عدد رقم 2 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
محلة وأخواتها   من سلسلة: شابات الكتاب المقدس

عرفنا من عدد الرسالة السابق أن محلة وأخواتها كن خمس فتيات، مات أبوهن صلفحاد من سبط منسى في البرية أثناء رحلة الشعب من مصر إلى كنعان، وتركهن وحيدات، بلا أخ ولا زوج.  ومع أنهن كن بنات صغيرات لكن كان يميزهن الإيمان     والشجاعة مع تقدير كبير لميراث الله ولأرض عمانوئيل.

وفي التاريخ القديم، نجد قبل قصتنا هذه قصتين تحدثاننا عن ضياع الميراث، بسبب عدم التقدير أو عدم الاحتراس.  فيعقوب بن إسحاق أخذ البكورية بدلاً من عيسو الزاني المستبيح، ويوسف بن يعقوب آلت إليه البكورية بدلاً من أخيه رأوبين الزاني والشهواني.

لكن هؤلاء البنات أثبتن أنهن لسن فقط من بنات إسرائيل، بل أيضاً من سبط منسى بن يوسف. فلقد كن بحق بنات يوسف، إذ قدَّرن ميراث الله، ونلن مع أزواجهن نصيباً مضاعفاً كما سنرى بعد قليل.  لكن ليس ذلك فقط، بل لقد تميزن بصفات جميلة وكثيرة، صفات أدبية وروحية تحتاج إليها شابات القرن الحادي والعشرين، وشبابه أيضاً:

الاستعداد للعمل

عندما طالبت محلة وأخواتها بميراث وسط شعب الله، كان عندهن كامل الاستعداد للعمل في الأرض.  فغني عن البيان أنهن لم يطالبن بالأرض ليبعنها ويتربحن منها، فالأرض بحسب الشريعة لم يكن ممكناً أن تباع (لا23:25).  كما لم يكن من المتوقع أن يؤجرن الأرض لواحد ليقوم بزراعتها لحسابهن، فكل واحد من الشعب كان عنده من الأرض ما يشغله عن أي عمل آخر.  وهن طبعا ما كن سيأخذن الأرض، ليتركنها بلا زرع. 

جميل أننا قبل دخول الشعب إلى أرض الموعد، نرى فتيات تميزن بالاستعداد لزرع الأرض وحصادها، وجميل أيضا أنه بعد سبي الشعب، ورجوعه ثانية إلى الأرض على عهد نحميا، نرى بنات شاركن في بناء السور (نح12:3).  في البداية شاركت سواعد الفتيات في العمل على زيادة الغنى الثروة، وفي الختام شاركت سواعدهن في الحفاظ على نقاوة الشهادة.

وإننا مرة أخرى نقول: إننا لا نملك سوى الإعجاب بهؤلاء البنات الصغيرات، فمع أنهن فقدن الأب ولم يكن لهن عون من أخ أو زوج.  لكنهن كن رجالاً، بالمعنى الذي طلبه الرسول بولس من المؤمنين في كورنثوس (1كو16: 13).

ونلاحظ أن بنات صلفحاد لم يخضن حرباً، فالحرب كان يخوضها الذكور فقط، لكنهن مع ذلك قدرن ميراث الله.  هن في ذلك مثال هام لنا نحن الآن، فنحن مثلهن لم نخض حرباً للامتلاك كما فعل الأبطال في القرون الماضية، بل باعتبارنا الجيل التالي للنهضة الفيلادلفية فقد تمتعنا بالعديد من البركات دون حرب أو عناء.  فكِّر في أبطال الإصلاح الذين كانوا مستعدين للتضحية بحياتهم ليظهر من جديد حق الإنجيل! ثم فكِّر في أبطال النهضة الفيلادلفية الذين اكتشفوا بالشركة مع الله تلك الأعماق المخبوءة في كلمته. أما نحن فقد تمتعنا بهذا وبذاك دون تضحية تذكر.  لكن أ ترى نحن لدينا تقدير لهذه الأمور؟  أ لعلنا مثل ملاك كنيسة فيلادلفيا - مع أن لنا قوة يسيرة - فإننا متمسكون بما عندنا؟  أو أ لعلنا مثل بنات صلفحاد رغم كونهن من الإناء الأضعف ولم يخضن حرباً، لكنهن قدرن ميراث الله؟

