عدد رقم 2 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أولاً: رموز قيامة المسيح في العهد القديم   من سلسلة: قيامة المسيح

«قام في اليوم الثالث حسب الكتب»
(1كو 4:15)

7-  نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي  (4)

نبوة اليوم الثالث في سفر الخروج

  1. اليوم الثالث والانتقال من الظلمة إلى النور (خر 21:10-23)
    لقد أجرى الرب قضاء على مصر بضربها بعشر ضربات ليُظهِر لفرعون وللمصريين قوته العظيمة وأن جميع عناصر الخليقة إنما هي تحت سلطانه (خر 7-12).  وضربة الظلام هي الضربة التاسعة؛ الضربة قبل الأخيرة.  وفي هذه الضربة كان الظلام دامساً في كل أرض مصر ثلاثة أيام.  لم يبصر أحد أخاه، ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام.  ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم.

    والظلمة هي واحدة من الآيات التي صاحبت الصليب وارتبطت بموت المسيح «ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة.  ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي، إيلي، لما شبقتني؟ أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» (مت 45:27، 46) وهذه الظلمة التي حدثت في الجلجثة كانت حقاً ظلمة معجزية.  فإن كان النور عادة هو الذي يطرد الظلمة، فإن تلك الظلمة هي التي غيَّبت نور الشمس في الظهيرة.  ويا له من معنى خطير، ويا لرهبة قدرة الله القدير!

    وإزاء هذا الصمت المطبق، وأمام هذا الظلام، كيف يمكننا أن نفهم ما كان يجري في تلك الساعات الرهيبة؟ على أننا ندرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الله رسم طريقة ظهوره في المشهد.  فيسوع المسيح ابن الله كان يموت على الصليب وهو يحمل عقوبة ودينونة الخطية، والله يبرز في المشهد وموطئ قدميه ضباب مظلم.  إنه يعلن مقاصد حكمته ويفسر موت ابنه «طَأْطَأْ السماوات ونَزَلَ، وضبابٌ (ظلمة) تحت رجليه ... جَعَلَ الظلمة سِتره.  حَوْلَه مِظَلته ضبابَ (ظلمة) المياه وظلامَ الغمام» (مز 9:18، 11).  فلأن الدينونة هي عمل الله الغريب (إش 21:28)، ولأن الله «محبة»، وهو كذلك «نور»، والدينونة في أرعب مظاهرها إنما هي الانفصال عن الله «النور»، من أجل ذلك حَجَب الله نفسه وسط سحب كثيفة من الظلام وهو يُجرِي الدينونة على القدوس، الذي عليه انسكب الغضب الإلهي ضد الخطية، والذي تعامل الله معه في تلك الساعات الرهيبة كأنه الخطية مجسمة.  فالله جعله خطية، وفيه «دان الخطية في الجسد» أصل كل الشرور والنجاسات، وكل ما تستحقه الخطية من دينونة وعقاب وسحق وقع عليه، كما أنه - تبارك اسمه - حمل خطايانا - الأفعال الشريرة ذاتها، وتألم من أجلها، ولكن في آلامه الكفارية هذه وُضعت نهاية اللعنة والدينونة على عالم فاجر أثيم (2كو 21:5؛ رو 3:8؛ 1بط 24:2، 18:3؛ غل 13:3، 14).  ولقد نزل الله بجلاله الرهيب على رابية الجلجثة في «ظلمة» معجزية تشير إلى المصلوب ليقول «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم».

    وما كانت هذه الظلمة أيضاً إلا تعبيراً عن الخطية أو هي تعبير عن قسوة الموت الذي قاساه ربنا يسوع المسيح.  كانت الظلمة شهادة لآلام المسيح غير الظاهرة في موته الكفاري؛ تلك الآلام التي كانت توقعها يد غير منظورة، وهي يد العدل الإلهيِّ على مَنْ جُعِل خطية، وحَمَل في جسده خطايانا على الخشبة.  اسمعه يقول بحسب مزمور 88 «وضعتني في الجب الأسفل، في ظلماتِ، في أعماق.  علىَّ استقر غضبك، وبكل تياراتك ذللتني» نعم، كانت يد الله في الظلمة، وقد تركه الله لأن الظلمة كانت رمزاً وصورة للدينونة المصبوبة على «حامل الخطايا».

