عدد رقم 4 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يعقوب في خلاء مستوحش خرب   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

رأينا في المرة السابقة يعقوب في الطريق إلى آرام حيث صادف مكاناً وبات هناك.  وبينما كان يسند رأسه على حجر، رأى حلماً، وإذا سُلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء.  وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها، وهوذا الرب واقف عليها.  فقال أنا إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق.

لقد تقابل الرب معه بنعمة سامية، وبدأ حديثه معه بالقول: «أنا الرب».  ولأنه هو الرب «يهوه» فهو لا يتغير ولا يغيّر ما خرج من شفتيه.  إنه ملتزم بكل ما وعد به إبراهيم وإسحاق.  وقد أكد ليعقوب ذات المواعيد غير المشروطة الخاصة بالميراث والنسل.  فقال له: «الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك.  ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض».  مشيراً إلى أن من نسله سيأتي المسيح مستودع البركة لجميع قبائل الأرض.

ونلاحظ الصفة الرمزية في يعقوب أنه يمثل الشعب الأرضي.  ولهذا فإن الرب أخبره أن نسله سيكون «كتراب الأرض».  ولم يقل «كنجوم السماء» مثلما قال لإسحاق الذي يمثل المؤمنين السماويين.  ولا قال «كرمل البحر» الذي يشير إلى الأمم الذين سيتمتعون بالبركة الألفية مع إسرائيل.

كذلك فإن نقطة ارتكاز السلم كانت هي الأرض.  ويعقوب يرى السلم والملائكة يصعدون عليها والرب واقف عليها، لكنه لا يستطيع أن يصعد درجة واحدة من درجات السلم.  فهو أرضي وبركاته أرضية (يمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً).  أما نحن فمقامنا في المسيح في السماويات، وبركاتنا روحية في السماويات.  والرسول في أفسس يصف الدوائر المجيدة التي علينا أن ندركها بالقول: «ما هو العرض والطول العمق والعلو» (أف 18:3).  إن امتيازات الكنيسة تفوق بلا حدود بركات الشعب الأرضي (إسرائيل).  «ومجد الأرضيات شيء ومجد السماويات آخر».

وبعد أن تكلم الرب مع يعقوب عن الميراث والنسل، كلّمه عن مواعيد تخصه شخصياً قائلاً: «وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به».

ويا لها من كلمات مشجعة ومعزية تضمن المعية والرفقة لمن كان يشعر أنه وحيد في الصحراء يشق طريقه في الحياة بمفرده.  وتضمن الحفظ والعناية والسلامة وسط المخاطر المحيطة في وحشة الليل وفي برية الهول.

ويا لها من نعمة سامية بغير حدود لهذا المخادع والماكر والذي عاش متكلاً على الجسد ومستقلاً عن الرب.  ورغم كل ما فيه من فشل واعوجاج إلا أن الرب في صلاحه يؤكد له أنه لن يُحرَم يوماً من معية الرب وعنايته الحافظة.

لقد كان ذاهباً في طريق خطأ، فرضته الظروف بسبب خطأه الشخصي، وما فعله في بيت أبيه.  وكان هارباً من غضب عيسو أخيه.  لكن الله في أمانته، وهو الذي «أحب يعقوب» (ملا 1)، كان ملتزماً أن يحفظه ويرعاه ويطعمه ويسد كل أعوازه في حاضره ومستقبله.  فهو مسئول عنه ولن يتركه حتى يفعل كل ما كلمه به.  فهو الذي وعد قائلاً: «لا أهملك ولا أتركك».  إنه يقول ويفعل، يتكلم ويفي. 

ونحن أيضاً شركاء الغربة والسياحة، لنا مواعيد النعمة المشجعة، بل لنا ذات إله كل نعمة الذي قال: «تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كو 9:12).

«فاستيقظ يعقوب من نومه وقال: حقاً إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم! وخاف وقال: ما أرهب هذا المكان!».

كان التأثير المبارك لهذا الحلم وما رآه وسمعه، هو الشعور بحضور الرب.  وهذا ملأ قلبه بالخوف المقدس.  «الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم».  لقد فوجئ بهذه الحقيقة ولم يكن يتوقعها.  وعلى كل مؤمن أن يعي هذا الدرس جيداً، ويلازمه الشعور بأنه في محضر الله.  إنها حالة قلب وليست مجرد مكان محدد، حيث يستطيع الشخص أن يقول: "الرب في هذا المكان وأنا أعلم".

هل نعيش أمام الرب ونشعر بحضوره معنا في كل مكان وأنه يرانا ويسمعنا؟ هل نستطيع أن نقول مع مَنْ قال: «جعلت الرب أمامي في كل حين»؟ (مز 8:16). 

إن هذا الشعور بحضور الرب وقداسته جعل يعقوب يشعر بالرهبة وأن حالته لا تتناسب مع قداسة الله الذي تكلم معه.  وذات الشيء حدث في تكوين 35 عندما كان في شكيم، وقال له الله: «قم اصعد إلى بيت إيل وأقم هناك».  في الحال تذكر رهبة المكان بعد حوالي 30 سنة.  وأن ببيت إيل تليق القداسة. 

