عدد رقم 1 لسنة 2009
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يا أولياء الأمور.. استيقظوا  
رسالتي لكم هي من طبيب نفسي مؤمن، وبسبب طبيعة عملة يعيش وسط عالم المشاكل والأزمات، ويرى ويحاول أن يحدِّد دور أي فرد في أي مشكلة.  وبصدق، من أكثر المشاكل التي تفرض نفسها في المرحلة الحالية من الحياة، هي مشاكل البنين والبنات في سن المراهقة، مع أنفسهم ومع آبائهم، والتي أصبحت معقّدة جدًا، ومهدِّدة للحياة وللعائلات، ومختلفة عن مشاكل المراهقة في أجيال أخرى.  ومع أن كل فرد يحمِّل الآخر المسؤولية كاملة في المشكلة، لكننى بمراقبتي لدور الأبناء من ناحية، ودور أولياء الأمور من ناحية أخرى، أرى أن الأخطاء مشتركة بين جميع الأطراف.  ولأن كلامي هنا هو لأولياء الأمور، فأقول إني كثيرًا ما أشعر أن الأبناء ضحية لأخطاء أو إهمال أو عدم دراية أولياء الأمور.

ورسالتي هي لكل الآباء، مهما كانت طبيعة عملهم وحجم مشغولياتهم.  قد تكون رجل أعمال مشغول جدًا، أو خادم إنجيل متفرغ والخدمة تمتص أغلب وقتك وطاقتك، فالأمر بصدق يحتاج إلى وقفة جادة، ومراجعة، والاقتناع بأن هناك ضرورات في الحياة هي أهم من أي شيء آخر، تتطلب وقتًا ووعيًا وجهدًا.  وأى شيء في الوجود أعطاه الله لكم أهم من الأبناء؟!  وأرجو أن تعلموا أن الأم وحدها لا تكفي في مواجهة هذا الاحتياج؛ فالله حدَّد لكل طرف مسؤولياته التي يستحيل أن يقوم بها الآخر، طالما أنه موجود. 

وبمعونة الرب سأناقش معكم المشكلة، وما هو جديد فيها، ثم بعض الاقتراحات والتحذيرات التي أصلّى أن تساعد على الحل.

أولا: معاناة المراهق العادي
 
فى جميع الأجيال، المراهقة مرحلة متميزة، فهي عنق الزجاجة التي يعبُر من خلالها الشاب والشابة، من الطفولة إلى النضوج، أيًّا كانت شخصيته أو تركيبته.  إنها قوة اندفاع الشاب للخروج من شرنقة الطفولة إلى عالم الشباب ثم الرجولة.  وفي هذا الصدد دعني أتحدث في بعض النقاط الهامة:-
1- الاستقلالية: التحول التدريجي من دفء وسهولة الاعتمادية على الوالدين، في الاختيارات وفى اتخاذ القرارات، إلى الاعتماد التدريجي على النفس، من أبسط الاختيارات والقرارات إلى أصعبها، والاستقلال عن الآخرين، والشعور بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح في المواقف المختلفة المناسبة لسنِّه.  ولا بد من إعطائه المجال ليتخذ قراراته، ولتحمّل نتائج أخطاء هذه القرارات في البداية؛ لأنه في مرحلة التدريب.  «لما كنت طفلاً، كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن، وكطفل كنت أفتكر.  ولما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل» (1كو 13: 11).
2- التحكم في الميول الغريزية: الغريزة الجنسية تنشط في عملها في هذه السن، فيشعر بميول جديدة بالنسبة له، تتعارض مع مبادئه التي تربى عليها وتحاول إرغامه؛ فتمثِّل تحدٍّ آخر لإرادته.  ودائمًا الشيء الجديد والغريب يأخذ حيّزًا كبيرًا من الفكر.  كما أنه يشعر أنه تغيَّر إلى الأسوأ، وأنه الوحيد الذي يعاني من هذه الحالة.  وأحيانًا، بسبب ذللك، يشعر أنه مهزوم، وأحيانًا يشعر أنه مرفوض.
