عدد رقم 5 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أولاً: رموز قيامة المسيح في العهد القديم   من سلسلة: قيامة المسيح

«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)

7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي(13)

اليوم الثالث واختبارات يهوشافاط الملك
(2أخ 25:20،26)

من أخبار الأيام الثاني 20 نتعلم أن الحاجة الحقيقية لكل نفس هي في النظر إلى الرب بثقة وإيمان، وتثبيت النظر عليه الدوام.  فهذا علاج في لحظات الحيرة والمواقف الصعبة التي لا نعلم فيها ماذا نعمل؛ كما حدث مع يهوشافاط ورجاله.  فقد أتي ثلاثة أعداء معاً لمحاربة يهوذا: بني عمون وموآب والذين من جبل سعير (2أخ 22:20).  وإذ واجه التهديد بالغزو، اتجه يهوشافاط باجتهاد إلى الرب بالصلاة، ونادى بصوم في كل يهوذا، واجتمع يهوذا ليسألوا الرب، ووقف الملك في جماعة يهوذا وأورشليم، واستناداً إلى صلاة سليمان (2أخ 34:6،35)، تضرع يهوشافاط إلى الله الذي وعد أن يسمع وأن يخلص (2أخ 8:20،9).

وبالرغم من أنه كان تحت إمرة يهوشافاط مليون ومائة وستين ألفاً من الجنود جبابرة البأس، فضلاً عن الذين جعلهم الملك في المدن الحصينة في كل يهوذا (2أخ 12:17-19)؛ لكن يهوشافاط لم يشر إليهم.  لقد فهم الملك معنى تلك الكلمات «لن يَخلُص الملك بكثرة الجيش.  الجبار لا يُنقَذ بعظم القوة.  باطلٌ هو الفرس لأجل الخلاص، وبشدة قوته لا يُنجِّي .. أنفسنا انتظرت الرب.  معونتنا وترسنا هو» (مز 16:33-20).  لقد اعترف يهوشافاط بضعفه (2أخ 12:20)، لكنه أضاف «ولكن نحوك أعيننا» مُدركاً تماماً أن «عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه» (2أخ 9:16).

نعم، ذهب يهوشافاط ليسكب ضيق نفسه وانزعاجه في أذني مَنْ هو راغب أن يسمع وقادر أن يُعين.  وقاده إلى ذلك شعوره العميق بضعفه وعجزه وبأنه لا شيء، وبأن ذراع البشر لا تُجدي نفعاً، وكان في حسبانه: إما الله وإلا فلا.  فبسط المسألة بأكملها أمام الرب، وسلّم الأمر في يديه وانسحب من المشهد.  ويا لها من ثقة قوية! أية صعوبة لا يذللها إيمان كهذا؟!

وتلقت صلاة الإيمان التي وجهها يهوشافاط إجابة فورية وعلنية: «وإن يحزئيل بن زكريا بن بنايا بن يعيئيل بن متنيا اللاوي من بني آساف، كان عليه روح الرب في وسط الجماعة» (ع 14).  ويا له من شخص يقدمه الرب لتشجيع إيمان يهوشافاط وثقته في إلهه، ويمكننا أن ننظر إليه كمثال بديع لربنا يسوع المسيح، الذي هو بحق الشخص الوحيد الذي نحتاج أن نعرفه، بل ونمتلكه؛ فهو -تبارك اسمه- مَنْ يستطيع أن يملأ احتياجنا من كل وجه.  وإن كان لنا المسيح فلنا كل شيء، وإذا لم يكن لنا المسيح فلا شيء لنا.  المسيح بدون أي شيء آخر هو الغنى الجزيل، وكل شيء بدونه هو الفقر المدقع.

ولقد أوصل يحزئيل كلمات مطمئنة من الرب إلى الشعب: «لا تخافوا ولا ترتاعوا .. ليس عليكم أن تحاربوا في هذه.  قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم ..» (2أخ 15:20-17؛ قارن خر 13:14،14).  وبدون انتظار لما سيعمله الرب، سجد يهوشافاط مع جميع الشعب للرب وسبحوه بصوتٍ عظيم جداً (ع 18،19).  ويا لروعة الإيمان الذي يطرح الخوف تماماً ويشكر الرب سلفاً لأجل الاستجابة المؤكدة التي سيتلقاها لمجد الله.  وكم هو جميل السجود الذي يُقدَّم للرب في مواجهة الأعداء (مز 5:23).  لقد خرج المغنون أمام الجيش، وكانت تسبيحة الحمد التي غنوها للرب هي العلامة لنصر مجيد ربحوه دون قتال.

