عدد رقم 2 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
إبراهيم في جرار   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

(فجاء الله إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له: ها أنت
ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل) (تك 3:20)

يظل الله أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه أو يتنكر لصفاته، ضامناً لمواعيده.  إنه لا يتغير ولا يغير ما خرج من شفتيه.  وهو صاحب السلطان المطلق الذي يتحكم في كل شيء ولا يمكن أن يفلت الزمام من يده.

الله يتكلم إلى الإنسان بأنواع وطرق كثيرة، وأحياناً بالرؤى والأحلام أو بأية طريقة يراها ليصل إلى قلبه.  لقد تعامل مع سجان فيلبي بزلزلة وتعامل مع ليدية بالصوت المنخفض الخفيف.  وهنا «جاء إلى أبيمالك في حلم الليل».  لقد أظهر له الخطأ الفادح الذي كان سيرتكبه وعاقبة ذلك.  وأشار عليه ماذا يفعل لكي يحيا.  كان أبيمالك أممياً لا يعرف الله، ولم يكن يعرف أن سارة إناء مختار، ومنها سيأتي المسيح بحسب الجسد.  وبحسب الظاهر كانت مقاصد الله معرضة للخطر والانهيار.  لكن الله تدخل وأنقذ الموقف بواسطة حلم، ليس أكثر، وذلك يسير في عيني الرب.

يظل الله أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه أو يتنكر لصفاته ضامناً لمواعيده

قال أبيمالك لله: «يا سيد، أأمة بارة تقتل؟ ألم يقل هو لي: إنها أختي، وهي أيضاً نفسها قالت: هو أخي؟ بسلامة قلبي ونقاوة يديّ فعلت هذا.  فقال له الله في الحلم: أنا أيضاً علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا.  وأنا أيضاً أمسكتك عن أن تخطئ إليَّ، لذلك لم أدعك تمسها.  فالآن رُدَّ امرأة الرجل، فإنه نبي، فيصلي لأجلك فتحيا.  وإن كنت لست تردها، فاعلم أنك موتاً تموت، أنت وكل مَنْ لك» (تك 4:20-7).

أمام هذه الرسالة التحذيرية خاف أبيمالك جداً، وقال «يا سيد، أأمة بارة تقتل؟» هذا الكلام يشبه كلام إبراهيم وهو يتشفع لأجل لوط قائلاً: «أفتهلك البار مع الأثيم؟» (تك 18).  وفي إجابة الرب على أبيمالك نرى سبعة دروس هامة:

