عدد رقم 1 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أولاً: رموز قيامة المسيح في العهد القديم   من سلسلة: قيامة المسيح

«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)

7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي[9]

 نبوة اليوم الثالث في سفر يشوع

والحالة الأدبية التي يجب أن يكون عليها شعب الرب في حربهم الروحية
(يش 11:1، 16:2، 22، 2:3)


3- الثلاثة الأيام والتأمل في محبة المسيح الفدائية المضحية (يش 1:3-4).

في الأصحاح الثالث من سفر يشوع نجد أنه كان يجب أن تمر ثلاثة أيام قبل أن يعبر الشعب الأردن ويدخلوا ليمتلكوا الأرض التي يعطيهم الرب إلههم ليمتلكوها (يش 1:3-4).  وقد تُرك الشعب هذه الأيام الثلاثة ليتأمل في الأردن واتساعه وامتلائه بالمياه إلى جميع شطوطه (يش 15:2)، ليتأكد من عجزه المطلق عن عبوره بدون معونة الرب، وليتأكد أنه ليس هنالك أقل رجاء في إمكان تخطي هذا الحاجز المائي بالقدرة الشخصية أو الحكمة الإنسانية، كما أنه لا يوجد أقل رجاء في صد النهر في فيضانه وفي هدير مياهه وشدة انحداره وفي كبريائه؛ «كبرياء الأردن» (إر 5:12؛ 19:49؛ 44:50).  وهكذا أصبح الشعب مؤهلاً أن يحول النظر عن المياه الجارفة لكي يثبت نظره على التابوت «تابوت عهد الرب إلهكم»، الأمر الذي يشير إلى تأهيلنا للتأمل في المسيح والتحرك من مكاننا لنسير وراءه.
والأردن هو الحد الشرقي لأرض الموعد.  والاسم العبري للأردن هو "ياردن" ومعناه "المنحدر" أو "المتدفق جنوباً".  وهو النهر الوحيد في العالم الذي يجري في انخفاض عن سطح البحر في الجزء الأكبر من مجراه.  وهو يصب في البحر الميت الذي هو أعمق منخفض في كل قارات العالم إذ ينخفض سطحه نحو 1300 قدم عن مستوى البحر المتوسط.  و «البحر الميت» يُعرَف بهذا الاسم لأن فيه تموت جميع الأحياء نظراً لشدة ملوحته إذ هي ثمانية أضعاف ما في البحار الأخرى، لذلك يُسمى أيضاً «بحر الملح» (تث 17:3).

ونهر الأردن هو رمز للموت الأول.  والبحر الميت هو بحيرة مغلقة ترمز لبحيرة النار والكبريت.  والإنسان الطبيعي ينحدر سريعاً إلى بحر الدينونة؛ «فقد وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» (عب 27:9).  وهذا هو مصير الإنسان الطبيعي بدون المسيح (رؤ 13:20-15).

وكان من اللائق أن تمر ثلاثة أيام قبل أن يعبر الشعب نهر الأردن (الذي يرمز إلى الموت) إلى أرض القيامة.  والتابوت في عبور الأردن كان يشير إلى شخص الرب يسوع الذي تقدم وحده للموت على الصليب نيابة عن المفديين، ودخل وحده إلى مياه الموت العميقة ليشق طريقاً لشعبه.

وفي وقت العبور كان الأردن ممتلئاً إلى جميع شطوطه، فقد كان ذلك في ربيع السنة حين كان النهر فائضاً.  ففي ذلك الوقت تذوب الثلوج على الجبال التي منها يبدأ النهر.  وقد اختار الرب هذا الوقت لعبور الأردن ليُظهر قوته إذ أنه في هذا الوقت يكون النهر في أكبر عرض له وممتلئ إلى جميع شطوطه (يش 15:3).

والمقصود بالوصف «ممتلئ إلى جميع شطوطه» هو أن نهر الأردن عندما كان يفيض وقت ذوبان الجليد (وقت عيد الفصح والحصاد) كان يأتي بالطمي على شطوط النهر.  وبالتالي كان هناك عقبتان أمام الشعب؛ الوحل على الشطوط، والمياه الجارفة في مجرى النهر.  والوحل يشير إلى قوة إبليس في الموت، في حين أن المياه الجارفة المنحدرة تشير إلى الموت نفسه.

