عدد رقم 2 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الثبات الروحي  

«ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب» (أع 11: 23)

يمثل "الثبات في الرب" تحدياً لكل أولاد الله الأعزاء في كل مكان، وفي كل مراحل العمر وبالأخص مرحلة الشباب، ففي حين يحدثنا العهد الجديد كثيراً عن الثبات الروحي فيما لا يقل عن خمسين آية، فإن الواقع العملي يكشف بوضوح عن ندرة هذه الفضيلة الروحية بشكل خطير في حياتنا. 

وربما كان ذلك لأحد الأسباب التالية:

  1. تذبذب الإنسان بطبعه: وهذه السمة تتضح فينا قبل الإيمان وحتى بعده، فنادراً ما يستقر الإنسان على حال.  خذ مثلاً العروس في سفر النشيد فهي في أصحاح 5: 1 نراها جنة تُسعد قلب الرب (عريسها)، إلا أنه سرعان ما يعتريها الكسل والفتور فنجد عتابه لها في العدد التالي مباشرة!! (ص5: 2).
  2. الشخصية المزاجية: فهناك شخصيات بطبيعتها متقلبة المزاج (moody)، ويتغير مزاجها الخاص بسرعة شديدة، وأحياناً كثيرة لأسباب تافهة.  وتغلب هذه السمة بشدة في أوساط الشباب، سن الحماس المتدفق؛ وتظهر في صور شتّى وبالأخص بعد حضور الفرص الروحية المركزة – كالمؤتمرات وغيرها- إذ يحدث نشاط روحي متدفق، سرعان ما يخبو مع الزمن.
  3. الوسط المحيط: نحن نعيش في عالم يغلب عليه عدم الاستقرار والثبات، عالم «متزعزع» بتعبير الوحي، كما أن الوسط الروحي المحيط بنا لا يشجع كثيراً على الثبات، فما أقل «الأوتاد» روحياً (أي الثابتين فعلياً) بين شعب الله (إش22: 23).

أضف إلى ذلك التحديات التي تواجهنا بشدة في هذه الأيام من كثرة الضغوط، وقسوة الحياة، ... الخ.  راغبين من القلب أن نتجاوب مع إرادة الله من جهتنا، والتي فيها مجد للرب، وراحة وبركة لنفوسنا ولمَنْ حولنا

والآن دعنا نتوقف قليلاً أمام النقاط الخمس التالية:

أولاً:  ما هو الثبات؟  
 ثانياً:  المسيحية والثبات.
ثالثاً: نوعا (أو وجها) الثبات.  
رابعاً: أهمية الثبات.
خامساً: كيفية الثبات.

وسنكتفي بمعونة الرب في هذا العدد بالحديث عن أول نقطتين، ونترك باقي الأفكار لمرة قادمة بمشيئة الرب.

***

أولاً: ما هو الثبات؟
إن كلمة "ثبات" لغوياً تعني: البقاء على وضع معين بصورة مستديمة.  ومن هنا يمكننا القول أن الثبات الروحي يعني "البقاء على وضع روحي صحيح بصفة مستمرة" وذلك رغماً عن كل شيء.

ثانياً: المسيحية والثبات
لأن إلهنا غير متغير «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع1: 17)، «يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد» (عب13: 8) كذلك فإن طابع المسيحية هو الرسوخ والثبات في كل شيء.  تأمل معي –على سبيل المثال– في السُباعية التالية:

  1. كلمة الله:
    «لذلك يجب أن ننتبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته، لأنه إن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة (في إشارة إلى العهد القديم)، وكل تعد ومعصية نال مجازاة عادلة، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟  قد ابتدأ الرب بالتكلّم به، ثم تثبّت لنا (في إشارة إلى العهد الجديد) من الذين سمعوا، شاهداً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة، ومواهب الروح القدس حسب إرادته» (عب2: 1-4).
    وأيضاً «مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد.  لأن كل جسد كعشب، وكل مجد إنسان كزهر عشب.  العشب يبس، وزهره سقط، وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد.  وهذه هي الكلمة التي بُشّرتم بها» (1بط1: 23-25).
    كما نقرأ «وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت (أو: قد صارت ثابتة) التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم» (2بط1: 19).
  2. خلاص الله:
    «فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟ قد ابتدأ الرب بالتكلم به، ثم تثبَّت لنا من الذين سمعوا» (عب2: 3).
  3. قصد الله:
    «لأنه وهما لم يولدا بعد (عيسو ويعقوب)، ولا فعلا خيراً أو شراً، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها: إن الكبير يُستعبَد للصغير.  كما هو مكتوب: أحببت يعقوب وأبغضت عيسو» (رو9: 11-13، انظر أيضاً 2تي1: 9، 10).
  4. أساس الله:
    «ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت، إذ له هذا الختم: يعلم الرب الذين هم له، وليتجنب الإثم كل مَنْ يسّمي اسم المسيح» (2تي 2: 19).
  5. الحياة الأبدية:
    «كل مَنْ يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه» (1يو3: 15)؛ أي أن الحياة الأبدية ثابتة في كل المؤمنين الحقيقيين.
  6. الروح القدس:
    «وأما أنتم فالمسحة (الروح القدس) التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلِّمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً.  كما علمتكم تثبتون فيه» (1يو2: 27).
  7. الرجاء:
    «فرجاؤنا من أجلكم ثابت.  عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلام، كذلك في التعزية أيضاً» (2كو1: 7).  وأيضاً «.. نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا، الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتَمنة وثابتة، تدخل إلى ما هو داخل الحجاب» (عب6: 18، 19).
    فما أعظم إلهنا، وما أروع المسيحية، فكل ما هو من الله ثابت ثبات الله، وثبات مواعيده.  وللحديث بقية بمشيئة الرب في عدد قادم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com