عدد رقم 5 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أولاً: رموز قيامة المسيح في العهد القديم   من سلسلة: قيامة المسيح

«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)


7-  نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي
 [7]


نبوة اليوم الثالث في سفر يشوع
والحالة الأدبية التي يجب أن يكون عليها شعب الرب في حربهم الروحية
(يش 11:1، 16:2، 22، 2:3)


لنا
 في سفر يشوع إشارة لموضوع ومادة رسالة أفسس.  فالسياحة في البرية قد انتهت وبنو إسرائيل على وشك أن يعبروا الأردن يتقدمهم قائدهم الجديد يشوع، ليتملكوا أرض الموعد ويطردوا الأعداء.  وهكذا الحال معنا تماماً فالسماويات هي كنعاننا التي إليها نأتي وندخل بقوة الروح القدس الذي يتحدنا بالمسيح الذي صعد، ويجلسنا معاً فيه في المجد حتى بذلك نتمتع مقدماً بهذا المجد الذي حصله لنفسه والذي سيدخلنا إليه ولابد وأن يشركنا معه فيه، بعد قليل جداً.  ولكن علينا في أثناء ذلك أن نحارب حروب الإيمان ضد أجناد الشر الروحية في السماويات حتى يتسنى لنا أن نمتلك فعلاً كل شبر من الأرض التي أعطاها لنا الرب ميراثاً.

والفرق بين الرمز والحقيقة هو أن سياحة البرية قد انتهت بالنسبة لإسرائيل قبل دخولهم أرض كنعان، بينما بالنسبة لنا البرية وكنعان موجودان معاً.  ولكن هذا مما يضاعف البركة لنا.  وإذا كانت البرية تعلمنا أننا لازلنا في حاجة لأن نُذلَّل ونُجرَّب لنعرف ما في قلوبنا، ففي البرية أيضاً نختبر بالمقابلة مع ضعفاتنا عظم قيمة الينابيع الإلهية التي لا تنضب قط في وسط هذه «الأرض الناشفة واليابسة بلا ماء».  فالله يفتح يديه ليطعمنا من المَن ويروينا من ماء الصخر ويجعلنا نذوق ينابيع نعمته التي لا تنضب.  لأن شعبه «لا يعوزه شيء»، «ثيابك لم تبل عليك، ورجلك لم تتورم هذه الأربعين سنة» (تث 4:8).  وفضلاً عن ذلك نجد أنفسنا في الوقت ذاته وأحياناً في نفس اللحظة على المراعي الخضراء وفوق مياه الراحة في بلاد غنية من امتيازنا أن نأكل باكورة غلاتها ويمكننا أن نجلس باطمئنان وسلام على المائدة المقدمة لنا على ضفة الأردن الثانية ونتمتع بثمار كنعان السماوية ونبتهج بالمسيح السماوي الجالس عن يمين الله في المجد.

وفي الأصحاحات الأولى من سفر يشوع نجد المبادئ التي يجب أن تسود وتسوس القلب الراغب في التمتع بالسماويات وفي الجهاد في حروب الرب.  ومما يعزي ويشبع أن هذه المبادئ تدونت قبل عبور الأردن ودخول الأرض حتى بذلك يتسنى للشعب أن يضع يده على الأسلحة المجهزة التي بها يستطيع أن يحصل على الفوز والنصر.  ولذلك فلا عجب من أن نجد الأمر ليشوع وللشعب بالتوقف والانتظار ثلاثة أيام (يش 11:1، 2:3).  فقد كان يجب أن تمر ثلاثة أيام قبل أن يعبروا الأردن ويدخلوا ليمتلكوا الأرض التي يعطيهم الرب إلههم ليمتلكوها.  وأثناء هذه الأيام الثلاثة تمت بعض الحوادث التي نرى فيها أهمية خاصة كما نرى فيها بعض الرموز الهامة:

1-الثلاثة الأيام والشبع بالمسيح كالمَن النازل من السماء (يش 10:1، 11)

«فأمر يشوع عُرفَاء الشعب قائلاً: جوزوا في وسط المحلة وأمروا الشعب قائلين: هيئوا لأنفسكم زاداً، لأنكم بعد ثلاثة أيام تعبرون الأردن هذا لكي تدخلوا فتمتلكوا الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم لتمتلكوها» (يش 10:1، 11).

لقد كان «المَن» هو الزاد والطعام للشعب في البرية قبل عبور الأردن.  وغنى عن التعريف أن «المَن» في نزوله مع الندى على وجه البرية هو رمز للمسيح في الجسد أو المسيح المتضع النازل إلى حيث وطأ أرضنا وعايش البرية ولامست قدماه رمالها وذاق حرارة شمسها كرجل الأوجاع والخبير بالأحزان (إش 3:53) ورغماً عن هذا فإنه مجّد الله تماماً وأعلن الآب للعالم.  فنعمته وحنوه وعواطفه ورقته ومحبته ووداعته وتواضع قلبه وصبره ولطفه وحلمه واحتماله وطول أناته، كل هذه الصفات موجودة في «المَن» الذي أعطاه الله لنا لنأكله أثناء سيرنا في البرية (يو 32:6، 33؛ 48 - 51).

