عدد رقم 2 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كيف أجد شريك الحياة؟ الصداقة بين الشاب والشابة   من سلسلة: الأسره المسيحيه..

هل توجد مخـاطر
في طريق الصداقة
 بين الشاب والشابة؟

تحدثنا في العدد السابق عن الجوانب الإيجابية في العلاقة والتعامل بين الشاب والشابة المسيحيين، وذكرنا بعض المبادئ الهامة التي ينبغي مراعاتها في هذا النوع من العلاقات حتى يكون «كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب».  إلا أنه من الجانب الآخر هناك مخاطر ينبغي ألا نغفلها.  ومن المهم أن نكون أشخاصاً ناضجين وأصحاء ولنا عيون مفتوحة حتى نرى أية فخاخ في طريقنا لنتجنبها حتى نوفر على أنفسنا متاعب كثيرة من الناحيتين النفسية والروحية.  والكتاب يعلمنا «الفطن من جهة أمرٍ يجد خيراً، ومَنْ يتكل على الرب فطوبى له» (أم 20:16)، وأيضاً «الحكيم يخشى ويحيد عن الشر، والجاهل يتصَّلف ويثق» (أم 16:14).  ونود أن نؤكد أن ما نقصده بالصداقة هو الزمالة الراقية والتعامل في حدود اللياقة والتعقل في النور، والاحتفاظ بالاتزان بعيداً عن التطرف والتزمت وبعيداً عن التودد أو الاستلطاف أو الخصوصية.

لكن ربما يتبادر إلى ذهننا تساؤل عن السبب الذي يدعونا للحرص في علاقات الصداقة.  إني أعتقد أنه هناك ثلاثة عوامل هامة علينا أن نعيها جيداً:

أولاً: بداخل المؤمن طبيعة ساقطة خادعة (الجسد)، يمكن أن تدفعه في طريق خاطئ بعيداً عن إرادة الله وتسبب له متاعب كثيرة.  مثلاً: ينجذب شاب إلى شابة لسبب جمالها أو مظهرها ويتعلّق بها، ويتصور أنها الفتاة المناسبة له.  والأخطر من ذلك، أنه كلما صلى شعر بالارتياح لها!!  بينما الأمر ليس من الله، بل هو ميل القلب الطبيعي «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، مَنْ يعرفه» (إر 9:17).  ويقول الحكيم: «فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة» (أم 23:4).

ثانياً: العالم يضغط بشدة على ذهن الشاب المؤمن محاولاً تشكيله بمبادئه، وقد يتأثر الشاب بمفاهيم عالمية تبدو مقبولة من وجهة النظر الاجتماعية (في الجامعة مثلاً) لكنها مرفوضة من وجهة النظر الإلهية. 

مثلاً، حدثني أحد الشباب الجامعيين عن اعتقاده بأنه لا مانع من تكوين علاقات عاطفية في مرحلة الجامعة، حتى يكون للشاب الخبرة الكافية ولا يخطئ عند اختيار شريكة الحياة.  ودلل على ذلك بأن هذا هو الوضع المعتاد في الجامعة!! يا لخطورة هذه المفاهيم!! وكم هو محزن أن يستمد الشاب المسيحي مبادءه من العالم.  ويا للعواقب الوخيمة لمن جعل غير المؤمن مثاله!!  «ولا تشاكلوا هذا الدهر (لا تتشكل أفكاركم بمبادئه)، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم» (رو 2:12)، «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء .. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب» (أف 15:5-17). 

ثالثاً: نضوج الشخصية يستغرق وقتاً طويلاً ويستلزم تدريبات كثيرة في الحياة.  وأحياناً يسمح الله للمؤمن باجتياز مواقف صعبة والتعرّض لضغوط شديدة، وبدون هذه التدريبات يبقى طفلاً غير ناضج.  ويظهر هذا بوضوح في التفكير الذي يتسم بالضحالة والسطحية وسرعة الحكم على الأمور والاندفاع في اتخاذ القرارات. 

وأخطر الكل ما أراه في بعض الشباب من الاعتداد برأيهم ورفض كل نصح يقدم لهم.  وقد قال الحكيم: «أرأيت رجلاً حكيماً في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به» (أم 12:26).

مخاطر الصداقة:

أما عن مخاطر الصداقة فهي متعددة - إن لم يكن هناك حرص وحذر - وقد يكون لها آثارها السلبية روحياً ونفسياً، وسأكتفي بذكر بعضها:

  1. أن تقتصر الصداقة على شخص واحد وتتحول إلى علاقات خاصة بين طرفين.  وعادة يرجع هذا إلى أحد سببين: إما أن الشخص لا يشعر بالأمان وسط مجموعة من الأصدقاء، أو بسبب الظن أن الإبقاء على صديق واحد هو نوع من الإخلاص والولاء.  وطبعاً ستتحول هذه الصداقة إلى تعلق عاطفي وربما تواعد بالارتباط دون أن يكون أي من الطرفين مجهزاً لذلك، والأخطر دون أن تكون هذه هي مشيئة الله .

