عدد رقم 5 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بركاتنا السماوية  

«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي
 باركنا بكل بركة روحية في
 السماويات في المسيح»
(أف 3:1-14)

إنها نعمة غنية أن يتنازل الله ليعلن ذاته لخلائق ضعيفة نظيرنا، ولكن الله لم يقف عند حد إعلان ذاته؛ بل تفاضلت نعمته جداً حتى أعلن لنا مشورات قلبه ومقاصده من نحو المسيح والكنيسة .. وهذا ما نجده في الأصحاح الأول من الرسالة إلى أفسس.

إن غرض الله من نحو ابنه هو أن: «يجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك» (أف 10:1).  وغرضه من نحو المؤمنين هو أن: «نكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة».  وفي سبيل ذلك لزم أن المسيح يفتدينا «بدمه» لننال «غفران الخطايا حسب غنى نعمته».

إن الله يحب أن يبارك .. هذا هو سرور قلبه .. فعندما خلق آدم وحواء؛ نقرأ: «وباركهم الله» (تك 28:1) وهنا عندما يستعرض الرسول مشورات الله يقول: «مبارك الله .. الذي باركنا».  على أن بركتنا في هذا التدبير تسمو كثيراً عن بركات العهد القديم، فهي بركات مصدرها: «إله وأبو ربنا يسوع المسيح»؛ الله مصدر القوة والحكمة، والآب مصدر النعمة والمحبة، هو مصدر بركاتنا. 

إن بداية هذه البركات  كا نت:قبل تأسيس العالم

ثم يستطرد الرسول ليذكر طابع هذه البركات؛ إنها «روحية»؛ وذلك بالمباينة مع بركات العهد القديم الزمنية.  ومن دواعي غبطتنا أن تكون بركاتنا روحية؛ فأولاً، ذلك يعني أنها لا تفرّق بين إسرائيلي وأممي، شريف أو حقير، غني أو فقير .. بل هي لا تنظر إلى أي اعتبارات أرضية.  وثانياً، أنها بركات أبدية، فلو كانت بركاتنا زمنية لانتهت بانتهاء حياتنا على الأرض .. حمداً لله. 

ثم أريد أن ألفت انتباهكم إلى الحرف الصغير: «كل»؛ فهذا يعني أن الله لم يحجب عنا بركة واحدة مما تمتع بها الرب يسوع المسيح كإنسان في حياته على الأرض.  نعم لم تبق في جعبة الله بركة واحدة لم يباركنا بها .. مجداً له. 

ثم نأتي إلى دائرة هذه البركات ألا وهي: «السماويات» .. إذ أن الله أغدق علينا هذه البركات قبل أن تُصوَّر الأرض أو تُوجد الجبال.  ومن ثم فإن دائرتها ليست أرضية، بل هي سماوية. 

ثم ينتقل الرسول إلى قناة هذه البركات وهي المسيح -تبارك اسمه- لقد بُورك الشعب الأرضي في إبراهيم ولكن الكنيسة بُوركت في «المسيح».  وما دمنا قد بُوركنا في المسيح فقد نلنا كل البركات التي يستحقها، لا إبراهيم، ولا نحن، بل المسيح. 

فهل باستطاعتنا تصوّر عظم هذه البركات؟!

ثم إن بداية هذه البركات كانت «قبل تأسيس العالم»، ومن ثم فإن الكنيسة لا علاقة لها بالعالم أو هيئاته.  وهي ليست هيئة أو منظمة عالمية، بل هي كانت في فكر الله «قبل تأسيس العالم» وكذلك المؤمن الفرد معروف لدى الله باسمه ومختار من قبله من «قبل تأسيس العالم». 

هل يعقل أن تكون لنا علاقة بالعالم مع امتيازنا هذا؟!

ثم نأتي إلى غرض هذه البركات: أن نكون «قديسيين وبلا لوم قدامه في المحبة» ولا يمكن أن نكون كذلك إلا لو كنا مشابهين لله (إن جاز التعبير) فلكي نوجد في توافق معه ينبغي أن نشابهه.  وهذا ما صار لنا في المسيح.  وهذه هي الوسيلة الوحيدة لكي نتفاعل مع محبته ونرد صداها.  والواقع أن العدد التالي (العدد الخامس) يضيف امتيازاً أسمى من مجرد كوننا «قديسين وبلا لوم»، إذ يؤكد أننا أبناء «حسب مسرة مشيئته».  فإذا كان الملائكة مجرد قديسين وبلا لوم فلا يمكن أن يقال عنهم إنهم أبناء، إذ هم «هم أرواح خادمة» (عب 14:1).

ثم أود أن أشير أخيراً إلى كلمة «قدامه».  هو يريد أن يقول إن الله قد قصد أن يأتي بنا «قدامه» لنكون لمسرة قلبه و«مدح مجد نعمته».  كما يقول في موضع آخر: «لأننا نحن عَمَلُه» (أف 10:2).  ويقال إن كلمة «عَمَله» تعني "تحفته الرائعة".  إن الله قصد، «لمدح مجد نعمته»، أن نوجد إلى الأبد أمامه لسرور قلبه.  فإذا كان «غنى نعمته» قد سدد أعوازنا «بغفران الخطايا»، فإن «مدح مجد نعمته» يتأتى بأن نوجد «قدامه» لسرور قلبه.

آمين.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com