وفي أثناء تسبيح بني إسرائيل بترنيمة الخلاص، كان أعداؤهم يُهلكون بعضهم البعض (ع 22،23).  وكل ما كان عليهم أن يفعلوه حينئذ هو مشاهدة هلاك أعدائهم الكامل وأن ينهبوا الغنيمة الكثيرة «وكانوا ثلاثة أيام ينهبون الغنيمة لأنها كانت كثيرة» (ع 35).

ولنلاحظ أيها الأحباء أن فترة الثلاثة أيام تشير إلى موت وقيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات (1كو 3:15،4).  ما تبعه أحد إلى الجلجثة؛ إلى أرض المعركة، حتى ولا أقاموا عند الأمتعة، بل قد تركوه كلهم، ولكنه رجع منتصراً من أعظم صراع، ليقتسم أسلابه مع قطعانه الضعيفة!! (قارن من فضلك 1صم 24:30،25؛ عد 27:31؛ يش 8:22؛ إش 12:53).  فلقد وزع لكل واحد وللجميع، بسخاء يد المحبة السرمدية، السلام والفرح (يو 19:20،20)، المقام الجديد أمام إلهه وأبيه (يو 17:20)، وخلاصة القول وزع عليهم الخلاص العظيم الذي هو غنيمة صراع الجلجثة الرهيب! ولقد صعد ابن الله إلى العلاء، وسبى سبياً، وقَبِلَ عطايا بين الناس (أي كإنسان  In Man)، باعتباره الإنسان الكامل المقام والممجد، المكلل بالمجد والكرامة (عب 9:2)، الجالس في يمين عرش العظمة في السماوات (عب 1:8).  وكل العطايا والمكافآت التي قبلها من الآب (بحسب مز 18:68) قد أعطاها للمؤمنين به، الذين يسميهم الرسول بولس في أفسس 4 «الناس» (أف 8:4).

وكما احتفل الشعب في 2أخبار 20 بالانتصار بقلوب شاكرة «وفي اليوم الرابع اجتمعوا في وادي بركة، لأنهم هناك باركوا الرب، لذلك دَعَوا اسم ذلك المكان وادي بركة إلى اليوم» (ع 26)، دعونا نحن أيضاً -أيها الأحباء- نفكر كمؤمنين في نصرة الصليب التي ربحها لنا الرب يسوع المسيح بكلفة غالية دون أن نشاركه في عاره وفي آلامه.  وماذا إذاً تُرك للمؤمن المسيحي لكي يفعله؟ لا شيء سوى أن يتمتع بنتائج هذا الانتصار، وفي «وادي بركة» الحقيقي نجتمع معاً إلى اسمه لنقدم السبح والسجود والبركة لإله وأبي ربنا يسوع المسيح كمن هو مصدر كل بركة.

نعم «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح» .. ويا لروعة هذه الأنشودة التي تتكرر في ثلاثة مواضع في العهد الجديد؛ من أجل الماضي (أف 3:1)، ومن أجل الحاضر (2كو 3:1)، وأيضاً من أجل المستقبل (1بط 3:1).

 ففيما يتعلق بالماضي، مباركٌ إلى الأبد «إله وأبو ربنا يسوع المسيح»، ذاك الذي قرر أن يباركنا.  ومَنْ ذا يقدر -في الزمان- أن يوقف تنفيذ قراره الذي كان قبل «الأزمنة الأزلية»؟ .. فلك السجود والسبح والبركة يا إلهنا .. نعم، لقد قرر أن يباركنا، الكل لنا «بكل بركة»، وأفضل شيء لنا «بركة روحية»، في أفضل موضع «في السماويات»، بأفضل طريقة «في المسيح» (أف 3:1) لقد بُوركنا حيث المسيح، وأين هو؟ «فوق كل شيء» .. «في يمين الله .. وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له» (1بط 22:3).