التوازن الجميل والامتزاج العجيب

وإني لأعجب ببنات صلفحاد في جانب آخر، أعني به التوازن الجميل الذي تميزن به.  هذا التوازن الذي نادراً ما نراه في البشر.  فلقد كان لديهن تقدير كبير لأبيهن، لكن ليس معنى ذلك أنهن بررن أباهن في كل شيء.  لقد قلن عنه لموسى ولكل الجماعة إنه «بخطيته مات».  وعبارة «بخطيته مات» هي إشارة إلى الخطية العامة لبني إسرائيل التي جعلت الله يقسم أن كل الجيل الذي خرج من أرض مصر سوف تسقط جثثه في القفر.  كما أكدن أنه لم يكن في القوم الذين اجتمعوا على الرب في جماعة قورح (عد27: 3)، ذلك لأن خطية التمرد كانت تسقط كل حقوق الشخص، وتؤدي إلى مصادرة أملاكه (قارن 1مل 21: 7؛ دا3: 29).  هذا معناه أنهن لم ينسبن الجهالة لله، أو يعتبرن أن عند الله ظلماً عندما قتل أباهن وهن بعد صغيرات يحتجن إلى مساعدته، بل لقد بررن الله في قضائه.  وهكذا نحن أمام فتيات صغيرات يحببن ويقدرن أباهن، لكنهن أيضاً يبررن الله في كل أعماله.

ثم إننا نلاحظ أيضاً شيئاً لافتاً في معاني أسماء بنات صلفحاد، تدل على هذا الامتزاج العجيب بين صفات قد تبدو متنافرة.

فمحلة: تعني لطف، أو رقة.  ونوعة: تعني تملق، أو إطراء.  وحجلة: هو اسم طائر عجيب، يحضن حتى ما لم يبض.  ومِلكة: معناها مشورة، أو قد تعني مَلِكة.  وترصة: تعني رضى أو مسرة.
ولقد سبق أن أشرت إلى صفة الجسارة والإقدام في بنات صلفحاد، فهن في شجاعة أدبية طالبن بحقهن، لكن هذا لم يمنع أن تكون الأولى لطيفة في تعاملها، وأن تكون الثانية عذبة في حديثها، وأن تكون الثالثة شفوقة في طبعها، وأن تكون الرابعة حكيمة في أقوالها، وأن تكون الخامسة مسرة في التعايش معها.  ويا له من مزيج عجيب بين الجسارة والشجاعة وحب العمل من جانب، والوداعة واللطف والرقة من الجانب الآخر، نحتاج أن نتعلمه جميعاً: شباناً وشابات.

الامتياز والمسئولية

لقد كان شيئاً جميلاً من موسى، أنه في كل مرة عرضت عليه مشكلة بنات صلفحاد، كان يقدم الدعوى أمام الرب ليرى ماذا يقول الرب له.  وهو ما حرص عليه أيضاً كل الجماعة، إذ راعوا الترتيب الإلهي وخضعوا لأحكامه.  بخلاف ما حدث في أيام حكم القضاة، بعد عشرات من السنين، عندما «كل واحد عمل ما حسن في عينيه» (قض21: 25).

لقد تقدمت بنات صلفحاد في أصحاح 27 من سفر العدد إلى موسى وطالبن بالميراث، فعرض موسى الأمر على الرب وأجابه الرب: «بحق تكلمت بنات صلفحاد».  بينما في أصحاح36 نقرأ «تقدم رؤوس الآباء من عشيرة بني جلعاد»، وعرضوا مشكلتهم على موسى، إذ خافوا أن يضيع جزء من نصيب السبط إلى غيره من الأسباط، لو تزوجت بنات صلفحاد من أي رجل من غير سبط منسى، فقال الرب لموسى: «بحق تكلم سبط بني يوسف. هذا ما أمر به الرب عن بنات صلفحاد قائلاً: من حسن في أعينهن يكن له نساء، ولكن لعشيرة سبط آبائهن يكن نساء» (عد36: 5، 6). 

