقت أو جهد أو مال، هو نجم في ملاعب الخدمة وتحمُّل المسؤوليات!
لكن..
لكن للآسف كل من خدم معهم وبينهم لم يطمئنوا تمامًا لدوافعه! لم يفرحوا بصدق بخدمته! إنهم باختصار لم يستطيعوا أن يقولوا له ما قيل لفليمون من قبل «لأن أحشاء القديسين قد استراحت بك أيها الأخ».
هو ببساطة ”تعبان“ لكنه مُتعِب.
أتاني مُتعَبًا للغاية متسائلاً:
- هل العيب فيَّ أم فيهم؟
- إن كانت المسألة مع بعض إخوتك المؤمنين، أو حتى مع الكل بعض الوقت، فربما يكون العيب فيهم. لكن أن يكون هذا هو شعور الأغلبية من نحوك، في أكثر من مكان، ولمدة سنين؛ فهذا يجعلني أعتقد أن العيب فيك وليس فيهم.
- وماذا تعتقد أن يكون هذا العيب؟
- أرجو أن تحتملني إذا سألتك هذا السؤال: هل أنت أناني؟
- عجبي! أناني بعد كل هذه الخدمات وكل هذه التضحيات؟!
- الأناني هو شخص يحب نفسه بإفراط، ودائمًا يهتم بأن يحقِّق رغباته، حتى ولو كانت على حساب مشاعر أو احتياجات الآخرين.
- رائع للغاية! يعجبني فيك ذكاءك وقدرتك على التعبير، بل أيضًا فهمك وعلمك الغزير. فتعريفك هذا للأناني هو نفس تعريف قاموس المنجد في اللغة العربية، وقاموس وبستر في اللغة الإنجليزية. فأنت يا أخي قاموس وموهوب! لكن المشكلة يا عزيزي أن هناك فرق كبير للغاية بين القدرة على التعريف والقدرة على التطبيق.
- ماذا تقصد؟
- اقصد أنه من السهل أن نعرف التعريف الصحيح للأنانية، لكن هل نطبق هذا التعريف على مختلف سلوكياتنا؛ لكي نعرف إن كنّا أنانيين، نعمل من أجل الذات أم من أجل الله وشعبه؟ هل نطلب من الله أن يفحصنا ويختبرنا ليكشف لنا عن أنانيتنا، أم إننا حكمنا على أنفسنا حكمًا مسبقًا، لا يقبل نقضًا أو إبرامًا، مفاده أننا أبعد ما يكون عن الأنانية؟ ثم هناك أمر أخطر في مسألة التطبيق، ألا وهو أن الأنانية تتخذ أشكالاً بلا حصر في طرق ظهورها، مما يزيد من صعوبة اكتشافها؛ لدرجة أنها تظهر أحيانًا مرتدية أقوى أشكال التضحية بالذات من أجل الآخرين!
- هذا الكلام خطير، لأنه يعني أنني قد أكون أنانيًا أعمل من أجل ذاتي وأنا لا أدري.
- نعم ياعزيزي، وهذه هي مصيبتنا في هذه الأيام: أن معظمنا مهموم للغاية بالخدمة وغارق جدًا في الأنشطة الروحية، بينما جوهر هذا الاهتمام وهذا النشاط هو حب الذات والبحث عن إشباعها وتفوقها!
- إذًا كيف يمكنني أن أعرف إن كنت أناني أخدم من أجل ذاتي أم لا؟
- صدقني يا عزيزي، قد يمكنني أن أساعدك في اكتشاف شتى الأمراض الروحية، لكن هذا المرض بالذات يحتاج إلى جهاز أشعة قوي للغاية لا يتوفر عندي، ولا عند أي إنسان؛ فالنور الوحيد القادر على أن يكشف لك إن كنت أناني تخدم من أجل ذاتك أم من أجل الله، هو نور محضر الله.
- دعني أعترف لك ببعض الأشياء، وقل لي بصدق ودون أن تجاملني إن كانت مظاهر للأنانية وحب الذات أم لا؟
- أنا دائمًا أبحث عن التميُّز والنجاح وسط كنيستي؛ بمعنى أني لا أقبل أن أكون شخصًا عاديًا. كثيرًا ما أقارن نفسي بأسماء معيَّنة من إخوتي، أحاول باستمرار أن أتبين طول قامتي بينهم، هل طاولتهم أم لا؟ من منهم أطول مني ومن منهم أقصر مني؟ وأشعر بالنشوة إن كانت المقارنة لصالحي، وتملؤني الكآبة إن كانت لحساب غيري. أتوق لمن يحدثني إيجابيًا عن نفسي وأرى فيه أوفى الأصدقاء. وأتالم بشدة إذا وبَّخني أحد أو أظهر لي أي جفاء. أنشغل كثيرًا برأي الناس فيَّ، وما يظهرونه من حب وتقدير لي عندما يرونني، وبما يقولونه عني بعد أن يرونني. أحب أن أكون البطل، وإذا لم تساعدني الظروف لأكون البطل، فإنني أجتهد أن أكون على الأقل الصديق الحميم للبطل.
- مبروك، أراك قد دخلت محضر الله.
- لكنني لم أطلب منه بعد أن يختبرني ويفحصني.
- مجرد وجودك في محضره، حتى لكي تستمتع به، يكفي؛ إذ نور محضره سيسطع عليك ويكشف لك حقيقة نفسك ودوافعك.
- لماذا لم يصارحني أحد إخوتي من قبل بما يعتمل في نفسه؟
- لأنهم لم يحبوك بالقدر الكافي.