«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)
7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي [5]
نبوة اليوم الثالث في سفر الخروج
3- اليوم الثالث وآلام واختبارات البرية (خر 22:15-27)
«ثم ارتحل موسى بإسرائيل من بحر سوف وخرجوا إلى برية شور. فساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماءً» (خر 22:15). هذه كلمات قليلة ولكن ما أعمق ما تحتويه من معنى. سريعاً بعد هتاف النصرة وترنيمة الفداء، بعد مسيرة ثلاثة أيام فقط من مكان بهجة الخلاص عند شاطئ بحر سوف، وُجد الشعب بلا ماء «جياع عطاش أيضاً أعيت أنفسهم فيهم» (مز 5:107).
إن رحلة الثلاثة الأيام في برية شور تُصوّر لنا بدقة المركز الحقيقي الذي أُحضر إليه المؤمن كمن مات مع المسيح وقام معه. نعم، إن رحلة الثلاثة الأيام من الموت إلى القيامة قد فصلتك أيها السائح المسيحي إلى الأبد عن مصر التي تمثل العالم. ولكن كم يبدو عجيباً وغريباً أن الذي افتُدي والذي رنم منذ وقت قصير ترنيمة الخلاص، يتعرّض للمتاعب ويُصدم هكذا سريعاً بعدم وجود ماء!! ولكن يجب أن نتذكر أن البرية واختباراتها لم تأتِ إلا بعد الفداء. ونحن نتعلم من كلمة الله أن اختبارات البرية لازمة وضرورية ليس لتؤهلنا لكنعان، بل لكي نعرف الله ونعرف ما في قلوبنا، فتتقوى علاقتنا بالله وتتسع مداركنا للتمتع بكنعان متى دخلناها فعلاً (راجع تث 2:8 - 5).
وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل الأخ/ ماهر صموئيل : "إن الله بعدما خلّص شعبه يريد أن يعلمهم أول درس: أن قيامة المسيح (المُشار إليها بثلاثة أيام) قد أسست عالماً جديداً هو عالم القيامة، دائرة جديدة مركزها المسيح وليس آدم. ويسود فيهـا الروح القدس وليس الجسد برغباته، وتملك فيها النعمة بالبر وليس الخطية للموت.
فبمجرد الخروج من مصر سيجد المؤمن العالم وقد صار بالنسبة له برية ليس فيها ماء، أي سيتدخل الله بمعاملاته ليمنع عنه مصادر الارتواء التي كانت ترويه وهو في مصر (العالم)، ويحول له الحياة إلى برية، لكي يتعلم عندئذ الصراخ إلى الرب، لكنه سيختبر أيضاً صلاح الله في الاستجابـة وإراوء الحياة الجديدة.
للمزيد من الفائدة ننصح بقراءة مقالات: "حوار مع صديقي المتألم" لخادم الرب الفاضل الأخ/ ماهر صموئيل المنشورة على صفحات مجلة "رسالة الشباب المسيحي"، ولا سيما الأعداد من يناير 99 حتى أغسطس 1999.
إن الرب لا بد أن يقود المؤمن في بعض الظروف المؤلمة لكي يدربه من خلالها على الخضوع له. فيرفض إرادته الشخصية ويعيش طبقاً لإرادة الله. وهذه المعاملات تبدأ في أبسط صورها بأن يمنع الرب عن المؤمن المياه التي تروي وتنعش الحياة القديمة، أي يحرمه من بعض الأشياء التي تروي وتنعش وتسعد الإنسان في الجسد، مثلما حدث عندما منع المياه عن الشعب المفدي بمجرد نوالهم الخلاص، إذ نقلهم الرب من مصر حيث كثرة المياه، إلى برية شور حيث لم يجد الشعب ماء (خر 22:15). وكأن الرب يريد أن يقول للمؤمن: لقد أعطيتك حياة جديدة، ونقلتك إلى دائرة جديدة لها مصادر إنعاش جديدة، فلا تحاول وأنت في الدائرة الجديدة أن تجد نفس المسرات التي كانت حياتك القديمة تعتمد عليها
إن رحلة الثلاثة الأيام من الموت إلى القيامة قد فصلتك أيها السائح المسيحي إلى الأبد عن مصر التي تمثل العالم.
ولم يكن منع المياه إلا البداية. لأنه بعد هذا انتقل الشعب من برية شور، حيث لا مياه، إلى مارة حيث المياه موجودة لكنها مُرة جداً (خر 23:15). ففي مارة ليس الأمر مجرد حرمان مما يُسِرّ ويُنعش الحياة القديمة، بل فيها يقدم الله لها كل ما لا يتوافق مع تذوقها ورغباتها. وهذا في الحقيقة أروع تصوير لما قد يسمح به الله لأولاده في فترات معينة من حياتهم. فهو يجيزهم في ظروف معينة هي في طبيعتها على النقيض الكامل لما يبتغونه أو يتوقعونه، ظروف مذاقها مُرّ للغاية لأحاسيس ومزاج المؤمن الذي يتفرد به ويجعله مميزاً عن الآخرين.
وفي الحقيقة إن مارة هي أفضل وأسهل مكان نتعلم فيه الخضوع فهناك في مارة «وضع له فريضة وحُكماً، وهناك امتحنه» (خر25:15). وكان الامتحان هو: هل يخضع أم لا؟ فإن عاش المؤمن في مارة، أي في ظروف مُغايرة تماماً لمذاقه ورغباته، وكان فيها قابلاً قانعاً شاكراً، لا لسبب إلا أنها مشيئة الله الصالحة من جهته، فهذا هو الخضوع في أحلى صورة.