عندما طالبت بنات صلفحاد بالميراث أجابهم الرب إلى طلبهن، وعندما تمسك رؤوس الآباء من سبط منسى بعدم التفريط في ميراث السبط وافقهم الرب أيضاً.  في المرة الأولى نحن نقرأ عن امتياز أولاد الله؛ «فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح» (رو8: 17).  لكن في الفصل الثاني نحن نقرأ عن المسئولية.  فهناك مسئولية عدم التفريط في أمور الرب الثمينة.  حسن أن نعرف امتيازاتنا ونطالب بها، ولكن حسن أيضاً أن ندرك مسئولياتنا ونتممها بأمانة. وهو ما حدث في هذه القصة الشيقة.

ومعروف أن الزواج يعتبر أهم حدث في حياة الفتاة.  لكننا هنا نرى فتيات مشغولات بما هو أهم من الزواج: إنه الميراث.  ولقد اتضح أنه كان لبنات صلفحاد تقدير للميراث أعلى من التقدير للزواج رغم أهميته طبعاً.  فإن الزواج في قصتهن تبع الميراث، وليس العكس.

لقد سمح الرب لهن بأن يتزوجن: «من حسن في أعينهن».  وهن في طاعة لأمر الرب أخذن أزواجاً، من حسن في عيني الرب.  لقد أطعن الرب في هذا الأمر.

ولقد أرسى الرسول بولس في ما بعد مبدءاً إلهياً هاماً للنساء: «تتزوج بمن تريد، في الرب فقط» (1كو7: 39).  لكن إن كانت الفتاة بالإضافة إلى رضى الله عليها وسعادتها الشخصية يهمها ميراث الله، مثل بنات صلفحاد، فعليها أن تتزوج بمن تريد في السبط فقط.

وما أجمل أن سفراً يميزه التمرد وعدم الطاعة، يختم ختاماً مباركاً: «كما أمر الرب موسى كذلك فعلت بنات صلفحاد».  إننا في سفر العدد نقرأ عن جيل بأكمله، نادراً ما وجد الرب سروره فيه، أولئك الذين أسخطوا الرب، والرب مقتهم (عب3: 16، 17). لكننا هنا نرى فتيات صغار، بإيمانهن وطاعتهن أدخلن السرور إلى قلب الله.  وثبت صدق ما قاله الوحي بعد ذلك: إن الله لا يترك نفسه بلا شاهد (أع14: 17). 

بركة مثلثة

نختم حديثنا عن محلة وأخواتها أنهن بتصرفهن الجميل كن بركة مثلثة:  بركة لشعب الله، وبركة لأبيهن، وبركة لأزواجهن:

أولاً: بركة لكل شعب الله: فلقد طالبن بالميراث، والرب أصدر تشريعاً خاصاً بالرجل الذي يموت دون أن يترك بنين، بل بنات، وهذا التشريع سرى بعد ذلك على كل شعب الله على مدى تاريخه.  ومن هذه الزاوية أصبحت بنات صلفحاد بركة لما لا يحصى من العائلات التي استفادت من هذا القانون الذي سنه الرب. وهكذا فإن الشخص الذي يتصرف بجسارة الإيمان في الله فإنه بتصرفه هذا يكون بركة للعديد من أولاد الله من بعده.

ثانياً: وكن بركة لأبيهن: إنهن لم يبحثن عن راحتهن، بل كان يهمهن ألا يحذف اسم أبيهن من بين عشيرته. والأرجح إننا ما كنا سنسمع عن صلفحاد هذا لو كان عنده أبناء ذكور.  لكن هذا الرجل عن طريق بناته دخل التاريخ وصار مشهوراً.  لقد قال الحكيم عن المرأة الفاضلة، إن زوجها معروف في الأبواب، لكن اتضح أيضاً أن هؤلاء البنات اللائي عملن فضلاً، قد صار أبوهن معروفاً لا في الأبواب فقط، بل لدى كل دارسي الكتاب، على مدى الأجيال.

وأخيراً: كن بركة بعد ذلك لرجالهن! فلقد كانت العادة أن المرأة لا ترث، بل يكون لها نصيب مع رجلها في ميراثه باعتبارهما بحسب قصد الله من البدء واحداً.  لكن بنات صلفحاد دخلن الحياة الزوجية ومعهن ميراث عظيم، فزدن من غنى أزواجهن. وهكذا المؤمنة التقية التي تقدر ميراث الله وأموره، إنها حتماً تزيد من الغنى الروحي الذي عند رجلها، إذ تدفعه إلى مزيد من التكريس والأمانة للرب.  وهو ما أمناه بحق لكل الشابات اللائي يقرأن هذا المقال.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com