وإذا كان «المَن» يكلمنا عن المسيح باعتباره السماوي الذي نزل من السماء واتضع لكي يصل إلينا، فإن «الثلاثة الأيام» تتكلم للقلب المسيحي عن القيامة.  وفي ارتباط المَن بالثلاثة الأيام في يشوع 10:1، 11 نجد صورة نبوية رمزية تكلمنا بالاختصار عن الرب يسوع المسيح في مسيرة الخضوع والطاعة كالابن في الناسوت (المَن)، تلك المسيرة التي انتهت بموته الكفاري على الصليب ثم قيامته في اليوم الثالث حسب الكتب (1كو 1:15 - 4).

لقد كانت كل خطوة في حياة الرب يسوع تشهد لمجده الأدبي الذي لم يكن ممكناً له أن يُستتر، لكن على الصليب سطعت هذه الأمجاد بلمعان أكثر وبصورة أكمل.  فإن ذلك الفريد المجيد الذي تعلّم الطاعة في كل خطوة من خطوات حياته، أُختبرت طاعته أخيراً بالموت فتثبت أنه «أطاع حتى الموت موت الصليب» (في 8:2).  ولقد تميّز بالخضوع التام لإرادة أبيه، ولكن خضوعه ظهر بأكثر وضوح عندما استطاع أن يقول وشبح الصليب أمامه «لتكن لا إرادتي بل إرادتك» (لو 42:22).  ولقد كانت كل خطوة له تحمل الشهادة بمحبته الكاملة للآب، ولكن الشهادة العظمى لمحبته كانت عندما استطاع أن يقول والصليب ماثل أمامه «ولكن ليفهم العالم أني أحب الآب، وكما أوصاني الآب هكذا أفعل» (يو 31:14).  ولقد ظهرت طبيعته القدوسة التي لم تتأثر والتي لم يكن ممكناً أن تتأثر بالشر الذي يحيط به في مسيرته في هذا العالم، ظهرت بأجلى بيان عندما قال وقد ارتسم أمامه ذلك الموقف المؤلم على طبيعته القدوسة والذي فيه سيُجعل خطية: «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس» (مت 39:26) لقد ظهرت في الصليب بحق كل أمجاد المسيح الأدبية؛ طاعته وخضوعه ومحبته وتكريسه وقداسته وكل كمالاته، وهناك تحققت كلماته: «الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه» (يو 31:13).  وإن كان الله  قد تمجّد فيه فلا يسعه إلا أن يمجده هو بالذات ويمجده سريعاً إذ يقيمه من الأموات ويجلسه عن يمينه في السماوات دون انتظار لمجد الملكوت (يو 32:13).  لقد أعطى الله برهاناً أبدياً لرضاه الكامل بالعمل الذي قام به المسيح والذي تمجد الله فيه تماماً، وكان البرهان على ذلك قيامة المسيح في اليوم الثالث ووجوده الآن كإنسان في المجد عن يمين الله.

والأكل من المَن معناه التفكر في كمالات المسيح واقتباس ردود أفعاله فيما يقابلنا من ظروف قابلته، وأن يكون فينا «فكره» ليمكننا أن نُحضر الله إلى الظروف المحيطة بنا، ونسلك في وسط هذه الظروف سلوكاً إلهياً في كل لحظة.  وهذا يقودنا إلى الاستناد المستمر عليه والشخوص إليه دائماً «كما أرسلني الآب الحيُّ، وأنا حيُّ بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 57:6).

أيها الأحباء .. إن كنا نعطي الفرصة للروح القدس ليقودنا لكي نثبت النظر في المسيح في كل نعمة اتضاعه، عندئذ نستطيع أن نحكم على ميول الجسد فينا للمخاصمة والنزاع والمجد الباطل، وأن نسعي للسير بروح التواضع الذي في المسيح مثالنا الكامل.  وبقدر ما يكون لنا فكر اتضاعه، عندئذ سوف لا نخلص من إغراءات العالم وقوة العدو فحسب، بل ستكون الأهمية الأولى في حياتنا بالتأكيد لما هو لمسرة قلب الله والتي نجدها بكل وضوح في حياة المسيح الذي أمكنه أن يقول: «لأني في كل حين أفعل ما يرضيه» (يو 29:8).

وإذا كانت الحياة مُعاشة بحسب النموذج الكامل في المسيح، فستكون حياة ليس فيها دمدمة ولا تذمر على نصيبنا، ولا مجادلة ولا احتجاج على ما يسمح الله به من تجارب في طريقنا.  ولا لوم على أي شيء نقوله أو نفعله، ولا إساءة للآخرين على كلماتهم أو مسلكهم.  ولن يكون هناك شيء في حياتنا يستدعي التوبيخ بما لا يتفق مع كوننا أولاداً لله.  فنضيء كأنوار في عالم مظلم متمسكين بكلمة الحياة في عالم الموت، وهكذا يجب أن نعيش لمسرة الله ومجد المسيح ومعونة القديسين وبركة العالم (في 14:2 - 16) وهكذا أيضاً تتقوى علاقتنا بالله وتتسع مداركنا للتمتع بكنعاننا متى دخلناها فعلاً وهذا المرموز إليه بعبور الأردن والدخول لامتلاك الأرض في اليوم الثالث.

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com