عدد رقم 1 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
النسر   من سلسلة: من طيور الكتاب المقدس

هل تعلم:

أن النسر هو أحد الطيور الكاسرة (مت24: 28)، واسمه في العبرية شبيه به في العربية، وقد سُمي بالنسر لأنه "ينسر" ( أي يمزق ) لحم فريسته.  وهو أكبر الجوارح حجماً إذ يبلغ طوله نحو أربعة أقدام، والمسافة بين طرفي جناحيه المبسوطين نحو ثلاثة أمتار، وله منقار قوي معقوف مدبب ذو جوانب مزودة بقواطع حادة، وله قائمتان عاريتان، ومخالب قصيرة ضعيفة نوعاً، والإصبع الأوسط يساوى باقي الأصابع في الطول على خلاف باقي الجوارح التي تستخدمه في القبض على فرائسها.  وللنسر جناحان كبيران قويان، كما أنه حاد البصر (أي39: 29)، وصياحه أشبه بالهدير. وهو يتغذى على الجيف، ولذلك كان يعتبر في الشريعة من الطيور النجسة التي لا يجوز أكلها (لا11: 13؛ تث14: 12).  والنسر مثله مثل سائر الطيور آكلة الجيف (أم 30 : 17)، يكاد يكون عاري الرقبة من الريش (ميخا 1 : 16)، ويبدو أن ذلك لمنع تجلط دم الفريسة حول الريش، عندما يدفع النسر رأسه في أحشاء الفريسة.

 وهو لا يهاجم الحيوانات إلا مضطراً، ويستوطن المناطق الحارة والمعتدلة.  والنسور قليلة الإنتاج، فالأنثى تضع بيضة أو بيضتين فقط كل سنة.  وتضع أعشاشها في أعالي الصخور  (أي 39: 27، 28؛ إر49: 16؛ عو4).  والنسر شديد العناية بصغاره وبخاصة في الأسابيع السبعة الأولى من عمرها حين يعلِّمها الطيران (تث32: 11).  وكثيراً ما يستدفئ على قمة الصخور في شمس النهار.  وهو يستطيع الطيران بسرعة، وبخاصة عند الانقضاض على فريسة (تث28: 49؛ أي9: 26).  كما أنه يستطيع أن يحلق عالياً في الجو، حتى يكاد يختفي عن الأنظار (أم23: 5، 30: 19؛ إش40: 31). 

ويوجد في فلسطين نوعان من النسور: الأول هو "النسر الملكي " والثاني "النسر الذهبي"، ويستطيع النسر الذهبي أن يطير مسافة خمسة أو ستة كيلومترات في عشر دقائق، ولعله من هنا جاء التشبيه في رثاء داود لشاول ويوناثان: « شاول ويوناثان… أخف من النسور وأشد من الأسود» (2صم1: 23 - انظر أيضاً إر4: 13؛ مرا4: 19).
 وهو يُعتبر،  لكبر حجمه، إذ هو أكبر الجوارح حجماً، وقوته (إش40: 31)، وسرعته (تث28: 49)، وطول عمره (مز103: 5)، ملك الطيور.

ولنا في صفات وطبائع النسر بعض الدروس الروحية العملية:

1- يُعلي وكره ...  السمو والرفعة (أي39: 27):
إن كنا رأينا العصفور، في مقال سابق،  يبني عشه في أماكن متنوعة منها العالي ومنها أيضاً المنخفض، إلا أن النسر لا يبني وكره سوى في الأماكن الشاهقة الارتفاع كما ذكرنا في فاتحة المقال.

إنه لا يستمرئ سوى الأماكن العالية .. إنه يعشق جو السماء .. جو الأعالي، وهكذا يتكلم عنه الحكيم «كالنسر يطير نحو السماء» (أم23: 5 - انظر أيضاً أم30: 19).

وما أجملها صفة، وما أحرانا أن نتشبه به في ذلك، فلا نستهوي سوى كل ما هو عالٍ ومرتفع، حيث النقاء والصفاء .. الطهارة والقداسة.