3- إثبات الذات: هناك ميل لإظهار قوة التحدى في داخله، والانتماء للأشياء الكبيرة والعظيمة، وأنه يستطيع أن يفعل ما يفعله الكبار، وأن يقول ما يقولونه؛ ليثبت ذاته أمام نفسه وأمام الآخرين.  لذلك يبغض جدًا كلمة ”لا يستطيع“.  لأنه انتقل من عالم الأطفال إلى عالم الكبار.
4- بإرادته يبدأ في تقوية الروابط بمن هم أكبر منه سنًّا من جنسه، ويُسَرّ بالانتماء إليهم، ويختار أناس لهم صفات معيَّنة ليعتبرهم قدوة له في الآداء ونماذج أمامه للمستقبل.  ومهم جدًا أن يكون أمامه نماذج محترمة يقتدى بها.  وأفضل الأوضاع أن يكون الأب نموذجًا للأولاد والأم نموذجًا للبنات.
5- سن الصداقة: يختار أصدقاء من سنه ومن جنسه، يشعر أنهم يشاركونه نفس مشاعره ونفس طريقة تفكيره ونفس معاناته.  ويميل لتكوين ”الشِلَل“ والانتماء إليها، ويكون لهم تأثير كبير عليه.  وكم من شباب تغيّرت أخلاقهم في هذه المرحلة العمرية نتيجة هذا المؤثِّر.
6- تحديد الهوية: في نهاية مرحلة المراهقة، يفكِّر الشخص في نفسه، ويريد أن يتعرف على نفسه، كشخصية متميّزة؛ له خصائص معينة، له مهارات، وعنده إمكانيات يمكن استخدامها ومرغوبة من الآخرين.  عنده ميول غريزية محدَّدة يمكن التحكم فيها.  مقبول من نفسه ومقبول من الآخرين.  يعرف من هو.  يفكِّر في نفسه كرجل ويطمئن أن الآخرين يقبلونه ويسرّون به كرجل متميّز يُعتمد عليه، وليس كطفل.
7- العواطف: تتميز هذه المرحلة بعدم استقرار العواطف واضطرابها.  فتكون متقلّبة بين الهدوء أحيانًا وثورات الغضب أحيانًا أخرى، بين الفرح والحزن، بدون وجود سبب منطقى يفسِّر هذا التغير في المشاعر.  لكن هذا يحدث نتيجة التغير في الهرمونات.  كما أنه في عواطفه لا يعرف الوسطية، فاذا أحب يحب بكل كيانه أو يبغض بكل كيانه.  فيميل أكثر إلى التطرف، وإذا تغيَّر يتغير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من قمة الحب - مثلاً - إلى قمة الكراهية. 
وبسبب عدم استقرار المشاعر مع الميول الغريزية الجديدة غير الناضجة، قد يدخل في بعض المشاكل العاطفية، وهي محاولة للتنفيث عن التوتر الشديد الذي يعاني منه.  وعدم الوقوف بجانبه للمساعدة على الوفاء بهذه الاحتياجات والمرور من هذه المرحلة بسلام، قد يكون له نتائج نفسية وآثار سلبية تستمر في كيان الشاب ويعاني منها، مثل:-
  •  إعاقة تحديد الهوية تجعل الشاب يتمرد على السلطة التي أعاقته.  كما أن عدم قبوله لنفسه يجعله يشعر بالذنب.  وشعوره بعدم قبول الآخرين له يجعله يشعر بالنقص.
  •  إعاقة استقلاله تجعل له تصرفات ذات طابع عدواني، تعبِّر عن محاولة الاستقلال عن ممارسة السلطة المنزلية وسطوتها عليه.  هذا الجو يملأ نفسه بالمخاوف وعدم الأمان، الذي قد يقوده إلى صنع مظاهر البطولة الزائفة.
  •  زيادة التوتر نتيجة عدم التحكم في غرائزه قد يؤدى إلى السقوط في عادات سيئة، أو لجوءَه للآخرين لإزالة توتره؛ فيسقط في قصص حب وهمية.
