أحبائي الشباب تحت العشرين
أكتب إليكم هذه الرسالة مدركًا إلى حد كبير، ما تشعرون به، وما تفكرون فيه، وأيضا ما تعانون منه في هذه المرحلة الهامة جدًا في حياتكم.
وأود في البداية أن أوضِّح أن اهتمامي الشديد بكم ينبع، ليس فقط من كوني خادمًا للرب يحبكم ويشعر بمسؤولية تجاهكم، وليس فقط من كوني أبًا عنده ولدين في نفس مرحلتكم العمرية يجعلانني أشعر بالحنان الأبوي نحوكم، لكنه ينبع بالأكثر من كوني طبيبًا نفسيًا يؤمن بشدة، بناء على أسس علمية، بأنه لا توجد مرحلة في حياة الإنسان، مهما طال عمره، أهم من تلك المرحلة التي تعيشونها أنتم الآن لسببين على الأقل:
1- هي مرحلة التغيرات الكبري
من المعروف أن حوالي 80% من التغيرات التي تحدث في حياة الإنسان تحدث في هذه المرحلة!! ويكفي للبرهان على ذلك أن نتذكر أنه حتى سن العاشرة من عمركم كان الواحد، أو الواحدة، منكم مجرد طفل لم تتضح بعد أي معالم محدَّدة لشخصيته المستقبلة، ولا كم سيكون طوله، ولا كيف سيكون شكل جسمه، ولا ما هو مستقبله المهني، ماذا سيدرس وماذا ستكون وظيفته. ولكن بمجرد وصولكم للعشرين، وربما قبلها، تكون كل هذه الأسئلة قد تمت الإجابة عنها بنسبة كبيرة للغاية! فالشكل النهائي للجسم قد تحدّدت معالمه، والشخصية قد وضحت سماتها، ونوع الدراسة والمهنة التي تعتمد عليها قد تحدد، ونوعية الهوايات والمواهب ومجالات التمييز قد برزت! إذًا في غضون سنوات قليلة قد انتقلنا من طفل غير محدَّد الهوية إلى رجل أو امرأة معروفة هويته (أو هويتها) بنسبة لا تقل عن 80%!
معنى المراهقة
من هنا يأتي معنى كلمة المراهقة، فكثيرون منا ومنكم يخطئون فهم المعنى اللغوي لهذه الكلمة، فيظنون أن المراهقة هي كلمة مشتقة من الإرهاق أوالتعب! والبعض الأخر يربطها بالرغبات الجنسية! وربما هذا الفهم الخاطئ أو ذاك هو ما يفسر نفوركم من هذه التسمية. لذلك أود أن تعرفوا معناها الحقيقي لكي لا تتضايقوا مني إن استعملتها في مقالي هذا. فقواميس اللغة العربية تقول إن كلمة المراهقة تأتي من الفعل”رهق“، وهو يعني الاقتراب من موعد أو من رقم! فعندما نقول رهق الغلام، نقصد أنه قارب الحلم أو بلغ حد الرجال، ويقولون أيضًا كان العدد رهاق مئة أي زهاء مئة أي اقترب من المئة.
إذًا مرحلة المراهقة هي المرحلة التي بها يقترب الإنسان من حد النضوج، إذ بنهايتها تكتمل ملامح شخصيته التي بها سيعيش بقية عمره!! ولذا لا يحدِّد لها العلم حاليًا سن معينة تنتهي عندها، لكن يقولون عنها ”هي المرحلة التي تنتهي بإمكانية الاستقلال عن الاسرة معنويًا وماديًا“.
ولهذا يمكنني أن أشبِّهكم بمن يقف على مدخل نفق، نفق يدخله الشخص طفلاً ليخرج منه رجلاً أو امرأة! والمشكلة أن النفق مظلم ومملوء بالمطبات، بل وأحيانًا باللصوص وقطاع الطرق! لذلك فأنتم تحتاجون بشدة لمن يمسك بأيديكم ويمشي معكم حتى تعبروه بسلام، إلا أنه للأسف كثيرًا ما لا يوجد من يمسك بأيديكم، وأحيانًا يوجد لكنكم ترفضون مساعدته.
2- هي مرحلة التوترات الكبرى
السبب الثاني الذي يجعلني أرى المراهقة أهم مرحلة في حياة الإنسان، هو ما أكّدته إحدى الدراسات العلمية أن منحنى التوتر في حياة أي إنسان يصل إلى قمته في هذه المرحلة!! بمعنى أنه لا توجد مرحلة أخرى في حياة الإنسان، مهما تقدمت به الأيام، ومهما زادت عليه ضغوط الحياة، يكون فيها متوتِّرًا مثلما يكون في مرحلة المراهقة! هذا أيضًا يحتم علينا أن نقف إلى جواركم ونحاول التخفيف عنكم. ولا شك أن البعض منكم تكون معاناتهم أقل من غيرهم لعوامل مختلفة؛ وراثية، تربوية، روحية، ثقافية، وغيرها، بينما البعض الآخر تكون معاناتهم أكبر؛ لكن في كل الأحوال لا يوجد منكم من لا يعاني فيها!
