عدد رقم 2 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المسيحية والصوم أو الصوم الكتابي  

الصوم واحد من أكثر الممارسات المُهْمَلة في حياة كثير من المؤمنين الحقيقيين، ربما لعدم فهم معنى الصوم وأهميته، والبركات التي تعود على الفرد والجماعة من ممارسته بطريقة صحيحة، وأيضاً الخسائر التي تنتج من إهماله.  أو ربما لأن الصوم ثقيل على جسد الإنسان، ونحن نميل لتدليل نفوسنا وأجسادنا.

في مدرسة الله هناك تدريبات روحية ونفسية وأيضاً جسدية، القصد منها هو أن نتعلم الله وكيف نرتمي عليه، ونتعلم كيف نتجرد من ذواتنا، ونتعلم التعفف وضبط النفس.  والصوم هو واحد من هذه التدريبات الهامة في التعامل مع الله والتفرغ من ذواتنا.  هو أحد وسائل الحرمان الاختياري من الحاجات الضرورية لنفس المؤمن وجسده، وذلك نظراً لوجود دوافع روحية لها الأولوية ولها الغلبة، وهذه المطاليب الروحية أهم بكثير من نداءات الجسد وحنين النفس.
والصوم مثله مثل بقية الممارسات الروحية يحتاج إلى تدريب ليتعلم الشخص أو الجماعة أن يمارسه بطريقة صحيحة.  وقد يكون من المساء إلى المساء، لمدة يوم واحد، أو قد يتكرر لمدة عدة أيام، أو يكون لبعض أيام متصلة مثلما حدث في أيام أستير لمدة ثلاثة أيام (أس 16:4).  إلا أنه في طريق التدريب يمكن زيادة الفترة بالتدريج حسب الاحتياج، وحسب الطاقة.   ومهم أثناء الصوم، أن يكون الشخص في وعيه الكامل بوجوده في حضرة الله، قادر على التركيز الذهني في الصلاة.  ولكن يفضل إنهاء الصوم إذا خارت قوى الشخص وأصبح غير قادر على التركيز الذهني والصلاة.  ثم يكرر ذلك في اليوم التالي طالما هناك ضرورة وطالما الظروف مواتية.

شكل الصوم

كلمة الصوم تقال عن شخص ممتنع عن الأكل وعن الشرب تماماً سواء:

  • غير قادر على الأكل والشرب نظراً لظروف ضاغطة تسبب له انحناءً نفسياً مثلما حدث مع داريوس الملك حيث نقرأ القول: «مضى الملك إلى قصره وبات صائماً» (دا 18:6).
  • أو لأنه لا يوجد أكل أو شرب في متناول يده.  مثلما حدث مع الجموع التي التفت حول الرب لمدة ثلاثة أيام، فقال الرب لتلاميذه: «لست أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوِّروا في الطريق» (مت 32:15؛ مر 3:8).
  • أو يمتنع الشخص عن الأكل والشرب بإرادته لأسباب روحية، سنوردها بعد قليل.  وهذا هو موضوعنا.
  • والرب يوصي تلاميذه في متى16:6-18 ألا يكون وراء الصوم رغبة في الرياء والتظاهر أمام الآخرين.  وبالتالي يجب أن يمارَس في الظروف الطبيعية، أو المظهر الإنساني الطبيعي،  حتى لا يلاحظ أحد؛ فهو يصوم في الخفاء، ويتجه بصومه لله وليس للناس.
  • والصوم يمكن أن يكون فردياً  يقوم به المؤمن فقط لظروفه الشخصية، مثلما فعل داود في صموئيل الأول 12، أو يقوم به المؤمن نظراً لظروف خاصة بالجماعة مثلما فعل نحميا (نح 4:1) أو نظراً لاحتياجه للفهم مثلما فعل دانيال (دا 3:9).  أو قد يكون عائلياً   يقوم به الزوج والزوجة المؤمنون (1كو 5:7)، أو يكون كنسياً يُنادى به في كل الجماعة مثلما حدث في أيام أستير (أس 16:4)، أو في أيام يهوشافاط (2أخ 3:20).