    كل ما سبق، هو أبسط الاحتياجات والمشاكل العادية المعروفة ربما لجميع أولياء الأمور.  والغالبية العظمى من الشباب يمرون بها بسلام، وغالبية الأهل يساعدون على المرور بها.  والمشغولية الدراسية مع بعض الهوايات والأنشطة البسيطة، كانت كفيلة أن تكون غرضًا يملأ كيان الشاب والشابة، فيساعده أيضًا على المرور بسلام.  وكانت هذه المشاكل تنتهي تلقائيًا بانتهاء تلك المرحلة.  لكن هل الأمور حاليًا هكذا أم تغيرت؟

    ثانيًا: الجديد في المشكلة


    تغيَّرت طبيعة الحياة وشكلها، ومع أن المراهقة هي المراهقة في جميع الأجيال، لكن العوامل المؤثرة على الشاب المراهق قد تضاعفت وتعقدت جدًا.  وأخذت أشكالاً مختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة.  مما جعل معاناة المراهق أضعاف ما كانت سابقًا، واحتياجاته أيضًا تزايدت.  وبدون مبالغة، 90% من البيوت التي فيها هذا السن من الشباب، حاليًا يعيشون في أزمة، بل في رعب وخوف.  وأغلب شباب هذه السن، ما لم يتم العناية بهم بطريقة مكثّفة جدًا، معرَّضون للضياع.  فهناك ضغط مرعب من قوى خارجية شديدة التأثير، وكثير منها مُغرٍ أو محبَّب للشباب تحاول ابتلاعهم.  والشيطان، وهو عالم أن الباقي له زمانًا يسيرًا، أصبح يركِّز جهوده على اقتناص الشباب في شباكه، فيفسد حياة المؤمنين منهم، ويطوِّح بالخطاة بعيدًا عن الله تمامًا، مستغلاً أمورًا كثيرة، منها صنع فجوة بين أولياء الأمور وأبنائهم، ينشأ عنها إهمالهم لهم وعدم وعيهم بهم، وتركهم بين يدي الشيطان القاسية القتّالة.  هذه المتغيرات هي تحقيق لما هو مكتوب في الكتاب المقدس عن الأزمنة الاخيرة، والسِمات المميّزة للناس فيها، سواء الشباب أو أولياء الأمور.  فالشباب أخذوا بعض الصفات، وأولياء الأمور اتصفوا بالبعض الآخر، كما سنرى.

    بالنسبة للشباب
  • تيار الشر أصبح عنيفًا ومتزايدًا، لا سيما في الأمور الجنسية.  فأصبحت الخطية تلحّ عليهم بشدة، مستغلة المرحلة العمرية والقوة الغريزية.  وما كان أقلية من المراهقين قديمًا يسعون نحوه، ويبذلون مجهودات عنيفة للحصول عليه، وغالبًا لا ينجحون؛ أصبح الآن معروضًا، وبغزارة، وبكل الطرق، وعلى الجميع حتى على الأبرياء والبسطاء منهم.  فالخطية، في أبشع اشكالها، في متناول أصابعهم، بل إنها تلحّ عليهم أكثر من إلحاح امرأة فوطيفار على يوسف قديمًا (تك 39: 7-12).  والعالم الغربي قد تعامل مع هذه المشكلة بما أسماه ”الحرية“، وأباح العلاقات الجنسية بين الشباب بدون زواج، وأصبح المجتمع لا يدينها، وذلك بدعوى تجنب ما يسمونه ”الكبت الناشىء عن إثارة الغرائز“، وألا يمثل هذا ضغطًا على الأبناء!  فهل تتركون أبنائكم فريسة لهذا كله؟!  وهل أعددتم العدة للوقوف بجانبهم، أم تكتفون بالشجب والإدانة والنبذ والتهديد.