أهم أسباب وملامح معاناة المراهقين
فى هذا المقال سأذكر لكم أهم أسباب المعاناة التي تعانونها، وهذه الأسباب هي نفسها التي تعطي مرحلتكم ملامحها المميزة، ولضيق المساحة في المقال فإنني لن أستطيع التوقف عند كل الأسباب ولا يمكنني الإسهاب، لذلك سأتوقف عند سبعة منهم هم الأهم، من وجهة نظري، وسأتناول بعضها بالشرح، وسأكتفي بمجرد الإشارة للبعض الآخر، لكن على وعد بأن أتناول الكل بالتفصيل في كتاب مستقل سيصدر قريبًا بمشيئة الرب:
1. التغيرات الكبيرة التي حدثت في أجسامكم من الداخل ومن الخارج وما تسببه من قلق وتوتر.
2. الرغبات الجنسية وما يحيط بها من غموض ومخاوف وشعور بالذنب.
3. الصراع مع آبائكم بسبب تكوّن وجهات نظر عندكم تختلف عن وجهات نظرهم في كثير من المسائل.
4. ضغط زملائكم في المدرسة عليكم وخوفكم من سخريتهم أو حتى مجرد عدم قبولهم لكم.
5. عدم قبول النفس أو الشعور الدائم بالنقص والبحث عن الهوية المستقلة.
6. عدم ثبات مزاجكم وتقلب مشاعركم بل وأفكاركم وأرائكم.
7. المعاناة الفكرية مثل الشكوك حتى في المسلَّمات.
أولاً: التغيرات الجسمية
تبدأ التغيرات الجسمية من سن 11 سنة عند البنات و13 سنة عند الأولاد. وقد تبدأ قبل هذا أو بعد هذا بقليل في بعض الحالات. وهي تبدأ بظهور الدورة الشهرية عند البنات، والقذف الليلي للسائل المنوي أحيانًا عند الأولاد. كما تتميز بظهور الملامح الجنسية الثانوية مثل؛ نمو الثديين عند البنات، وتغيير الصوت عند الأولاد. وكذلك ظهور شعر العانة وشعر الإبط. وغيرها من المظاهر التي تميز كل من الجنسين. المشكلة في هذه التغيرات هي:
- اهتمامكم الزائد بها، من قبيل المتابعة اليومية لها، وكثرة الوقوف أمام المرآة للإطلاع اليومي على آخر تطوراتها! والفضول الزائد في معرفة حقيقتها للتعرف على شكلكم الجديد الذي صار لكم، ومحاولة توقع ما سوف يصير. ولكم الحق في ذلك فهي ليست بالتغيرات السطحية ولا المؤقتة، كما أنها تحدث في أخص ما تملكون وتعرفون ألا وهو جسدكم. كما أنكم تدركون جيدًا نظرة الناس وتقديرهم المبالغ فيه للشكل الجسدي.
- اهتمامكم الخاص بالتغيرات الجنسية التي طرأت على أجسادكم، والتي لم يهيئكم الأهل لحدوثها، وما زالوا يتحاشون الحديث بخصوصها ليشبعوا فضولكم المتزايد من جهة فهمها، وتركوكم تستقوا معلوماتكم عنها من الزملاء، حيث يسود الجهل وعدم الفهم العلمي لطبيعتها؛ مما يحيطها بقدر ليس بقليل من الغموض الذي يزيد من توتركم.
- اهتمام زملاؤكم بالتغيرات الحادثة في أجسامكم، ودوام عقد المقارنات بينكم، ليروا من برزت عنده أكثر من غيره ومن هو أقل من غيره؛ فالأولاد يقارنون بعضهم ببعض من جهة كمية الشعر في الوجه والأرجل، وحجم التغيير في الصوت، والبنات يقارنون بعضهم ببعض بمدى ظهور وبروز الملامح الأنثوية لكل فتاة.
- اهتمام الأهل بالمسألة، وتعليقاتهم المستمرة عليها سواء كان النمو الجسماني سريعًا أو بطيئًا؛ ففي كلتا الحالتين تشعرون بأنكم دائمًا تحت الملاحظة، مما يزيد من توتركم.
- تغير نظرة المجتمع لكم، بل وحتى الأقارب، بسبب هذا التغير؛ فبعد أن كان كثيرون ما يستقبلونكم بالقبلات ببساطة كأطفال أصبح هناك حرجًا الآن، مما يسبب لكم أنتم أيضًا حرجًا وتوترًا وحيرة.
- سرعة التغير والنمو تصيب البعض منكم بالرعب، لأنه لا يعرف متى سيتوقف هذا النمو! كما أنه يتمنى أن يعرف شكله النهائي الذي ستؤول إليه هذه التغييرات التي يبدو أنها لا تتوقف.
- يصاب البعض منكم بالضيق والإحباط أيضًا إذا لم يكن نموهم سريعًا كالكثيرين من أقرانهم، مع أنه قد يكون أمرًا طبيعيًا لاعتبارات وراثية.
- ظهور حَبِّ الشباب عند نسبة منكم ليست بقليلة، يسبِّب توترًا كبيرًا ولا سيما عند البنات؛ حيث يحرص المراهق، ولدًا كان أم بنتًا أن يبدو دائمًا في أجمل شكل ممكن، حتى يحظى بقبول المجتمع الذي يقدِّر الجمال الخارجي بشكل كبير. والأهم عند المراهق أو المراهقة هو بالطبع أن يحظى بقبول الجنس الآخر.
