عدد رقم 1 لسنة 2009
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رسالة إلى أسرة المراهق  
أعتقد أن وجود فتى أو فتاة، في الأسرة، في مرحلة المراهقة، هو واحد من أكثر الأمور التي تسبب توترًا في أي منزل.  وهذا قد لا يكون بسبب عيوب خاصة في شخصيات أولادنا، وقد لا يكون أيضًا بسبب عيوب في طريقة تربيتنا لهم في سنوات الطفولة؛ لكن لأن التوتر الشديد والتقلب المزاجي السريع هو أهم ما يميز هذه المرحلة من العمر. 

هذا ما رأيته في أبنائي وفي أبناء كثيرين من إخوتي المؤمنين الأتقياء الذين أثق في محبتهم للرب وحكمتهم، وتنشئة أولادهم وتربيتهم بتأديب الرب وإنذاره.  لكن الجميع أجمعوا على أن مرحلة المراهقة من أصعب المراحل في حياة الأبناء، وهي لذلك أكثر المراحل التي تحتاج إلى حكمة شديدة ونعمة خاصة من الرب  لكي نصل بأبناءنا فيها إلى بر الأمان.

ومن واقع خبرتي، كأب لشاب وفتاة مراهقين، يكادا الآن أن يتخطيا هذه المرحلة الخطيرة من العمر؛ أريد أن أشارك إخوتي آباء وأمهات المراهقين ببعض الخبرات التي اكتسبتها من خلال علاقتي مع أولادي.  ولا أدعي أني استطعت أن أنفذ كل ما سوف أكتبه، كل الوقت؛ لكن على قدر ما استطعت فعلت، وأحيانًا بعد الوقوع في الخطإ كنت أكتشفه بمساعدة خدام الرب ومن خلال كلمة الله.  وكنت أعرف أين المشكلة، وفي ماذا أخطأت، وماذا كان ينبغ عليً أن أفعله في المواقف التي تنشأ خلال تعاملي معهم.

قبل أي حديث عن كيفية التعامل مع أبنائنا المراهقين، أعتقد أن كل أسرة مؤمنة تتفق معي على الأهمية القصوى والأولى للصلاة من أجلهم.  إخوتي الأحباء إني متيقن أننا لو اتبعنا أعظم الأساليب العلمية، واستخدمنا أحدث الوسائل في التربية دون أن نرفعهم يوميًا في عرش النعمة، ودون أن نصرخ ونتوسل كل يوم للرب أن يحفظهم من الشرور ”والخطية المحيطة بنا بسهولة“، وأن يعطينا الحكمة، والصبر، والمحبة التي نستطيع بها أن نتعامل مع أولادنا؛ فإنني أؤكِّد أننا سوف نفشل تمامًا في حمايتهم من أنفسهم واندفاعهم وضعفهم وحمايتهم من العالم الشرير المحيط بهم، الذي أعتقد أن شره يزداد كل يوم، فأبناؤنا يواجهون من تحديات الشر الرهيبة ما لم نواجه نحن في سنين مراهقتنا.
لذلك أقول بكل يقين أن السر الأساسي لأي نجاح في تربية أولادنا بصفة عامة، والمراهقين بصفة خاصة، هو الرُكب المنحنية والعيون المرفوعة الضارعة
إلى السيد الحبيب، الرب يسوع المسيح، من أجل نعمته الغنية، لكي يفيض بها علينا؛ فنستطيع أن نتعامل مع أبنائنا بالطريقة التي يعرف هو أنها صحيحة، لأنه هو الوحيد الذي يعرف تمامًا طبيعة شخصياتهم، وهو الوحيد القادر على معرفة الطريقة المُثلى لقيادتهم لبَرِّ الأمان.

أيضًا أعتقد أن الآية الموجودة في كورونثوس الأولى 13: 8، والتي فيها يقول الرسول بولس «المحبة لا تسقط أبدًا»، هي من أهم المفاتيح في علاقتنا بأولادنا المراهقين بالذات.  والحقيقة أنني أفهم هذه الآية بطريقتين؛ الأولى: أن المحبة لا تيأس أبدًا من أي شخص، مهما كانت حالته ومهما وصل إلى أي انحدار.  أوَ ليس هذا ما اختبرناه جميعًا في تعامل سيدنا الحبيب معنا، عندما كنا في جهلنا وشرنا وفساد قلوبنا بعيدين عنه؟!  أ لم يظل يلاحق كل واحد منا بمحبته ونعمته حتى أتى به إلى شخصه الحبيب وأنقذه من الهلاك والعذاب الأبدي؟!  لذلك أعتقد أن محبتنا لأولادنا، وإظهار هذه المحبة بوضوح، بالكلام والأفعال، في أوقات كثيرة هي من أهم ركائز النجاح في تربيتهم.
لكن أيضًا أستطيع أن أفهم هذه الآية العظيمة بأن المحبة لن تفشل فيما تسعى إليه.  وهذه يريحني ويطمئني، أن محبتي لهم سوف تأتي في النهاية بالثمر الذي أرجو أن آره فيهم.