وفي المزمور الأربعون - أحد المزامير المسياوية - نقرأ هذه الأقوال التي تعبِّر عن اختبار المسيح عندما رُفع فوق الصليب «انتظاراً انتظرت الرب، فمال إليَّ وسمع صراخي، وأصعدني من جب الهلاك (إشارة إلى القبر والموت)، من طين الحمأة (حيث قوة إبليس)، وأقام على صخرة رجليَّ.  ثبّت خطواتي (القيامة)» (مز 1:40، 2).  كما نرى في عبرانيين 14:2 انتصار المسيح على قوة إبليس في الموت «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس».  وهذا أيضاً يتطابق مع ما جاء في رسالة كولوسي 15:2 «إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً، ظافراً بهم فيه (في الصليب)».  ومن ذلك نرى أن المسيح - تبارك اسمه - المُشار إليه بالتابوت، قد يبَّس الوحل الذي على الشطوط منتصراً على قوة إبليس في الموت ويبَّس مجرى النهر نفسه منتصراً على الموت نفسه.

لقد ظهرت في هذه المعجزة - معجزة عبور الأردن - قوة الرب التي استطاعت أن تنتصر على قوة الموت (الأردن الممتلئ إلى جميع شطوطه).  ولقد بقي التابوت في وسط الأردن حتى عبر الشعب كله (يش 17:3).  وكانت الطريق يابسة وخالية من أية قطرة ماء من المياه الداكنة المليئة بالأوحال، وفي ذلك إشارة إلى أن قوة الموت قد زالت تماماً ولم يبق لها أثر.  وكان العمل كاملاً بالنسبة لجميع الشعب فلم يتخلف واحد؛ حتى الضعيف والصغير قد عبرا.  ويا له من ضمان عجيب لأمان الشعب!!

وما تمَّ مع الشعب قديماً تمَّ لأجلنا بعمل أعظم من ذلك حين تقدم الرب يسوع وحيداً إلى موت الصليب ليحتمل دينونة الله ولعنة الناموس بدلاً منا، ليفتح الطريق أمام خاصته ويقتادهم بموته إلى حياة القيامة والمجد.  نعم، إن الشخص المجيد العظيم المرموز إليه بالتابوت قد اجتاز الأردن قبلنا ليوقف تياره ويجعله طريقاً معبداً لنا لكي نجتازه بسهولة إلى ميراثنا السماوي.  إن رئيس الحياة قد انتصر لحسابنا على ذاك الذي له سلطان الموت، وقد انتزع الشوكة من الموت فأبطل قوته تماماً.  لقد اجتاز عجيج تيارات الموت المظلم ليجعل راحتنا مضمونة، وليس ليجعلها مضمونة فقط، ولكن لكي يقودنا إليها الآن بالاتحاد معه في الروح وبالإيمان، وعما قريب بالعيان.

وما كان ممكناً لأي شخص أن يعبر ذلك الطريق - طريق الموت - إلا بعد أن سار المسيح، له المجد، فيه.  لقد قال له بطرس إنه مستعد أن يذهب معه حتى الموت، لكن الرب قال له: «حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً» (يو 36:13).  لقد كان عليه - تبارك اسمه - أن يجفف مجرى الموت القوي والذي فيه تجلّت دينونة الله العادلة.  لقد دخلت مياه الدينونة إلى نفسه وطمت على رأسه، وكان لسان حاله: «غمرٌ يُنادي غمراً عند صوت ميازيبك.  كل تياراتك ولججك طمت عليَّ» (مز 7:42).  لقد احتمل له المجد كل الدينونة والغضب.  وكان قاع الأردن الجاف (نهر الموت) الذي عبره الشعب وأرجلهم لم تبتل رمزاً لهذه الحقيقة المؤكدة: «هلمَّ انظروا أعمال الله.  فعلهُ المُرهب نحو بني آدم! حوَّل البحر إلى يبسٍ، وفي النهر عَبَروا بالرِّجل.  هناك فرحنا به» (مز 5:66، 6).

فدعونا نتأمل - أيها الأحباء - ماذا يعني أن رئيس الحياة «سكب للموت نفسه» (إش 12:53).  عجَّت عليه كل أمواجه بكل قوتها الرهيبة، اكتنفته مياهٌ إلى النفس، أحاط به غمر، التف عشب البحر برأسه (يون 5:2) .. يا له من مخلص كريم!! والموت لا يستطيع أن يبتلعنا لأن المسيح أخذ مكاننا هناك.  لقد أخذ الموت وأعطانا الحياة والخلاص والسعادة.  مياه كثيرة لم تستطع أن تطفئ محبته والسيول لم تغمرها.  «قوية كالموت» المحبة التي أدخلته إلى هناك لكي تخلصنا نحن (نش 6:8، 7).