- عدم قدرة المراهق، ولا سيما الشباب، على التحكم الكامل في حركة الأطراف؛ لسرعة نموها، فتجده يسقط الأشياء إذ حملها أو حتى أراد مسكها أو يصطدم بالأثاث عندما يمر بينه. وهذا يسبب له هو حرجًا وارتباكًا، ويسبب للعائلة ضيقًا وغضبًا.
- هذه التغيرات السريعة والنمو الكبير يستهلك طاقة كبيرة، وبالتالي يشعر المراهقون بالإرهاق، وربما يحتاجون لمدة نوم أطول، مما يفسَّر من الأهل على أنه كسل، مع أنه ليس في كل الأحوال كسلاً.
إزاء هذا كله أقول لكم في نقاط محددة:
- أول كل شيء افرحوا بهذه التغيرات، واشكروا الرب من أجل حدوثها؛ إذ أن حدوثها يعني شيئًا هامًا، ألا وهو أن غددكم الصماء تعمل بشكل سليم. ولكم أن تتخيلوا مشاعر شاب أو شابة في عمركم أصاب غدده مرض حرمه من هذه التغيرات الجسمية الهامة، وظل على حاله كما لو كان طفلاً في العاشرة من عمره أو من عمرها؟
- اعلموا أن هذه التغيرات لا تسير عشوائيًا، لكنها تسير طبقًا لقواعد صارمة تحدِّدها الجينات الوراثية التي ورثتموها من أبويكم. وبالتالي سيكون الشكل النهائي هو في حدود ما ترونه في عائلتي أبويكم.
- لا تنزعجوا أبدًا من جهة تأخر ظهور بعض هذه المتغيرات، فهناك تفاوت كبير في وقت ظهورها بين شخص وآخر. ولذا ينبغي على الأهل أن لا يقارنوا بين الأخ وأخيه، أو الابنة وأختها، حتى ولو كان توأمه أو توأمتها! فهناك عوامل عديدة تتحكم في سرعة ظهور هذه المتغيرات وحجم التغير.
- لا تنزعجوا من حَبِّ الشباب.
- أرجوكم رجاءًا حارًا أن لا تتخلصوا من توتركم بالتهام كميات كبيرة من الطعام، ولا سيما الطعام غير الصحي Junk food. وابذلوا الجهد في تكوين عادات غذائية سليمة. وكذلك مارسوا الرياضة في أي صورة من صورها. والغرض هو أن يكون شكل أجسامكم مقبولاً، وتأكَّدوا أن هذا سيحميكم من توتر ومعاناة نفسية شديدة، تستحق أن يبذل في سبيل تجنبها أي جهد.
- عليكم أن تدركوا أن المخ لا يستطيع ملاحقة هذه التغيرات السريعة في أجسامكم، ولا سيما من جهة الأطراف. وبالتالي، كثيرًا ما يكون المخ لم يتعود بعد على الأبعاد الجديدة لها، ومن ثم تأتي حركات أيديكم وأرجلكم في بعض الأحيان غير متّسقة. فعلى سبيل المثال، عندما تمدون أيديكم لكي تمسكوا بكوب ماء موجود على المائدة تمدّون أيديكم أكثر من اللازم، أو بقوة أكثر من اللازم، فيسقط الكوب وينسكب الماء، أو عندما تمرون بين قطع الأثاث في المنزل كثيرًا ما لا تقدِّرون جيدًا حجم الخطوة المطلوبة، فيحدث أن تصطدم أرجلكم بقطع الأثاث، وقد يسقط شيء أو ينكسر وقد يكون شيئًا ثمينًا! هذا يحتم عليكم أن تكونوا أكثر حرصًا في حركات أيديكم وأرجلكم. كذلك على الآباء أن ينتبهوا لهذا، فلا يكثروا من اللوم.
ثانيًا: الرغبات الجنسية
هي الاكتشاف المذهل الذي لم تتهيأوا لحدوثه، لا في البيت، ولا في المدرسة، ولا في الكنيسة! إذ الكل يعتبره موضوعًا لا يجب الاقتراب منه (لأنه عيب وما يصحش نفتح عينيهم على الحاجات دي). وهم يتجاهلون أن أعينكم ستُفتح عليه أسرع مما يتصورون، ومن مصادر هي أجهل ما تكون، وأنه سيُقدَّم لكم في صورة هي أردأ جدًا مما يتخيلون. وعليه، فالكل يترككم لتكتشفوا بأنفسكم.
ويبدأ الأمر بأن تسمعوا زملاءكم في الفصل يتهامسون عن مسائل أنتم لا تدرون عنها شيئًا؛ فتشعرون بالخجل من جهلكم، ويملأكم الفضول لمعرفة ما يقولون. وقد ينتابكم الشعور البغيض بأنكم إذا لم تعرفوا هذه المسائل فهذا يعني أنكم لم تزالوا أطفالاً في نظر زملائكم، وهذا أشد ما يرعبكم. وليس من المستبعد أن تجدوهم مرة يتحلّقون حول واحد منهم يطلعهم على صورة مطبوعة خفية، وكل منهم يحاول أن يختلس نظرة.