     إن الخطورة تكمن في كون الشاب أو الشابة غير ناضج وأن أفكاره متغيرة ومشاعره متذبذبة وغير قادر على تقدير الأمور تقديراً صحيحاً.  وفي كثير من الأحيان يكون السبب وراء التعلق العاطفي هو الفراغ النفسي.  لكن، هل يمكن للعلاقات العاطفية أن تشبع النفس؟ كلا.  لقد أحب سليمان نساء كثيرات لكن قلبه ظل فارغاً وكتب يقول: «كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن» (جا 7:1).  لكن من الجانب الآخر «النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو» (أم 7:27)
  2. عندما تتحول الصداقة إلى علاقة عاطفية، فإن الشاب (أو الشابة) تسيطر عليه المشاعر كلية مما يؤدي إلى غياب التفكير العاقل المتزن.  ومن أخطر الأمور أن الإنسان يضع عقله جانباً ويسير منساقاً بمشاعره ورغباته.  لقد حبانا الله العقل وميّزنا بالقدرة على التفكير المنطقي السليم.  أما العاطفة فمع دورها وأهميتها إلا أنها دون أن يحكمها التفكير الصحيح، فإنها يمكن أن تضر بصاحبها ضرراً بالغاً.  إن العاطفة تخفي كثيراً من الحقائق والشخص المنساق بمشاعره سريع الخطأ.  من أجل هذا ينصح الكتاب الأحداث: «أن يكونوا متعقلين» ولا وسيلة للتعقل سوى نقع الذهن في كلمة الله «فَتْحُ كلامك ينير، يُعقِّل الجُهَّال» (مز130:119).

    إن سؤالي لكل شاب (ولكل شابة) هل تفكِّر بعقلك أم بقلبك؟ من المهم أن تضع العقل قبل العاطفة، فهذا هو الترتيب الطبيعي عند الأشخاص العقلاء المتزنين.  «إذا دخلت الحكمة قلبك، ولذّت المعرفة لنفسك، فالعقل يحفظك، والفهم ينصرك، لإنقاذك من طريق الشرير» (أم 10:2، 11).
  3.  من ضمن ما يعاني منه كثير من الشباب أنهم يفكرون بطريقة بعيدة عن الواقع كلية.  وهذا النوع من التفكير له مضاره الكثيرة ويمكن أن يحول الصداقة إلى تعلق عاطفي.  وللأسف فإن السبب في ذلك هو السطحية في التفكير الناتجة من الضحالة الروحية.  أما من يقبل توجيه الكلمة الإلهية وتوبيخها فهو حكيم «الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء» (أم 31:15).

    لذا فإني أنصح كل شاب أن يطلب نعمة من الله حتى يفكر بطريقة واقعية، وأن يكون عاقلاً في حكمه على الأمور، وأن يرتشد برأي الوالدين والقادة الروحيين وأن يقبل توجيههم.  «الأحمق يستهين بتأديب أبيه، أما مُراعي التوبيخ فَيَذْكَى» (أم 5:15).
  4. ما لا يدريه كثير من الشباب أن العلاقات العاطفية لها تأثيرات نفسية ضارة حتى وإن بدت مُلذّة في بدايتها.  فكم من مرات انتهت بصدمات نفسية وتركت جروحاً عاطفية قد يدوم أثرها لسنوات طويلة، بل إنها قد تسبب مشاعر مرضية كالإحساس بالنقص أو الشعور بالرفض.  وأحياناً يلازم الشاب المؤمن الشعور بالذنب وما ينتج عنه من إعاقة النمو الروحي والنجاح النفسي - ولماذا كل هذا؟ هل يتفق هذا مع قول الرسول يوحنا لغايس: «أيها الحبيب، في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً، كما أن نفسك ناجحة»؟ (3يو 2) - هل يريد الرب لكم أيها الشباب أن تعانوا من المتاعب النفسية ومن الحرمان من النصرة الروحية؟! كلا، بل «إن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة» (2بط 3:1)،  فقط علينا أن نقوم بدورنا فلا ندلل رغباتنا ولا نطلق العنان لميولنا، بل بقوة الروح القدس نضبط مشاعرنا ونُخضعها للرب فنتمتع بالغلبة ونختبر الحرية من كل قيد يمكن أن يعيق انطلاقنا. «لهذا عينه - وأنتم باذلون كل اجتهاد - قدموا في إيمانكم فضيلة (صلابة المعدن)، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففاً» (2بط 5:1، 6).  التعفف هو المقدرة على التحكم في العواطف والرغبات بقوة الروح القدس.
  5. هناك شيء آخر خطير، هو أن العلاقات العاطفية تُحرم الشاب من التمتع بلذة خدمة الرب، إذ تؤدي لإهدار الطاقة الذهنية والعاطفية.  فالذهن الذي كان من المفروض أن ينشغل بكلمة الله ويجد لذة في دراستها سيعاني من عدم التركيز أو الشرود الدائم.  وإذا امتُصت الطاقة الذهنية تضعف الحياة الروحية تماماً، وأين الخدمة؟ لأجل هذا أوصانا بطرس: «لذلك منطقوا أحقاء ذهنكم صاحين» (1بط 13:1)؛ أي كونوا دائماً ضابطين لأفكاركم فلا تنزلق في انشغالات تافهة وهدامة.

    ومن جهة العواطف فإنها إذا وُجهت في طريق خارج مشيئة الله فإنها ستقود الشخص إلى الانحصار كلية في ذاته والغرق في مشاعر الشفقة على النفس وفقد القدرة على العطاء للغير.  وللأسف تتبدد هذه الطاقة الجبارة التي يمكن أن تستخدم لقيادة النفوس للمسيح وبنيان المؤمنين وتشجيعهم.  لذا فإني أنصح إخوتي الشباب أن يقدموا قلوبهم بالتمام للرب «فيحل المسيح بالإيمان في قلوبهم» فتخضع كل العواطف له ويستخدمها الروح القدس بلا عائق، فتصبح المحبة: «محبة في الروح» (كو 8:1)، والعواطف: «أحشاء يسوع المسيح» (في 8:1).

وختاماً أقول: إن الأمر الهام الذي يمتحن علاقتنا هو هذا المحك الثلاثي:

  • هل هذا الأمر لمجد الله؟
  • هل هو لبنيان حياتي؟
  • هل هو لبركة الآخرين؟

«فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً، فافعلوا كل شيء لمجد الله.  كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله (أي لجميع الفئات)» (1كو 31:10، 32).

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com