وقد ترتب على عبور الأردن دخول الشعب إلى أرض كنعان، حيث كان العدو موجوداً بقواته المنظمة ممثلاً في السبعة الممالك التي تسكن أرض كنعان.  وشعب الرب قد يتعجب كيف يمكن لكل سكان كنعان أن يُطردوا من أمامه؟!! ولكن يبطل تعجبهم وينقطع الشك منهم عندما يلمحون التابوت في وسط الأردن.  «ثم قال يشوع: بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم، وطرداً يطرد من أمامكم الكنعانيين والحثيين والحوِّيين والفرزيين والجرجاشيين والأموريين واليبوسيين.  هوذا تابوت عهد سيد كل الأرض عابر أمامكم في الأردن» (يش 10:3، 11 قارن من فضلك تك 7:15-9).

وعندما رأى شعب الرب التابوت في وسط الأردن وثقوا بأن كل شيء قد أصبح في حيازتهم، وما كان عليهم إلا أن يضعوا أقدامهم على أرض الميراث ويمتلكوا، لأن الذي استطاع أن يجعل مياه الأردن المنحدرة من فوق تنفلق وتقف نداً واحداً، يستطيع طرد أعدائهم من أمامهم.  والقوة التي استطاعت أن توقف تيارات الموت المظلم تستطيع أن تجرف كل عدو من أمامهم وتضعهم في حالة الأمن عند حيازتهم لكل ما كان الله قد وعدهم به.

وهكذا بالنسبة لنا - أيها الأحباء - فإن كنعان تشير إلى السماويات، التي هي مناخ القديسين وهم على الأرض، ودائرة تمتعهم بالبركات الروحية السماوية، واستمتاعهم بحياة القيامة مع المسيح والتغذِّي بشخصه المُمجَّد في الأعالي.  وإن كنا لم نزل بعد في الأجساد، وعلى الأرض، ولم نصل بعد إلى السماء، لكننا بالروح نتحقق اتحادنا مع المسيح ومقامنا فيه، وأننا قد أُجلسنا معاً في السماويات.  ورغم أننا لم نزل نجاهد الآن هنا في حرب روحية، وأمامنا أعداء روحيون، هم أجناد الشر الروحية في السماويات (المرموز إليهم بشعوب كنعان السبعة)، لكننا لا نحارب لكي ننتصر، بل نحارب من موقع النصرة، ذلك لأننا في المسيح غالبون، وبه يعظم انتصارنا (أف 10:6-12؛  رو 37:8).

وكما كان عبور التابوت لمياه نهر الأردن العجاجة هو العلامة المعينة من الرب للشعب أنه طرداً يطرد من أمامهم سكان كنعان (يش 10:3، 11)، هكذا بالنسبة لنا فإن موت وقيامة المسيح هو أساس وضمان كل شيء للإيمان.  لقد نزل المسيح إلى الموت لأجلنا وبذلك أصبح كل شيء مضموناً لنا.  فالله معنا والله لنا «الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء؟» (رو 32:8).  إذاً كل شيء مضمون لنا بموت المسيح الثمين.  المسيح الذي فتح الأبواب الدهرية لمحبة الله حتى جعل مجاري هذه النعمة الغنية تفيض إلى أعماق نفوسنا لتملأنا باليقين بأن الذي استطاع أن يسحق ابنه الوحيد على خشبة اللعنة لا بد وأن يسدد كل حاجاتنا ويحملنا في كل صعوباتنا ويقودنا إلى الحصول والتمتع بكل ما ذخرته لنا مقاصد نعمته الأبدية.

أيها الأحباء .. إن المسيح - يشوع الحقيقي - قد عبر بشعبه الأردن.  ولم يعبره فقط، بل حوّله إلى طريق يمكن لجيش المفديين أن يجتازوا فوق أرضه الناشفة إلى كنعان السماوية.  وليس للمسيحي أن يقف مرتعداً على شاطئ نهر الموت كمن هو في شك من جهة مصيره الأبدي، لأن نهر الموت قد تجفف وشدته قد اضمحلت.  فربنا المجيد قد أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.  وإذا دُعينا لاجتياز المياه العجّاجة الطامية لا يجب أن نخاف لأن الرب يسير أمامنا ويمهد سبيلاً لأرجلنا (إش 2:43) وليعطنا الرب نعمة أن تنفتح أعيننا على حياة القيامة التي لنا فتكون لنا النصرة الدائمة على أجناد الشر الروحية في السماويات.

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com