ولكن كيف يصل الله بالمؤمن لحالة القبول والاقتناع والشكر هذه؟ ... والحديث ما زال لخادم الرب ماهر صموئيل:
«فصرخ (موسى) إلى الرب. فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذباً» (خر 25:15). هذه الشجرة ليست سوى رمزاً لحياة واحدة فريدة ظهرت على الأرض من ألفي عام، حياة وُلدت وعاشت في كل ما هو مُغاير لطبيعتها، ومع هذا كانت دائماً مزدهرة مُثمرة كشجرة مُورقة تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، بل كل ما تصنعه ينجح
قطع الشجرة وطرحها في المياه معناه ببساطة مزج حياة المسيح وصليبه بظروفنا المُرّة التي نجتاز فيها.
هذه هي حياة المسيح المورقة المُثمرة البديعة لعين التقي، والتي يريدنا الله أن نحوّل أعيننا إليها عندما نكون في مارة، فنرى أن ظروفه كانت أقسى جداً من ظروفنا. فقد كان رجل أوجاع ومُختبر الحزن، ومع هذا لا تجده يوماً واحداً فقد فيه فرحه أو سلامه أو طمأنينته بسبب الظروف التي يعاني منها، ذلك لأنه كان ينهل يومياً، بل وفي كل حين، من نبع لا ينضب في السماء.
وقطع الشجرة وطرحها في المياه معناه ببساطة مزج حياة المسيح وصليبه بظروفنا المُرّة التي نجتاز فيها. فعندما تتجه إلى الله صارخاً من ظروفك المُرّة، سيستجيب الله بأن يحوّل عينيك إلى حياة المسيح كالشجرة المُورقة المُثمرة اليانعة، لتبتهج بها عيناك، ويفرح بها قلبك. ثم يقول لك: هذه هي حياتك. إن هذه الحياة عاشت على الأرض في ظروف أقسى من ظروفك، والآن هي نفسها حياتك. وتذكّر أن هذه الحياة جذورها في السماء ومآلها السماء وارتواؤها نبع من السماء. فارفع عينيك لأعلى ليأتيك الانتعاش وكُفّ تماماً عن محاولة إنعاش حياتك القديمة بالظروف المُريحة والمسرات الأرضية. إني قد دٍنت هذه الحياة القديمة في الصليب (رو 8:6). والآن أقدّم لها مياهاً مُرة لإماتتها فلا تطلب لها مياهاً حلوة، بل حوّل عينيك عنها، وهيا استقبل من الأعالي ما ينعش حياتك الجديدة. ثم انظر إلى تلك الحياة الفريدة في قدرة تحملها للمرارة. لقد أطاعت حتى الموت موت الصليب، وشربت أمرّ كأس في الوجود فلا تستضعف أو تتراخى، قُم فحياتك هي أعظم حياة، إني أريد أن أراك مُشابهاً لصورة ابني، سائراً في ذات خطواته، محتملاً شيئاً مما احتمله، لكي تجلس معه في عرشه. وتذكّر أن المسيح، رغم مرارة الصليب، كان يجد في إتمام مشيئة أبيه سروراً يُهوِّن أمامه حمل الصليب (عب 2:12). وعندما تكون أنت في مشيئتي، ستمتلئ بسرور من نوع جديد يقهر تماماً مرارة الظروف المُحيطة بك.
وهكذا أيها الأحباء، يُنتج الألم أعظم ثماره في حياة المؤمن: الخضوع. وأثناء الخضوع لا يُحرَم المؤمن من مشجعات إلهية منعشة. «ثم جاءوا إلى إيليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة. فنزلوا هناك عند الماء» (خر 27:15). فكما يوجد في البرية «مارة» هكذا أيضاً يوجد فيها «إيليم» وفيها عيون ماء ونخيل. ويجب أن نسير في البرية وإلا فلن نجد إيليم. والرب يمتحن المؤمن في مارة، ويجدد القوة في إيليم. وهكذا نجد الرب في نعمته يقدم لشعبه وهو سائر في البرية المراعي الخضراء ومياه الراحة، وفيها شبع النفس وراحة القلب وانتعاشه. ولا شك أن الغرض من إيليم كان تهدئة خواطر الشعب وتسكين أنينهم. فجلوسهم تحت ظل تلك النخيل، وإرواء غليلهم بمياه تلك العيون العذبة بعد مرورهم في تجربة مارة، يرمز إلى الخدمات الروحية التي يقدمها الرب لشعبه وهم هنا على الأرض، لأن في كلمة الله عددي 12، 70 يقترنان بالخدمة اقتراناً جوهرياً (مت 5:10؛ لو 1:10). أي أن الرب يضمن للخاضع لمشيئته تشجيعاً خاصاً يوصله إليه من خلال خدامه".
عزيزي الشاب المسيحي ..
هل بدأت أن ترى مرارة هذه الحياة بالنسبة لك؟ اقترب إلى الرب يسوع المسيح. اجلس عند قدميه. تأمله وتعلمه. إنك ستجد ثمرته حلوة لحلقك وكلامه أحلى من العسل وقطر الشهاد. إنه الصخر الذي لا يتزعزع أبداً. وتحت ظله تجد الأمان الكامل.
(يُتبع)
شذرة
إن خدمة المسيح ليست هي مجرد عمل شيء معين أو القيام بخدمة ما، ولكن الخدمة له هي تلك التبعية المباركة، هي السير معه حيث يكون هو. قد لا أعمل شيئاً منظوراً وعظيماً ولكني أكون خادماً له عندما أكون معه وسائراً وراءه، وقد يستلزم هذا حمل الصليب.