  1. الجهل ليس عذراً.  فالجاهل مذنب حتى ولو لم يعلم.  وهذا ما نجده في شريعة ذبيحة الإثم.  «إذا أخطأ أحد وعمل واحدة من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها، ولم يعلم، كان مذنباً وحمل ذنبه» (لا 17:5).  ولكي يصفح عنه يقدم كبشاً ذبيحة إثم.  وأمام العرش العظيم الأبيض سيُدان الأشرار على ما عملوه بالعلم أو بالجهل.  والرب يسوع صلَّى من أجل صالبيه قائلاً: «يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو 34:23).  فهم مذنبون حتى وهم لا يعلمون.  وقال النبي في المزمور «السهوات مَنْ يشعر بها؟ من الخطايا المستترة أبرئني» (مز 12:19).
  2.  «أجرة الخطية هي موت».  حتى لو كانت خطية واحدة.  لقد أدرك المَلك الوثني أن الزنا خطية عظيمة في نظر الله وتستحق الموت (ع 9).  وأن الخطية هي في المقام الأول في حق الله «أمسكتك عن أن تخطئ إليَّ (وليس إلى إبراهيم)».  وهذا ما أدركه يوسف في يوم لاحق عندما قال «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟» (تك 9:39).  الله قدوس ولا يتهاون مع الشر.  وبإزاء هذه الخطية العظيمة تدخّل بنفسه ليمنع أبيمالك من فعل الشر.
  3.  الخوف والندم وحده لا يكفي.   قال الله «فالآن رُد امرأة الرجل .. وإن كنت لست تردها، فاعلم أنك موتاً تموت، أنت وكل مَنْ لك» (ع 7).  إن التوبة ليست فقط هي الحزن والندم، بل «ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا لأنه يُكثِر الغفران» (إش 7:55).  ينبغي أن المخطئ يترك ويرجع ويرد المسلوب.
  4. «وأنا .. لم أدعك تمسها».  كم من المرات يتدخل الله ليحبط ما خططناه بجهل وما كنا ننوي أن نفعله.  ويا لرحمة إلهنا الذي لا يتركنا لذواتنا.  وكم نشكر الله لأجل أعمال العناية العائقة التي تقفل الطريق أمامنا، وتعيدنا إلى المسار الصحيح.  وكم من المرات اختبرنا قول آساف «أما أنا فكادت تزل قدماي.  لولا قليل لزلقت خطواتي» (مز 2:73).
  5. قال أبيمالك: «بسلامة قلبي ونقاوة يديّ فعلت هذا الأمر» (ع 5).  لكن الله أجابه «أنا أيضاً علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا».  ولم يقل "بنقاوة يديك".  فإن الله يعرف أن أبيمالك كان شريراً وبعيداً عن نقاوة اليدين والقلب.  والبار في عيني نفسه لن يتبرر قدام الله.
  6.  حيث يظهر الفشل في الإنسان تتعظم النعمة جداً.  لقد كذب إبراهيم وكذبت سارة.  ومع ذلك فإن الله يتكلم عن إبراهيم باعتباره نبي وشفيع.  لقد كان كريماً في عيني الله حتى في ضعفه وفشله.  كانت نظرة أبيمالك لإبراهيم أنه مخادع وكذّاب.  لكن الله نظر إليه بشكل آخر.  ولقد أوضح لأبيمالك أنه مدين لصلاة إبراهيم لكي يحيا.  وهكذا فإن الله دائماً يدافع عن المؤمن أمام الأشرار ويستره في يوم ضعفه. 
  7.  النعمة، وليس الناموس، هي التي تربح الشخص المخطئ وتكسر قلبه.  وكم كان مؤثراً في قلب إبراهيم أن يسمع شهادة الله عنه أمام المَلك الوثني، وهو يعلم تماماً أنه مخطئ، قائلاً «فإنه نبي، فيصلي لأجلك فتحيا» (ع 7).

ونلاحظ أنه يوم نزل إلى مصر لا نقرأ أن الله قال عنه ذلك لفرعون.  لأنه كان وقتها مؤمناً حديثاً في بداية الطريق.  وأما الآن فقد صار، بعد السنين الطويلة، أكثر نضوجاً.  لقد شكلته يد الفخاري الأعظم.  وحتى لو تعثّر يوماً أو اختل اتزانه فإن ما حصّله من اختبارات لا يمكن أن يضيع.

«فبكر أبيمالك في الغد ودعا جميع عبيده، وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم، فخاف الرجال جداً.  ثم دعا أبيمالك إبراهيم وقال له: ماذا فعلت بنا؟ وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت عليَّ وعلى مملكتي خطية عظيمة؟ أعمالاً لا تُعمل عملت بي.  وقال أبيمالك لإبراهيم: ماذا رأيت حتى عملت هذا الشيء؟» (ع 8-10).

إن الامتيازات التي كانت لإبراهيم جعلت من خطئه شراً مضاعفاً.

 وقد استدعاه أبيمالك وقال له: «أعمالاً لا تُعمل عملت بي».  وإبراهيم في الواقع لم يخطئ في حق الله فقط، ولا في حق زوجته فقط، بل أخطأ في حق رجل من أهل العالم.

والرجال لما سمعوا خافوا جداً من الله، مع أن إبراهيم قال عنهم «ليس في هذا الموضع خوف الله البتة».  والحقيقة أن إبراهيم هو الذي تصرف تصرفاً بعيداً عن مخافة الله البتة.