  •  تساقطت المبادىء الثابتة، والتي كانت بالنسبة لهم غير قابلة للنقاش.  تشكَّكوا فيما تعلموه في طفولتهم، وتغيرت بالنسبة لهم قيم الخطإ والصواب.  فاهتزّت الحياة تحتهم، وساد مبدأ أن ما يفعله الغالبية هو الصحيح، حتى لو تعارض مع المبادىء والقيم البديهية.  هذا مع سيادة مبدإ اللذة والمتعة؛ فأصبح أهم شيء في هذا الجيل كيف يُسعد الشاب نفسه، بغضّ النظر عن الخطإ والصواب، وأصبح العالم يقدِّم بكل الجاذبية كل ما هو ممتع، ويمسح من الذهن فكرة أن هذا خطأ؛ فأصبحت إمكانية انحرافهم سهلة.  أليس هذا تحقيقا للقول «محبّين للذات دون محبة لله»؟   وألا يمثِّل هذا ضغطًا آخر على نفسياتهم؟
  •  التسليم بصحة كلام الأب أو الأم وتوجيهاتهم ونصائحهم انتهى دوره.  فكل شيء قابل التشكيك والمناقشة والإقناع.  وأحيانًا يُنظر إلى أولياء الأمور على أنهم الجيل المتخلِّف، والذي لا يفهم في لغة هذه الأيام، وبالتالي هو الذي ينبغي أن يغيّر أفكاره.  والسمة الغالبة للأولاد هي أنهم كبار في عينى أنفسهم «متعظمين مستكبرين...  غير طائعين لوالديهم».  أليس هذا ضغطًا آخر؟
  •  زيادة مساحة الظلمة في حياة الشباب: فالتكنولوجيا الحديثة ساعدتهم على أن يمارسوا - في الخفاء - كل ما يعلمون أنه مرفوض، وهم واثقين أننا لن نتمكن من الوصول إلى ما يخفونه أو نعرف أسرارهم.  فأصبحوا يعيشون حياة في الظاهر تختلف عن حياتهم الحقيقية.  وهذا ضغط آخر.
  •  فقدان الشعور بالسلام والأمان.  رغم ما يظنونه متع الحياة التي يعيشونها، وبسبب سرعة إيقاع الحياة والمنافسة العنيفة، وبسبب أنهم يعلمون أن ما يحتضنونه من أفكار ومبادىء غير مقبول من الله ومن الوالدين، وبسبب شعورهم بحياة الخفاء والظلمة وعدم الوضوح وعدم الصراحة؛ أفقدتهم هذه الحياة أي شعور بالأمان، وملأت نفوسهم بالاضطراب. 
  •  تغيّرت مفاهيم الحرية في جيلهم، فأصبحت تعني التسيب بلا سلطة مطلقًا.  وأصبحت السلطة وحدها غير كافية لطاعة والديهم.  لكن الأمر يحتاج أولاً إلى علاقة صحيحة لتصحيح مفاهيم الحرية عندهم، ثم ممارسة السلطة.
  •  الفراغ العميق: نتيجة كل ما سبق، ازداد الفراغ بشدة في كيان الأولاد والبنات.  فقديمًا كانت الدراسة والمنافسة فيها كفاية لتكون هدفًا يعيشون لإجله، مع بعض الهوايات البسيطة، مثل الموسيقى أو الكرة أو الرسم أو القراءة... الخ.  أما الآن، فهذه الأمور كلها غير كافية لملء فراغهم، ولا لري عطشهم.  نتيجة اتساع دائرة الفكر والحسّ عندهم، أصبح النداء الداخلي عندهم كبيرًا وبئرهم عميقة.  وهذا يشكل أسوأ الضغوط عليهم: لا يكتفون بسهولة.
  •  تيار الشر العنيف والتكنولوجيا الحديثة، مع الفراغ العميق والتشكيك في المبادىء، ألغى حالة الوسطية التي كان يعيش فيها أغلبهم قديمًا، وكانت محتملة.  فلا بد حاليًا من الانتماء، وبعمق، إما لتيار الشر، نظرًا لجاذبيته، وإما لاتجاه آخر، وبعمق أيضًا، له القدرة على التعويض وملء الفراغ والحماية من الشر.

    نتيجة هذا كله، أصبح ما كان يُبذل من مجهودات قديمًا، وقد كان كافيًا وقتها لحماية ابنائنا وبناتنا، أصبح حاليًا لا يكفى مطلقًا، والاكتفاء به يعني التقصير في حقِّهم، ويؤدي إلى خطورة انحرافهم لأيّ تيار آخر.  إنهم يحتاجون إلى أضعاف المجهود، مع اختلاف الشكل والطريقة.