  • وفيما يتعلق بالحاضر، مبارك إلى الأبد «إله وأبو ربنا يسوع المسيح .. الذي يعزينا في كل ضيقتنا» (2كو 3:1)، فوَ إن كانت لنا في الزمان الحاضر ضيقات وآلام، ولكن حتى هذه الآلام هي موضوع للسبح والسجود والبركة لإله وأبو ربنا يسوع المسيح لأنها تنتج نتيجتين ثمينتين:

أولاً: تقود المؤمن للتخلي عن أية ثقة في ذاته، ليكون «لنا في أنفسنا حُكم الموت، لكي لا نكون مُتكلين على أنفسنا بل على الله الذي يقيم الأموات » (2كو 9:1).
ثانياً: تتيح له الفرصة أن يدخل إلى أعماق عواطف الرب.  فالآلام الكثيرة تنتج كثرة من التعزيات «لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضاً» (2كو 5:1).  والتعزية هي دائماً شخصية، لكنها تُمكن المؤمن الذي يختبرها من الدخول بدوره في آلام الآخرين ويُصبح واسطة لتعزية المتألمين إذ يُحوِّل عيونهم إلى «إله وأبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى بها من الله» (2كو 3:1،4).

  • وفيما يتعلق بالمستقبل، مبارك إلى الأبد «إله وأبو ربنا يسوع المسيح ذاك الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي، بقيامة يسوع المسيح من الأموات» (1بط 3:1).  فرجاؤنا المسيحي لا يتعلق بالأمور الحاضرة الأرضية التي تحيط بنا والتي ستنتهي وتزول في النهاية، ولكن رجاؤنا يتعلق بحياة جديدة ودائرة أخرى جديدة؛ يتعلق بأشياء سماوية، وإلى هذه الدائرة الحية قد جئ بنا وذلك «بقيامة يسوع المسيح من الأموات».  فرجاؤنا سماويٌ، وميراثٌ سماويٌ محصنٌ لم يعد له أي دخل بالامتيازات الأرضية القابلة للفناء والدنس والاضمحلال، بل ميراثاً سماوياً محصناً، لا يمكن أن يفنى أو يتدنس أو يضمحل.  زد على ذلك أنه لا يمكن أن يُفقد، فهو محفوظ من الله في السماوات لأجلنا.  وما دام هذا الميراث محفوظاً لي فأنا بطبيعة الحال محروس لامتلاكه في الوقت المعين (1بط 3:1-5).

كل شيء إذن مؤكد للمؤمن، ميراثه محفوظ وهو نفسه محروس للخلاص النهائي العتيد أن يُستعلن في الزمان الأخير، فإن قوة الله تحرسنا لتلك اللحظة؛ لحظة الاستعلان.  والخلاص على أهبة الاستعلان -مستعد أن يستعلن- لأنه حالما يظهر الزمان الأخير سيستعلن هذا الخلاص الذي هو الإنقاذ الكامل النهائي مع كل نتائج عمل المسيح الأبدية المجيدة.  «الذي به تبتهجون» (1بط 6:1)، وكيف لا نبتهج ونمتلئ بالفرح إذ نتفكر في هذا الخلاص –هذا الإنقاذ العتيد- الذي يتلخص في كلمة واحدة: المجد؟!  ويا لها من مادة عظيمة للشكر والسجود .. نعم لك السجود والبركة يا إلهنا.

أيها الأحباء ..
لقد فتحت أمامنا قيامة المسيح الطريق إلى ميراثنا السماوي المجيد الذي هو خارج نطاق قوة الموت (1بط 3:1،4)، لكن على رأس تلك الخيرات والبركات، لنا المسيح المُقام من الأموات نفسه، إنسان يعد الطريق لمفدييه لكي يقاسموه المجد الذي أعطاه له الآب.  وهو أبداً «يذهب أمامنا» ونحن من خلفه وفي أثر خطواته، وها نحن منذ الآن نتطلع حيث سيدنا، إلى أن يأتي إلينا ليأخذنا إليه.

فاقبل أبانا حمدنا
واملأ به قلوبنا
  سجودنا في اسم الحبيب
حتى يجيء عن قريب

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com