إنه من العار أن يتوبّخ رجل الإيمان من رجل العالم.  في تكوين 18 تشفّع إبراهيم لأجل سدوم لكي ينجِّي المدينة.  لكن هنا في أصحاح 20 جلب خطية عظيمة على المملكة.  فمرة يكون بركة ومرة أخرى يصبح سبباً في مصيبة. 

قال أبيمالك: «ماذا رأيت حتى عملت هذا الشيء؟» إن التصور يقود للعمل.  والتصور الشرير سيقود إلى الفعل الشرير، والعكس.

حاول إبراهيم أن يبرر تصرفه، وهو ميل طبيعي في كل إنسان، وبدلاً من أن يقول في صراحة قد أخطأت، نراه يلتمس لنفسه العذر فيقول إن سارة بالحقيقة «هي أختي ابنة أبي».  وأخفى أنها كانت زوجته أيضاً.

وواضح أن إبراهيم كان مختل الاتزان في تلك الفترة حتى أنه نزل بالشهادة عن دعوة الله له إلى مستوى مهين إذ قال: «وحدث لما أتاهني الله من بيت أبي».  وكان الأجدر به أن يقول "وحدث لما دعاني إله المجد إلى الوطن الأفضل"، لكنه اعتبر نفسه شخصاً تائهاً وضالاً ونسب ذلك إلى الله.

ونلاحظ أن إبراهيم كذب وقال عن سارة هي أختي.  وكانت بالحقيقة ابنة أبيه.  وجاء بعده إسحاق وقال عن رفقة زوجته هي أختي، مكرراً نفس الخطأ.  ولم تكن ابنة أبيه ولا ابنة أمه.

وبالرغم من فشل إبراهيم، نرى أبيمالك رجل العالم يتصرف تصرفاً يليق به كملك.  فلم يرد المرأة فقط، بل أعطى لإبراهيم غنماً وبقراً وعبيداً وإماء.  وقال لإبراهيم: «هوذا أرضي قدامك.  اسكن في ما حسن في عينيك» (ع 14).  ونلاحظ أن إبراهيم في يوم الإيمان العظيم رفض أن يأخذ عطايا ملك سدوم، لكنه في يوم ضعفه قبل من أبيمالك هذه العطايا بالإضافة إلى ألف من الفضة.

ثم اتجه أبيمالك إلى سارة موبخاً إياها بعبارات مذلة قائلاً: «إني قد أعطيت أخاك (وليس زوجك) ألفاً من الفضة.  ها هو لك غطاء عين» (ع 16).  أي لو كانت سارة قد غطت نفسها كما كان يليق بها كزوجة إبراهيم ما كان رآها أبيمالك ولا أخذها إلى بيته.  لأن الغطاء أو البرقع كان يدل على أنها مرتبطة برجل كعادة ذلك الزمان.

وهو درس لنا نحن أيضاً الذين ارتبطنا بالمسيح لنكون عذراء عفيفة له.  مُظهرين كل الولاء والوفاء والانتماء للشخص العظيم الذي ارتبطنا به.  وشعارنا: "أنا لك .. ولغيرك لن أكون".  وفي هذه الحالة لن يطلب منا العالم أن نكون في رفقته.  إن صليب المسيح قد قطع العلاقة بيننا وبين العالم (غل 14:6).  ولكن إذا لم نظهر ولاءنا وتكريسنا للمسيح وأخفينا ارتباطنا به فسيطمع فينا العالم وسنفقد احترامنا قدامه ونُعرِّض أنفسنا لتوبيخه اللاذع.

أخيراً، بعد أن كُشف لإبراهيم سر فشله نراه يأخذ مركزه اللائق به كنبي وشفيع، فيصلي إلى الله، والله يُجيب صلاته ويُشفي أبيمالك والذين له (ع 17).      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com