    هذا عن الشباب، وما يضغط عليهم.  لكن..
    ماذا عن أولياء الأمور؟

    مع هذا الضغط الشديد على الأبناء، انخفض جدًا معدّل التزام أولياء الأمور بواجباتهم ومسؤولياتهم تجاه أبنائهم.  واستُبدلت الالتزامات الطبيعية من عطاء وحب واهتمام، ووجود الوالدين في متناول أيدى الأبناء عند احتياجهم لهم ووقوفهم بجانبهم، وطول أناة وصبر ومراقبة عن قرب وبُعد، ومهابة واحترام؛ كل هذه الأشياء الصحيحة الهامة استُبدلت بعطاء مادي، فأصبح - للأسف - همَّ الوالدين هو توفير الماديات لهم، اعتبروها أهم شيء، بحجة تأمين أولادهم.  وهم بهذا يحاولون إراحة ضمائرهم نتيجة تقصيرهم في الاهتمام والعناية، وهم لا يدرون أنهم بهذا يشاركون في ضياع أولادهم.
    الاهتمام الآخر الذي يشغل الوالدين هو إنجاز الأبناء الدراسي.  وكل الرضا أو النزاعات هو حسب مستوى الأبناء الدراسي.  فالمتفوق دراسيًا مرضي عنه ومغفورة له جميع الخطايا، والعكس صحيح.  ألا يكشف هذا صفات الأيام الأخيرة؟

    فالخطية بلَّدت مشاعر الإنسان الطبيعية، فأصبح يبحث عن ما يعود عليه بالمنفعة.  والأنانية غيَّرت الإهداف؛ فأصبح الإنجاز هو الهدف، وليس الولد أو البنت في حد ذاته، بغضِّ النظر عن الإنجاز.  هذا كله زاد من الضغط النفسي على الشباب، وبدلاً من أن يكون الوالدين هم الملاذ في الأزمة والمعين في الاحتياج، للأسف أصبحوا عبئًا على الأولاد والبنات، في الوقت الذي هم فيه في مسيس الاحتياج للاهتمام والعطاء والفهم!
واجباتكم يا أولياء الأمور
  • كلامي هو للآباء والأمهات المؤمنين، الذين يرغبون أن يظهروا الله في حياتهم، فيكونون قدوة لأبنائهم وبناتهم، وأمناء فيما أوكلهم الله عليه.
 
 لتكن نظرتنا لأولادنا وبناتنا أنهم عطية من الله لنا، بل هم أروع عطاياه، فنشكره عليهم دائمًا.  وليكونوا هدفًا نعيش لأجله، وليسوا مجرد وسيلة لتحقيق أفكارنا وطموحاتنا.  كما أنهم مسؤولية من الله، بل هم أهم مسؤوليات الحياة التي ينبغي أن نكون أمناء فيها.  والذي يفشل في القيام بهذه المسؤولية، فحتى لو نجح في كل نواحِ الحياة الأخرى، فلا قيمة لها، لأنه فشل في مسؤوليته الرئيسية.
  • إن حياة التقوى واحترام الله لا بد أن تعود على أولادنا بالبركة والخير (مز 25: 13؛ 128: 3، 4).  لكن التقوى وحدها لا تكفي، فداود كان تقيًّا، وعالى الكاهن كان تقيًّا، لكن هناك عنصر آخر لا بد أن يضاف للتقوى لكي نضمن أولادنا ومستقبلهم روحيًا وزمنيًا، وهو الأمانة.  والأمانة لا تجعلنا نكتفي فقط بتقوانا أمام الله ونصلي لأجلهم بلجاجة ونستودعهم بين يديه، بل أيضًا نقوم بما علينا تجاههم، ونعطيهم ما يستحقونه من وقت وجهد لكى نفهمهم، ونهتم بهم، ونقوم بدورنا في العطاء والملاحظة والتربية والتدريب والتقويم والتأديب.  وإذا فعلنا غير ذلك، فهذا عدم أمانة تجاه الله وتجاههم.