لكن لأن فترة المراهقة، كما سبق وذكرت، هي أكثر الفترات تقلُّبًا وتغيّرًا في حياة الإنسان، لذلك على والديً المراهق أن لا يفزعوا من تصرفات أبنائهم، مهما بدت غريبة أو غير مألوفة لهم.  لأن الشباب في هذه السن ينجذبوا بشدة إلى الأصدقاء، وبعد أن كان الأب والأم هم المثل الأعلى والصديق الأقرب، يصبح الأصدقاء لهم المرتبة الأولى في الأهمية بالنسبة لهم.  لذلك عندما تفاجأ الأسرة بسلوك غريب من الفتى أو الفتاة المراهقة، مثل طلب ملابس غريبة أو محاولة لفت الأنظار بطريقة شاذة لا تتفق مع المبادئ التي يقوم عليها المنزل؛ فعلى الوالدين أن يجتهدوا أن يضبطوا أنفسهم، ولا يتخذوا ردّ فعل عنيفًا رافضًا تمامًا لهذه التصرفات الغريبة، وإلا سوف تكون النتيجة هي طاعة ظاهرية أمام الأسرة، وحياة خاصة خارج المنزل فيها يفعل الأبناء كل ما ترفضه الأسرة.  بل إن العناد قد يصل بهم إلى انحرافات خطيرة لا يمكن تخيل عواقبها.  لذلك فإن مناقشة هذه التصرفات بهدوء، وعلى أساس من المحبة، والثقة المتبادلة بين الأهل والأبناء، التي لا بد أن تكون قد بُنيت في سنوات ما قبل المراهقة، ستقود الفتى أو الفتاة إلى مراجعة أنفسهم وإلى اتخاذ قرارهم الخاص إما بالعدول عن هذا السلوك أو محاولة الوصول إلى حل يتفق مع مبادئ الأسرة.

أيضًا في حالة اكتشاف وقوع الأبناء في خطية، فإني أعتقد أن الثورة والعقاب هما أسوأ رد فعل ممكن أن يتخذه الآباء، لأنه يُزيد الأبناء عنادًا وتماديًا في الخطإ.  لكن عندما كنت أكتشف وقوع ابني في خطإٍ معيّن كنت أصلي كثيرًا قبل أن أتكلم معه، ثم أطلب منه أن نجلس سويًا لنتحدث كأصدقاء في أمر هام.  وأبدأ الكلام بأن أُعلن له بوضوح أني أعرف ما فعله، دون لوم أو توبيخ، لكن بإظهار كل مشاعر الحب والخوف الشديد - الحقيقي- من نتائج هذا الخطإ، الذي أوضّحه له بكل أمانة، وبدون مبالغة أو تهوين.  وعندما كان ابني يطمئن إلى رد فعلي، كان يبدأ في مناقشة الأمر معي.  وبعد تفنيد كل المبررات بطريقة منطقية واضحة مؤسسة على كلمة الله - التي يجب أن تكون هي المرجع الأساسي في أي حوار في الأسرة - كنا نبدأ في مناقشة الطريقة التي سوف يستطيع بها تجنب تكرار هذا الخطإ مرة أخرى.  ونصل سويًّا إلى قرارت، أحاول في كل مرة أن تكون قرارته هو، والتي سوف أساعده أنا في تنفيذها.  وكم كنت أشعر بسعادة عندما يأتي ليخبرني بأنه قد نفذ ما قد اتفقنا عليه.

أيضًا أعتقد أن واحدة من أكبر مشاكل هذا السن هو محاولة التمرد الشديدة على الوالدين، قد تصل إلى سلوك غير لائق تجاه أحدهما أو كليهما.  وهذا بسبب الاندفاع والتوتر الشديدين اللذين يميزان هذه المرحلة.  وإني أعتقد أن رد الفعل العنيف لهذا السلوك، ومحاولة فرض الاحترام بالقوة لن يأتي بثمر يُذكر، بل قد تؤدّى إلى مزيد من التمرد والعناد.  لكن الهدوء التام والنظرات الحاسمة ينبغي أن يكونا رد الفعل الأول لأي سلوك غير لائق أو ثورة أو اندفاع من الأبناء.  ثم بعد ذلك، بعد الهدوء، يبدأ العتاب المبني على الحب، الذي فيه يُظهر الأب أو الأم رفضه التام وحزنه الشديد من هذا التصرف، لما فيه من عدم احترام وعدم تقدير.  ومن المهم جدًا أن يقوم الأب، في هذه الحالة، بتذكير الفتى أو الفتاة بأن العلاقة بينهما تقوم على الاحترام المتبادل الذي يجب أن يحرص كليهما على استمراره للحفاظ على علاقة محترمة لا يستطيع أي منهم المغامرة بانهيارها.
هذه كانت بعض الأفكار البسيطة التي أتمنى أن تكون مُعينة لإخوتي في تعاملهم مع أبنائهم المراهقين.  لكن كما قلت في البداية، فإن كل يوم في حياتنا معهم يحتاج إلى معونة خاصة من الرب؛ لذلك دعونا نسرع إلى عرش النعمة؛ لكي ننال رحمة، ونجد نعمة، عونًا في حينه.

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com