عدد رقم 5 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخدمة النموذجية   من سلسلة: في خدمة الرب

مبادئ هامة من خدمة الرسول بولس  (2 )

(اقرأ من فضلك 2كو 17:3 إلى 2كو 12:4)

تحدثنا في حلقة سابقة (نُشرت في عدد يناير الماضي) عن ثلاثة أمور هامة تميزت بها خدمة الرسول بولس؛ ذلك الخادم الفذ المقدام في تاريخ شهادة الله على الأرض.  هذه الأمور هي:

  • طابع الخدمة (2كو3: 17-4: 1) حيث أنها خدمة الروح القدس.
  • أسلوب الخدمة (2كو4: 2) المتمثل في: رفض خفايا الخزي، عدم السلوك في مكر، عدم غش كلمة الله، إظهار الحق، ومدح الخادم لنفسه لدى ضمائر الآخرين.
  • هدف الخدمة (2كو4: 5) ليس الخادم، ولا أفكاره، ولا الجماعة التي يرتبط بها، بل إعلان ربوبية المسيح.

ونستكمل في هذا العدد تأملنا في هذا الجزء الكتابي الثمين فنتحدث عن:

4- أواني الخدمة (2كو 4: 7)

إنها أواني خزفية (طينية) في حد ذاتها.  هذا من الجانب الواحد.  ولكن، من الجانب الآخر، وضع الله فيها كنزاً غالياً هو: معرفته.  الأمر الأول يدفع الخادم في كل رحلته أن يتذكر دائماً مَنْ هو في ذاته، مهما نجحت خدمته، واتسع مجالها أو ذاع اسمه.  والأمر الثاني يجعله يعيش شاكراً فضل الرب ونعمته التي ميزته.  الأمر الأول يشجع كل مؤمن على أن يخدم الرب مهما كان ضعفه وعجزه وفقر إمكانياته، فآنية الخدمة «خزفية» في جميع الأحوال.  والأمر الثاني يشجعه على الاتكال على موارد الله التي لا تُقارَن قط بمواردنا، فهل هناك مقارنة بين الكنز، وبين الخزف؟!
5- قوة الخدمة (2كو 4: 7)
هي الشركة مع الرب؛ بل والالتصاق به.  لغوياً كان متوقعاً أن يكتب الرسول «ليكون فضل القوة من الله لا منا»، لكنه كتب «ليكون فضل القوة لله لا منا».  وهو بذلك يؤكد أنه لا قوة لنا في أنفسنا، كما أنه لا قوة بالانفصال عن الله، فالله لا ولن يعطينا قوة (ولا أي بركة أخرى) بالانفصال عن شخصه.  وحسن أن نعرف أن القوة هي في الله، ونحن إذ نلتصق بالرب فإن قوته تسري في كياننا.  «التصقت نفسي بك» فماذا كانت النتيجة؟ «يمينك تعضدني» (مز63: 8).

6- مشقات الخدمة (2كو4: 8، 9)
إن هذين العددين الثمينين طالما كانا معيناً لا ينتهي ونبعاً لا ينضب من التعزية لأولاد الله في كل عصر وجيل لاسيما المتألمين وبالأخص الذين يعانون مشقات الخدمة.  وحتى لا يأخذ المقال مساحة أكبر مما ينبغي، فإننا سنكتفي بمجرد المرور السريع على هذين العددين.
يمكننا أن نرى هنا سبعة مفارقات ثنائية كالآتي:

  • مكتئبين في كل شيء   لكن غير متضايقين.
  •  متحيرين                 لكن غير يائسين.
  • مضطهدين              لكن غير متروكين.
  • مطروحين              لكن غير هالكين.


فعلى الجانب الأول نجد الحالة التي يمكن، بل وكثيراً، ما يتعرّض لها القديسون في البرية.  أما الجانب الثاني فهو ينفي النتيجة المنطقية لحالة (الجانب الأول) .. فلماذا؟

إن النتيجة الطبيعية للاكتئاب هي الضيق، والمنطق البشري يقول إن الحيرة تؤدي إلى اليأس ... وهكذا ... فلماذا النفي في الجانب الثاني؟

السر في هذه الكلمة الصغيرة المُعزية «لكن»!  إنها «لكن» الإيمان التي تفصل بين ما يفعله الاكتئاب والحيرة .. و.. و.. في غير المؤمن، عن النتيجة التي يحصلها المؤمن.  فما أروع الإيمان!

والآن دعنا نمر على هذه الرباعية في أجزائها الثمانية ونقرنها بالترجمة التفسيرية مرة، وبترجمة داربي الإنجليزية مرة أخرى، تاركين للقارئ العزيز مجالاً للتأمل في المعاني العميقة والرائعة لكلمات الوحي، وحتى يتجول بأفكاره في كلمة الله والتاريخ المقدس، بل وحتى تاريخه الشخصي مع الرب ليرى روعة انطباق هذه الكلمات الغالية:

1-  مكتئبين في كل شيء.. وفي الترجمة التفسيرية: «الصعوبات تُضّيق علينا من كل جهة».                        وفي ترجمة داربي الإنجليزية: «.. every way afflicted  أي متوجعين من كل جانب».  لكن غير متضايقين ..  في الترجمة التفسيرية وردت: «لكننا لا ننهار».  أما ترجمة داربي فأوردتها
«but not straitened - أي لكننا غير متضيقين».

2-  متحيرين .. في التفسيرية: «لا نجد حلاً مناسباً».  وفي داربي: «no apparent issue – أي لا نرى منفذاً منظوراً». 

لكن غير يائسين ..  في التفسيرية: «لكننا لا نيأس».  أما في ترجمة داربي: «but our way not entirely shut up – أي أن طريقنا ليس مغلقاً أمامنا تماماً».
3- مضطهدين .. في التفسيرية: «يطاردنا الاضطهاد».  وفي داربي: «persecuted – أي مضطهدين».

.. لكن غير متروكين .. في التفسيرية: «لكن لا يتخلى الله عنا».  وفي داربي: «but not abandoned – أي لسنا بمفردنا».

4- مطروحين .. في التفسيرية: «نُطرَح أرضاً».  وفي داربي: «cast down – أي نُطرَح».
..  لكن غير هالكين .. في التفسيرية «ولكن لا نموت».  وفي داربي «but not destroyed – أي لكننا لا نتحطم».
7- ثمار الخدمة (2كو 4: 10-14)
وهي تظهر في اتجاهين وثيقي الارتباط بعضهما ببعض.

الاتجاه الأول: هو حَمْل إماتة الرب يسوع.. «لكي تظهر حياة يسوع..  في جسدنا المائت».  هذا من جهة الخادم.
والإتجاه الثاني: هو حَمْل الحياة للآخرين.  «إذاً الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم».  هذا من جهة المخدومين.  فالخادم يختبر عملياً ويومياً في نفسه إماتة الرغبات الطبيعية والإرادة الذاتية، وهو في ذات الوقت يحمل الحياة والبَرَكة إلى كل مَنْ يحتك به ويقع في نطاق خدمته.  وإنها لمقولة صحيحة، أنه كلما اختبر الخادم في نفسه حكم الموت عملياً، كلما حملت خدمته حياةً وإنعاشاً للمخدومين.  الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم.  هذا هو درس الموت والقيامة، هذا ما عمله الخادم الكامل فعلياً بأوسع نطاق وهذا ما علّمه لنا لنتبع خطواته؛ فلا نطلب ما لأنفسنا بل ما هو للآخرين.. مَنْ نخدمهم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com