  •  اعلموا أولاً أنكم لا يمكن أن تكونوا على الحياد.  فإما أن تساعدوهم أو أن تكونوا عبئًا يزيد المشكلة تعقيدًا.  اهتمامكم أو إهمالكم، قربكم أو بعدكم عنهم، كلاهما مؤثر.  فلا تحاولوا التنصل من المسؤولية.  والله يعطى معونة خاصة للذين يرغبون أن يكونوا أمناء.
  •  واعلموا أيضًا أنه طريق طويل يحتاج إلى صبر ومواظبة، وليست مجرد موقف ونصيحة.  فهم في سن الشباب وليسوا أطفالاً، وبالتالي إمكانية رة حياتهم ”بالريموت كنترول“، كأيام الطفولة، أمر مستحيل؛ فهم أصبحوا شركاء في إدارة حياتهم، وبدأوا يتحملون المسؤولية، وبالتالي استسهال الأوامر والنواهي وإلغاء رأيهم غير مقبول وغير صحيح.
  • اجتهدوا في تدعيم روابط الود والصداقة مع أولادكم وبناتكم، فهذه أكثر العوامل المؤثرة عليهم.  هذا يحتاج إلى وقت للجلوس والكلام معهم.  ابدأوا من جانبكم.  شجِّعوهم ليتحدّثوا معكم، تحدّثوا أنتم معهم واستشيروهم بصدق في أموركم واشركوهم في أفكاركم، واحترموا رأيهم، وادخلوا إلى عالمهم.  لا تكن مناقشاتكم معهم هي مجرد نصائح واستجوابات، بل حبِّبوهم أن يطلبوا النصيحة منكم.  هذه العلاقة من خلال هذه الأحاديث البسيطة التلقائية، هم يحتاجونها مهما كانت شخصياتهم صعبة أو سهلة، سطحية أو عميقة، إمكانياتهم كبيرة أو قليلة.  عندئذ ستعرفوا مدخل كل منهم والأشياء المشجِّعة لهم، وتستخدمونها، وستعرفوا المفشِّلات وتتجنبونها.  ولا تكن مطلقًا وسيلة خزي لهم أو ضغط عليهم.  هذا ليس سهلاً لكنه مسؤوليتكم.  احذروا بشدة من قطع هذه الروابط والعلاقة مهما كانت الأسباب.  في هذا الجو الودّي تضمنون أولادكم على الخط معكم، ويمكنكم الاتفاق على أشياء كثيرة مُرضية للطرفين دون نزاع؛ مثل مكان وضع الكومبيوتر، أو عدد ساعات استخدامه... الخ.  واعلموا أن إهمال أولادكم في الطفولة قد يجعل هذه المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.  استندوا على نعمة الله الذي لا يستحيل عليه شيء، واعترفوا للرب بخطئكم، وابدأوا في مدّ جسور المحبة معهم، اقتطعوا مزيدًا من الوقت للوجود معهم وكسب ثقتهم وودّهم.  وبالمثابرة والحكمة والمحبة التي لا تسقط أبدًا، والصدق معهم ومع أنفسكم، يمكن عودة الروابط واستمرار المسيرة في الطريق الصحيح.
  •  تسلّحوا بنية طول الأناة إلى النهاية، واصبروا عليهم كما يصبر الله عليكم.  لا داعي لضيق الأفق والتوتّر المستمر بسببهم أو معهم.  تقبَّلوا مشاكلهم التي تستتفهونها وهم يكررونها، لأنها هامة بالنسبة لهم ومؤثرة على حياتهم.  تمدَّدوا وانكمشوا على قياسهم، واحتملوهم ولا تنتظروا أنهم الذين سيحتملونكم.  اسمحوا لهم بأشياء ربما لا تفضِّلونها، طالما أنها ليست خطيرة.  اقبلوا الأمور بشكل مختلف، وتعبيرات مختلفة عن جيلكم.  فأحيانًا كثيرة ”التجربة والخطأ“ يعلم أكثر من النصيحة.  تذكروا ما فعله أليشع مع بني الأنبياء (2مل2: 15-18).  لا تعبِّروا عن صدمتكم من أشياء غير مقبولة حدثت منهم، وتبالغوا في الأمر، لكن ضعوا كل شيء في حجمه الطبيعي.  لأن إحساسهم بصدمتكم سيصنع حاجزًا نفسيًا بينكم وبينهم، فلا يعودوا يصارحونكم مرة أخرى.  لكن عالجوا الأمر بالصبر والحكمة والمحبة وطول الأناة.  واحذروا من معايرتهم بهذه الأمور أو السخرية منهم بسببها.