ثم يتطور الأمر فجأة، فتلحظون التغير الكبير في شكل أعضاءكم الجنسية. وفجأة أيضًا تشعرون بالرغبة العميقة في الاقتراب، أو حتى الالتصاق بالجنس الآخر، وفي نفس الوقت بالخجل، بل وأحيانًا بالخوف، من الاقتراب منهم؛ لئلا تفعلوا شيئًا أو تقولوا شيئًا يثير سخريتهم أو حتى لا يحظى بقبولهم! وفجأة أيضًا، تقتحمكم الأحلام المتعلقة بالجنس الآخر ليلاً، وأحلام اليقظة نهارًا. كل هذا يدفعكم للمزيد من الاهتمام بالموضوع، في الوقت الذي فيه لا تجدون مصدرًا واحدًا محترمًا يقدِّم لكم ما يُشبع فضولكم ويجيب عن أسئلتكم، فتندفعون أكثر نحو أجهل وأغبى مصدر؛ ألا وهو زملاؤكم. فتفتحوا أذانكم لكل حديث
يجري في المدرسة بخصوصه، مع ملاحظة أن معظم ما يقولونه زملاؤكم عن الجنس وعن الحب هو محض أكاذيب، ومن وحي أحلام اليقظة التي تنتابهم، وكتعويض للشعور بالنقص الذي يملأهم. كما أنه يفتقد إلى أساس علمي أو طبي، ولذا فهو يمتلئ بقدر كبير من الجهل والغباء. وقد تبحثون عن أي شيء مكتوب فلا تجدوا، وربما لكي تشبعوا رغبتكم الجامحة في المعرفة تنزلقون إلى هوة الهلاك، ألا وهي المواقع الإباحية على الإنترنت. كل هذا يعقبه دائما الشعور الشديد بالذنب والندم والذي تزداد حدَّته كلما كانت الخلفية الروحية للشخص قوية. وبالتالي يعيش الشاب منكم أو الشابة ممزَّقًا بين الرغبة الشديدة للمعرفة والشعور بالذنب إذا عرف؟
وقد يحدث مع البعض، وكنتيجة لإلحاح الرغبة، أن يسقطوا في تلك العادة الرديئة، والتي تسمى العادة السرية، والتي لها بلا شك أضرار روحية ونفسية كبيرة تؤثِّر على حاضركم ومستقبلكم.
وإزاء هذا دعوني أشارككم ببعض الأفكار التي أصلي أن تكون نافعة لكم:
- ينبغي أن يكون أول رد فعل عند كل شاب وشابة منكم، إزاء ما يشعر به من رغبات جنسية، أو ما يراه من تغيرات جسدية، أن يشكر الله لأنه شخص طبيعي وليس مريضًا.
- أقول للشباب لا تنظر إلى أعضائك الجنسية على أنها أعضاء نجسة، فهذه الأعضاء قد خلقها الله، وحاشا لله أن يخلق شيئًا نجسًا. إذًا هي أعضاء مقدَّسة ويجب علينا أن نحفظها مقدسة.
- أقول للشابات لا تنظري إلى جسدك على أنه مصدر غواية وفتنة، فتكرهيه وتشعري بالذنب تجاهه، فالله هو الذي صمَّم لك هذا الجسد وهو الذي خلقه، وحاشا لله أن يخلق شيئًا شريرًا. كما أن الكتاب علّمنا أن الإنسان ينغوي إذا انخدع من شهوته، وليس من منظرك (يع1: 14). كما أن الرب يسوع علمنا أن الشر ينبع من القلب لا من الجسد المادي (مر7: 15-23).
- وأقول للشباب والشابات: افرحوا بأجسادكم التي أعطاكم الله إياها، واشكروه عليها، وعاملوها بكرامة كما أوصى الكتاب (1تس4: 4). فلا تفرطوا في إطعامها حتى تفسدوها بالبدانة وتشوهوا منظرها. ولا تهينوها بالخطايا الجنسية، كما قال الكتاب عن الفجار إن الله أسلمهم لإهانة أجسادهم (رو1: 24). ولا تدمِّروها بأي سموم مثل الدخان والشيشة والكحوليات والمخدرات كما علمنا الكتاب في (أم23: 20).