جو الصوم

  • يرتبط الصوم دائماً بالصلاة، ولا يوجد صوم بدون تضرع ورفع القلب للرب (مت 21:17)، مثلما نرى حنة بنت فنوئيل إذ كانت «عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً» (لو 37:2)، ومثلما نقرأ في سفر الأعمال عن الأنبياء والمعلمين ومعهم شاول (الرسول بولس)؛ «بينما هم يخدمون الرب ويصومون .. فصاموا حينئذ وصلوا ..» (أع 3:13) وكذلك عن برنابا وبولس نقرأ القول: «ثم صليا بأصوام ..» (ع 23:14).  ففترة الصوم هي وجود دائم أمام الرب كل الوقت وتفرغ مستمر.
  • وأيام الصوم فيها تدريب للصائم على المشغولية الطويلة بالرب، وإعادة الفكر إلى حضرته سريعاً، والوعي بوجوده، وبالتالي فهي تدريب على زيادة التركيز وقلة السرحان.
  • كذلك من كلمة الله نتعلم أن وقت الصوم هو وقت مقدس للرب وفيه تفرغ واعتكاف تام من كل شيء سواه. «قدسوا صوماً.  نادوا باعتكاف» (يؤ 14:1)، «لكي تتفرغوا للصوم والصلاة» (1كو 5:7).  فلا يصلح أن يكون الشخص صائماً ووقته وذهنه مشغولين بشيء آخر غير الرب، سواء في عمل زمني أو خلافه.  ومتى انتهى التفرغ والاعتكاف انتهى الصوم.
  • جو الصوم دائماً ليس هو جو أفراح بل تذلل وأحزان وبكاء واتضاع وانكسار  «أذللت بالصوم نفسي» (مز 13:35)، «وأبكيت بصوم نفسي» (مز 10:69)، «الصلاة والتضرعات، بالصوم والمسح والرماد» (دا 3:9)، «بالصوم والبكاء والنوح» (يؤ 12:2).  إنه الشعور بعدم الاستحقاق لأي شيء حتى قطرة ماء أو كسرة خبز.

أصوام غير مقبولة
لأن هناك رغبة في كيان الإنسان لإرضاء الله، والإنسان يعتقد أن الصوم هو إحدى الوسائل التي بها يمكن إرضاؤه، لذلك  يمارس البعض الأصوام على هذا الأساس، بالكيفية التي يتصورونها صحيحة، لكن للأسف هذه الأصوام من ناحية غير مقبولة عند الله، ومن الناحية الأخرى تقسي الإنسان لأنها تؤثر على ضميره، وتجعله يتوهم أن الله راضٍ بهذه الكيفية.  وفي كلمة الله بعض الأمثلة لهذه الأصوام غير المقبولة:

  • الصوم الروتيني الذي يمكن أن يسمى "الصوم الطقسي" وهو بلا هدف، ولا تفرغ ولا مشغولية بالله ولا يقترن بروح الاتضاع والانكسار.  مثل صوم الفريسي الذي قال: «أصوم مرتين في الأسبوع» (لو 12:18).  ولكنه لم يتبرر عن طريق هذا الصوم.
  • الصوم الذي يقوم به الإنسان لتحقيق أغراضه، وما يسر نفسه، سواء كان الله مصادقاً أم لا، أو الذي يرغب به الإنسان أن ينتصر في نزاعاته مع الآخرين، وأن تنتهي جميع المنافسات فيه لصالحه بغض النظر عن الوسائل التي يستخدمها.  «يقولون: لماذا صمنا ولم تنظر، ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟ ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة، وبكل أشغالكم تسخرون.  ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بلكمة الشر» (إش 3:58،4).
  • الصوم الذي يفرضه الجسد، بإرادة جسدية وسط جو من الحماس المتزايد.  وهو صوم ليس في وقته، وغير مصحوب بتذلل، يكدر الشعب ويكدر صاحبه، يعمي البصيرة ويمنع البركة.  مثلما فرض شاول الملك الصوم على الشعب (1صم 24:14-30).

 (يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com