  •  لا تدخلوا في صراع من هو الأهم؟  وتكون رغبة استمرارية شعوركم بأهميتكم هي الدافع في داخلكم الذي يعيق استقلالهم عنكم؛ فهذه قمة الأنانية.  وإذا خضعوا لهذه الرغبة، فسيؤدّى هذا إلى توقّف نموهم النفسي، مما سيؤدي إلى نتائج مؤلمة، قد تكون في شكل انعدام الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرار.  وقد يقودهم هذا إلى رغبة الانتقام من الوالدين على مستوى العقل الباطن، في شكل عمل ما يغيظ الوالدين، مثل التخلّف الدراسي أو ادّعاء المرض، أو الامتناع عن الأكل... الخ.  واحذروا من استمرار استنادهم الكلى عليكم مثل أيام الطفولة، فهذا فشل في تربيتهم وليس نجاحًا.  شجِّعوهم على اتخاذ القرارات، وحتى لو أخطأوا في البداية، احتملوا اخطاءهم واستمروا في التشجيع حتى يتعلموا.
  •  احذروا من إعجابكم بأنفسكم وبطريقة آدائكم، الذي يدفعكم لأن تصبّوا أولادكم وبناتكم في هذا القالب، فتريدونهم نظيركم تماما، مع أنهم قد يختلفوا عنكم كثيرًا، أو قد يكونوا عكسكم فى التفكير أو في طريقة الأداء؛ فهذا ليس عيبًا.  أنتم قدوة في الأهداف والمبادئ والأخلاقيات، ولكنكم لستم قالبًا ينبغي أن يخرجوا نظيره.  هم إناء مختلف، ولله قصد مختلف في حياة كل واحد منهم.  كما احذروا أن تحشروهم في طريق غير مناسب لحياتهم بالقوة.  سواء في الدراسة أو في هواياتهم أو أي مجال آخر.  فقط شاركوهم وشجِّعوهم على أن يختاروا لأنفسهم، واعلموا أن ما هو مناسب لكم ليس بالضرورة مناسبًا لهم.  دفعهم بهذا الشكل سيؤدّى إلى الفشل المتكرر في حياتهم.  لا تجعلوهم وسيلة لتحقيق رغبات كامنة في كيانكم لم تستطيعوا أنتم تحقيقها.  وتذكّروا قول الكتاب «رَبِّ الولد في طريقه؛ فمتى شاخ أيضًا لا يحيد عنه» (أم 22: 6).
  •  تعاملوا بالتساوى مع أولادكم.  فالتفريق بينهم سببه الأنانية، لأنك تتعامل أفضل وتدلِّل أكثر من يعود عليك منه أكثر، أو من هو أكثر راحة لك.  هذا له نتائج خطيرة، تظهر في كيانهم مستقبلاً.  لا تنسوا أن لطف الله وإحسانه ظهر بلا شروط للأغبياء وغير الطائعين (تي3: 3، 4).
  •  كذلك تجنَّبوا التدليل المُفسد، والنابع من ظنِّكم أن هذا يعوض عن تقصيركم في بذل المجهود معهم.  سواء في شكل إغداق مادي غير مبرَّر أو غيرمنطقي، أو بالتساهل في أمور لا ينبغي التساهل فيها أو ترك الزمام منفلتًا بداعي الحرية المزيفة وعدم مراقبتهم.  وتذكروا ما حدث مع عالي الكاهن (1صم 2، 3).