- أرجو من كل شاب وشابة أن يحفظ هاتين العبارتين عن ظهر قلب ويردِّدهما لنفسه كلما شعر بالرغبة الجنسية تلح بشدة عليه: ”أنا لست كائنًا جنسيًا، لكنني كائن روحي نفسي جسدي“. بمعنى أنه من الظلم أن تختزل، أو تختزلي، نفسك بكل قيمتها العظيمة، إلى مجرد كائن جنسي تدور أفكاره وتنحصر اهتماماته في احتياجاته ورغباته الجنسية! فأنت كائن روحي عاقل، ولك احتياجات روحية عميقة، أهمها عطشك للمعرفة بصفة عامة، ولمعرفة الله بصفة خاصة. وأنت كائن نفسي تشعر، ولك احتياجات نفسية عاطفية عديدة، أبسطها احتياجك للحب وللانتماء، وأعقدها الرغبة في اكتشاف الهوية وتحقيق الذات. ثم أخيرًا أنت كائن جسدي مادي، لك احتياجات جسدية كثيرة من ضمنها احتياجك الجنسي. والعبارة الثانية هي، قل لنفسك دائمًا في وقت إلحاح الرغبة: ”احتياجي الجنسي هو C7“!! ودعني أوضح لك معنى هذه العبارة:
لأن احتياجاتك الروحية هي الأهم فإني أعطيها درجة A، ويمكنك أن تضع تحتها سبع احتياجات روحية أساسية يمكن الإشارة لها بـ A1, A2, A3, A4 إلخ. ولأن احتياجاتك النفسية المتنوعة تأتي تالية لها في الأهمية، فإنني أضعها تحت درجة B ويمكننا أن نختار منها سبعة هي الاحتياجات النفسية الأساسية ونشير إليها بـ B1, B2, B3, B4 إلخ. ثم أخيرًا تأتي احتياجاتك الجسدية الأساسية، والتي منها احتياجك الجنسي، وأضعها تحت درجة C. وهذه الاحتياجات الجسدية يمكنني أن أرتِّبها لك كالآتي:
C1 احتياجك للهواء: فأنت لا تقدر أن تعيش بدون هواء أكثر من 3 دقائق، لكن يمكنك أن تعيش بدون الجنس العمر كله!
C2 احتياجك للماء: فأنت لا تقدر أن تعيش بدون ماء أكثر من خمسة أيام في درجة حرارة متوسطة، لكن يمكنك أن تعيش بدون الجنس العمر كله!
C3 احتياجك للطعام: فأنت لا تقدر أن تعيش بدون طعام أكثر من شهرين إذا كانت صحتك معتدلة، لكن يمكنك أن تعيش بدون الجنس العمر كله!
C4 احتياجك للنوم: فأنت لا تقدر أن تعيش بدون نوم أكثر من بضعة أيام وبعدها ينهار جهازك العصبي لكن يمكنك أن تعيش في منتهى العقل بدون الجنس العمر كله!
C5 احتياجك للنظافة فأنت لا تقدر أن تعيش بدون نظافة مطلقًا ثم تظل مع هذا بدون أمراض أكثر من شهر لكن يمكنك أن تعيش بدون الجنس دون أن تمرض مرضا واحدًا العمر كله!
C6 احتياجك للرياضة فأنت ستمتلئ بالأمراض والتشوهات الجسدية إذا لم تمارس الرياضة في عمرك لكنك لن تصاب بأي أمراض لا جسدية ولا نفسية إذا عشت بدون إشباع الرغبة الجنسية العمر كله!
C7 احتياجك لإشباع الرغبة الجنسية والتي إذا لم تشبعها فلن تموت خنقًا، ولن تموت عطشًا، ولن تموت جوعًا، ولن تفقد عقلك وينهار جهازك العصبي، ولن تمتلىء بالأمراض، لكن كل ما ستشعر به هو أنك محروم من متعة معينة قد خلقها الله! لكن تذكَّر أنه توجد في الحياة متع غيرها يمكنك الاستمتاع بها. ومن جانب آخر لا يوجد من حولك إنسان حصل على كل المتع، وبالتالي فالحرمان من متعة واحدة ليس هو نهاية الكون.
أقول لمن سقط في العادة السرية من الشباب أو الشابات بعض الملاحظات:
أعرف أن الكثيرين يعانون من السقوط في هذه العادة، وكثيرون يجاهدون بشدة للإفلات من براثنها، ولا يستطيعون. وكثيرون قد استسلموا لها يائسين. وأعرف أن البعض قد هوَّل من نتائجها ليرعب الشباب منها، حتى وصل إلى ادّعاء أن من يفعلها سيصاب بالعمى، وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة. والبعض الآخر هوَّن من نتائجها فاعتبرها بدون أضرار على الإطلاق، وهذا أيضًا غير صحيح بالمرة. والمساحة هنا في هذا المقال لا تكفي للكلام بالتفصيل عنها، لكنني فقط أقدِّم لكم بعض الأفكار التي أرجو أن تساعدكم في طريق الهروب منها:
- دعونا نعترف ونُقِّر بأن الغاية الوحيدة من وراء ممارسة هذه العادة هي الإشباع والاستمتاع الذاتي مع نفسك بالشيء الذي تعتبر أنه ملكك، ألا وهو جسدك. وهذا بالطبع ليس هو على الإطلاق غاية الله من وجود الرغبة الجنسية لدينا. فقد أوجدها الله من أجل الإشباع المتبادل بين شريكين، وليس من أجل إشباع الفرد لذاته. كما أن شعورك بأنك تملك، أو تملكي، هذا الجسد هو شعور غير صحيح بالمرة؛ فنحن مجرد وكلاء على هذا الجسد، وإذا لم نحترمه ونستعمله بصورة صحيحة فإننا نكون غير أمناء. وعليه عندما تنتابك الرغبة في ممارستها قل لنفسك: ”لن أكون خائنًا وأستعمل جسدي بطريقة خاطئة“، أو قل لنفسك: ”لن أكون لصًا وأسرق لذة بطريقة غير صحيحة“.