    كما أن ظُلمة الجلجثة تعبِّر عن ظلام المصير التعس لكل من يرفض ابن الله، وصرخة المسيح، إذ تركه الله، تصوِّر رُعب اليأس الأبدي الذي ينتظر كل من يرفض خلاصاً عظيماً هذا مقداره أعدَّه المسيح في الجلجثة.
    هناك نبوة في سفر عاموس تتحدث عن مصير تعس لتلك الأمة التي رفضت مسيّاها وقتلته، فيقول النبي: «ويكون في ذلك اليوم، يقول السيد الرب، أني أُغَيِّبُ الشمس في الظهر، وأُقتِم الأرض في يوم نور» (عا 9:8).  هذا هو ما سوف يحدث في يوم عتيد مع تلك الأمة التي لم تعرف زمان افتقادها، واحتقرت مخلصها وفاديها.  وكل مَنْ يرفضون المسيح سوف يطويهم ظلام رهيب «الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان».

    وعلى العكس من ذلك، فإنه بالنسبة للمؤمنين، عَبَرت الظلمة برعبها على بديلهم الكريم، والنور الحقيقي الآن يضيء.  وسبيلنا كنور مشرق، يتزايد وينير إلى النهار الكامل.  وفي هذا النهار الأبدي لن يغيب عنا البتة ضياء مُحَيّاه الكريم (رؤ 4:22، 5).

    ولكن كيف تغيَّر الحال وتبدَّل المشهد معنا نحن المؤمنين؟! لنرجع أيها الأحباء إلى الصورة الرمزية النبوية التي نتأملها في خروج 21:10-23 حيث نقرأ عن ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام.  لم يُبصر أحد أخاه، ولا قام أحد مِنْ مكانه ثلاثة أيام.  ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نورٌ في مساكنهم.  ودعونا نتساءل: كيف ولماذا ميَّز الرب بين الذين هم شعبه والذين ليسوا شعبه؟!

    إن هذه الظلمة التي تكاد تُلمَس - كما رأينا - تُكلمنا عن موت المسيح الكفاري والنيابي على الصليب، ولكن الثلاثة الأيام تتكلم للقلب المسيحي عن القيامة.  فها أمامنا صورة نبوية رمزية تكلمنا بالاختصار عن الإنجيل: موت وقيامة المسيح في اليوم الثالث (1كو 1:15-4).  وإنجيل نعمة الله هو الفاصل الذي عينه الله، فقد رسم حداً؛ في إحدى جهتيه «موت وظلام»، وفي الجهة الأخرى «حياة ونور» وانقسم العالم إلى فريقين: المُخَلَّصِين والهالكين (1كو 18:1؛ 2كو 15:2، 16).  فالإنجيل يُعلن خلاص مَنْ يقبله، وفي نفس الوقت هلاك مَنْ يرفضه «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يو 36:3) «لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خَلَصْتَ» (رو 9:10).

    «ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نورُ في مساكنهم» (خر 23:10)؛ يا لها من مباينة، ظلمة في الخارج، ونور في الداخل للذين هم شعب الله.

    والمؤمنون الحقيقيون مثل غيرهم من البشر، كانوا يعيشون في الظلمة (مت 16:4؛ 1بط 9:2)، بل هم أنفسهم كانوا الظلمة عينها (أف 8:5)، أي أن ما يميزهم طبيعياً هو الظلام.  وإن كان النور في الكتاب المقدس هو تعبير عن الفرح والسرور، فإن عكسه الظلمة التي هي تعبير عن الجهل والحزن، بل عن كل ما هو مضاد لله الذي هو نور، وهو أبو الأنوار (1يو 5:1؛ يع 17:1).  ولكن شكراً لله الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب، والذي أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (1بط 9:2؛ 2تي 10:1) «لأن الله الذي قال: أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح» (2كو 6:4).