  •  احذروا من صراع ”من هو الأقوى؟ “، وممارسة السطوة على أولادكم؛ متوهّمين أنهم الأضعف.  تجنبوا الدخول في صراع الإرادة بينكم وبينهم، من الذي ينتصر ومن الذي ينفِّذ كلامه.  لا تكن وسيلتكم الوحيدة في تربيتهم وتعليمهم هي ممارسة السلطة المطلقة لكسر إرادتهم، أيَّا كان نوع الشاب أو الشابة.  انتصاركم في هذا الصراع سيؤدّى إلى تحطيم إرادتهم، وربما ينسحب الشاب من الحياة «أيها الآباء، لا تغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا» (كو3: 21).  وربما، لو كان الولد أو البنت صاحب إرادة قوية، فسيستخدمها ضدّكم، ويلجأ للعنف لمواجهة إرادتكم المتسلّطة.  وهنا أذكِّركم أن تحذروا من التطرف في الاتجاه المضاد ناحية الناموسية الشديدة والانغلاق المطلق، ومع أنها أقل خطرًا من الانفتاح والتسيب، إلا أنها ليست علاجًا، بل فشل في العلاج.  كما أنه يستحيل تطبيقها في ظل المستجدَّات الحالية، وإلا ستأخذ شكلاً مرضيًا.
  •  لا تستخدموا أولادكم في هذه السن، أو في أي سن أخرى، وسيلة في الخلافات الزوجية، باستقطاب أحدهم ناحية أحد الوالدين، وصنع فجوة بينه وبين الطرف الآخر، ومحاولة إظهار عيوب الطرف الآخر أمامه بالتلميح أو بالتصريح.  فالابن أو البنت، في هذه الحالة، سيكون مشوش الذهن، ويصعب أن يكوِّن لنفسه قناعات عن الخطإ والصواب.  سيصبح فاقد الثقة بالمبادىء، فاقد الشعور بالأمان.  ولا تنسوا نتائج استقطاب اسحاق لعيسو ورفقة ليعقوب.
  •  اجتهدوا أن تحافظوا على حاجز الهيبة والاحترام بينكم وبينهم، مهما كانت شخصيات الأولاد أو شخصيات الوالدين.  فهذا شيء هام خلقه الله «فان كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟» (ملا1: 6).  وهذا لا يتعارض مع مبادئ المحبة والعطاء والصداقة والتدليل.  وكسر هذا الحاجز سيفقد الوالدين تأثيرهم الصحيح.  والهيبة والاحترام لا يأتيان بالقسوة والسطوة، بل بالتوازن بين العطاء الدائم والتدليل الضرورى من ناحية، والرأى الحكيم المقترن بالحزم من ناحية أخرى.  والذي يزرع الهيبة والاحترام في كيان الأولاد، هو وجود الوالدين كقدوة فى شخصياتهم وفى تعاملهما مع بعضهما.  كما أن العفو وطول الأناة النابع، ليس من الضعف والعجز، بل من الفهم والتماس الأعذار؛ يضاعف روابط الهيبة والاحترام «لأن عندك المغفرة لكى يُخاف منك» (مز130: 4).  وهنا أذكِّركم أن تجتهدوا أن يكون أبناؤكم وبناتكم مكشوفين لكم، حتى وإن لم يعلموا، وإن علموا لا يرتعبوا لأنهم يعلمون أن عندكم المحبة والغفران.
  •  كما أذكِّركم أن الروحيات والحكمة في استخدامها، وفى تقديمها، بطريقة صحيحة، هي خير معين لكم.  يمكنكم أن تحبِّبوهم في الروحيات ويمكنكم أن تنفِّروهم منها.  إلهنا الذي نعبده جذّاب، فقدِّموا لهم إلهًا جذّابًا ومطمئنًا، وليس مصدر رعب وخوف.  قدِّموا روحيات مشبعة لتملأ فراغهم، دعوهم يرونها فيكم فيحبونها.  دعوهم يرون الله في حياتكم وفى سلوككم وفى تعاملكم معهم؛ فيلمسوا اللطف والحب والعطاء والحزم والهيبة، فيتمنوا أن يملأ هذا الاله حياتهم.
  •  وأخيرًا، لا تنسوا أنكم أصغر من هذه المهمة؛ فأنتم تحتاجون أن تكونوا قريبين جدًا من الرب، ليعطيكم الحكمة والبصيرة، لأن كل شخص غير الآخر، والطريقة التي تصلح مع واحد قد لا تصلح مع الثاني.

    عصام عزت

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com