- هذه الممارسة تعمِّق الأنانية في الشخص الذي يمارسها، بينما ينبغي عليكم في هذا السن أن تبدأوا تدريبًا أراه في غاية الأهمية لكم، ألا وهو التدريب على محاربة الأنانية. فنحن نولد – أحبائي - وبنا كَمّ مخيف من الأنانية، وأنانيتنا هذه هي المعطِّل الأكبر لكل نجاح روحي ونفسي حقيقي في حياتنا. وعليه ينبغي علينا أن نبدأ مبكرًّا جدًا في محاربتها، لا أن نستسلم للعادة التي تعمِّقها وتزيدها. لذلك كلما تنتابك الرغبة في ممارستها قل لنفسك: ”لن أكون أنانيا وأستسلم“.
- هذه الممارسة تؤثر سلبيًا على العلاقة الزوجية في المستقبل؛ إذ تجعل من اعتاد ممارستها لا يجيد فهم الاحتياجات الجنسية لشريك الحياة، لأنه يصبح محصورًا في إشباع رغبته هو فقط. كما أن هناك نظرية علمية تربط بينها وبين سرعة القذف عند الرجال، وهذا بالطبع له أثره السلبي على الحياة الزوجية.
- هذه الممارسة تمارَس في الخفاء، ولذا فهي من خفايا الخزي التي ينبغي أن نرفضها (2كو4: 2). إذ أن كل ما نخجل من ذكره أمام الآخرين علينا أن نمتنع عنه من الأصل
- معاناة الشعور بالذنب التي تلحقها، والتي تستمر طويلاً، لا تساوي أبدًا المتعة الجسدية التي تحصل منها، والتي لا تستمر إلا للحظات قليلة.
- الهروب في لحظة هجوم الرغبة واشتعالها في جسدك هو أضمن وسيلة للنجاة. وهناك ما أسميه ”الهروب العلاجي“، وما أسميه ”الهروب الوقائي“:
أ- الهروب العلاجي
أقصد به كيف تهرب لحظة هجوم الرغبة عليك، وهو أنواع:
- الهروب الفكري: تغيير الفكر يؤثر على شعورك بالرغبة؛ فاهرب من الأفكار الجنسية التي أشعلت الرغبة في جسدك إلى فكرة آخرى تطفئ نار الرغبة، كأن تفكر مثلاً في محبة المسيح لك، أو في عين الله التي ترعاك وتحفظك كل الوقت، أو آية تكون قد قرأتها، أو سؤال تبحث له عن إجابة، فكرة علمية مثيرة، شيء يخص دراستك أو مدرستك، فكرة سياسية أو اقتصادية أو رياضية هي حديث الساعة عند الناس في هذا الوقت، إلخ.
- الهروب العاطفي: لا يطرد الشعور إلا شعور آخر. اصرف فكرك بسرعة إلى موقف ينتج فيك شعورًا قويًا ينجح في أن يطرد، أو على الأقل يخفِّف، من شعورك بالرغبة الجنسية، كأن مثلا تفكر في مآساة مريض في العائلة أو في الكنيسة يعاني، أو استدعي لذهنك صورة رأيتها في صفحة الحوادث لشخص منكَّس الرأس تم القبض عليه بسبب خطية جنسية، تذكَّر آلاف المرضى المحرومين من جسد صحيح مثلك وآلاف الجياع المحرومين من رغيف الخبز الذي تملكه أنت، تذكَّر معاناة والديك للإنفاق عليك، تذكر النتائج السلبية على جسدك وعلى ضميرك التي تتركها هذه العادة وقصر مدة المتعة التي تحصلها من وراءها... إلخ.
- الهروب المادي: أي تغيير في المكان، يؤثِّر حتمًا على حجم ونوع الشعور. لا تبقَ أبدًا في المكان الذي انتابتك فيه الرغبة، قم على الفور وغيِّر النشاط الذي كنت تمارسه. قم اقرأ، صلِّ، غيِّر ملابسك، كلّم شخصًا عبر التليفون، اجرِ أي حديث مع أي فرد في البيت، اهرب من المكوث وحيدًا في البيت، إلخ.
ب- الهروب الوقائي
وأقصد به أن تعيش حياة الهروب من الشهوة، وليس فقط الهروب في لحظة هجومها عليك. لأنه في الواقع سيكون من الصعب على من لم يتعلم الهروب قبل أن تفاجئه الخطية أن يهرب منها عندما تفاجئه. وهو أنواع:
- الهروب الروحي وهو أقوى أنواع الهروب، وأقصد به أن تعيش في مخافة الرب اليوم كله، وأن تجعل الرب أمامك في كل حين، وأن تواظب على الصلاة كل حين. وهذه الأمور تتم بتدريب نفسك على الحديث المستمر مع الرب في كل مكان، وبالاجتهاد في ممارسة الخلوة اليومية. الاشتراك في إحدى الخدمات يحميك. الهروب من أي قراءات أو مشاهدات أو أحاديث تغذي فيك خيالك الجنسي، إلخ.