وفي تكوين 39 كان يوسف وهو في بيت فوطيفار يشعر أن «الرب في هذا المكان».  لهذا قال: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟».

وموسى أمام الرب الذي ظهر له من العليقة خاف أن يقترب (خر 3).  ويشوع خشع أمام رئيس جند الرب وأمام قداسته (يش 5).  وإيليا وأليشع وقفا أمام الرب وفي الشعور الواعي بحضوره (1مل 17،18،19؛ 2مل 3).  وإشعياء في حضرة ذلك القدوس الذي لا تستطيع الملائكة أن تراه، والتي تتغنّى بقداسته، شعر بنجاسة شفتيه (إش 6)، وغيرهم الكثير ممن وقفوا في محضر الرب يشعرون برهبة هذا المحضر المقدس.  وهذا ما نحتاج أن نتعلمه وأن نقدر خطورة التعامل مع إله قدوس.

ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء

وعلى الرغم من أن يعقوب سمع كلاماً جميلاً عن النعمة والمواعيد الثمينة الغير مشروطة، ولم يسمع كلمة واحدة عن الخطية ونتائجها وعن الزرع والحصاد، إلا أنه استيقظ وهو يرتعد من قداسة الشخص الذي تكلم معه.  ويا له من مزيج رائع من النعمة والقداسة، المحبة والنور.  وهذا المزيج نراه في مواضع كثيرة على سبيل المثال: في قضاة 6 «رأى جدعون أنه ملاك الرب، فقال جدعون: آه يا سيدي الرب! لأني قد رأيت ملاك الرب وجهاً لوجه.  فقال له الرب: السلام لك.  لا تخف.  لا تموت».  إن أساس السلام هو أن النار أكلت الذبيحة.  القداسة أشعرته بحالته وأنه يستحق الموت، والنعمة دبرت الذبيحة وملأت قلبه بالسلام.

وفي إشعياء 6 إذ دخل قدسه ورأى عرشه وطهارة هذا العرش، فقد أدرك نجاسته وعدم صلاحيته.  لكن النعمة دبرت العلاج بواسطة الجمرة التي أُخذت من على المذبح ومسّت شفتيه.

وفي لوقا 5 عندما أدرك بطرس أنه في حضرة ذلك الشخص المجيد والقدوس بعد معجزة صيد السمك الكثير، شعر أنه خاطئ.  ولكنه في ذات الوقت شعر بنعمة ذلك الشخص الذي رضي أن يستعمل سفينته، فانجذب إليه.  وهكذا ظهر هذا المزيج عندما خرّ عند ركبتي يسوع، متعلقاً به، وقال له: «اخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ».

وفي لوقا 7 اكتشفت المرأة الخاطئة، التي جاءت إلى الرب في بيت الفريسي، أنها في حضرة ذلك القدوس فشعرت ببشاعة خطاياها.  لذلك بكت بمرارة.  ولكنها شعرت أيضاً بنعمته وحلاوته وأنه يحب الخطاة ويقبل التائبين فانجذبت إليه وتعلقت به ولم تكف عن تقبيل قدميه.

خاف يعقوب وقال: «ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء».   ونلاحظ أن هذه هي الإشارة الأولى لبيت الله في الكتاب المقدس.  وكان ذلك بالارتباط بالحلم.  لكن بيت الله لم يكن قد تأسس.  أي لم يكن لله بيت على الأرض في كل سفر التكوين، ولا كان يمكن أن الله يسكن مع الإنسان إلا بعد الفداء.  وهذا ما نراه في سفر الخروج بعد الفداء وفي أول ترنيمة لشعب الرب في عبارة: «هذا إلهي فأمجده (أي فاًصنع له مسكناً)» (خر 15).

وما هي الفكرة الرئيسية في بيت الله؟

 إن البيت يتكلم عن:

  1. الراحة. راحة الله وسط شعبه.
  2. السلطان.  إنه يمارس سلطانه في بيته.
  3. مركز الشهادة.  فالخيمة في العهد القديم التي كانت مسكن الله الرمزي كانت تسمى «خيمة الشهادة».
  4. المكان الذي تُستَعرَض فيه أمجاد الابن الوحيد.  «في هيكله الكل قائل مجد» (مز 29).
  5. بيت الصلاة يُدعى.
  6. هو المكان الذي تقدم فيه الذبائح والله يقبلها بسرور.
  7. ببيتك تليق القداسة يا رب إلى مدى الأيام.

في العهد القديم كان بيت الله أو مسكن الله هو الخيمة (خر 25-40)، أو الهيكل الذي بناه سليمان في جبل المُريَّا. 

أما في العهد الجديد فإن الكنيسة هي بيت الله على الأرض «وبيته نحن» (عب 6:3).  «مبنيين .. هيكلاً مقدساً في الرب .. مسكناً لله في الروح» (أف 20:2-22).  «مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً ..» (1بط 5:2).

 (يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com