عدد رقم 5 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
اعتذارات موسى  

من دواعي افتخار كل خدام الله في كل العصور هو انتخابهم ودعوتهم من قبل الرب لكي يخدموه.  وقبولهم تكليف الرب لهم بفرح مهما كانت مشقات الطريق أو نتائج الخدمة فكل افتخارهم أنهم يخدمون السيد العظيم.  إلا أننا نقف بحيرة من جهة رجلٍ دُعيَ لإرسالية عظمى مع أن الدعوة كانت واضحة ومباشرة من الإله الأزلي، «أهيه الذي أهيه» الإله الأعظم.  وعلى خلاف ما حدث من أحد رجال الله في العهد القديم الذي لمجرد سماع صوت السيد قائلاً «مَنْ أرسل؟ ومَن يذهب من أجلنا؟» أجاب إشعياء على الفور: «هأنذا أرسلني» (إش 8:6).

وعلى مثال إشعياء نجد كل رجال الله في كل العصور على استعداد تام للقيام بعمل الله من منطلق الشعور الصادق بشرف انتسابهم وارتباطهم بالله ذاته إذ هم يحملون اسمه وكلمته، فقد وجدوا في هذا إكليل افتخارهم.  على أننا بصدد رجلٍ قدَّم لله ثلاثة اعتذارات عن القيام بالخدمة التي دعي إليها والتي كُلّف بها.

فعندما قال له الرب «والآن هلم فأرسلك إلى فرعون، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر» (خر 10:3) قال موسى لله «مَنْ أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أُخرج شعبي بني إسرائيل من مصر؟».  هذا هو الاعتذار الأول الذي قدمه موسى لله.

والآن نجد أنفسنا في حوار مع موسى لنفهم منه لماذا هذه الاعتذارات، فتعالوا بنا نسأله:

  • "لماذا يا موسى تستعفي من القيام بهذه الخدمة العظيمة وأنت الذي في يوم سابق منذ نحو أربعين سنة خطر على بالك أن تفتقد إخوتك؟ ألم تكن في ذلك اليوم على استعداد تام للعمل؟ (أع 23:7، 25) فأين الآن عواطفك من نحو شعب الله؟ وأين شجاعتك؟ وأين قوتك أين ساعدي الإيمان؟ ألست أنت هو بعينه رجل الأمس؟ فلماذا اليوم تستعفي وتقول لله «مَنْ أنا»؟".
  • يجيب موسى: "إن كنت أنا أستعفي اليوم فلأنكم لا تعرفون الآثار التي تتركها أربعون سنة تُقضّى في الصحراء دون أن أقوم بخدمة واحدة لله ولشعبه".
  • لكن هل تعرف يا موسى أنه خلال كل هذه السنوات كانت عينا الله عليك وكنت تحت إشرافه وملاحظته الدقيقة، هذا من الناحية الخارجية، أما الحقيقة المذهلة فإن الله خلال هذه السنوات كان يعمل فيك على الرغم من عدم رؤيتك لهذا العمل أو إحساسك العميق به؟  إلا أن الله يعمل فيك ليترك بصماته في كيانك الداخلي قبل أن يُظهر قوته السرمدية من خلالك.
  • يعود موسى ليسأل: "وإلى أي نقطة كان الله يريدني أن أصل إليها؟"
  •  هي ذات النقطة التي انتهيت أنت إليها وتفوهت بها: «مَنْ أنا؟»
  • يعود موسى يسأل: ماذا تقصد ؟ أتقصد أن الله كان يريد أن يعمق فيَّ الشعور الصادق أنني بكلياتي وجزئياتي لا شيء في عيني نفسي؟
  • نعم لقد أصبت يا موسى.
  • موسى: آه، لقد كنت أظن يومها كما هو حال الكثيرين اليوم أن الخدمة وعمل الله من الأمور اليسيرة والتي يمكن أن أقوم بها وقتما شئت وكيفما شئت، فإنني أملك من الامتيازات البشرية الكثير فلا ينقصني الإقدام أو الزعامة وأستطيع توليد الحماس في نفسي وفي الآخرين بقوتي الذاتية، لقد تهذّبت بكل حكمة المصريين.  كما أن شهاداتي تشهد بكفاءتي في مجال العلوم اللاهوتية، ألا يكفي هذا ليشكل أوراق اعتمادي لدى الله لأكون خادماً له؟ كما أنني أتعامل مع الكتاب المقدس بمرونة شديدة بحيث أستطيع أن آخذ منه ما يواكب العصر والمنطق وأن ما لا يخص عصرنا فلا يصلح إلا لأجدادنا .... 
  • ثم ماذا يا موسى؟
  •  آه، لقد أدركت اليوم أن الله خلال هذه السنوات كان يقوم بترسيخ هذه الحقيقة في أعماق نفسي: أنني بدون الدعوة وبدون الموهبة، أيضاً بدون التأهيل والتأييد الإلهي وبدون الاتضاع الصادق، لا أقدر أن أعمل شيئاً لمجد الله أو لشعب الله.  وخلاف ذلك فأنا أعمل لحساب ...

 لكن ماذا كان جواب النعمة لموسى؟ لقد أجاب الله: أنت تقول يا موسى «مَنْ أنا» وهذا صحيح ولكني: «أنا أكون معك».

يا لها من إجابة من أهيه ذلك الشخص الكافي، إنها إجابة تطوِّح باعتذار موسى بعيداً أو قل إنها تتجاهله، أو قل بالحري هذا ما أراد الله أن يسمعه من عبده موسى «مَنْ أنا؟».

وهذا عين ما أدركه الرسول العظيم بولس وكل من يدعى لخدمة المسيح «ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا، بل كفايتنا من الله» (2كو 5:3).

إنه ملء الشعور الصادق المتضع بعدم نفعي وأهليتي لأصغر الأعمال الروحية، فإن تصاغرنا في عيني أنفسنا من جهة القيام بعمل الله يواكبه من الجانب الآخر الصوت الإلهي المشجع المنهض للعزم الباعث على الثقة في الرب: «إني أكون معك».

يا عزيزي لا تتوانى في النهوض والقيام بعمل الله، مستنداً بكلياتك على نعمة المسيح الكافية، فاخلع عباءة الثقة في الذات عندئذ تختبر ينبوع النعمة الجاري من مصدره الإلهي السماوي لإرشادك وتأييدك لتشجيعك واستخدامك.

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com