    وعندما وُلد المؤمنون من الله حدث تغيير في حياتهم، كقول الرسول «كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب» (أف 8:5) أي أنهم الآن ليسوا «في النور»، بل أنهم الآن فعلاً «نور في الرب».  لقد صاروا يعيشون في النور، والنور يعيش فيهم، وأصبحت الطبيعة الإلهية التي هي «محبة»، والتي هي «نور» تميزهم.  لذا يجب علينا أن نسلك كأولاد نور، فلا نسلك فيما بعد في الأشياء التي نخجل من ذكرها، بل يجب أن تكون الحياة بجملتها مختلفة كل الاختلاف عن حياة غير المؤمنين.  وإن واجبنا هو أن لا نشترك في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري نوبخها بحياتنا العملية التَقَوية وبأقوالنا النقية (أف 11:5) فلا يليق بنا أن نهادن الشر أو أن نتعامل مع الخطية باستخفاف وعدم مبالاة.  لأن «الله نور وليس فيه ظلمة البتة.  إن قلنا: إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة، نكذب ولسنا نعمل الحق» (1يو 5:1، 6).  والسلوك في النور معناه طرح الخطية وإدانتها أمام الله باستمرار واستحضار العجز والنقص باستمرار لدى الله، وبالإجمال هو أن تعيش كل يوم وكل اليوم في حضرة الله.

    أيها الأحباء .. إن معرفة الله في المسيح هي «النور» والبعد عن الله هي «الظلمة»، وكل مَنْ له الشركة مع «الله» في «الطبيعة الإلهية» لن يسلك في الظلمة كما قال السيد «مَنْ يتبعني - أي يقبلني بالإيمان - فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة» يعكسه على الآخرين، يضيء بينهم كأنوار في العالم (يو 12:8؛ في 15:2).  وشكراً لله «فلسنا في ظلمة»، ولسنا «من ظلمة»، بل «أبناء نور وأبناء نهار» (1تس 4:5-8) لأن النور هو الذي يصنع «النهار» ويفصله من الظلمة (تك 4:1) و«الظلمة قد مضت، والنور الحقيقي الآن يضيء» (1يو 8:2).

    وتجدر الملاحظة أنه في كل رحلة شعب الله في البرية، لم يكونوا مطلقاً في ظلام «وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم.  لكي يمشوا نهاراً وليلاً» (خر 21:13).  وعندما كان شعب الله في ضائقة ذهب العمود خلفهم ولبث هناك كل الليل، بينهم وبين المصريين، جاعلاً أعداءهم ملتحفين بظلام ومُعطياً النور لبني إسرائيل «فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم، وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم.  فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام (للمصريين) وأضاء الليل (لشعب الله) فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل» (خر 19:14، 20).  فسبيل الشعب قديماً كان سبيل الصديقين الذي هو «كنور مشرق، يتزايد وينير إلى النهار الكامل (بينما سبيل أعداء شعب الله كان يشبه طريق الأشرار الذي هو) كالظلام.  لا يعلمون ما يعثرون به» (أم 18:4، 19) وذلك الذي كان «حياة لحياة» لإسرائيل، كان «موتاً لموت» لفرعون وجنوده.

    أيها الأحباء .. نحن إذاً «نور في الرب» منذ آمنا به، ولزام علينا أن يكون النور مسارنا حتى آخر الشوط «اسلكوا كأولاد نور» أي في مطابقة مع الحالة التي وضعتنا فيها، وأنشأتها فينا، نعمة الله الغنية، وسيدنا المعبود - الذي مات وقام - «هو نور العالم» وقد قال: «مَنْ يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة» وقال عنه النبي قديماً «لأن عندك ينبوع الحياة.  بنورك نرى نوراً» (مز 9:36) والحق الذي يعلمه الإنجيل هو ما ينهض البشر للارتحال من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة.    

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com