- الهروب النفسي: ”استفد من الحرمان“. أ يوجد منّا مَن لم يسمح له الرب بأي حرمان؟! وهذا بحكمة منه. لذلك اكتشف مجال حرمانك واشكر الرب عليه ودرِّب نفسك على قبوله. فلا ترثِ لنفسك لأنها محرومة من هذا الشيء، بل على العكس درِّب نفسك على أن تقول لنفسك::”لا“. ولقد كتبت مرة هذه العبارة منذ سنوات طويلة، أكررها لكم هنا لعلها تفيدكم، فقد أرجعت نجاح يوسف في الهروب من الخطية إلي تدرّبه على قبول الحرمان الذي سبق تعرضه للخطية فقلت: ”من تدرَّب كثيرًا على أن يقول لنفسه: لا، أمام رغباتها المشروعة لعدم توافرها، سينجح في أن يقول لنفسه: لا، أمام رغباتها غير المشروعة على الرغم من توافرها“.
- الهروب الجسدي: الحمام اليومي، وعدم المكوث بملابس النوم طول اليوم في البيت في الإجازات، وممارسة الرياضة بانتظام، عدم إغلاق باب الحمام من الداخل، عدم الذهاب للفراش إلا عندما يغلبك النعاس، الابتعاد التام عن أي مواقع أو قراءات أو مشاهدات تثير الرغبة عندك، وغيرها، تساعدك على الهروب الوقائي من الرغبة الجنسية.
- أخيرًا، تذكَّر أن رحلة حياتنا الروحية على الأرض هي معركة طويلة، وليست موقعة واحدة. فإن خسرت موقعة، أنت لم تخسر المعركة. قُم وانتفض من هزيمتك، وتهيّأ للموقعة القادمة، متكلاً على الرب الذي يحبك ويرثي لضعفك. وتذكّر أن فشلنا هو أعظم مصدر لخبراتنا، فاستفد من فشلك السابق لتحقِّق نجاحك اللاحق. لا تستسلم أبدًا لفكر إبليس أن النجاح مستحيل؛ فالرب لا يريدك إلا ناجحًا.
ثالثًا: الصراع مع الأباء
لا يتسع المجال هنا للتفصيل في هذا الأمر الهام، لذلك سأكتفي بفكرة واحدة:
بدخولكم مرحلة المراهقة بدأت مرحلة الاستقلال التدريجي عن الأهل، والتي تنتهي بالاستقلال التام عنهم ماديًا ومعنويًا بالزواج، حين يترك الواحد أو الواحدة منكم أباه وأمه ويلتصق بشريك حياته لتكوين وحدة جديدة مستقلة. وهذا الاستقلال مؤلم للعائلة، على الرغم من كونهم يتمنونه لكم إذ يفرحون بمجرد تخيّلكم رجالاً ونساءً ناضجين في بيوتكم الخاصة. لكن يبقى أن الأمر مؤلم لهم أثناء حدوثه التدريجي، بسبب يقينهم من قلّة خبرتكم لمواجهة الحياة في هذه السن بمفردكم، وبسبب تشكّكهم في صحة اختياراتكم وقراراتكم. ومن هنا يحدث الاختلاف ابتداءً من المسائل البسيطة، مثل اختيار الملابس ونوعية الطعام، ثم نوعية الأصدقاء، ويتطور لما هو أهم وأخطر، كأي قرار يؤثر على أمنكم وسلامتكم وكل ما يختص بمستقبلكم.
وأكتفي هنا بأن أذكركم فقط بشيئين:
- تذكروا أن الله قصد أن يكون الاستقلال عن الأهل تدريجيًا جدًا جدًا، على مدار أكثر من عشر سنوات. إذًا فهو حدَّد له سرعة بطيئة للغاية، وبالتالي لا تستعجلوا أبدًا ما قصد له الإله الحكيم أن يكون بطيئًا. لا تزيدوا من السرعة وإلا ستنقلب بكم سيارة الاستقلال، فلا أنتم تمتعتم بالاستقلال ولا بالسلام مع الأسرة:
- عليكم بالاعتراف والإقرار أنه عندما تبدأ عملية الاستقلال التدريجي من جانبكم، تكون خبرتكم بالحياة قليلة، فتكون اختياراتكم في كثير من الأحيان خاطئة، بل وأحيانًا تهدِّد سلامتكم، مما يثير الذعر عندهم عليكم ويقلل من ثقتهم في بقية اختياراتكم، حتى ولو كانت صحيحة. لذلك لا تنزعجوا من حرصهم الزائد في مناقشة أي قرار أو اختيار قادم لكم، ولا تنسوا أن الأهل عاشوا لمدة أكثر من عشر سنوات وهم يرونكم ويعاملونكم على أنكم أطفال، فلا تطلبوا منهم بين يوم وليلة أن يعاملونكم ككبار. ولا تنسوا أنكم أنتم إلى الآن فعلاً لستم بالكبار الناضجين القادرين على الاستقلال التام.
رابعًا: ضغط الزملاء
بمجرد دخولكم هذه المرحلة العمرية، يكتسب الأقران قيمة كبيرة لديكم. فلقد بدأت مرحلة الاستقلال التدريجي عن الأسرة، وبالتالي فالمساحة التي تقتطعونها من علاقتكم بالأسرة لا بد أن يشغلها آخر، فلا تجدوا إلا الزملاء.