أليس هذا هو عين ما يشير إليه الرسول بولس في قوله: «فإن سيرتنا (وطننا بحسب الترجمة التفسيرية) نحن هي في السماوات، التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع» (في3: 20).  هكذا ينبغي أن نكون وهكذا ينبغي أن نعيش ونتفكر.
إن حياتنا السماوية السامية هي النتيجة الطبيعية لأناس تمتعوا بالولادة الثانية وصاروا شركاء الطبيعة الإلهية، وحصلوا على حياة القيامة. لذلك يقول الرسول بولس: «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كو3: 1، 2).

إن العالم لن يتصاغر أمامنا سوى عندما نكون مرتفعين، كما أن المسيح لا يظهر بجماله وبهائه سوى عندما يتصاغر كل شيء عَداه.

وهذا ما اختبره بطرس ويعقوب ويوحنا، عندما صعد بهم الرب إلى جبلٍ عالٍ، وهناك، حيث لم يكن بمقدورهم أن يبصروا شيئاً على الأرض، رأوا الرب وقد «تغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور» (مت17: 1 ،2).

دعونا نحلق في جو السماويات متشبهين بذلك السماوي العجيب، فينطبق علينا القول: «كما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً» (1كو15: 48).

2- تبصره عيناه من بعيد  ... البصيرة والتمييز (أي39: 29):

كيف للنسر وهو يسكن الأعالي أن يبصر ما حوله ويتحققه؟ كيف له أن يرى الأشياء وهو في هذا الارتفاع الشاهق؟ لقد حباه الله الخالق العظيم قوة البصر، حتى أنه باستطاعته أن يرى من بعد ويميز ويحدد ما يراه! (أي39: 29).

إنها نعمة عظيمة منحها الله للنسر، ولكن ألم يمنحنا الله الجواد بما هو أعظم وأسمى من مجرد  البصيرة الطبيعية؟! لقد صار لنا أن نبصر الأمور بذات رؤية الله لها.  لقد كشف الله عن عيوننا وأزال كل غشاوة من عليها، حتى أننا نرى الأمور التي لا تُرى، بل نرى مَنْ لا يُرى.

لقد كنا سابقاً ونحن عبيد للخطية في عمى روحي.  ليس عمى العين الطبيعية، بل عمى الذهن (2كو4:4).  ولكن كم نشكر الله الذي فتح بصيرتنا وأنار ذهننا وهكذا صارت أذهاننا مستنيرة، «مستنيرة عيون أذهانكم» (أف1: 18).  ولكن ألسنا نحتاج أن نتحذّر حتى لا نفقد هذه الميزة المجيدة .. ألا وهي الحس والتمييز الروحي؟!

لقد ثقلت عينا يعقوب من الشيخوخة، ولكن بصيرته الروحية كانت قوية وحساسة، حتى أنه عندما بارك ابني يوسف أدرك أن البركة للصغير وليست للكبير. ويوضح الكتاب أنه وضع يديه «بفطنة» (تك48: 8-16). الأمر الذي أخفق فيه أبوه إسحق، فلقد كلَّت عيناه عن النظر، كما كلت أيضاً بصيرته الروحية، فرغم علمه أن البركة للصغير؛ كما سبق وأوضح الرب ذلك لزوجته رفقة، «كبير يُستعبد لصغير» (تك25: 23). كاد يبارك عيسو الكبير بدلاً من يعقوب الصغير (تك27).

ليتنا نحترص كثيراً في حياتنا حتى تتم فينا طلبة الرسول بولس لمؤمني فيلبي «حتى تميزوا الأمور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح» (في1: 10).  وليت لنا بُعد النظر الروحي؛ مثل الآباء قديماً الذين «من بعيد نظروها (المدينة التي لها الأساسات) وصدَّقوها وحيُّوها، وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض» (عب11: 13)، ومثل موسى الذي رفض التمتع الوقتي بالخطية وفضَّل أن يُذل مع شعب الرب، لأنه كان ينظر إلى المجازاة، مع أنها كانت بعيدة (عب11: 25، 26).

(يتبع)  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com