من جانب آخر، في مجتمع الأقران الكل له نفس الاهتمامات والرغبات والصراعات والكل في نفس العمر، فلا توجد الاختلافات الموجودة في الأسرة من حيث النوع والعمر والسلطة، وبالتالي تشعرون بأنكم تنتمون لعالم الأقران أكثر من انتمائكم لعائلاتكم.
المشكلة أنكم ترون أنفسكم في عيونهم، ويهمكم للغاية رأيهم؛ فإذا أبدوا إعجابهم بكم أو حتى قبلوكم تكونون في غاية السعادة، لكن إذا سخروا منكم أو حتى لم يبدوا اهتمامًا بكم، صرتم في غاية التعاسة.
وهنا تصبحون كالعبيد عندهم، تتمنون رضاهم. والمشكلة أن كثيرين منهم ليس عندهم أدنى مخافة للرب الذي أنتم تحبونه، وربما لا يمتلكون أي قدر من الأخلاق الصالحة، لذا فهم أشرار في ألفاظهم ونواياهم وسلوكياتهم، وكثيرًا ما، لكي ترضوهم، تخضعون لهم وتقلدونهم، وهنا تنشأ العادات الرديئة، والتي قد تظل تصحبكم طول العمر!
خامسًا: الشعور بالنقص
في دراسة أجريت في الولايات المتحدة على المراهقين من الجنسين، وجدوا أنه لا يوجد مراهق واحد لا يعاني من الشعور بالنقص في مجال من ثلاثة مجالات وهم الجمال الجسدي والذكاء والمال. وفي دراسة ثانية أجريت على مسألة الشعور بالنقص من جهة الجمال الجسدي على البنات، اختاروا عشر بنات تم اختيارهن كملكات جمال أمريكا في سنوات مختلفة، وثبت أن العشرة كانوا أيضًا يعانون من الشعور بالنقص من جهة شكلهن الجسدي في مرحلة المراهقة!
لذلك أقول لكم: لا تنزعجوا من هذا الشعور فهو سيزول تماما بنهاية هذه المرحلة. لكن عليكم أن تتعلموا من الرب، ومن قادتكم وأسركم، كيف تتعاملوا مع هذا الشعور البغيض، روحيًا بإدراككم الأعمق لنظرة الرب لكم، وبالتقدير الصحيح للأمور، بالاهتمام بالجوهر لا بالمظهر. بل تتعلموا كيف تحققون استفادة من وراء هذا الشعور، بتطوير قدراتكم واكتشاف مواهبكم وتعميق علاقتكم مع الرب ومع الآخرين.
سادسًا: تقلب المزاج والحالة النفسية بصفة عامة
هذه واحدة من سمات مرحلة المراهقة، ولا سيما عند البنات؛ فالانتقال سهل جدًا من الحزن للفرح والعكس، وحالات الاكتئاب بدون سبب تكثر، والرغبة في البكاء، ولا سيما عند البنات، تأتي بدون مقدمات. والشعور بالرغبة في شيء معين، مثل الذهاب لرحلة ما أو الذهاب مع الأسرة لزيارة ما، ثم العدول عنها على آخر لحظة بدون إبداء أسباب! وشراء شيء ثم رفضه بعد شرائه. وغيرها.
هذا التقلب يرجع إلى عوامل نفسية متعدِّدة، وكذلك عوامل فسيولوجية في المخ، كعدم اكتمال العزل الكهربائي للجزء المسؤول عن العواطف في المخ، وكذلك تقلّب الهرمونات والتي تؤثر على المشاعر والرغبات.
وعليه فالتروّي من جانب المراهقين، والصبر وفهم أن هذا طبيعي، وبالتالي عدم الفشل من أنفسهم، مهم جدًا. كذلك التفهم لطبيعة المرحلة من جانب الأهل أكثر أهمية، حتى يتم عبور هذه المرحلة بسلام.
سابعًا: المعاناة الفكرية والشكوك حتى في المسلَّمات
يختلف المراهقون، طبقًا لنوعية جيناتهم الوراثية، في حدة هذا الأمر. فبينما تكون خفيفة، لا تمثل معاناة مع بعضهم، تصل إلى حد المرض النفسي مع البعض الآخر. إلا أنه لا يوجد مراهق لا يتشكّك من جهة المسلَّمات. وهذه ظاهرة صحية ينبغي الاستفادة منها، بشرط أنكم تتعاملوا مع شكوكم بهدوء، واجعلوا هذه الشكوك فرصة لمراجعة المسلَّمات، لكي تكون في النهاية هي قناعاتكم الشخصية. لكن تذكروا أن الدراسة الجيدة تحتاج لوقت طويل، فلا تستعجلوا، وتذكروا أن المثالية في كل شيء غير موجودة.
أخيرًا أترككم على وعد بأن أكتب لكم - فيما بعد - بالتفصيل ما كتبت عنه باختصار في هذه الرسالة. وأصلي من قلبي أن يبارككم الرب ويحفظكم لكي لا تخرجوا من فترة المراهقة بأي عاهات نفسية أو روحية، بل على العكس تحقّقوا فيها نجاحات على كل المستويات الروحية والنفسية والجسدية تظل تصحبكم باقي عمركم.